هل تشرق شمس أوباما وفي أجنحتها الشفاء للبيئة

ـــــــــــــــــ

عندما أتي أوباما إلي سدة الحكم تعلقت به الأنظار وثارت ثورة التوقعات لدى البعض " في أن يكون علي يده الخلاص من خلال التغيير وقد زادت هذه التوقعات في ظل ذلك التردي وتلك الحالة من المعاناة التي عاشت فيها البيئة والإنسان بفعل تلك التوترات والصراعات التي اجتاحت كل العالم " ولا سيما في عهد حكومة المحافظين الجدد " لقد توسمت الدول ولاسيما تلك ذات البشرة السمراء في أن يأتي أوباما وفي يده ذلك الرفش الذي ينقي به بيدر العلاقات الدولية من الأسباب والعوامل التي أدت إلي هذه الحالة من التدهور التي عانت منها البيئة والإنسان " والتي ظهرت وبقوة ووضوح في منطقة الشرق الأوسط .. وقبل أن يأتي أوباما إلي سدة الحكم وأثناء الحملة الانتخابية قد أعلن بأنه لن يسير علي نهج سلفه ولن تكون القوة هي معتمده ولكن الدبلوماسية والتفاهم ولاشئ غيرهما " وأن بداية حكمه هي عهد جديد لتجسير وتجذير جسور الالتقاء بين الشعوب وأن عوامل الالتقاء ما بين الشعوب تاريخياً هي الأعمق وهي الأصل وما عداها هو الفرع " لقد أدرك أوباما أن السلام هو المطمح والمأمل وهو ضرورة لاغني عنها ولن يرتضي " عنه بديلاً " وقد توصل إلي قناعة طرحها في لقاءاته وهي أن الخلافات التي تقع بين شعوب العالم ليس مردها قيمي أو عقائدي ولكنها تقوم علي مصالح سياسية وإقتصادية لذلك فإن أوباما يؤمن بحوار الحضارات لا صدامها " لقد عانت البيئة في عهد حكومة المحافظين الجدد كثيراً وقد كانت مصادر هذه المعاناة سوء السياسات أو الفهم المحدود للمصلحة أو حتي مفهوم المصلحة القومية والعالمية وكيف أن الأخيرة بالنسبة للولايات المتحدة بحكم طبيعتها تعد هي مصلحتها القومية فهي الدولة العالمية التي تحكم العلاقات الدولية والتي من خلالها تتدفق هذه العلاقات " ومن ثم فإن المنظور الضيق الذي اتبعه "بوش" مع البيئة قد كان له تداعياتة وقد كان محل ملامة من الدول ليس النامية ولكن الدول الحليفة والتي رأت أن فعله يعبر عن ضيق أفق ووقتها رأوا أن الامتناع عن التوقيع عن بروتوكول كيوتو للحد من التلوث والعوادم لا يتفق مع موقعها كدولة عالمية والتي تسهم وحدها بحوالي 20% من إجمالي العوادم أي ما يقرب من الثلث ومع ذلك فهي كانت أول من رفض التوقيع علي اتفاقية كيوتو وذلك بدعوى أن ذلك يؤثر علي المصالح الاقتصادية للولايات المتحدة .. علي الرغم من أن قضية التغير المناخى تعد الخطر الرئيسي الذي يهدد العالم وبقائه المادي وأن وضع الولايات المتحدة كدولة عالمية رأسمالية تدور في فلكها الدول الأخرى وكيف أن نظام العولمة كإطار اقتصادي لا يمكن أن ينجح دون تنمية بقية الدول الأخرى ورفع كفاءة أدائها الاقتصادي حتي لا تنهار من تلقاء نفسها .. ولم يكن ذلك هو المردود السلبي علي البيئة لإدارة المحافظين الجدد فقط ولكن هناك وجه آخر غير مباشر يتمثل في تلك الصراعات والحروب الدائرة " بداية من حرب الخليج الأولي وأيضاُ الغزو الأمريكي للعراق وأفغانستان والتي استخدمت فيها كميات ضخمة من الأسلحة والذخيرة قد فاقت ما استخدم في الحربين العالميتين وكان لها تأثيرها المؤثر علي البيئة والاحصائيات تؤكد علي ذلك الضرر البيئي الكبير الذي وقع بالبيئة من جراء هذه الحروب وكيف أن 75% من أطفال الخليج والعراق يعانون من أمراض السرطان وكيف أن الكويت تعاني من ظاهرة الأمراض الحمضية " ناهيك عن ما يحدث في الأراضي المحتلة وتدني الأوضاع البيئية بداية من هدم المرافق وتدميرها مما يؤدي إلي توالد الميكروبات نتيجة انقطاع التيار الكهربائي وتوقف محطات الضخ " وهناك أيضاً تلك الأرقام الواضحة التي تؤكد علي ما أحدثته آلة الحرب في لبنان .. إذ أن دراسات الأثر البيئي الأخيرة في الشرق الأوسط قد أكدت أن أكبر الخسائر قد وقعت عندما تعرضت لهجوم شديد كل من خزانات الوقود في محطة الطاقة بالجايه وخزانات البترول بالمطار وقد أسفر الهجوم علي محطة الطاقة بالجايه عن احتراق ما يقرب من (45) ألف طن من الوقود وقد اعتبرت هذه الخسارة واحدة من أكبر الكوارث البيئية في تاريخ لبنان أي الإمتداد الساحلي " لقد تأثرت موارد المياه علي نحو كبير نتيجة تسرب البترول والوقود في المياه الجوفية كما أن المياه الجوفية قد تأثرت أيضاً في المناطق الصناعية بالمواد الكميائية التي يتم تخزينها في هذه المصانع في الوقت الذي دمرت فيه .. بالإضافة إلي ذلك فإن عدد كبير من المخازن التي تحتوى علي مبيدات ومواد عطارة قد تم تدميرها بقصفها وأن المواد السامة قد تم تسريبها في المياه الجوفية وإن أنابيب المياه ونظام الصرف الصحي والمياه قد تأثرت على نحو ما أسفر عنه المزيد من التدهور للموارد المائية .. إن حوالى (445) ألف متر مربع من الطرق العادية والسريعة قد تم تدميرها (92) كوبري ومعبر قد تم تدميرهم وحوالي (30) ألف منزل تعرضت للضرر وحوالي (60) ألف قد تم تدميرها بالكامل أو تعرضت لضرر بالغ وقد قدر حجم المخلفات الناجمة عن هذه التدميرات قد تتراوح ما بين (2.5 :4) مليون متر مكعب .

لقد أدرك أوباما أن السلام هو المطلب والهدف " بل هو حجر الزاوية bedrock في السياسة الأمريكية الجديدة بعد أن أخفقت سياسة المحافظين الجدد والتي خرجت عن الخط والمبادئ والمثاليات التي استطاعت أن تبني قوة إقتصادية وثقافية لدولة لم تكن موجودة منذ 250 عاماً وهي أمريكا .. ولقد وعي أوباما تماماً أن المعونة الدولية تلك الفكرة التي تقوم علي أساس كيفية جعل العالم مكان يصلح لعيش البشر أينما وجدوا وأن هذه تعد أحد أدوات السياسة الخارجية الأمريكية ولكنها قد تعرضت لحالة من الموات طوال العشر سنوات السابقة وذلك عندما خضعت لسيطرة فكرة الأمن القومي والمصالح القصيرة المدي وتلك الحالة من الانكماش للفكر الاقتصادي الليبرالي على مستوى العالم " وقد خلص وليم موسلي في مقاله الذي نشر بجريدة الهيرولدترابيون والذي حمل عنوان " تراجع التنمية " الذي نشر في 9أغسطس 2006 " إلي أن إدارة بوش قد كانت بوضوح أفضل في شن الحروب عن بناء الاقتصاديات المستقرة " ويعقب قائلاً يتوجب علينا أن نعود إلي رؤيتنا طويلة المدي التي تغدو فيها التنمية المستدامة والمتساوية هي حجر الزاوية في استقرار النظام العالمي " وذلك ما أدركه أوباما منذ توليه سدة الحكم وهو ما أعلنه في أول حديث له أختص به شبكة العربية حيث قال أن حاجتنا هي أن ننظر إلي المنطقة ككل إذ أن كافة القضايا المتعلقة بسوريا وإيران ولبنان وأفغانستان كلها مترابطة .. وأن الرسالة التي أراد أن يوصلها للعالم العربي والإسلامي هي أن الولايات المتحدة علي استعداد لبدء شراكات جديدة تقوم علي الاحترام والمصلحة المتبادلة وأن تحرز تقدماً ملحوظاً .. وفي الوقت نفسه أكد علي أنه سوف يعمل علي رؤية الدولة الفلسطينية التي تعيش في جوار والتي تتمتع بحرية التجارة والحركة وذلك من أجل تحسين مستوى المعيشة " وقد قال أوباما أيضاً أن وظيفته أيضاً هي أن يوصل للعالم العربي والإسلامي أن الولايات المتحدة تعمل لصالح العالم الإسلامي لذلك فإن اللغة المستخدمة لابد وأن  يكون قوامها الاحترام " لقد أتي أوباما وهو يؤمن بأن العالم قد عاني الكثير وأن منطقة الشرق الأوسط كان لها النصيب الوافر من هذه المعاناة " لذلك كانت أول قراراته في البيت الأبيض والتي قصد من ورائها استعادة هيبة الدستور الأمريكي وسيادة القانون هي أن قام بإغلاق معتقل جوانتانامو وإرسال ميتشل كمبعوث دائم للشرق الأوسط والإعلان عن حل الدولتين " ويعلق  أحد الكتاب الأمريكين عن ذلك قائلاً " دون دستورنا لانعني سوي عالم أخر من القوة مصنوع بالثروة والسلاح بدلاً من القيم والقواعد وبذلك فنحن يحيق بنا خطر السقوط عندما تخذلنا أسلحتنا وأموالنا " لقد أتي أوباما وهو يحمل غصن الزيتون ويؤمن بالآخر " لقد أشرقت شمسه وهي بالتأكيد تحمل في أجنحتها العلاج والشفاء للبيئة أي الوسط الذي يعيش فيه الإنسان ويتحرك ويوجد .

 

المصدر: د. عماد الدي عدلي / المكتب العربي للشباب والبيئة
  • Currently 207/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
69 تصويتات / 793 مشاهدة

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

150,262