العالم كله يعيش في حالة من الثوره في المفاهيم والإغراق الذي قد يصعب فى كثير من الأحيان متابعته واستوقافه للتعرف على دلالته وأبعاده وما هي الخلفية التي تقف ورائه .. وفى معظم الأحوال قد تكون هذه المفاهيم بمثابة طرح يخفى ورائه إبعاد أخرى لا تظهر أو يعبر عنها بوضوح فى المفهوم ويقصد من ورائها الترويج لتوجه معين أو لمصلحة ما أبعد ما تكون عن محتويات ذلك المفهوم وأبعاده .. ومع ذلك فهي تدلنا على حقيقة ما يجرى وما هي التوجهات السائدة فى مجال معين من المجالات وان كان الذي يهمنا هنا هو " مجال البيئة " والذي يعد المجال الذى يجب ويتماس مع كافة المجالات الأخرى " السياسية والاقتصادية والاجتماعية فهي الوسط الذى يوجد ويتحرك فيه الإنسان ويمارس طقوس حياته اليومية .. فى الأزمة الأخيرة ظهر بقوة ووضوح مفهوم الاخضرار وأصبح قاسم مشترك وصفة ينعت بها الكثير من المجالات أو حتى التصرفات والممارسات " ومفهوم الاخضرار له دلالته المباشرة والتي تعنى العودة إلى حضن الطبيعة وحياة الفطرة ويعنى على المستوى العملي مراعاة عدم الإتيان بالممارسات والأفعال الضارة بالبيئة أو التي قد يكون لها تأثير مباشر على المحيط الطبيعي ( تربة وماء وهواء ) بتلويثه والتأثير على نوعيته وفطرته سواء من خلال التلويث أو من خلال الاستخدام أو الاستغلال المفرط لهذه الموارد الطبيعية أو من خلال تدخلات الإنسان فى محاولاته الدؤبة لتسخير قوى الطبيعة والموارد الطبيعية لتحقيق احلامه وطموحاته والتي ليست فى جميع الأحوال صحيحة وصحية ولكنها قد تكون بمثابة معول هدم للوسط الطبيعي " .. لذلك يعد كل التدهور الذى حل بالبيئة والذي عبرت عنه تلك الكوارث الطبيعية والأزمات التي بات يعانى منه الإنسان الأولى تتمثل في الفيضانات والاعصارات والزلازل والبراكين وتلك التسوناميات الضخمة والأكثر من مرعبة وما يترتب عليها من خسائر كبيرة فى الارواح والممتلكات وأيضا الوجه الأخر الذي يطل علينا فى هذه الأزمات الطاحنة التي يجمع بينها العامل المشترك وهو الندرة وتراجع كميات هذه الموارد عن مقابلة الاحتياجات المتزايدة للتنمية وحاجة البشر من الغذاء والماء والطاقة بالإضافة إلى تلك العلاقة ألارتباطيه interrelate  بين هذه الأزمات والتي تعتبر فى هذه الحالة بمثابة الآوانى المستطرقة إذ أن كل منهما يقود إلى الأخر من حيث التأثير والنتائج  وفى حقيقة الأمر يبرز مفهوم الاخضرار على نحو كبير فى مجال الطاقة التي تعد مصدر الحركة في العديد من المجالات أو مصدر الديناميكية وأيضا ما يترتب عليها من أثار جانبية يعمل العالم كله جاهداً للتقليل منها مما لها من مردود دائري على البيئة كالوسط الذى يعيش فيه الإنسان من حيث تدميره وتغيير فطرته بالتلوث فوق المعدلات المسموح بها أو بعبارة التي يمكن أن تتحملها البيئة وتستوعبها فلا يتم إفرازها مره أخرى فى صورة أمراض وأوبئة وكوارث طبيعية وتغيرات وتحولات ضارة بالإنسان والتي قد يستحيل معها حياته والأثر الواضح لذلك هو التغير المناجى الذي يهدده على المستوى الاشمل  والأعم بتقويض الحياة على سطح ذلك الكوكب لذلك كان المطلب الاساسى والمتفق عليه هو ان يتم التحول من وسائل الطاقة التقليدية كالوقود الاحفورى ( البترول والفحم ) ولاسيما الأول والتي يطلق عليها الطاقة المولدة من الكربون الميت على خلاف تلك المولدة من الكربون الحي ( الطاقة الخضراء )أو الوقود الحيوي كانت هذه التجربة أوضح في بريطانيا حيث خصصت الحكومة 100 مليار جنية استرلينى وذلك لتنفيذ مشروع الهدف منه هو مضاعفة استهلاك الطاقة المتجددة إلى عشر أضعاف ما هي عليه الان وذلك خلال مدة زمنية (12) عاماً والهدف الرئيسي من وراء ذلك هو خفض انبعاثات الكربون وتقليل الاعتماد على الكربون الأحفورى  كمصدر للطاقة وذلك من خلال 7000 توربين لتوليد الطاقة التي تعمل بالرياح " وقد أعتبر رئيس الوزراء البريطاني انه بهذا العمل  فان بريطانيا تضع أقدامها على أعتاب ثورة خضراء ولم يخص الجانب الاقتصادي المحلى والواضح في هذه العملية اى التحول من خلال التوسع في استخدام مصادر الطاقة المتجددة وهو تخفيض سعر النفط الذى أرتفع على نحو كبير فى السنوات الأخيرة والذي من المؤكد انه سيواصل الارتفاع نظراً لنفاذ الاحتياطي من النفط وذلك بفعل التكالب عليه لمواجهة متطلبات تحقيق التنمية ولاسيما فى الدول النامية التي مازلت تقف على أعتاب التقدم والتي تعانى من تدنى أسلوب الفن الانتاجى وهنا يظهر لنا الوجه الاقتصادي الأخضر وذلك من خلال التعامل مع الموارد الطبيعية مع إضافة عامل آخر هام للمفهوم الاقتصادي التقليدي والذي يعنى كيفية استخدام الموارد المحدودة لتحقيق أقصى منفعة أو استفادة منها وهو ذلك المفهوم الذى يحكمه عامل الندرة للموارد وذلك هو المفهوم التقليدي للاقتصاد وتعريفة ولكن المفهوم عند ذلك الحد لا يمكن ان تنعت بالاخضرار أو بالاقتصاد الأخضر لان المفهوم الأخير لا يعنى فقط تحقيق أقصى منفعة ممكنه وإن كان ذلك صحيحا ويمكن في ذات الوقت أن لا يكون له تأثيرات ضاره بالبيئة لذلك يسمى الاقتصاد الأخضر بأنة صديق للبيئة ولا يكفى لكي ينسحب على المشروعات التي تقام من خلال الاستثمارات التي يطلق عليها مفهوم الاقتصاد الأخضر بان يتم حساب التكلفة البيئية المترتبة عليها اى الأضرار التي يمكن أن تلحق بالبيئة من جراء إقامة هذه المشروعات ومدى تأثيرها على النظم البيئية  ecological systems لان الاقتصاد يفترض ان يكون تاثيراتة على البيئة كوسط طبيعي صفرية وان الاستثمارت والمشروعات لكي ما تكون صفرية المحصلة بالنسبة للبيئة zero-emission  وما يترتب عليها من مخلفات .. ولكن الأمر لا يتوقف عند ذلك الحد أو يسير بتلك النوعية من السلاسة التي يخط بها على الورق إذ أن استخدام مصادر جديد ومتجددة للطاقة وغير مضرة بالبيئة وذلك من خلال التوسع فى استخدام الوقود الحيوي المستخرج من النباتات والمحاصيل الزراعية تواجهه عقبة اقل ما توصف به انها كاؤد وهى أزمة الغذاء التي يعانى منها العالم وهو ما يجعل الدول تتراجع الف مرة عن استخدام ذلك البديل والمفاضلة بينه وبين البدائل الأخرى التقليدية الأكثر ضررا ولكن ليس هناك متسع من الوقت من دخول البدائل الأخرى والأرقام واضحة وتصرخ فى وجهنا بهذه الحقائق فقد أعلن المدير العام لمنظمة الاغذيه والزراعة التابعة للأمم المتحدة ( الفاو ) بأن القضاء على أزمة الغذاء العالمي والحد من الجوع الذى يجتاح العالم يتطلب توفير (19) مليار يورو سنويا يتم استثمارها فى قطاع الغذاء وذلك حتى عام (2050) تشير الإحصائيات إلى أن هناك الف شخص يودعون الحياة يوميا من جراء الجوع ونتيجة أمراض لها علاقة بنقص الغذاء وان هناك حوالى مليار لايحصلون على طعام بالمرة و2 مليار يعانون من سوء التغذية وذلك ما وصل إليه العالم بعد كل ما يبذله من محاولات وينفقه من استثمارات ويعقده من مؤتمرات وندوات وورش عمل لمكافحة الجوع والأكثر من هذا وذك هو ذلك التصريح الأخير فى مؤتمر قمة الغذاء الأخيرة والذي أعلن فيه أن ذلك الهدف الذى أعلنته الدول في القمة السابقة اى منذ عشر سنوات وهو الوصول إلى تخفيض عدد من .يعانون من الجوع إلى النصف بحلول عام (2010)قد أصبح حلما بعيد المنال وانه لتحقيق ذلك الهدف في اقل معدلات الاستهلاك الحالية لن يتحقق الا بحلول عام (2130) كل ذلك قد يجعل من التطبيق العملي لمفهوم الاقتصاد الأخضر يقترب من دوائر الاستحالة ولاسيما مع تراجع مساحات الاراضى الصالحة للزراعة بل والأكثر من هذا وذك هو تلك الزيادة السكانية الرهيبة فى الوقت الذى تؤكد فيه الدراسات العلمية على تراجع مساحة الرقعة الزراعية عما كانت عليه منذ عام (1939) ومن ثم كيف يمكن ان يتم تطبيق ذلك المفهوم وهو الاقتصاد الأخضر من خلال توفير الوقود الحيوي من المحصولات الزراعية فى ظل أزمة الغذاء العالمي وفى ظل وجود 3 مليار يعيشون فى حالة فقر يتراوح دخلهم اليومي ما بين 2الى3 دولار يوميا وأكثر من مليار فى حالة فقر قدمع وفى ظل الحاجة إلى توفير الغذاء لحوالى 70 مليون مولود سنويا وهو ما يؤكد على ان هناك فجوة بل وبون شاسع ما بين المفاهيم على مستوى التنظير وعلى مستوى التطبيق الفعلي يتوه فيه الإنسان وتتقطع انفاسه ولا يدرك ايامنها على حد تعبير المثل الشعبي لدينا لابلح الشام ولا عنب اليمن . 

 

المصدر: المكتب العربي للشباب والبيئة
  • Currently 246/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
82 تصويتات / 2347 مشاهدة

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

150,261