جدل كبير يثور دائماً حول العلاقة بين حماية البيئة والتعرض للكوارث بصفة عامة والطبيعية منها بصفة خاصة، وكيفية مواجهتها والتحسب لها.

والمتأمل لواقع الكوارث وخريطتها وظروف حدوثها يكتشف أن الكوارث لا تحدث عرضياُ أوعشوائياً، بل هي نتاج تفاعل المخاطر الطبيعية مع القابلية للتأثر بالخطر. وأنها تكشف بالضرورة أيضاً عن كثير من المشاكل الاجتماعية، الاقتصادية، السياسية والبيئية الكامنة كما تساهم في زيادة حدة هذه المشاكل وتعقيدها مما يعصف بعملية التنمية التي تتعرض في هذه الحالة للكوارث التي تأتي على الأخضر واليابس وتهوي بأي تقدم سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي، كما تدمر البنية التحتية والتكنولوجية.

وبالرغم من أن دراسات عديدة أكدت على أن استثمارات التنمية في خطر مما يستدعي اتخاذ اجرائات احتياطية ووقائية للحد من خطر الكوارث، الا أن فئة قليلة من المنظمات العاملة في مجال التنمية تتبنى مثل هذه الاجرائات في تخطيط وإدارة مشاريعها التنموية وفئة أقل بكثير تعترف بدور التخطيط البيئي وإدارة البيئة في الحد من خطر الكوارث.

إن تدهور الوضع البيئي، وسوء اختيارات سُبل المعيشة والتخطيط - أو أحياناً عدم التخطيط الحضري- كلها عوامل تساهم في زيادة خطر الكوارث والذي بدَوره يُؤثر سَلبياً على عملية التنمية البشرية ويؤدي لزيادة التدهور البيئي. وكما هوالحال دائماً، فإن الفقراء هُم الأكثر تَضرراً حيث أنهم أكثر قابلية للتأثر ومواردهم المُؤهلة للوقاية أوالاستعداد أوالإنذار المبكر تُعتبر ضعيفة أومُعدَمة.

وتصبح الكارثة الناتجة عن إعصار أوزلزال أوفيضان أوغيرهم من المخاطر الطبيعية عبارة عن مجموعة كوارث اقتصادية واجتماعية وبيئية قد تحتاج لعقود من الزمن حتى يتعافى منها المواطنون والاقتصاد والمجتمع والبيئة.

لذا لا يُمكن أن ننكر أن البيئة والتنمية والكوارث تجمعهم علاقة وروابط عديدة بالرغم من أن هذه العلاقة ليست دائماً جلية أو مفهومة. فعلاقة البيئة بالكوارث لها أوجه عدة، فالبيئة والنُظم البيئية تتأثر بالكارثة وتُؤثر أيضاً في الحد من خطر الكارثة وحماية الأفراد وسُبل معيشتهم، والنظم البيئية تلعب دوراً حيوياً في التوازن البيئي وتوفر حماية طبيعية في وجه المخاطر وتساهم أيضاً في مدى شدة وتكرار حدوث هذه المخاطر، فعلى سبيل المثال توفر الأراضي الزراعية والغابات تمثل حماية طبيعية من الفيضانات كما تؤثر المياه الجوفية في مسارات الفيضانات.

إن تدهور النظم البيئية يؤدي إلى إضعاف قدرة المجتمع على مواجهة الكوارث ويدفع بمجتمعات للهجرة أوالابتعاد عن مصادر الرزق بسبب التصحر أوقلة الموارد المائية مثلاً. ويلعب التغير المناخي دوراً في التأثير على المخاطر الهيدرولوجية كالجفاف، الفيضانات، العواصف، وموجات الحر الشديد. ويجب أن يعترف أي توجه شامل وفعَال للحد من خطر الكوارث بدور البيئة وحمايتها في مواجهة المخاطر الطبيعية وحماية المجتمعات مع العلم أيضاُ أن البيئة قابلة للتأثر والتضرر بالكوارث وبعمليات إعادة التأهيل بعد الكارثة.

لذا فإنه من الضروري إدراج النواحي البيئية (من علوم ومعلومات وقوانين وتقنيات متعلقة بالبيئة) في سياسات وبرامج الحد من خطر الكوارث.

إن تقييم التغير البيئي كمؤشر للخطر وإدراج الحد من الخطر في القوانين والتشريعات البيئية سيساهم في الحد من خطر الكوارث والتخفيف من آثار الكوارث السلبية على عملية التنمية المستدامة. كما أنه من الضروري أن يتم التواصل والتعاون والعمل المشترك بين صُناع القرار والعاملين في مجال البيئة مع نظرائهم في قطاع الكوارث أوآليات تنسيق وإدارة خطر الكوارث. ومما سبق يتضح أن عمليات التنمية البشرية والاقتصادية والاجتماعية والنظم البيئية تؤثر وتتأثر بخطر الكوارث ومن المؤكد أيضاً أن الكوارث لا تعصف فقط بالأرواح، بل أيضاً بالاقتصاد وبالبنية التحتية وببيئتنا أيضاً والتعافي من آثار وأضرار الكوارث يستنزف الموارد البشرية والمالية والبيئية كما أن عمليات إعادة الإعمار بعد وقوع الكارثة تُضر أحياناُ بالبيئة والنظم البيئية. لذا فإنه من المحتم أن تؤخذ العلاقة بين البيئة والمحافظة عليها من جهة وجهود الحد من خطر الكوارث من جهة أخرى بعين الاعتبار وبجدية من قِبَل صناع القرار ومخططي السياسات الوطنية ورؤساء الإدارات المحلية والعلماء والباحثين البيئيين والمسئولين عن التخطيط الحضري والمناطق الساحلية وإدارات البيئة والعاملين في مجال الكوارث من محللين للمخاطر الطبيعية والخطر إلى مدراء قطاع الكوارث والعاملين الميدانيين في مجال الطوارئ.

إن الحد من الخطر وتقليل الخسارة هوهدف الجميع لذا فإن العمل المشترك والتعاون ليس أمراً اختيارياً بل هوالتزام نحوحياتنا وبيئتنا اللتان نتشاركهما.

المصدر: المكتب العربي للشباب والبيئة
  • Currently 489/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
161 تصويتات / 3090 مشاهدة

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

150,457