الخطر والفقر في مناخ متغير
تحويل الأزمة المالية العالمية لصالح عالم الغد
يأتي عدم الاستقرار المالي الدولي في أشكال عدة مثل مخاطر الكوارث، إلا أن كلاهما يربطهما نتيجة واحدة: سواء كانت نقطة انطلاق الفاجعة نظام مصرفي مدمر أو إعصار استوائي، فإن المجتمعات الفقيرة والمحرومة وسكانها هم أكثر من يعاني.
إن ما تم الاتفاق عليه خلال قمة مجموعة الدول العشرين الشهر الماضي في لندن إنما يشير إلى وجود تفاؤل بشأن فرصة الخروج من الأزمة الاقتصادية الدولية الحالية بالإصلاحات المالية والمؤسسية المطلوبة لتمكين العالم من الرجوع إلى فترة الرخاء التي شهدها خلال الأعوام الماضية.
إن النتائج الأوسع لهذا تتطلب تفكير حذر، خاصة بالنسبة لأكثر من 1.4 بليون شخص في الدول النامية (والذين يشكلون ربع تعداد هذه الدول) الذين يعيشون على أقل من 1.25 دولار يوميا وفقا لإحصائيات البنك الدولي.
إن النمو والاستقرار المالي لا يعادلان تنمية بدون مخاطر وخاصة في الدول ذات مستوى الدخل المنخفض والمتوسط. فقد أدى النمو الاقتصادي والعمراني السريع وخاصة في دول عدة في آسيا وأمريكا اللاتينية خلال العقود الماضية إلى تركيز السكان والأصول الاقتصادية في مناطق ساحلية قابلة للتضرر، وكذلك في مجتمعات عمرانية عشوائية تفتقر إلى قدرات الحد من مخاطر الكوارث وهياكل حوكمة قادرة على التجاوب وسياسات وأطر تخطيطية وتنظيمية.
وبينما تعاني الدول الفقيرة والأقل تقدما أكثر سواء من الناحية الفعلية أو النسبية، فإن الدول المتقدمة ليست بمنأى عن هذا الاتجاه في تزايد المخاطر مثلما برهنت لنا نيران الغابات بأستراليا والزلزال الأخير في وسط إيطاليا أوائل هذا العام.
من الممكن للفياضانات والجفاف والعواصف والزلازل والنيران أن تؤدي إلى معاناة إنسانية عى نطاق واسع وخسائر اقتصادية معوقة عندما تجتمع مع محركات المخاطر مثل النمو الحضري المتسارع والحوكمة الضعيفة في المناطق الحضرية وسبل المعيشة الريفية القابلة للتضرر وتدهور النظم البيئية. كما أن المخاطر التي يمثلها تغير المناخ مثل ارتفاع مستوى البحار تحمل مقتضيات خطيرة حول كيفية الحياة في المستقبل القريب.
إن معدل الانجاز الحالي للتعامل مع محركات المخاطر الأساسية ليس كافٍ لإنجاز حقيقي في خفض خسائر الكوارث كما دعى له إطار عمل هيوجو 2005-2015: بنا قدرة الأمم والمجتمعات على مجابهة الكوارث وفي أهداف الألفية للتنمية بحلول عام 2015. ولحسن الحظ فإننا نعلم ما علينا أن نفعله، وهو ما ورد في في التقرير الأول حول تقييم الحد من مخاطر الكوارث. صدر هذا التقرير الهام عن الأمم المتحدة في منتصف مايو 2009 وهو يراجع ويحلل معدل تكرار الكوارث وأماكن حدوثها وتأثيراتها بصورة شاملة وسيكون المرجع الرئيسي للعاملين في مجال الحد من مخاطر الكوارث.
إن القابلية للتضرر المتزايدة والأخطار الناشئة لا يمكن أن يتم التعامل معهما إلا من خلال تدخلات للحد من الكوارث على المستوى الوطني ودون الإقليمي مثلما أظهر رؤساء دول المجتمع الاقتصادي لدول غرب أفريقيا (إيكواس) عند اعتمادهم سياسة الإيكواس حول الحد من مخاطر الكوارث عام 2007. إن مزايا التعاون بين الدول بشأن إدارة مخاطر الكوارث تظهر من نطاق مثل هذا الإطار وغيره من الأطر الإقليمية التي تم اعتمادها في أوروبا وآسيا والأمريكتين خلال السنوات الماضية.
كما يقوم العديد من الدول بتعزيز قدراتها على الحد من مخاطر الكوارث من خلال إنشاء آليات تنسيق وطنية مثل مملكة البحرين التي أنشأت اللجنة الوطنية لإدارة الكوارث في عام 2006 لتحديد المسئوليات بشأن الحد من مخاطر الكوارث على المستويات الحكومية المختلفة. وفي النرويج قامت 96% من البلديات بتحليلات لقابلية التضرر والمخاطر على المستوى المحلي بينما تقوم الحكومة التركية بالتعاون مع القطاع الخاص لإنشاء صندوق تأمين إجباري للتأمين ضد الزلازل و بذا تخفف من الآثار المحتملة للزلازل.
تعد كل من كولومبيا وإيران والهند وفانواتو وفيتنام – على سبيل المثال لا الحصر – أمثلة على أنه من الممكن إدراج إعتبارات الحد من مخاطر الكوارث بشكل واضح في الميزانيات الوطنية بالإضافة إلى التخصيص المعتاد للموارد الاحتياطية لحالات الطوارئ والتعافي.
إن الدرس المستفاد واضح وهو أن المؤسسات القادرة والمتجاوبة والسياسات المتكاملة وأنظمة التخطيط المعززة باستثمارات للحد من مخاطر تواجه التنمية والتكيف مع تغير المناخ كلها ستكون عوامل ذات أهمية قصوى خلال الأعوام المقبلة.
ولمواجهة المحركات الأساسية للمخاطر - من حوكمة حضرية محدودة الكفاءة وسبل معيشة ريفية قابلة للتضرر وتدهور النظم البيئية و ضعف أنظمة الحماية الاجتماعية - على المستوى المطلوب يتطلب استثمارت كبيرة. وبدلا من أن ننظر لتلك الاستثمارت على أنها تكلفة إضافية يتعين أن ننظر إليها كمكون أساسي لبناء مستقبل أكثر أمنا واستقرارا وعدلا.
وفي سياق الأزمة الاقتصادية الدولية فإن زيادة الإنفاق العام كمحرك لتحفيز الاقتصاد له فوائد مبرهنة شرط أن يتضمن ذلك الاستثمار في البنية الأساسية للحد من المخاطر مثل تحسين شبكات الصرف كجزء لا يتجزأ من التوجه العام. كما أنه من الضروري أن يتم إدراج إجراءات الحد من المخاطر في أية مشاريع تنموية جديدة.
ولكن ذلك كله لن يفيد بفعالية إلا إذا تم تعزيز ترتيبات الحوكمة وتنمية القدرات للحد من المخاطر بشكل متناسب. وإذا تم ذلك فمن الممكن أن تؤدي تكاليف بسيطة إلى فوائد عديدة.
وباختصار، استثمر اليوم لغد أكثر أمناً.
مارجاريتا والستروم: مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث والممثل الخاص للأمين العام لتنفيذ إطار عمل هيوجو.
ساحة النقاش