موقع طلبة الفنون لجامعة عبد الحميد بن باديس بمستغانم

يشرف على الموقع الطالب قانيت محمد أمين

علاء هاشم <!-- <a href="mailto:[email protected]?subject=الحوار المتمدن -الانثروبولوجيا والانثروبولوجيا الثقافية&body=Comments about your article http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=249741" > علاء هاشم</a> <br> <a href="mailto:[email protected]?subject=الحوار المتمدن -الانثروبولوجيا والانثروبولوجيا الثقافية&body=Comments about your article http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=249741" > [email protected]</a> -->
الحوار المتمدن - العدد: 3300 - 2011 / 3 / 9
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
راسلوا الكاتب-ة  مباشرة حول الموضوع      <!-- AddThis Button BEGIN -->

<!-- AddThis Button END --><!--Rating: <strong>4.8 / 5</strong> | <a href="#bottom">Rate this article</a> | <a href="#">More from same author</a> |-->

قراءة في كتاب

الانثروبولوجيا والانثروبولوجيا الثقافية

علاء هاشم

تأخذ الانثروبولوجيا، حالها حال جميع العلوم الاجتماعية، شكلا سياسيا بالضرورة لأنها تتعامل مع أهم واعقد مسألة: الإنسان—الرغبة، ما يجعل منها أداة فاعلة في تدعيم سلطة الثقافة المهيمنة على باقي الثقافات. تقول الزهرة ابراهيم—مؤلفة الكتاب—في توضيحها لمفهوم الانثروبولوجيا إن أي مقاربة انثروبولوجية لا تكاد تخلو من تداول كلمات مفاتيح—بتعبير أرسطو—مثل حضارة، ثقافة، طبيعة، بدائية، توحش، بربرية، ما قبل كتابة إذ تستدعي تلك المفاهيم تصنيفات عرقية لأنها تطرح القضية التي تفترض نقيضها بالضرورة.
سعى المد الامبريالي الأوربي في القرن التاسع عشر وهو في ذروته لأن يستخدمالانثروبولوجيا كذراع نظرية (ثقافية) إلى جانب الأذرع العسكرية والاقتصادية لقهر الأنماط الثقافية الأخرى (ثقافات الشعوب المستعمرة) ويدمجها في مشروعه الكولينيالي حيث مرت تلك المهمة المسندة للانثروبولوجيا بعدة مدارس انثروبولوجية اختلفت في تأديتها وأشكال طرحها نستعرض أهمها:

المدرسة الكلاسيكية: هي بداية تشكل هذا العلم منذ استقلاله عن الفلسفة الاجتماعية وقد انطبع هذا التيار بذهنية المرحلة الفكتورية التي تمثل أوج المد الامبريالي الانكليزي حيث لم يقتصر على تسويغ الاستعمار بحجة تطوير الشعوب البدائية—كما يسميها أصحاب هذا التيار—بل سعى لترسيخ فكرة التمركز الاثني للرجل الانكليزي باعتباره الأفضل الذي لا يمكن للحضارة أن تتقدم إلا بمرورها من خلاله.

المدرسة التطورية: كان النصف الثاني من القرن التاسع عشر يرزح تحت وطأة الأفكار التطورية التي ضمت أعلام عظماء في الفكر والفلسفة من أهمهم هنري مورغن وهربرت سبنسر وباخ اوفن وآخرين. إن ما يشكل التطور—حسب التطوريين—هو جملة من المعطيات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. بالنسبة لسبنسر فإن ما قدمه من مقاربات تحليلية انثروبولوجية قد طبع القرن بطابعه بتحديده لمفهوم التطور وهو إن المجتمعات تتطور من مجتمعات قائمة على الحرب إلى مجتمعات قائمة على الصناعة، وان الظواهر الاجتماعية تتطور من البساطة إلى التعقيد ومن التجانس إلى التنافر الأمر الذي يسبب التغير أو التقدم.

المدرسة الوظيفية: في بداية القرن العشرين ومع تراجع التطورية نشأ التيار الوظيفي أو البنائي الوظيفي على أيدي علماء كبار أمثال مالينوفسكي وبراون. يتميز التيار الوظيفي بأنه لا تطوري وبالتالي فهو لا تاريخي. انه يركز على بنية معينة زمكانية ليدرسها ككل وبهذا ينهج هذا التيار نهج التجريبية لأنه يبتعد عن التأويل التاريخي ليمسك بشكل وضعي (نسبة إلى الوضعية) بموضوعه. هو يشّبه الكيان الاجتماعي بالكائن البشري في حركة تطوره ونموه إذ لا يمكن فهم وظيفة أي عضو إلا بالنسبة لباقي أعضاء الجسد الباقية. يعتبر هذا التيار تجريبيا لأنه يشدد على وحدة التجربة الميدانية مع البحث ليتحول الباحث والمنظر إلى شيء واحد.

المدرسة التاريخية التجزيئية: تتميز تلك المدرسة بإعمال التاريخ ولكن بشكل جزئي حيث استبدل التجزيئيون مفهوم التطور بمفهوم الانتشار ليفسروا اختلاف الثقافات بين الشعوب.
المدرسة الامريكية النسبية: نستطيع أن نسميها بالانثروبولوجيا الثورية التي أعادت الاعتبار للثقافات المحلية أو الثقافات صغيرة الحجم لأنها تشدد على أن أي ثقافة مهما كانت قديمة أو حديثة فهي تشكل نسقا ثقافيا خاصا مستقلا يختلف عن الأنساق الأخرى. وبهذا احتج منظرو هذه المدرسة على التيارات السابقة كالوظيفية الانكليزية—خصوصا طروحات براون ومالينوفسكي—التي تؤيد فكرة الإدارة غير المباشرة للمستعمرات* من خلال الانثروبولوجيا. إن ثورية تلك المدرسة تكمن في كونها نسبية في الحكم، فهي تعترض على أحكام القيمة الصادرة مسبقا من قبل تيار من التيارات الانثروبولوجية المذكورة أعلاه التي تسم وتطلق الأحكام انطلاقا من مقاربات تخصها هي (الثقافة الأوربية البيضاء). تقول روث بندكت وهي من ابرز منظري تلك المدرسة بنظرية القوس الثقافية—وهي عبارة عن استعارة تبين إن الحضارة الأوربية الحديثة ما هي سوى نتيجة لتوالي تلك الثقافات المختلفة التي أفضت إلى تلك النتيجة. فتاريخ البشرية هو أشبه بقوس كبيرة اصطفت كل ثقافة من الثقافات المختلفة لتجرها. إن تلك المدرسة هي ما يهمنا هنا لأنها تعبر عن وجهة نظر هيغلية للتاريخ حيث هذا الأخير هو كيان مادي كلي متسق يتحرك بشكل تصاعدي إذ كل مجتمع من المجتمعات في زمنه المعين هو ما يشكل حقبة من حقب التاريخ. وهذا يشبه الفرد بالنسبة للمجتمع، فالأول يتحرك وفق وعي جزئي لا واعي داخل الكل ليشكل الكل الواعي.
إن التمركز الاثني الأوربي حول ذاته خلق سلطة معرفية تطبق على زمام الأمور على مجريات بحوث العلوم الاجتماعية التي تتجه بالبحث وجهة أيدلوجية تخدم النظام القائم. هذا من جهة، أما من جهة ثانية فان علاقة السلطة (الأيدلوجية) بالبحث أخذت مجرى ديالكتيكيا؛ أي بمعنى أن البحث الانثروبولوجي اخذ شكل ابستيم (نظام) سلطته. إن الأخيرة تخلق ابستيم معرفي يلقي بظلاله على كل فروع التفكير وحتى العلمي منه لذلك يأخذ أي تفكير شكل عصره وسلطته ضمن علاقة تكامل أيدلوجي يكون المستفيد الأول منه الدولة.
علاوة على ذلك لا تكتفي السلطة (الدولة بخاصة) بفرض نظام معرفي خاص بها على جميع أنماط التفكير فحسب بل تستثمر اشد الظواهر تأثيرا في المجتمع لتحريكه: الفلكلور. يدخل الأخير في أدوات السلطة الثقافية التي تسيطر من خلالها على اكبر شرائح المجتمع التي تنصاع وراء القيم القديمة للمجتمع (التقليد).
يعرف الانثروبولوجيون الفلكلور بأنه مجموع العادات والتقاليد والآداب والفنون والنصوص غير المكتوبة، بمعنى آخر هو ثقافة غير مدونة. انه يستخدم كمعيار للحكم على الثقافات إن كانت بدائية أو حضرية، فالأولى هي التي تعتنق الفلكور أما الثانية فهي ثقافة الكتابة. يأخذ غرامشي على أولئك الذين يتكلمون عن الفلكلور كونه تفاهة أو غرابة أو شيئا من البدائية. فهو يصف الفلكلور بأنه حامي السلطة من الانوميا الاجتماعية (الاضطراب الاجتماعي) التي قد تصيب المجتمع من جراء استبعاده (أي الفلكلور) بالقوة. يقول غرامشي أن مستوى الحكم (السلطة) يتكون من كتلة أيدلوجية تكون على رأس هرمها الفلسفة ثم الحس المشترك فالفلكلور. إن الأولى توظف الثالثة من خلال الثانية كونها هي الفكر المنظم الذي يؤسسه ويعتنقه أناس ذوو علم ومعرفة ومستوى طبقي رفيع. تحكم الفلسفة قبضتها على الحس المشترك والفلكور بالأفكار المنظمة والمتسقة مع مصالح تلك الطبقة. فالسلطة لا تلجأ دائما إلى استخدام الجانب السياسي المحض (القمع) للسيطرة على الناس بل تسعى لاستثمار كل الظواهر والمستويات بما في ذلك الثقافة. يندرج الفلكلور ضمن ثقافة الشعب باعتبارها ثقافة البسطاء المتكونة من العادات والتقاليد والشعائر الدينية والظواهر الاجتماعية غير المبررة عقليا وكل الممارسات القديمة التي يتناقلها جيل بعد آخر دون نقد منطقي إضافة إلى النصوص والأمثال والنكات غير المدونة.
إذن الفلكلور هو وعي الجماعة التي تمارسه بوعي ومن دون وعي في حياتها اليومية كثقافة لتكوين رؤية للحياة: فالفلكلور هو، إن جاز قول ذلك، فلسفة البسيط. تعي السلطة-كونها مثقفة ثقافة عالية جدا-هذا الدور الذي يلعبه الفلكلور في حياة البسطاء فتسارع لتعزيزه داخل المجتمع وتغذية ممارسته لكن دون تغييره أو انتقاده بشكل عقلاني أو علمي؛ اقصد تثبيته كممارسة وكوعي دون المساس بمضمونه. تفعل ذلك من خلال تكليف تكنوقراط متطور من المستوى الأول من الكتلة الأيدلوجية بدراسة وتحليل الفلكلور بغية استخدامه ضد معتنقيه. إن السلطة بفعلها ذلك إنما تقبض على مستوى عريض جدا من الناس يصل إلى تسعين بالمائة من المجتمع من خلال ذراع ثقافية دون أن تلجأ إلى العنف في رص فئات المجتمع في قالبها. فإذا ما سعت السلطة إلى إلغاء أي مظهر من مظاهر ذلك الفلكلور فإنها ستتسبب في خلق ما سميناه بالانوميا الاجتماعية التي ستحدث مصادمات وردود فعل قوية ضد الدولة. لكن على العكس من ذلك فان الإبقاء على الفلكلور سيساعد السلطة في وضع عامة الشعب في ثقافة متدنية وجاهلة بعدم تطويره مما يؤدي إلى تقبل ثقافة مهيمنة أخرى (ثقافة السلطة)، إضافة إلى إن ممارسة الفلكلور من قبل العامة سيجعل منهم قطيع يسهل قيادته وانصياعه وراء فلسفة الدولة (الأيدلوجية الرسمية)، بمعنى خضوع الثقافة الهامشية إلى الثقافة الرسمية.
لا بد لي من الإشارة هنا إلى إن الكاتبة عندما تستشهد بتعريف غرامشي للفلكلور على انه ثقافة غير رسمية لا يستهان بها تمارسها فئة واسعة جدا من الناس داخل مجتمع ما إنما ترتكب خطأ واضحا إذ تنحى هنا منحى اثنوغرافيا وليس انثروبولوجيا لأنها تكتفي بتوصيف الظواهر وليس تحليلها وإدراك غاياتها. فغرامشي يقول فعلا إن الفلكلور ثقافة لا يستهان بها ولكن في الوقت نفسه هو ينتقدها لأنها تجعل من الناس في موقع خاطئ من المعادلة بانصرافهم لممارستها. انه (الفلكلور) منظومة وهمية تمنع عامة الناس من المطالبة بحقوقهم الحقيقية التي تتعلق بحياتهم اليومية من شكل معيشتهم (الاقتصادي) الى شكل وعيهم وممارستهم (الاجتماعي) ثم شكل حرياتهم (السياسي).
وفي موقع معين من الكتاب تطرح الكاتبة فرضا مقطوعا يتعلق بآفاق البحث من اجل ثقافة متكافئة—على حد قولها—بأن توصي بإلغاء فكرة الصراع من اجل تعايش سلمي بين الثقافات، ولكن هل يمكن فعلا للإنسان أن يعيش دون صراع—يسمى في الليبرالية تنافسا؟ بالطبع لا. لأن مثل هكذا طرح يتنافى مع العلم حيث الصراع هو الذي اخرج النوع البشري من مملكة الحيوان. وتطرح أيضا، مستعينة بطرح المهدي المنجرة، ثلاث نقاط فيما يتعلق بالحوار بين ثقافات العالم أو ثقافة المركز والطرف إذ يتقدم المنجرة بمقترحات تفتقر للرؤية العلمية وتأخذ شكل التصورات الرومانسية وسنوردها وسنورد نقدنا عليها:
1. (ضرورة الوصول إلى توزيع عادل للسلطة والموارد محليا ودوليا). لا يمكن لهذا أن يتم دون اللجوء إلى العنف الثوري أو على الأقل المقاومة السلبية كالعصيان المدني والتظاهرات.
2. (احترام أولوية القانون وإقرار المشاركة الديمقراطية وحقوق الإنسان). وينسى المنجرة إن ما القانون في جوهره سوى تنظيم للعلاقات الاقتصادية وحماية الملكية الخاصة.
3. (احترام القيم الثقافية لكل الشعوب بهدف الحفاظ على التنوع الثقافي). إن تحقيق الفقرة الأولى يلغي الفقرة الثالثة وتكون غير لازمة.
لا يأتي تحقق هدف الوصول إلى تساوي ثقافي او عدالة ثقافية—إن صح تعبيرنا—عن طريق الحوار وتوسل الآخر بأن يكف عن هيمنته، إذ الحقوق تنتزع ولا تعطى، بل يتم عن طريق السعي إلى بناء نظام ثقافي قوي يأخذ مكانه بين الثقافات الأخرى. فالثقافة هي انعكاس للعلم والمعرفة أي من بين البناء الفوقي الذي يستحيل تحقيقه دون التحتي. أما التذمر والشكوى من هيمنة العولمة—على سبيل المثال—لا تجدي نفعا فليست العولمة نمطا ثقافيا بل هي نمط اقتصادي يستبد بالأنماط الأخرى وما الثقافة إلا احد نتائج ذلك النمط الاقتصادي إلى جانب الأنماط الاجتماعية والسياسية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* طبق الانجليز في سياستهم الاستعمارية ما يعرف بسياسة الإدارة غير المباشرة Indirect Rule أو الذاتية في مقابل الإدارة المباشرة Direct Rule التي طبقها الفرنسيون وتقضي سياسة الانجليز إبقاء المؤسسات القبلية التقليدية والحكم والإدارة عن طريقها، وكان تبريرهم لذلك أنهم يجدون في هذه السياسة وسيلة للتوصل بالتدريج إلى تحديث المجتمعات المستعمرة دون حدوث تفكك أو انهيار. وعلى الرغم مما قد يبدو في هذه السياسة من مظهر احترام النظم المحلية إلا أنها قد أدت إلى تدعيم تخلف تلك المجتمعات وعجزها عن مسايرة ركب التغير المنشود (الهند في ظل احتلال بريطانيا والعراق حاليا في ظل الاحتلال الأمريكي) كما أنها ثبتت على المدى البعيد دعائم التقليدية والرجعية كما عملت على حمايتها. أما سياسة فرنسا فقد قامت على فرنسة ثقافة المستعمرين وذلك عن طريق استخدام اللغة الفرنسية في التعليم وفي شؤون الحياة العامة. وهكذا ارتبطت اللغة بالثقافة في السياسة الفرنسية الاستعمارية وفي نظام الإدارة المباشرة كذلك.

المصدر: علاء هاشم
artplastique

جميع الحقوق محفوظة لجميع الطلبة - أمين -

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 439 مشاهدة
نشرت فى 20 يونيو 2011 بواسطة artplastique

قانيت محمد أمين

artplastique
قانيت محمد أمين أستاذ و باحث في مجال الفنون المرئية يرحب بجميع الأساتذة و طلبة الفنون »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

106,291

بسم الله الرحمان الرحيم

سألني أحدهم ... كاش جديد ....
فقلت له الجديد أننا  ...
على قيد الحياة