كلمـــــــــة شكــــــر
لابد لنا ونحن نخطو خطواتنا الأخيرة من حياتنا الجامعية نعود إلى أعوام قضيناها مع أساتذتنا الكرام الذين قدموا لنا الكثير باذلين بذلك جهودا كبيرة في بناء جيل الغد لتبعث الأمة من جديد ...
وقبل أن نمضي تقدم أسمى آيات الشكر والامتنان والتقدير والمحبة إلى الذين حملوا أقدس رسالة في الحياة ...
إلى الذين مهدوا لنا طريق العلم والمعرفة ...
إلى جميع أساتذتنا الأفاضل.......
"كن عالما..... فإن لم تستطع.. فكن متعلما ، فإن لم تستطع.. فأحب العلماء ،فإن لم تستطع........ فلا تبغضهم"
وأخص بالتقدير والشكر:
الأستاذة / قجال نادية
الأستاذ و رئيس قسم الفنون / كريد أحمد
و أستاذ المهجية / الأستاذ خالدي
الذي نقول لهم و لجميع الأساتذة بشراكم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إن الحوت في البحر ، والطير في السماء ، ليصلون على معلم الناس الخير"
وكذلك نشكر كل من ساعد على إتمام هذا المشروع وقدم لنا العون ومد لنا يد المساعدة وزودنا بالمعلومات اللازمة لإتمام هذا العمل
و إلى الوالدين العزيزين اللذان لم يبخلا علي بأدنى مساعدة أثناء حياتي الدراسية في مختلف أطوارها فكانوا بالنسبة إلي مثال النور الذي ينير دربي و القدوة الحسنة التي يقتدى بها .
مقدمة
في ظل العولمة التي يفرضها العصر التفتت الشعوب في كل أنحاء العالم إلى الاهتمام بتدوين و تخليد تراثها قصد التمسك بهويتها و ثقافتها الشعبية لإثبات الذات و إبراز ما يميزها عن غيرها بعد أن أحست بخطورة هذه العولمة التي أزالت الفوارق بين الشعوب و وحدتها بصبغة واحدة تساوت فيها الشعوب العريقة مع الشعوب المستحدثة في الحضارة .
و انطلاقا من أهمية الحفاظ على التراث الذي يعتبر ذاكرة الشعوب تبادرت إلى ذهني فكرة توظيف الفن التشكيلي كأداة فعالة في تدوين التراث الشعبي الجزائري .
و الحقيقة أن هذه الفكرة قد سبقني إليها الكثير من المستشرقين و الذين نبغوا في وصف الحياة الشرقية بما في ذالك الجزائر .
كما تطرق إليها العديد من الفنانين الجزائريين بأساليب مختلفة راوحت الواقعية و التجريد و المنمنمات و ما إلى ذالك مثل إتيان دينه و مجموعة الأوشام و محمد راسم و ما إلى ذالك .
و لكن بما أن الفنان هو مرآة عصره و بما أن لكل فنان أسلوبه و طابعه الشخصي في التعامل مع هذا الموضوع ( تدوين التراث) فإن بحثي المرفق بمشروع ، له ما يميزه من حيث المنهج و المضمون و اللمسة الفنية ( أي البصمة الشخصية ) .
و الجدير بالذكر إني اعتمدت على الواقعية لأنها لغة تشكيلية بليغة الوصف تمتاز بقيمة توثيقية تتلاءم مع فكرة تدوين التراث ، كما أنها رسالة فنية تفهمها شريحة كبيرة من المجتمع و ليست حكرا على فئة قليلة من الجمهور المثقف مما يضمن بلوغ هذه الرسالة إلى المتلقي داخل و خارج الوطن و يجعل اللوحة الفنية خير سفير للشعب الجزائري تشهد على ثقافته و تراثه و أصالته.
و انتقيت من التراث موضوع الذاكرة الدينية ، الحلي الشعبي ، و الزى التقليدي ، كومضات من الذاكرة الشعبية .
و الحقيقة أن التراث واسع جدا من أن تشمله الموضوعات الثلاث المختارة ، و لكن هذا الاختيار الشخصي جاء كعينة لتطبيق معارفي الفنية على تحقيق فكرة تدوين التراث
إن العلاقة بين التراث و الفن التشكيلي عي علاقة عضوية و مصدر إلهام المبدعين الجزائريين المجددين ، لأن التراث يبين أو يحدد أو يجدد الخصوصية التاريخية و الفنية و الدينية بمعنى آخر الهوية الوطنية .
و توظيف التراث يتطلب البحث و التنقيب و الإدراك ، فمثلا الوشم يمثل هوية كل منطقة و كل ناحية من ربوع هذا الوطن ، بعني أنه يصبح وسيلة أو أداة تعبر عن تلك الناحية و عصرها و كأنه الحبل السري الذي يربط الأجيال ببعضها . ( 1)
رتبت موضوعي بإجابات مختصرة وجدتها أثناء قيامي بمشروعي الخاص الذي حاولت فيه جاهدا تقديم الفن التشكيلي كفكرة حرة يقدمها الفنان في عمله .
فأردت أن أبرز دور التراث و علاقته بالفن التشكيلي و دوره في الحفاظ عليه،
و كان برأيي أن الفن الواقعي هو القاعدة لجميع الفنون والمدارس الفنية والفنان المحترف يختصر في العمل ويسلك سواء التعبيرية أو التجريدية أو..حسب ميوله للمدرسة التشكيلية التي تأثر بها . فذكرت فصلا عن الفن الواقعي و دوره في الفن التشكيلي ،
فأنا أفضل المدرسة الواقعية وأحيانا أميل إلى التعبيرية ولكن دون الابتعاد عنها. فهي تحرك أحاسيسي بجميع الأحداث العاطفية المؤثرة مهما صغرت ،
فالفنان يرسم أحب الأشياء إليه فيبدأ برسم من حوله من الأشياء, فالأشخاص فالطبيعة فالمكان وخاصة إذا كان مليئا بالحكايات والأساطير .فأكثر ما أختار في عملي مشاهد من الذاكرة الشعبية الدينية و الحياتية المعاشة ،
وقد استندت في عملي على أهم المستشرقين و ما سبب تصويرهم للحياة الشرقية و هل كان لهم دور في تدوين التاريخ و التراث . و قد ذكرت فصلا عن الحركة الإستشراقية للوطن العربي.
الفن التشكيلي في الجزائر
لو اعتبرنا الفن التشكيلي أدبا تكتب فيه مئات الصفحات في لوحة واحدة، أداته الفرشاة، ومادته الألوان والأصباغ، تنبثق أبعاده ومدلولاته من واقع الشعب وتاريخه وانتمائه وأحلامه، لقلنـا إن الفنـانين التشكيليين الجزائريين برعوا في هذا الأدب وسجلوا فيه مئات الصفحات الخالدة التي انتزعت إعجـاب خبراء الفن الغربيين.
قـال أحـد النقاد الغـربيين وهو يصف الفن الجزائري: "إن رسامي الشرق كـانوا من بين أفضل أولئك الـذين إتيان دينيه ( الذي عرف بعد إشهار إسلامه باسم : ناصر الدين ) - لوحة شخصية تمكنـوا من تحويل أنـاملهم إلى عدسات!". ولقـد أقـامت في الجزائر خلال القرن التاسع عشر نخبة من كبار المستشرقين والرسامين الغـربيين الـذين انبهـروا بثراء البيئـة الاجتماعيـة الإسلامية، وترك العديد منهم لوحات وأعمالا ناطقة تعبر عن انجذابهم إلى سحر هـذه البيئة وعمقهـا وأصالتها وثرائها بالتراث المتميز، وكان من أبرز هؤلاء "دولا كروا" و"فرومنتين" و "سكا سريو" و "إتيان ديني" وغيرهم من الذين أضافوا لمعروضات المتحف الوطني للفنون الجميلة أعمالا رائعة. و لقد بلغ تأثر بعضهم بهذه البيئـة حد التمسك بالإقامة الدائمة في الجزائر لتدريس الطريقة الغـربية في التعبير الانطباعي في المدرسة الوطنية للفنون الجميلة بالعاصمة الجزائرية. ولقـد ذهب الرسام الفرنسي الشهير "إتيان ديني" في تأثره بهذا التراث إلى حد إشهار إسلامه عام 1913 وسمى نفسـه "نـاصر الـدين"، ومـات عقب أدائه لفريضة الحج عام 1929 ودفن في مدينـة بوسعادة الجزائرية بعد أن أقام عدة معارض فنية في الجزائر وبـاريس أبرز من خـلالها عمق التراث الإسـلامي وأبعاده الحضارية والإنسانية.
ولعل السمة الأساسية في الفن الجزائري الحديث، التي تبرز جليا في معظم الأعمال المعروضة في المتاحف وبيوت الفن - إن لم نقل فيها جميعا - تكمن في أنه عبّ بعمق من منابع الفن الإسلامي الأصيل الذي كتب له أن يتطور على نحو مثير للإعجـاب في دول المغرب الإسلامي كافة. وكانت فنون كتابة آيات القرآن الكريم بالخط العربي، المصبوبة في أطر من الزخارف الهندسية المتشابكة، إلى جـانب تصـوير المساجد والجوامع والأحياء الشعبيـة، تمثل المادة الرئيسـة التي تنـاولها الفنانون ببراعة وثـراء. ويمكن أن ينسب للفنانين الجزائريين فضل المساهمة البناءة في تطوير شكل الحرف العربي وأبعاد الهندسة الزخرفية بشكل مستمر خلال فترة متميزة دفعتهم فيها وطنيتهم إلى الإبداع أثناء سعيهم الدءوب للتعبير عن انتمائهم وهويتهم. (2)
الفن التشكيلي الجزائري إيديولوجيا و تراث
مما لا شك فيه, بأن الفن التشكيلي الجزائري يُمثل منهل ابتكار إنساني مُتفرد الوجود والصيرورة. لا يُجاريه فن آخر في المعمورة في خصوصية مواضيعه وتشعب مسارب قضيته السياسية والاجتماعية والإنسانية التي كانت مُعاشة أثناء فترة الاستعمار . وحالة استثناء في ميادين السرد البصري (الفني التشكيلي) سواء من حيث عمارته التصويرية وذاكرة مكانته البصرية, وحصاد المُخيلة والواقع المعاش, وما تشمله من حفريات المعاني والمعرفة. ويرسم أفاقاً واسعة لتضاريس جغرافية جديدة وآليات سرده البصري والتقني في مُختلف واحات الابتكار «الإبداعية» المُتاحة شكلاً ومضموناً وفلسفة فن وجمال وتقنيات. تختصر قرناُ من الصراع والدماء والجرحى والمعتقلين والشهداء بوسائط وأدوات تعبيرية بسيطة وهادفة. باعتباره فناً يُكرس حالة من التوافق الأيديولوجي لمعابر السياسة والمقاومة والتراث, والمُطابقة اللافتة ما بين مختلف المشهد الحياتي غداة الاستعمار. ونبضاً ثقافياً حافلاً بالرموز والدلالات, ولمسة حضارية وكفاحية لا يُمكن تجاهلها في مساحة «الإبداع» الجزائري .
هذا الفن التشكيلي الجزائري الذي أفسح المجال لبروز ملامح ابتكار متنوعة ومُبشرة بولادة خصوصية فنية تشكيلية, تُمكن للمتلقي من معايشة بصرية وفهم مضامينه بسهولة ويُسر. كفن مُعبر عن واقع شعب مجبول بالمعاناة والكفاح والصمود الإنساني والأمل متعددة الصور والأشكال. يُقدمها الفنانون التشكيليون الجزائريون الموزعون في كامل القطر الجزائري و في الخارج , في أثواب بصرية وتقنية حافلة بفقه المعاني (الأفكار) والمحتوى الموضوعي (الأشكال) وطرائق السرد (المدارس والاتجاهات ) جعلت من فنهم حالة خاصة ومتميزة في الخارطة الفنية .
أبجدية حرة ، 1945 زيت على قماش
محمد خدة ، من كبار الفنانين الجزائريين
مدخل إلى التراث والمعاصرة في الفن التشكيلي العربي المعاصر
يمثل القرن التاسع عشر الميلادي قمة الاهتمام العالمي المتزايد بالتراث الفني والفكري الإنساني ، ولقد أجريت دراسات عديدة في المراكز المتخصصة والمؤسسات الجامعية ، سعت إلى تحليل التراث علمياً وموضوعياً ، وإلى استخلاف ما أشتمل عليه من قيم فنية وجمالية ، والعمل على الاستفادة منها في مجالات الإبداع الفنية المختلفة في المجتمعات ، وتجديد البنيات الحضارية ، على النحو الذي أشار إليه المفكر والناقد الإنجليزي ( هربرت ريد ) حينما دعا إلى (( تعاون مشترك بين كل من الفنان والمؤرخ الاجتماعي والسيكولوجي والمربي والإنسان كمبتكر ، بهدف الوصول إلى إنسان أفضل في عصر ابتكاري ))
واستند في ذلك إلى الفن نشاط آنساني ينبثق مثل نبات اخضر ؛ويأتي من جسد الفرد والمجتمع ؛وان دراسة التراث وأشكال المجتمع وأشكال الفن ؛والعلاقة بين نظم المجتمعات والأفراد بيئيا ًواقتصادياً واجتماعيا ؛آمر يقرر مصير التجديد الذي نريده.
وأسوة بما هو حادث في عالمنا ؛ فقد بدأت دراسات متعددة وأنجزت بحوث عديدة حول التراث في عالمنا العربي ؛خلال العقود الأخيرة دعت إلية الحاجة إلى مواكبة العصر وصولا إلى البنية الحضارية العربية الحديثة ومن ثم قد طرحت قضايا فكرية وفنية عديدة حول( الأصالة والمعاصرة )؛و (المحلية والعالمية )و (مفهوم التحديث )و غيره من الأمور آلتي مازال الحوار يدور حولها؛وهى تتصل و ترتبط بموضوعنا حول (كيفية الإفادة من التراث في اثر فنونا المعاصرة ) أو استخدام عناصر التراث في الفن المعاصر )؛ الذي سنقدم له نمازج و تحليلاً لأعمال فنانين عرب معاصرين ؛ ولعل حجر الزواية في هذا الموضوع ؛هو (مفهوم
التحديث )الذي لا يزال الاختلاف فيه قائما في عالمنا العربي ؛ويلزم بداية تحديد الاصطلاح ذاته .
والمرادف (للتحدث )في اللغة الإنجليزية هو (modernization) بمعنى (التجديد) والمعاصرة ولقد اختلف الكثيرون ؛فنجد بعض المدارس الفكرية الفنية في أوربا والولايات المتحدة الأمريكية قد دعت قطع الصلات بالماضي تماماً وصولا الى أشكال من التغيرات الجديد (modernisme) أن هذا الاتجاه يرفضه الكثير من المفكرين والفنانين والنقاد؛
ويميل الكثير (1)إلى مفهوم ( هيجل ) عن التحدث حينما استخدم مصطلح (renovate) (التجديد )الذي يقوم على أساس ودراسة التراث ألفني والإنساني للوقوف على أسسه وتقنيته وقيمة الجمالية .
والمؤكد الثابت لدينا أن التراث كان دوما مصدر ثريا بالخبرات الفنية التي أفاد منها الكثيرون من المفكرين والفنانين العرب على اختلاف تخصصاتهم ؛وقد انعكس ذلك على إبداعاتهم المعاصرة ؛على النحو الذي سنعرض له فيما بالأصالة ؛وبعد أن نتفق على ما هو (التراث ) الذي نعنيه.
التراث تعريف و اصطلاح
إن كلمة التراث يقابلها في الإنجليزية مصطلح (héritage ) وله معاني كثيرة ؛ وقد أحيانا للإشارة إلى (الثروة ) والى الميراث أو الموروث .
والحق آن (التراث )هو (ميراث )الإنسانية وان تراث الأمة هو (ثروتها )الحضارية؛وهو عماد الهواية والطابع . والتراث مثل كمثل (جبل الجليد ):بعضة (ظاهر )؛وجله (كامن )
وعلى الذات المبدعة للفنان الأصيل ؛ سوء كان تشكيليا أو أدبيا أو موسيقياً أن تحرص على ما هو (كأمن) ؛ولا نكتفي بمظاهر الأمور وقشورها ؛ والذات المبدعة للفنان إنما تغوص وتعاود الغطس وصولا إلى مكامن الموروث الأصيل من التراث وقيمة ومقوماته على (النحو الذي ذكره هيجل أوردناه مسبقا )(من ضرورة الوقوف على أسس التراث وتقنياته وقيمه )؛ لنجعل ما بطن منه ظاهراً في (صيغ )وأنماط(جديدة )تفيد منها فنوننا . والمشكلة آلتي تعنيه الحركة التشكيلية العربية في الوقت الحالي ؛ وآلتي تعوق قدرتها على الاستفادة تسير إلي أهم
الحقيقية من موروثاتها وحضارتها ؛أنما ترجع إلى أسباب متعددة نشير إلى أهمها ؛ وذلك على النحو التالي :
*أولا :عدم القدرة أو (عدم الرغبة)لدى بعض التشكيليين العرب على أدراك الوحدة بنيت الفنون التعبيرية جميعا ؛ وبالتالي ليس لديهم القدرة على استيعاب التراث كوحدة كاملة متكاملة تتضمن كل ما هو منقول أو مسطر ؛وأن التراث يشتمل إلى جانب الرموز والأشكال آلتي يستعيرونها على فلسفات وأفكار تكمن من وراء تلك الرموز والأشكال تدعو أليها ؛فنجدهم يستهلكون رموزهم ثم ينضب المعين فيكررون أو ينسخون ؛والآمر يستلزم تعميق القراءة والبحث في التراث بشقيه الفكري والفني ؛وأنماط التعبير الفني التي يشتمل عليها على اختلافها من أدب وشعر وتشكيل وغيرها
ثانياً : ينغمس البعض منا في خضم التجارب والاتجاهات الغربية التي أفرزتها ثقافات وظروف اجتماعية خاصة لا تخصنا ، والتعرف على تجارب الآخرين واجب ، ولكن يجب ألا تجذبنا ( الحداثة ) إلى اتجاهات عابثة أفرزها بعض الأوربيين في مطلع الستينات من الذين ألقوا بالتراث عرض الحائط ، وبكل القيم الفنية قديمها وحديثها ، حتى أن أحدهم وهو ( والتمر دوما ريا ) عرض في معرض كمية من النفايات بعنوان ( 50 مترا مكعباً من القاذورات )
ولقد أطلق بعض النقاد والمحللين على هذه الاتجاهات العابثة اصطلاح ( أرت بوفير ) أو ( الفن الفقير ) أو ( اللافن ) ، والواجب يقتضي عدم الخلط بين الثقافات ومقوماتها ، وفرز كافة الأساليب الغربية الجذابة مثل ( الفن المستحيل ) أو ( الفن الإدراكي ) أو ( فن الحدث ) وغيرها مما يلهينا عن الطابع والهوية والأصالة
ثالثاً : يتجاهل أو ( يجهل ) البعض من التشكيليين العرب ، أهمية العلم والكشوف العلمية في فتح آفاق ورؤى فنية أكثر وأكثر رحابة . فقد لاحظ النقاد أن التحولات الفنية قد صاحبتها كشوف علمية ، فظهور الاتجاه التعبيري عام 1905م والأسلوب التكعيبي عام 1907م والأسلوب التجريدي الغربي عام 1910م كان متزامناً مع ظهور سلسلة من الابتكارات العلمية ، حين اكتشف ( أينشتاين ) نظريته حول الفراغ والزمن . كما أبرزت نظريات ( فرويد ) في علم النفس ، فإذا أخذنا بالاعتبار رأي ( هربرت ريد ( 3)
مستويات المفهوم في معنى التراث
إذا تأملنا طبيعة معرفتنا بالتراث العربي الإسلامي، فسنرى أن جل معلوماتنا عنه، ناقصة في أكثر من مجال، فعلى الصعيد التاريخي مثلا لا نستطيع التوغل في عمر هذا التراث أكثر من مئة وخمسين سنة قبل ظهور الإسلام فنحن لا نعرف أي شيء عن كيفية تطور اللغة العربية ولا عن الأشواط التي قطعتها خلال عهود ضاربة القدم فيما يسميه المؤرخون بـ: "العصر الجاهلي" …
منذ بدء ما يسميه المؤرخون في العالم العربي بـ: "عصر النهضة الحديثة" والتراث يحتل مركز الجدل والنقاش الثقافي في ساحة الفكر العربي، ودون التطرق إلى طبيعة الأسباب التي كانت تقف وراء هذا الاهتمام المتزايد بمسألة التراث، فإن السؤال الذي يطرحه كل واحد منا على نفسه، هو: لماذا لم يتمكن المثقفون والمفكرون وجميع القوى الفاعلة في الوطن العربي من تحقيق إجماع حول مفهوم التراث خاصة وأن الأمر يتعلق بمصدر الهوية القومية ومنبع الانتماء الديني والحضاري؟
ذلك أن هذا النقاش قد اتخذ في غالبية الأحيان مسارات مختلفة إذا لم نقل متناقضة تعدت حدود معنى التراث إلى التشكيك في جدواه وفعاليته في إخراج المجتمع من الأزمة، بالإضافة إلى التساؤل الذي يستهدف جوهر الهوية التي يمثلها التراث وعلاقتها بالحداثة والعصر.
إن نظرة سريعة على ما كتبه المفكرون والمثقفون والسياسيون خلال هذه المرحلة الحاسمة من التاريخ العربي حول هذه الإشكالية تكشف عن عمق الأزمة الطاحنة التي تتخبط فيها المجتمعات العربية: أفرادا وجماعات، حكاما ومحكومين، مثقفين وأميين، فأبسط نقط الاتفاق معدومة وتمسك جميع الأطراف بالمواقف الحزبية والأطروحات الإيديولوجية والمعتقدات الوثنية والنظريات والمناهج الفلسفية الغربية، بلغ حد الاستلاب القاتل، فكيف السبيل إلى الخروج من هذه الدراما؟
إن أيسر خطوة في نظرنا للخروج من حالة الحصار الثقافي التي نعاينها تكمن في إيجاد تعريف علمي للتراث يستوعب جميع الأطراف والقوى الفاعلة من مثقفين وسياسيين وأحزاب وجمعيات، وذلك بأن نستبعد سلفا كل ما من شأنه أن يثير حساسية أو رد فعل أي جهة كيف ما كان توجهها، حتى نفلت من فخ الإيديولوجيات ولا نعرض أنفسنا للتصنيف والتنا بز بالألقاب، فبأس الاسم الفسوق بعد الإيمان.
التراث هو كل ما وصل الأمم المعاصرة من الماضي البعيد أو القريب سواء تعلق الأمر بماضيها هي أو بماضي غيرها من الشعوب أو بماضي الإنسانية جمعاء. فهو أولا: مسألة موروث، وهو ثانيا: مسألة معطى واقع يصنف إلى ثلاثة مستويات.
1-مستوى مادي يتمثل في المخطوطات والوثائق والمطبوعات والآثار والقصور والمعابد والأضرحة..الخ.
2-مستوى نظري يتحدد في مجموعة من التصورات والرؤى والتفاسير والآراء التي يكونها كل جيل لنفسه عن التراث انطلاقا من معطيات اجتماعية وسياسية وعلمية وثقافية تفرزها مقتضيات المرحلة التاريخية التي يجتازها أبناء ذلك الجيل.
3-مستوى سيكولوجي والمقصود به هو تلك الطاقة الروحية الشبيهة بالسحر التي يولدها التراث في المنتمين إليه حيث يجري احتكاره من قبل نخبة أو جماعة أو فئة من المنتفعين والمتسلطين قصد استغلاله في ميدان التوجيه السياسي والتعبئة الإيديولوجية نظرا لما يزخر به التراث من مفاهيم وتصورات وأفكار وعقائد وأساطير وعادات وتقاليد وفلكلور ومثل ومبادئ وقيم تملك سلطة قوية على مخاييل الأفراد والجماعات التي تعجز عن مقاومة تأثيره عليها (3) .
لوحات فنية و أواني مزخرفة تعنون للتراث الجزائري
العلاقة بين التراث والتاريخ
سئل الدكتور زكي الميلاد قلتم في محاضرتكم العام 1999م في دورة المنهجية الإسلامية الرابعة للمعهد العالمي للفكر الإسلامي التي نظمها في الأردن, لأن التراث ينتسب إلى الماضي فتتحدد علاقته بالتاريخ.. كيف يمكن توضيح ذلك وماذا يشكل التاريخ كمعرفية في هذه الكلمة، وما جدوى التاريخ عموماً وكيف نكوّن الوعي به؟
إن انتساب التراث إلى الماضي يفترض أن تتحدد علاقته بالتاريخ، بمعنى قراءة التراث من منظور تاريخي لتحريره من اللاتاريخية، ومن اللازمنية إلى الزمني، ومن السكون إلى الحركة، ومن الاحتباس في الماضي إلى الانطلاق به نحو الحاضر والمستقبل. والمنظور التاريخي أيضاً هو لقراءة التراث في سياقاته التاريخية وطبيعة ظروفه ووضعياته، وكيفية تكويناته وتشكيلاته. بالشكل الذي يوفر لنا القدرة على توصيفه وتحديده، والكشف عنه, والتعريف به، وبالتالي القدرة على تفسيره وتعقله وإدراكه بصورة موضوعية وعلمية.
هذه العلاقة بين التراث والتاريخ لابد معها من ملاحظة المفارقة الفاصلة بينهما، فالتاريخ هو أشمل من التراث وأكثر سعة وتوغلاً في الزمن الماضي، في حين أن التراث حسب مفهوم الدكتور حسن حنفي هو " كل ما وصل إلينا من الماضي داخل الحضارة السائدة فهو إذن قضية موروث "، وفي نفس الوقت قضية معطى حاضر على عديد من المستويات. وحسب مفهوم الدكتور محمد عابد الجابري الذي يقارب ويطابق ذلك المعنى، فهو عنده،
" إن التراث هو كل ما هو حاضر فينا أو معنا من الماضي سواء ماضينا أم ماضي غيرنا، سواء القريب منه أم البعيد ".
والذي أراه "أن التراث في دلالته اللغوية واستعمالاته الاشتقاقية هو كل ما له خاصية وقابلية الانتقال من الماضي إلى الحاضر، إما لاعتبارات مرتبطة بالحاضر وحاجاته ومقتضياته، وإما لخصوصيات ذاتية وجوهرية يتصف بها التراث تجعل منه تراثاً حياً وفاعلاً وعقلانياً ".
والتراث يتحدد من الماضي في ذلك الموروث الفكري والعلمي والديني والفقهي والأدبي، المنتج والمدوّن والمؤرخ له، الذي وصل إلينا أو بإمكاننا الوصول إليه، المكتشف أو الذي بإمكاننا أن نكتشفه، في نطاق حضارتنا الإسلامية.
والمنظور التاريخي كذلك هو لبناء وعي فاعل ومتحرك، وتكوين فهم ومعرفة تعبر بنا من الماضي إلى الحاضر، ومن التاريخ إلى المستقبل. ومن خلال هذا المنظور أيضاً ندرك الشروط الزمنية والموضوعية لنشأت المعارف والعلوم والمفاهيم في سياقات تطورها ونموها وتراكمها، وندرك من جهة أخرى اختباراتها وتطبيقاتها وتجريباتها. فالتاريخ هو اختبار لتجارب الإنسان والأمم والحضارات، وهو أعظم ثروة علمية بإمكاننا أن نتعلم منه كل ما نريد، لكننا لا نتعلم من التاريخ، فما أكثر العبر كما يقول الإمام علي عليه السلام وما أقل المعتبر، وأن التاريخ كما يقول صاحب فلسفة التاريخ هيغل يعلمنا بأننا لم نتعلم من التاريخ.
بالتأكيد أن التاريخ هو فلسفة الاجتماع البشري، ومنه اكتشف ابن خلدون نظريته الشهيرة التي عرفت بالعمران البشري.
وطالما أن هذا الفكر وتلك الفلسفة قام عليها تراثنا ، فلم إذن لا نتبناها ، لتفيد منها فنون وإبداعاتنا المعاصرة ؟
إن التعريف بالتراث وشرحه وتقديمه إلى المجتمع ككل وإلى النخبة من الفنانين على اختلاف تخصصاتهم ، هي مهمة حضارة تستلزم دعم الحركة النقدية والحركة المتحفية في عالمنا العربي بكافة الجهود المادية والمعنوية ففي العالم حولنا يقوم النقد الفني على أكتاف مؤسسات علمية تعد الناقد المتخصص وعلى أكتاف مؤسسات علمية التي تقدم للعامة والخاصة ، كما أن في العالم اليوم تسابق على إنشاء المتاحف والهيئات كمؤسسات ثقافية ذات أنشطة متعددة تخاطب العامة والخاصة أو الجمهور والمتخصصين من الدارسين والفنانين مما يسهل في النهاية عملية الاستخدام والإفادة من التراث في فنوننا المعاصرة (4)
الفن التشكيلي المعاصر وسؤال الذات والهوية
في خمسينيات القرن الماضي، طرح الفنان العربي سؤال الحداثة مشروطا بسؤال الهوية، وكأنه بذلك يغير علي ماضيه المزدهر، رغم جهله بتفاصيله، ويقي نفسه من تبعية ما فتئت ان تفشت في مجتمعه واستفحلت. فهذا السؤال الملتبس والمتعدد التأويل، جاء في صورة إخطبوط، وأسفر عن ضعف في رؤية الفنان للأشياء والواقع، وكشف عن مكر السياسي والحزبي والإداري. لقد كبل الفنان نفسه بسؤال الهوية في سياقه التوافقي، ذلك أن التوافق لا يمكن أن يحصل في مجتمع يحتاج الي وصفة تحررية، تديره قوي تتخذ من الهوية في صورتها التراثية الضيقة خيوطا خفية لتحريك الجماهير والتحكم فيها. من هنا طلعت علينا حداثة عربية في صورتها الملتوية.
ان الحقول التي ثمرت فيها الحداثة لم تكن تربتها خالية من الحجارة، وهواؤها من السموم، لذا فقد تطلبت تقليبا مستمرا للأرض، وقلعا متلاحقا للحجارة وتصفية دائما للأجواء، فلا راحة ولا طمأنينة ولا استقرار علي حال.
نقول بفخر والأمر كذلك، إننا أصحاب حضارة وأصحاب رؤية، لنا بصمتنا الواضحة علي مجريات تاريخ الإنسانية، بصمة لا تحتاج إلي اعترافات منافقة فالأدلة موجودة وقائمة.. لكن الم نهزم ماضينا النير حين تخلينا، بوعي او بدون وعي، عن رؤيتنا الخاصة للحياة، لأجل رؤية أخري أخذت وما زالت تأخذ من جذورنا ما يناسب شموخها في فضاء الوجود والتحضر؟ الم يكن فنانونا خائنين، بوعي أو بدون وعي، لهذه الرؤية ولهذا التراث الحضاري حين افرغوا الخط العربي والرمز الامازيغي والشكل الإفريقي من كل مدلول فكري ومعني ثقافي اجتماعي، لأجل التباهي بحركية الجسد والتغني بموسيقي الخطوط واللطخات علي مساحة السند، انتصارا لتجريدية لا مكانة لها في اتجاه رؤيتنا الخاصة للكون والخليقة؟
فاليوم، أمام الفنان العربي خياران لا ثالث لهما، الانشغال بالصنعة وراء قافلة الغرب أو الاشتغال علي قضايا عصره ليكون قافلته. ( 5)
بدون تعليق
تطور الأسلوب هو المقياس الوحيد للحداثة
نجد أن على التشكيليين العرب ألا يركنوا إلى أسلوب واحد أو إلى تقني واحدة اقتنعوا بها أو ( قنعوا بها ) ويجب أن يؤخذ في الاعتبار أن الاتجاه إلى ( التجريب ) ضرورة ، ومن الثابت أن التراث والفن الإسلامي قد انطلق من خلال مبدأ ( الكشف ) و ( التجريب ) إلى آفاق رحبة ، فأنتج في حينه الخزف ذو البريق المعدني ، والصبغات الثابتة والزخارف المتميزة للنسيج والسجاد ، واستخدام الخامات المتعددة في التطعيم وأشغال المعادن والصياغة ونرى أنه من الضروري مراعاة استنباط أنماط وأشكال جديدة في فنوننا العربية المعاصرة ، إنما يقتضي الاتصال بالكشوف العلمية والخامات والتقنيات الحديثة ، ولعل ( الحاسوب ) وخامات ( البوليمرز ) كالاكليرن والبوليستر من معطيات العصر التي يجدر بنا الإفادة منها لينعكس ذلك على مسعانا في تطوير فنوننا المعاصرة ، ولسنا مغالين إذا ما ذكرنا أننا لا نستورد فكر وأساليب الحداثة والتجديد ، فهي قائمة وكامنة في أعماق تراثنا على النحو الذي ذكرناه آنفاً (0)
عودة إلى التراث العربي القديم
وفي تصريح خاص لـ «الوقت» قال الفنان جمال عبد الرحيم «مورثونا الثقافي به العديد من الروايات التي نستطيع أن نخاطب الآخر من خلالها، وذلك من خلال التشبع بثقافتنا العربية، فالموروث الثقافي العربي فياض ومليء بكل ما بديع، فنحن صنعنا الأسطورة والشعر، وهذا الرجل المصري قدم الكثير من الأعمال للثقافة العربية، فهو أول من استخدم التكعيبة قبل أن تصل إلى أوروبا، فنحن أمام كنز حقيقي في التراث العربي يجب علينا أن نحاول إبرازه بكل الطرق الممكنة».
يعد الفنان جمال عبد الرحيم من أبرز الفنانين المعاصرين في البحرين، الذين تقام لهم المعارض بغزارة في أوروبا والشرق الأوسط. ويستمد الفنان، الحائز على كثير من الجوائز الفنية، مواده المشكلة لمخيلته الفنية الخصبة من نسيج الحضارة العربية بما فيها من ثراء في اللغة والأديان والتراث الأسطوري العريق. كما يؤمن بأن إلهام الفنان يمكن أن يتولد من أي شيء وفي أي مكان. ويمكن القول إن لديه اليوم واحدة من أهم ورش الطباعة في منطقة الخليج (4).
الواقعية الأسلوب الأنجع لتدوين التراث
انطلاقا من أن التراث الجزائري موروث يستوجب الحفاظ عليه من خطر الزخم الفكري الذي تفرقه العولمة ، و يرسخ الهوية و يعزز للانتماء الحضاري و الثقافي و يؤسس للهوية الوطنية .
فلا بد من التفكير في أنجع الأساليب الفنية لتدوين التراث و إعادة بعثه من جديد .
و نظرا لأهمية البعد ألتوثيقي فإن الأسلوب الأنسب هو الواقعية ، لما يتميز به من صدق في الوصف و بلاغة في ترجمة الموضوع المحدد .
فهو لغة تشكيلية واضحة تصل مباشرة إلى المتلقي تجعل من اللوحة الفنية خير سفير للبلاد خارج الوطن تعرف بالحياة العربية .
من هذا المنطلق كان لزاما علينا بالتعرف على مفهوم الواقعية .
ما الفن الواقعي ؟
الفن لغة وجدانية تحاول الإنسانية عن طريقه أن تعبر عما لا سبيل إلى التعبير عنه باللغة العادية. والعمل الفني يمثل مستوى من الوعي أكثر قيمة. لكن غالبية الناس اليوم لم يتمكنوا من فهم الأعمال الفنية المنجزة في الرسم والنحت وهذا الأمر يرجع إلى الفنانين التجريديين الذين يرسمون – في إبهام- دوامة أو تشكيلات هندسية من الخط واللون متصورين أنهم قد خلقوا شيئا جديدا في أشكال خالية من المعنى بدون إفادة الناس بمعرفة مضيئة عن أنفسهم وعن الأرض التي يعيشون عليها. إن الموضوع الحقيقي للفن هو الإنسان. إذ الإنسان هو العلّة التي تفسّر كيف أن الفن يحرك مشاعر مشاهديه تحريكا عميقا وهو يثير فيهم المشاعر العميقة للحياة التي يشترك فيها الجميع.
إن الفن يجسد الحياة الانفعالية المشتركة بالنسبة للبشر أجمعين تلك الحياة الانفعالية التي تبدأ من الشعور بنمو الإنسان وتطوره وهو يتغلب على العقبات. فالفن الواقعي هو وحده الذي يستطيع أن يعطي الناس وعيا بأنفسهم وبعلاقاتهم بعدد لا يحصى من الآخرين وبحياتهم الحقيقية وبالكيفية التي يتحركون بها وبالقوى التي تعرقل تطورهم. ففي رسم الصور البشرية كالوجه مثلا، يستطيع الرسام التعبير عن حالة عاطفية عن طريق اللون والضوء والظل ونحن نجد عندAUCUSTUS LEOPOLD حسا بالزمان والمكان وبلحظة التفكير والإحساس أو حالة من حالات الدرامتكية ففي لوحته " ماضي وحاضر " (Passé et Présent) يرسم أبا جالسا منهارا في اكتشاف خيانة زوجته عبر رسالة مجهولة.
وما يشدنا في هذه الرسوم مهارات يد الرسام تكشف عن أنّ له عينا تلتقط أفراح الحياة وأتراحها وصراعاتها وإحباطاتها.
ليس الفن الواقعي هو الفن الذي يقتصر على رسم الشخصيات والموضوعات المستمدة من الطبيعة بل الفن الواقعي ينبه الناس إلى جمال الطبيعة كما ينبههم إلى جمال البشر فهو يصور العلاقات الاجتماعية التي ينشغل بها الناس ويصور الروابط التي تؤلف بينهم. إن الأعمال الفنية هي من إنتاج فنانين أفراد غير أن الفن نفسه جزء من الحياة الاجتماعية وأن العنصر الإنساني يظهر في العمل الفني باعتباره الخامة الحية الأساسية التي يجري الاشتغال عليها وتبث فيها الحركة ويظهر هذا في أعمال فنية مثل لوحات COURBET وخاصة لوحتهLes casseurs de pierre في إظهاره بؤس حالة الرجال بانهماكهم في العمل فبرغم مظهر الصورة الطبيعي إلا أنها خلاقة ذات روعة كبيرة وذات سحر قوي ناجم عن لمسات الفرشاة لمسة إثر لمسة وناجم عن وجود خلفية هامة تتمثل في عقل مفكر تتبعه الفرشاة. إن فن الرسم قادر على استحضار المنظور عن طريق القدرة شبه السحرية التي يملكها الفنان في هذا الفن وما يثيره فينا الرسم ليس مجرد إدراك حسي لأن هذا الفن يسمح في ذات الوقت بفهم العالم المرئي وشده إلى وجود الإنسان. فإنّ دور الإبداع كامن في محاكاة العالم الواقعي والنفاذ إلى قوانينه وإضفاء الطابع الإنساني عليه والكشف عن جماله (6) .
Passé et Présent. L’huile sur toile . AUGUSTUS LEOPOLD
margin: 0cm 0cm 0pt; direction: rtl; unicode-bidi: embed; text-align: rig