الدول النامية
بين شقي الرحى الأمن الغذائي ... والأمن المناخي
اختتمت منذ أيام قلائل فعاليات القمة العالمية للأغذية التي عقدت مؤخراً في العاصمة الإيطالية روما بدعوة من منظمة الأغذية والزراعة للامم المتحدة (فاو) .. وتعقد في السابع من ديسمبر الجاري قمة كوبنهاجن التي تسعى لوضع اتفاقية جديدة لمواجهة مشكلة التغيرات المناخية لملئ الفراغ بعد انتهاء بروتوكول كيوتو عام 2012، ولمحاولة انقاذ العالم ولو جزئياً من الكوارث المتوقعة جراء التغيرات المناخية.
حدثان عالميان يعكسان بشاعة الصورة، فما بين الجوع والآثار المدمرة للتغيرات المناخية تئن الدول النامية ومعها كل فقراء العالم.
وللأسف الشديد فلم يروي إعلان روما الذي تمخضت عنه القمة العالمية للأغذية ظمأ الفقراء .. فقد غابت الدول الثمانية الكبرى عن فعاليات هذه القمة باستثناء إيطاليا التي يعقد المؤتمر على أرضها، واكتفى المؤتمر بإعلان حالة الالتزام الجماعي لتحقيق الأمن الغذائي للجميع، وبذل جهد متواصل من أجل استئصال الفقر في كل أنحاء العالم، وخفض عدد من يعانون من نقص التغذية إلى نصف مستواه الحالي في موعد لايتجاوز عام 2015.
ولاشك أن هذه الأمنية أو هذه الإرادة ستصطدم بالواقع المرير فاليوم وفي نهاية عام 2009 يصل عدد من لا يحصلون على ما يكفي لتلبية احتياجاتهم الغذائية الأساسية إلى رقم المليار ومائتي مليون نسمة معظمهم من الدول النامية وذلك حسب تقديرات بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة.
ولنا أن نتخيل ملامح الصورة في نهاية عام 2015 أي بعد ست سنوات فقط في ظل استمرار الدول الكبرى في عدم الوفاء بالتزامتها، في هذا السياق، وإمعاناً في استخدام بعض المحاصيل الزراعية كوقود حيوي يسهم في دعم تقدمها، ويكرث حالة الجوع العالمي.
ويكفي أن نشير إلى حالة الفشل التي صاحبت هذه القمة حينما لم ينجح المؤتمر في ضمان توفير 44 مليار دولار طالبت بها الفاو كمساعدات زراعية توفر الحد الأدنى من الاكتفاء الذاتي للدول النامية، والنجاح الوحيد الذي تحقق هو اتفاق الفاو مع بنك التنمية الإسلامي في توفير مليار دولار لتمويل التنمية الزراعية في الدول الفقيرة الأعضاء في المنظمتين.
وهكذا تمخض الجمل فلم يلد إلا مليار دولار فقط لا تسمن ولا تغني من جوع .. ولننتظر عام 2015 ونرى كم ازداد عدد الجوعى في العالم عكس ما هو مخطط له.
وقتامة الصورة تزداد ولاتقل إذا انتقلنا إلى مؤتمر كوبنهاجن للتغيرات المناخية .. فعلى الرغم من النيات الطيبة التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي المسئولة بلاده عن 30% من انبعاثات الكربون في العالم من حيث حتمية التوصل إلى اتفاقية جديدة توفر الأمن المناخي للعالم .. إلا ان التقديرات كلها تجمع على ان الاحتمال الأكبر هو رفض الكونجرس الأمريكي لصيغة أوباما والمتوقع أن يطرحها خلال القمة القادمة في كوبنهاجن.
والأغرب من ذلك أن اللاعبين الرئيسيين في هذه الملحمة المناخية المتوقعة وهما أمريكا والصين المسئولان وحدهما عن 45% من الانبعاثات الكربونية لم ينجحا حتى هذه اللحظة في التوصل إلى مبادرة ثنائية بينهما تضمن للقمة المناخية الحد الأدنى من النجاح في تحقيق الأمن المناخي إذا جاز التعبير.
وثمة مشكلة أخرى ستواجهها القمة وهي ذلك الانقسام الحاد بين دول الشمال الملوثة ودول الجنوب التي ستدفع ثمن فعل الأغنياء .. فالدول النامية تحمل الدول الصناعية العبء الأكبر، فهي ترى أن فرض قيود على انبعاثاتها يمكن أن يعوق نموها الاقتصادي وخاصة في ظل حالة الركود الراهنة، في نفس الوقت الذي تواصل فيه الدول الكبرى بث مزيد من الانبعاثات التي تعمق المشكلة، مع عدم إعلان الدول الكبرى بالتزامها بدفع فاتورة تلويثها من خلال دعم إجراءات التكيف بالصورة اللازمة في الدول النامية.
صحيح أن هناك احتمالية لفض هذا النزاع بعقد اتفاقية فرعية تتيح للدول المختلفة اتخاذ إجراءات تتناسب وإمكاناتها، وإتاحتها الفرصة لوضع البدائل المناسبة التي تتوافق مع مستوى نمو كل دولة، بما في ذلك إمكانية تضمينها فقرة مالية .. إلا أنني أرى أنه لو لم ينجح المؤتمر في وضع صيغة جماعية تضمن خفض الانبعاثات بصورة كبيرة وخاصة من اللاعبين الكبار، وتوفر في نفس الوقت التمويل الكافي لتطبيق إجراءات ومشروعات التكيف في الدول الفقيرة المهددة، أقول لو لم يحدث ذلك وينفذ بصورة قاطعة .. ساعتها يمكننا القول إنه على العالم السلام ولنا الله.
ساحة النقاش