قديماً وحديثاً قالوا إن الصحة تاج على رؤوس الأصحاء والغذاء السليم هو المدخل الحقيقى للوصول إلى صحة سليمة ، وهو أيضا لؤلؤة تاج الصحة.

والصحة السليمة هى كذلك أحد أهم المداخل لتحقيق التنمية المستدامة .. فالإنسان هو أهم الموارد الطبيعية القادرة على تحقيق هذا الشكل من أشكال التنمية.

ومن هذا المنطلق نجح مكتب معلومات البحر المتوسط وهو منظمة إقليمية تجمع عدد كبير من الجمعيات والمنظمات المتوسطية فى عقدها ومعه جمعية المكتب العربى للشباب والبيئة بكل سعيها لتحقيق هذه التنمية المستدامة وبالتعاون مع مؤسسة ( أناليند) الأورومتوسطية .. نقول نجحت هذه الشراكة فى إصدار واحداً من أهم العناوين التى صدرت مؤخراً وهو الكتاب الذى يحمل عنوان (الغذاء فى البحر المتوسط).

وحرصاً من المكتب العربى للشباب والبيئة على نشر ثقافة الغذاء السليم فى المنطقة العربية فقد حرص بالتعاون مع شركاءه فى ترجمة هذا الكتاب الهام للغة العربية.

ليس هذا فحسب بل عقد ندوة هامة للتعريف والتقديم لهذا العنوان الهام .. وقد شارك فى هذه الندوة العديد من علماء التغذية من مصر والدول العربية وكذلك العديد من أدباء المتخصصين فى أدب الأطفال وعلى رأسهم رائد هذا النوع من الأدب الأستاذ يعقوب الشارونى.

التنمية المستدامة ..والمستقبل

وقد أكد الدكتور عماد الدين عدلى "رئيس مجلس إدارة المكتب العربى للشباب والبيئة" خلال هذه الندوة على أن غرس عادات الغذاء السليم من الصغر فى أطفالنا هو أحد أهم المداخل الهامة لتحقيق التنمية المستدامة نظراً لأن العقل السليم والإنسان هو حجر الزاوية فى تحقيق هذه التنمية.

وأضاف أنه حتى تكون التنمية مستدامة لابد وأن  تعتمد على عدم تدمير الموارد الطبيعية ، ويجب أن تتبنى هذه التنمية التقنيات الصديقة للبيئة ، مع الأخذ فى الإعتبار حاجات كل الأنواع البيولوجية وحقها فى التمتع بحياة جيدة ونصيب عادل فى الموارد الطبيعية مع مراعاة حقوق الأجيال القادمة فى هذه الموارد.

وأوضح د.عدلى أن البيئة والتنمية هما تحديان مترابطان فالتنمية لا يمكنها أن تقوم على قاعدة من الموارد الطبيعية البيئية المتدهورة ، كما لا يمكن حمايتها ما لم تضع التنمية فى حساباتها كلفة التدهور البيئى ، وأن هذه القضايا لا يمكن التعامل معها بصورة منفصلة بل بالتكامل بين كافة المؤسسات فى إطار منظومة متكاملة من الأسباب والآثار.

وأشار كذلك إلى أن تحقيق التنمية المستدامة لا يتحقق إلا بقواعد أربعة حسب تعريف المنظمة العالمية للتربية والعلوم الثقافية (يونسكو) وهى الديمقراطية ، والحفاظ على الموارد الطبيعية ، والتنمية الإقتصادية الملائمة ، والسلام الذى يحافظ على حقوق الإنسان.

وأن الأهداف الأساسية للتعليم من أجل تحقيق التنمية المستدامة تتركز فى نشر الوعى بالعلاقات التبادلية للنظم الطبيعية والإجتماعية والإقتصادية على المستوى المحلى والعالمى مع تحفيز التفكير وإتخاذ القرار اللذان ينعكسان على الأنماط المعيشية ، إضافة إلى تشجيع المشاركة الفعالة للمواطنين فى بناء مستقبلهم.

 وشدد د.عدلى على أن حل المشكلات البيئية يتطلب إدراكاً وتقديراً للروابط بين سلامة البيئة وسلامة الإنسان ، وهنا يكون التعليم ذو أهمية قصوى للفت إنتباه الناس لهموم التنمية والبيئة وتمكينهم من إدراك الروابط بين الإثنين لتشجيعهم على التحرك المناسب وتسليمهم بالمهارات اللازمة للعمل المطلوب ومن هنا تكمن أهمية التعليم من أجل تحقيق التنمية المستدامة.

 

الطعام فى البحر المتوسط

بعد ذلك قام الدكتور عبد الغنى المعروفى عضو نادى التربية البيئية والسكانية بالمملكة المغربية بتقديم عرضا للمشروع التربوى الغذاء فى البحر الأبيض المتوسط حيث عرض من خلاله الأهداف التربوية التى يسعى هذا الكتاب لتحقيقها وهى :

·   تعزيز الفهم للإنتاج الغذائى فى البحر الأبيض المتوسط والحمية (الأنظمة) الغذائية والمواضيع المرتبطة بها ، فيما يتعلق بالعوامل البيئية ، الاقتصادية والاجتماعية.

·        تعريف الأنشطة الزراعية الرئيسية وأهم الأنشطة الأخرى لدول حوض البحر الأبيض المتوسط.

·        الوعى بالإنتاج الغذائى المستدام وإدراك ما له من صلات مع الممارسات التقليدية لإنتاج الغذاء.

·        الإطلاع على التراث المحلى ، الوطنى الطبيعى والثقافى المتعلق بالغذاء.

·        استكشاف زراعات وتقاليد الدول المتوسطية الأخرى ذات الصلة بإنتاج وطهى الغذاء.

·        اكتشاف أوجه التشابه والاختلاف بين التقاليد والزراعات المتعلقة بالغذاء فى دول البحر الأبيض المتوسط.

·        تقدير أهمية  الحمية الغذائية فى البحر المتوسط بالنسبة لصحة الإنسان.

·        تنمية مهارات التفكير الناقد والمبدع والتواصل والبحث وكفايات حل وتدبير القضايا .

·        تبنى سلوك ومواقف إيجابية تجاه الحفاظ على منتجات وطهى الغذاء التقليدى.

كما استعرض أيضاً دور المعلمين فى تقديم هذه المادة العلمية ومعايير اختيار الأنشطة القابلة للتنفيذ والمواد الدراسية ذات القابلية لاستدماج المادة التربوية ومنها : الدراسات الاجتماعية ، التاريخ ، العلوم ، الرياضيات ، اللغات والاقتصاد المنزلى.

وقام الخبير المغربى بعد هذا بإستعراض فصول الكتاب حيث أن الغذاء هو أحد أهم الوسائل لنشر الحوار بين الثقافات فى كل دول العالم بصفة عامة وبين الثقافات المتوسطية بصفة خاصة لما لها من سمات مشتركة كثيرة.

وأشار إلى أن الفصل الأول يتحدث عن تطور الغذاء والتغذية فى البحر المتوسط من خلال نظرة شمولية من العصور القديمة حتى الوقت الحاضر ، وتناول أيضاً المحاصيل المتوسطية الأساسية مثل الكروم والزيتون والحبوب ، وتضمن الفصل الأول كذلك الغذاء فى حضارات المتوسط القديمة والوسطى وأيضاً عالمية البحر المتوسط.

وقال إن الفصل الثانى فى الكتاب يتوقف أمام التنوع البيولوجى فى البحر المتوسط ، وكذلك موارد المياه ومناخ المتوسط والزراعة والثروة السمكية فى دول الحوض.

هذا بالإضافة إلى عولمة الإقتصاد والتمدين وآثار عادات الحمية الغذائية ، إضافة إلى السياحة فى البحر الأبيض المتوسط.

وأشار السيد عبد الغنى معروفى إلى أن الكتاب تناول فى فصله الثالث الحمية الغذائية فى البحر المتوسط والمستهلكون المعاصرون وطبيعتهم ، وكيف نصل إلى حمية غذائية سليمة من أجل العيش الصحى ، إضافة إلى إستعراض ملامح أنماط الحمية الغذائية لسكان البحر المتوسط اليوم ، والأثر البيئى فى إختياراتنا للأكل ، والممارسات المستدامة فى تطور وإنتاج الغذاء ، والأنماط المستدامة فى الزراعة.

وتوقف الخبير المغربى أمام ضرورة الإهتمام بالبعد الثقافى لموضوع الغذاء ، وحتمية النشر والترويج للحوار بين الثقافات الذى لابد وأن يراعى التواصل والتأثير المتبادل لمختلف هذه الثقافات ، مع إزالة المعوقات التى تحول هذا التواصل وأكد المشروع التربوى (الغذاء فى حوض البحر المتوسط) أداة للتربية من أجل التنمية المستدامة ويحقق مواجهة سليمة للتحديات التنموية من خلال زيادة الوعى البيئى لسكان المتوسط وتشجيعهم على تبنى أسلوب عيش مستدام وتنمية قدراتهم لبناء مستقبل يرتكز على الحلول المستدامة والإيكولوجية الإقتصادية والإجتماعية والثقافية.

من .. أنت

ومن جانبه أكد المهندس عصام ندا "المدير التنفيذى للمكتب العربى" أن قيمة هذا الكتاب الجديد تكمن فى الحكمة القديمة التى تقول (قل لى ماذا تأكل لأقول لك من أنت) وأوضح أن هذا الكتاب يهدف إلى تحديد العادات السليمة للنظام الغذائى ، مع إستعمال أسئلة محددة لتوضيح المفاهيم الغذائية السليمة ، وكذلك تقدير دور العادات الغذائية على الصحة ، مع القيام بحملة لرفع الوعى للسكان عن النظام والعادات الغذائية السليمة ، إضافة إلى أن الكتاب يركز على إكتشاف أسباب التغيير فى العادات الغذائية المتوسطية وإنعكاس ذلك على الصحة والإقتصاد والمحافظة على التنوع الثقافى.

وأشار إلى أن ما يأكله الإنسان هو بصورة ما يعكس شخصيته إذا عرفنا أن العين هى المنفذ إلى الروح ، فهناك أطباق تشبعنا ولكنها لا تشفى غليل الجوع ، وهناك أخرى تُرضى جوعنا ولكنها لا تشبع .. وهكذا.

البداية من الطفولة

بدأ الكاتب الكبير يعقوب الشارونى كلمته بالتأكيد على أهمية بداية التوعية البيئية مع الأطفال منذ الصغر لأن هذا السن هو الذى تتشكل فيه عادات الإنسان وسلوكياته. لذلك فإن اكتساب العادات الصحية فى الطعام والوعى بقضايا البيئة يرسخ فى الذهن إذا بدأنا منذ الصغر.

وأشار الأستاذ يعقوب إلى تجربته الأدبية فى تقديم الوعى البيئى للأطفال عن طريق القصة والصورة ، فالفن هو أفضل وسيلة يمكننا الوصول بها إلى عقول الأطفال لأنه يجذبهم ويثير خيالهم. وقد نشر  للأستاذ يعقوب الشارونى عدة قصص للأطفال فى مجال البيئة ومنها "عروس النيل" التى خرجت لتعاتب الأطفال على تلوث النيل ، وقصة :مغامرة زهرة مع الشجرة" والتى تروى قصة حقيقية لطفلة فى الصعيد أقنعت زملائها فى الفصل بأن يقفوا معها فى دائرة حول الشجرة التى تقع أمام مدرستهم حتى يمنعوا المقاول من قطعها.

واقترح الكاتب الكبير أن تستفيد الجمعيات الأهلية من إمكانيات الكتاب ودور النشر فى طباعة مثل القصص وتوزيعها على الأطفال كنوع من نشر الوعى البيئى.

بعد ذلك قدمت الدكتورة هالة الشارونى عرضاً باستخدام العرائس وضحت فيه للحاضرين كيفية مخاطبة عقل الطفل . فالطفل يمل من التوجيه المباشر ولا يثبت فى ذهنه منه الكثير ولكن إذا قدمنا له المعلومة عن طريق اللعب أو العرائس فلن ينسى أبدا المعلومة وسوف يكتسب السلوك المرغوب سواء فى العادات الغذائية والصحية أو البيئية أو غيرها من المفاهيم.

وأشارت إلى أهمية توعية الأطفال حيث أنهم يقومون فى كثير من الأحيان بنقل المعلومة للأب والأم وبهذا تكون الفائدة أكبر.

الجدير بالذكر إلى أنه سيتم عقد مجموعة كبيرة من ورش العمل والندوات للتعريف بهذا الكتاب الهام ونشر الثقافة الغذائية السليمة بين طلبة المدارس والتوعية بفوائد الطعام الصحى وحساب السعرات الحرارية والعادات الغذائية السليمة والضارة ، كما سيتم ملىء إستبيانات عن العادات الغذائية لتأكيد المعنى والقضية.

 وستبقى دائماً العادات الغذائية السليمة هى المدخل الحقيقى لصناعة إنسان سليم مُعافى قادراً على تحقيق أهداف التنمية المستدامة.

 

 

المصدر: المكتب العربي للشباب والبيئة
  • Currently 143/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
48 تصويتات / 3156 مشاهدة

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

150,073