جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
مجرد ملاحظات للنقاش !
بقلم الأستاذ: صالح هشام
ليس العيب أن نقع في الخطأ، إنما العيب في أن نرصد الخطأ ونغض الطرف عنه ولا نشير إليه في تعليقنا على المنشور سواء كان شعرا أو نثرا ،وعيب العيوب هو أن يشار إلى الأخطاء التي يرتكبها صاحب المنشور ، وتناقش في التعليق، ويتم التحقق منها ، فيشكرك صاحب هذا المنشور ، ثم يتجاوزه وكأن شيئا لم يقع، فلا يكلف نفسه عناء تصحيح هذه الأخطاء التي تشوه النص !
وتمر أيام وتعود الى هذا المنشور ، أو تجده صدفة وقد ديلته عشرات التعاليق ومئات الإعجابات ، والنص لازال يئن تحت رحمة الاخطاء التي تراوح مكانها ، و التي تكون في أغلب الأحيان قاتلة ، فتجد دار لقمان لا تزال على حالها !
لا أدري ما هي الغاية والهدف من قراءة هذه النصوص إذا لم تكن الاستفادة منها متبادلة ، وأرى أن هذا التجاهل يخلق في النفس نوعا من الإحباط ، يجعلك تغض الطرف عن الأخطاء أوفي أحسن الأحوال تتجاوز القراءة اقتصادا للطاقة وحفاظا على الأعصاب وتلافيا لصداع الرأس ، هل في نظركم أن هذه الطريقة بإمكانها الرفع من مستوى اللغة باعتبارها المعنية الأولى في( الإبداع ) والكتابة بصفة عامة ؟ والأخطر من ذلك أنك تجد هذه الأخطاء في نصوص شعرية أو كما يسميها ناشرها شعرية أو قصصية أو خاطرة ، فتحار في أمرك : إذا كانت الحروف تمارس شغبها على الكاتب ، إما عن عدم معرفة أو إهمالا ، لأن الأغلبية تنشر نصوصها دون تنقيح ، ودون إعادة النظر في كل ما كتب ، ونحن نعرف أن الكتابة مثلها مثل القراءة ذات طابع لحظي حربائية الطبع لا تستقر على حال ، تبعا لعوامل وظروف نفسية تخضع لبعض الملابسات ، فما تكتبه الآن لن يرضيك ولن تقبل به غذا ، وأعتقد أن الجملة في مجال الإبداع بمختلف أنواعه المكتوبة لا تستقيم في سياق معين إلا بعد اعتصار الصدغين ، وقد لا نخالف الصواب إذا قلنا : إن الكاتب ليس من يكتب وإنما من يكتب ويشطب ، وكبار المبدعين منهم من كان يشطب رواية بأكملها لأنها لم ترقه بعد إعادة قراءتها وما لا يروقك ككاتب لا يمكن إطلاقا أن يروق القاريء !
ربما لهذه الأسباب كان الشعراء يعملون على تنقيح قصائدهم لفترات طويلة جدا ، قد تصل إلى الحول ، ( الحوليات ) قبل عرضها على القراء ،وأظن أن أهم عائق أمام جودة الكتابة هو التسرع في النشر ،فتلعب جميع أوراقك ،فتضيع القاريء الذي لن يرضى بنصك إلا ممتعا على مستوى الأفكار ،وجماليات اللغة ، لأن الله سبحانه حباه تلك القدرة الخارقة التي تجعله يميز بين الحسن والقبيح في النص ، تلك القدرة التي نسميها بالذائقة الجمالية ، فلا تقدم منتوجك الأدبي للقاريء كيفما اتفق ،وفي قرارة نفسك أنك أحسنت صنعا وقدمت له إبداعا ! لا تترك له الفرصة لينصرف ذهنه عن جماليات نصك الفنية إلى عد أخطائك فكل ما تكتبه محسوب إما لك أو عليك ، وهنا أميز بين نوعين من الأخطاء :
ففيها ما يسقط عفويا ،وإن كانت لها أهميتها لأن الخطأ في اللغة خطأ لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نجد له العذر ليحل محل الصواب ، وأذكر من هذه الأخطاء ما نسميه بالهنات كاختلاط نقط بعض الحروف على الكاتب ، وهذه تكون أقل حدة وأظن أنها لا تؤثر على القاريء ولا تشتت انتباهه ، لكن ما يجب الانتباه إليه هو تلك الأخطاء النحوية التي اعتبرها قاتلة ، والتي تخلخل مواقع الكلمات في جغرافية الإعراب ، لأن الخطأ النحوي وحتى اللغوي قد يغير المعنى الذي تصبو إليه من تركيب معين ، ولا تعول على القاريء لجعله في مكانه الصحيح ، فربما هذا النوع من الأخطاء يحط من قيمة نصك في نظره فيعزف عن القراءة ، وبالتالي تضيع مجهوداتك سدى ، وتدرو الرياح نصك ، وأعتقد أن التعاون في مجال الكتابة لا يعتبر نقصا في شخصية الكاتب ، فكثير من العظماء كانوا يعانون من هذه المشاكل اللغوية لكن لم يتوانوا يوما في طلب المساعدة من غيرهم ، وهذه مسألة طبعية ، لأن ما لا تلاحظه أنت ككاتب ، يلاحظه غيرك ، ولا تعتبر أن الوقوع في الخطأ ، من العيوب التي ستحط من قدرك وأنت تمارس الكتابة ، وأظن أن هناك بعض المنتديات الأدبية التي فطنت مشكورة إلى ذلك ، فاهتمت بنشر دروس في قواعد اللغة بطريقة موازية للنصوص الإبداعية تعميما للفائدة ، وهذا عمل محمود نصفق له ، ونرحب به شريطة أن لا تتوارى هذه الدروس خلف أعمدة المنتدى ويطويها النسيان ، وهمنا جميعا هو أن نقدم إبداعا يرضى عليه القاريء الكريم بمختلف خلفياته الثقافية والمعرفية ، أما غض الطرف عن الأخطاء فإنه لن يزيد اللغة إلا ضعفا وتدهورا ، والإبداع هزالا وانحطاطا ، وإلا فما الغاية من الكتابة أصلا إذا لم نحقق من خلالها هذا المبتغى الذي يمكن بشكل أو بآخر أن يعيد للغة والإبداع بريقهما، فالتسرع في النشر عدو الإبداع ، ولا إبداع بدون شطب وتنقيح فالأشجار لولا تشذيبها لما أثمرت ،والريم ما تركت يوما وليدها دون تنظيفه من مشيمته ، أتمنى لجميع خدام لغة الضاد المزيد من التوفيق والتألق !
بقلم الاستاذ صالح هشام
المصدر: مجرد ملاحظات للنقاش !
بقلم الأستاذ: صالح هشام