موقع طلبة الفنون لجامعة عبد الحميد بن باديس بمستغانم

يشرف على الموقع الطالب قانيت محمد أمين

اشكاليات النقد الفني

موسى الخميسي
الحوار المتمدن - العدد: 1775 - 2006 / 12 / 25
المحور: الادب والفن
راسلوا الكاتب-ة  مباشرة حول الموضوع      <!-- AddThis Button BEGIN --> <!-- AddThis Button END -->

<!--Rating: <strong>4.8 / 5</strong> | <a href="#bottom">Rate this article</a> | <a href="#">More from same author</a> |-->

اشكاليات النقد التشكيلي العربي بـيـن المحـابــاة والـتـبـعـيـة والـتـجـديـد
التاريخ: Friday, December 22
اسم الصفحة: المدى الثقافي

لم تكن العلاقة بين الفنان التشكيلي والناقد المتخصص طيبة كثيرا في ايامنا هذه، ذلك لان الناقد في نظر الفنان ماهو الا امرؤ قصارى همه ان يعيد انتاج ما افتقده في حياته، يجمع في احكامه الجارفة الكثير من الغلاظة وعدم المعرفة، كما ان الفنان في نظر الناقد ليس غير امرئ يحمل الكثير من الطيش والغرور والكثير من الجهالة وفقدان الخيال والمعرفة في عمله الفني.

ومن سوء الحظ بين هذين الميدانين، ان تكون هاتان التهمتان صحيحتين في كثير من الاحيان، فكثير من نقادنا العرب يفتقدون المعرفة في فهم اللغة التصويرية، و قليل منهم حرصوا على الجمع بين ممارسة الفن وكتابة النقد، وقليل من فنانينا اسهم بقسط من الخيال الاصيل في معرفة عمله الفني، كما ان عدداً قليلاً جدا من النقاد أسدوا يدا طولى للعملية الفنية وجمعوا بين العلم الوافر والخيال السديد والاطلاع الواسع.
ان بعضاً من دارسي الفن التشكيلي وناقديه عندنا لم يجازفوا للاسف بالدخول الى طبيعة الذاكرة والخيال عند الفنان، وان يكون لهم بعض الاهتمام السايكولوجي في معالجتهم المحتويات المادية والحلمية لعمل الفنان، اذ تقتصر معالجاتهم على الجانب اللغوي، كون اغلبهم جاء من الادب، اما ما يسمى بالمستوى الكامن والمتمثل بالرموز فانهم يبتعدون عنه بسبب جهل واحيانا شطط ، ومجاوزة للدقة في مواطن العمل الفني.
في العمل الفني اشياء اخرى الى جانب البيئة التي نما فيها، هي فردية الفنان ومشاعره وموروثه الفيزيولوجي والثقافي والمعرفي، اذ لايمكن اسقاط الموهبة الفردية، ولكن ايضا، العمل الفني لاينزل من السماء، ولا يتمتع بالارادة المطلقة ، فالتجارب الجمالية للفنان غير معزولة عن سائر التجارب الانسانية، وهو ايضا ليس مجرد معرفة او تعميم للواقع، وانما هو تعبير مكثف ومؤثر عن التجارب العاطفية الانسانية، انه نشاط عاطفي حي ومتقد، مبني على التأمل الحسي للموضوع، وهو ايضا حالة شعورية او لاشعورية، قد يتقاسمها الفنان مع جملة من الناس، كما قد تخصه دون سواه، تفضي احيانا الى تصور ما لواقع معين له مفاهيمه وصوره ولغته الخاصة، لغة يكونها النقد او الكتابة التحليلية والنظرية، التي قد تفضي بدورها الى اتجاه فني يعكس نمط حياة بكل مكوناته، وعليه فالعمل الفني متورط في ازمات الحياة وتقلباتها، عمل مندمج في النسيج اليومي وفاعل فيه، عمل يتجاوز مفاهيم سطحية كثيرة. ان كل منتج تتحتم فيه عديد من الامور المتشابكة في حياتنا غير القادرة على الانفكاك منها، ومهمة الناقد كما قالها الشاعر الانكليزي اليوت " توضيح الفن وتصحيح الذوق" وهذه المقولة تطرح عددا من الاسئلة المبنية على المقارنة والتحليل، على اساس ابداعي وليس اتباعي، تكمن في معظم الاحوال في ماهية العمل الفني اولا من حيث علاقته بحياة الفنان، وماذا يؤدي هذا العمل لصاحبه، وماذا يؤدي للمتلقي، ودور الناقد الفني الذي يريد اعمالا فنية متميزة دائماً ويريد فنانا مستمعا، فانه يقدم ملاحظاته لمساعدة المتلقي على فهم وتذوق العمل، وهو يساعد الفنان في فهم طبيعة عمله وتقويمه، ليعينه في ايقاظ الاحساس بالمعرفة، وهذا يشترط بالناقد امتلاك صور مجازية متعددة حين يقف امام عمل الفنان، كما يشترط امتلاكه الاحساس المرهف ونفاذ البصيرة النقدية وقوة الاحساس والذكاء والمعرفة والمهارة وايضا القدرة على الكتابة، فعمل الناقد كما وصفه احد النقاد الغربيين هو مثل من يرش الارض بالسماد من اجل حصاد طيب. الناقد يجب ان يحرص على نشر مثل هذا السماد بخلق مراجعة ثقافتنا النقدية وتضييق الهوة بين الفنان ووظيفة الناقد، ووضع همزة وصل بين العمل الفني وتقويمه الى متذوقيه اولا، بدون تعسف وبدون محاباة ولكن بحيادية تدعو الجميع الى الاقتراب من العمل الفني، مع اننا ندرك بصعوبة الارتقاء الى هذا العمل في احيان كثيرة، الا ان الناقد عليه ان يبتعد عن منح الاحكام او تقديم الاطراءات الساذجة، وقطع المسافات الشاسعة في الكتابة لاجل خلق التباين والبحث عن التشابه مع اذواق البعض، فالعملية الفنية هي بالاساس عملية تقويم اخلاقي للتجربة الانسانية بواسطة تقنيات تجعل من الممكن اجراء تقويم نقدي، فما دام الفن اخلاقياً لابد من ان يكون النقد مثله بالضرورة كما يقول الناقد فراي، ولا يتحقق مثل هذا الطموح الا من خلال مطالبة المشاهد للعمل الفني بأن يشارك في اضفاء كل الدلائل على العمل الذي يراه، اي بمعنى اخر اشراك الجمهور المتلقي في العثور على المعنى الذي بالكاد يكون احيانا مخبوءا في ثنايا العمل، اذ لم يعد هناك من يقين في الفن المعاصر، فالعلاقة بين الفن والطبيعة اصبحت علاقة اشكالية، ولم تعد فنون اليوم قادرة على تحقيق توقعاتنا الساذجة فيما يتعلق بفن التصوير كما افرزته فترة عصر النهضة، كما لم يعد بمقدرونا ان نسأل عن المضمون الذي يحتويه العمل الفني ، فنحن جميعا نقاداً ومتلقين نعرف تماما حيرة الفنان الذي يلجأ الى تجريد اشكاله وتفكيكها في الوقت الذي نطلب منه ان يمدنا بعنوان لفظي لعمله الفني الذي ينتصب امامنا، فالعلاقة الكلاسيكية القديمة بين الطبيعة والفن، علاقة المحاكاة, لم تعد سارية المفعول في زمننا الحاضر. كما على الناقد العربي ان يروض الذائقة الجمالية لجمهوره وان يتخلى وللابد عن مقولات تشمل ضرورة وجود نظرية عربية جمالية وخزان بصري عربي وهجمات غربية على الفن العربي، فهذه تقسيمات تعسفية تعيق وتربك حرية العمل الابداعي ، وتكسر اجواء التعاطي المطلوب مع المنتج العالمي، اذ لاخوف علينا من العبور الى كل بقع الابداع المضاءة والموجودة في كل مكان، ان جوهر حقيقة العالم الفني ، هو كشف للحقيقة في كل مكان بفعل الحضور الدائم للفنان، فالانفتاح يزيد الفن غرابته وتنمو وحدته ويتعاظم تفرده ليخرج عن المعتاد.
والمنهج ضروري للناقد لانه اولا يكشف لنا عن ازمة وعينا الجمالي الاغترابي الذي اصبح ينظر الى الفن باعتباره شكلا جماليا منعزلا ومستقلا عن سائر اشكال حياتنا الانسانية، وثانيا فانه تمهيد مدخل جيد ورؤية عميقة للفن ترتكز على ثلاثة مفاهيم هي: التفسير والفهم والحوار، وثالثا فانه ينظم عمله ويرتبه ويحضر من خلاله عمل الفنان ليضع له حلا بما يملك ويليق من خيال بصري بدون تأويلات متحذلقة وبدون نظريات وطروحات تحولت بمرور الزمن الى ايقونات مدرسية تظهر انحيازها القلق الى عقل المتلقي، ذلك ان الافتراضات الساذجة بان العمل الفني يعد مشهدا يشبه ذلك المشهد الذي نراه يوميا في خبرتنا بالطبيعة او بالطبيعة التي يشكلها الانسان، هو افتراض قد تم تقويضه من الاساس بشكل واضح، فنحن لم يعد بمقدورنا ان نشاهد لوحة تكعيبية او لوحة لاموضوعية بلمحة واحدة وبنظرة سلبية فحسب، اذ يجب ان نشارك بانفسنا مشاركة فعالة ونحاول جاهدين ان نركب الاشكال التخطيطية للاسطح المختلفة على نحو ما تظهر على نسيج اللوحة ، فعندئذ فقط ربما امكن ان نصبح ماخوذين وان نتسامى بفعل الانسجام والنظام العميق في عمل ما.
يقابل ما ذكر تنشط ظاهرة اهمال وتهميش وتقليل قيمة النقد الفني من عند الفئات المثقفة والفنانين انفسهم، اذ لامراء في ان اية مقاربة نقدية للعمل الفني ، ولاي فنان، سيحملنا، محمل الجد للبحث عن سبل التعثر والارتجاج الذي يشكو منه هذا الحقل المهم من حقول الثقافة، فنحن نعرف بان الفن التشكيلي باعتباره واحدا من الاجناس الثقافية كفيل بان يضطلع بادوار طلائعية في المساهمة برسم صورة لكل الاحداث والوقائع، وبامكانه ان يتجاوز مرحلة التعبير عن القائم والثابت والجاهز الى مرحلة تجسيد القادم والمتوخي، والنقد الفني في الوطن العربي يعيش الحيف ، حيث عدم الاهتمام به كباقي مكونات الثقافة التي يلفها التهميش، ولعل مكمن الداء يعزى الى العلاقة المتوترة بين الفنان والناقد من جهة، والى الطرح السياسي لما هو ثقافي في البلدان العربية، من ثمة نجد مسوغا حقيقيا لازمة النقد ، وهي ازمة الثقافة العربية ككل والتي تعاني من مشكلة اعتراف داخل البنية الفكرية، فالنقد الفني بالرغم من مرور عقود كثيرة على دخوله الى المجال الثقافي فانه مازال يبحث عن شرعية فعلية تسمح له بالانتقال والتفاعل والتداول.
وهذه الحال في النقد التشكيلي العربي يمكن استشفاف خباياها ومعالمها من خلال الغياب الكبير للمتخصصين في هذا المجال الحيوي، وتحول الكثير من الادباء والشعراء الى الاخذ بزمام الامور لسد هذا النقص الكبير، كما ان العديد من النقاد على قلتهم لا يراعون المسافة بين بنية اللغة وبنية الصورة، اذ لاتزال افكارهم مرتبطة بمفاهيم اللغة العاجزة احيانا امام آنية المشهد، ومع هذا الغياب الذي تزامن مع سيادة المنطلقات والمفاهيم التقليدية القديمة التي لم تعد صالحة للعصر بعد ان فقدت فاعليتها، وكذلك عدم استقلاليتها وخصوصيتها، واصبحت عملية وصفية جامدة مبنية على الادعاءات المعرفية واللغة الصحفية الفضفافة، تبقى الشرائح التشكيلية والثقافية بعيدة عن هذا المجال الحيوي، حيث تتزامن عملية الغياب مع حالة التهميش لماهو بصري في زمن الصورة وزمن البث والقنوات الفضائية للتقبل والادراك. في ظل هذه الوضعية القائمة والمحيطة بفنونا التشكيلية في السياق الثقافي العربي، تنبجس اقامة المعارض والفعاليات التشكيلية، هنا وهناك كمنطلق اساس للشعور بنوع من الدفء والتواصل بين الفنان وذاته وبينه وبين محيطه، ولكن بعيدا عن رقابة الناقد الفني الذي يشكل حضوره هاجسا معرفيا وهما ثقافيا يمكنه من اعطاء الفن التشكيلي اصالته الراهنة، ذلك ان الفنان التشكيلي واينما كان لايمكنه ان يقدم شيئا، او يستوعب تراثه دون هم ثقافي يساهم في الاشارة اليه الناقد الفني، ذلك ان الناقد الجيد قادر على استحضار الاشكال الجمالية داخل وحدة العمل الفني التي تليق بالعذاب والشقاء والالم والفرح الذي ينطق به الوضع البشري. يسعى الناقد ان لايكون الفنان بمنأى عن الرقابة والملاحظة، وان لايكون بعيدا عن من يفك شفرة توتر العمل وصراعاته القائمة بين مقومات كل عالم على حدة، وان لايكون ايضا بعيدا عن المنشط الحيوي الذي يخلق الترابطات ويحقق ابعاداً انسجامية ما بين الفنان وصنيعه الفني من جهة، وبين الفنان ومحيطه من جهة اخرى ، عبر ما ينسج من مقولات نقدية ايجابية، تساهم في تحقيق كينونة الفنان وفنه معا. فالنقد الفني هو اللغة الثانية بعد لغة الفنان التي تحول الحساسية العاطفية عند الاخرين الى حساسية فنية خاصة بالمبدع عندما يمتلك القدرة على تجسيد الانفعالات وتنظيم العواطف، وهي ايضا كفيلة بان تعيد صياغة العمل الفني وتعطيه مكانته وتكشف ابعاده، باعتباره خطوة اساسية واجرائية ، ووسيلة ضرورية لضمان التطور الايجابي للفنون، وبدون مثل هذه اللغة، يظل الفن في احيان كثيرة بدون رئة التواصل مع الابداع، وبدون نبض يشار اليه للقيم الجمالية التي يحتضنها العمل نفسه، كما يظل العمل الفني غير مستفز من قبل تأويلات الناقد وتفسيراته وشروحاته وقدرته على استنطاق العمل، ويكتشف ما في دواخله بين الاصالة، بما تطفح به من رموز تراثية وحضارية وثقافية محلية وعالمية، وبين المعاصرة، التي باتت تتجاوب مع مجمل التيارات ومختلف التجارب العالمية. من جانب اخر فان الناقد يقدم للفنان تحصينات تنبع من الارادة والمعرفة التفصيلية بالاشياء فكريا وتقنيا، وينبهه الى ظاهرة التكرار والابتذال والاستهلاك والاسفاف، لهذا لايمكن تصور ابداعٍ مؤثر بدون اسهامات نقدية واعية وفاعلة، على اعتبار ان الفن لغة بصرية تواصلية سابقة للكلام متجاوزة حدود المكان والزمان، ومن خلالها يتم التعبير عن ذاتنا الوجودية ، في اساليب شكلانية، تختلف في محتواها من حيث رصد المفردات الفنية التشكيلية .

هذا الخبر من موقع جريدة المدى

المصدر: هذا الخبر من موقع جريدة المدى
artplastique

جميع الحقوق محفوظة لجميع الطلبة - أمين -

  • Currently 79/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
26 تصويتات / 247 مشاهدة
نشرت فى 22 يناير 2010 بواسطة artplastique

قانيت محمد أمين

artplastique
قانيت محمد أمين أستاذ و باحث في مجال الفنون المرئية يرحب بجميع الأساتذة و طلبة الفنون »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

106,306

بسم الله الرحمان الرحيم

سألني أحدهم ... كاش جديد ....
فقلت له الجديد أننا  ...
على قيد الحياة