في الخامس عشر من عام 1534م وفي دَير «مونتمارتر» بباريس تقاسم رهط من الروم على محاربة الإسلام يقودهم قديس إسباني أعرج يدعى: «إغناطيوس دي لويولا». أخذ هذا القديس على أتباعه النذور الثلاثة التي كان يؤديها الفرسان الصليبيون: نذور الفقر، والتبتل، والطاعة، وأضاف إليها النذر الرابع الذي تشمئز منه نفوس الأسوياء.

ثم توجه إلى البابا بولس الثالث الذي أعلن اعتماد الكنيسة الكاثوليكية هذا التنظيم الإغناطي الذي يعرف باليسوعية أو «جمعية يسوع» عام 1540م.

 أما النذر الرابع فصار عمدة كثير من الجماعات الباطنية السرية التي انبثقت عن الكنيسة الكاثوليكية في ما بعد. أخذ اليسوعيون على عواتقهم استعادة أمجاد الكنيسة الرومية، ودخلوا في معارك رهيبةٍ ضد من يخالفهم من البروتستانت في أوروبا. ولما حاولوا عام 1688م أن يُجلسوا على عرش إنجلترا البروتستانتية عميلهم الكاثوليكي «جيمس الثاني»: ثار الإنجليز البروتستانت عليه في ما عُرف بالثورة المجيدة فألقى صولجانه في نهر التيمز وفرَّ إلى فرنسا. هناك في كلية «كليرمون» اليسوعية استطاع اليسوعيون بالتعاون مع عائلة ستيوارت الكاثوليكية (التي ينحدر منها بوش وعائلته) أن يؤسسوا الطقس[1] الاسكتلندي الذي هو العمود الفِقْري للماسونية، وهكذا أصبح هدف الماسونية هو تحقيق مصالح البابوية؛ بما فيها استعادة القدس من أيدي المسلمين بعد أن كان مقرَّ فرسان الهيكل في أثناء الحروب الصليبية. وهذا ما أثبته العلاَّمة الماسوني «جوهان يواقيم كريستوف بود»، كما نقل عنه الماسوني «ألبرت ماكي» قولَه: «إن التنظيم [الماسوني] اختُرع من قِبَل اليسوعيين في القرن السابع عشر كوسيلة؛ لإعادة الكنيسة الرومية في إنجلترا، ودثَّروها لتحقيق أغراضهم بدثار الهيكلية [عقيدة فرسان الهيكل]»[2].

 وكان عميل اليسوعية «رامزي» الذي اخترع الطقس الاسكتلندي يَعُد الماسونية استمراراً لتراث فرسان الهيكل الصليبيين، وهو ما ذكره كثير من الكُتاب الأعلام، منهم «نِستا وِبستر» في كتابها: «الجماعات السرية والحركات الهدامة» نقلاً عن الماسوني «بارون تشودي»: أن الأصل الصليبي للماسونية هو ما يُدرَّس رسمياً في المحافل؛ حيث يُعلَّـم المرشح لدخول التنظيم أن العديد من الفرسان الذين كانوا قد خرجوا لإنقاذ البقاع المقدسة في فلسطين من أيدي المسلمين «شكلوا اتحاداً تحت اسم البنائين الأحرار [الماسون]؛ مشيرين بهذا إلى أن رغبتهم الأساسية كانت إعادةَ بناء هيكل سليمان»[3].

 وعندما فطن ملوك أوروبا لأطماع اليسوعيين طالبوا البابا «كلمنت الثالث عشر» بحظر التنظيم، لكن اليسوعيين سقوه السمَّ عشية إعلان الحظر، فكان إعلان الحظر بعدها بأربعة أعوام على يد خليفته «كلمنت الرابع عشر» عام 1773م. هنا لجأ اليسوعيون إلى روسيا وبروسيا، وظلوا يعملون في الخفاء إلى أن ظهروا ثانية باسم تنظيم الإلوميناتي «المتنورين» بقيادة اليسوعي «آدم وايسهاوبت» عام 1776م. وكان هذا التنظيم يجمع اليسوعيين والماسون الذين أصبحوا آلة لهم، بالإضافة إلى عائلة «روثتشايلد» القبَّالية اليهودية. يقول «جيمس روبيسون» الذي عاصر نشأة الـ «إلوميناتي»: (... تم تشكيل اتحادٍ [يعني الـ «إلوميناتي»] يهدف صراحة إلى استئصال كل المؤسسات الدينية، والإطاحة بكل حكومات أوروبا القائمة. لقد رأيتُ هذا الاتحاد يبذل وُسْعَه بحماس ونظام حتى أصبح الآن لا يقاوَم. ورأيت أن أكثر القادة فاعلية في الثورة الفرنسية كانوا أعضاء في هذا الاتحاد، وأداروا تحركاتهم الأولى وَفْقاً لمبادئه وبواسطة تعاليمه وعونه)[4].

 وبعد الثورة الفرنسية أعلن البابا «بيوس الثاني عشر» إعادة تنظيم اليسوعيين عام 1814م، فازدهر هذا التنظيم وأصبح هو المسيطر على شؤون الكنيسة الرومية الكاثوليكية تماماً وأصبح جنرال اليسوعيين (البابا الأسود) هو صاحب الحل والعقد. وكان من الزعماء الذين أبدو إعجابهم بهذا التنظيم وتواطؤوا معه: قائد النازيين «هتلر» الذي قال: «في «هِملر» أرى «إغناطيوس لويولا» الخاص بنا»[5].

 فكان جزاؤهم بعد إنتهاء الحرب العالمية أن هرَّب الفاتيكان من بقي منهم إلى الأمريكتين في ما يُعرَف بعملية «مراقي الفاتيكان» The Vatican Ratlines.

 وعلى يد التنظيم اليسوعي نشأ ما يعرف بمشروع «النظام العالمي الجديد» الذي يهدف إلى تركيز ثروات العالم وقواه تحت مظلة تشبه مظلة الأمم المتحدة تحكمها الكنيسة الرومية بشكل مباشر أو غير مباشر، وهو ما يُعرَف باسم: العولمة أو حكومة العالم الواحد. وأصبحت الولايات المتحدة الأمريكية تمثل «روما المؤقتة» التي تقوم بهذا الدور. يرتبط زعماء أمريكا باليسوعية عن طريق تنظيماتٍ تابعةٍ لها؛ فـ «بوش الأب» وابنه ينتميان إلى «تنظيم الجمجمة والعظمين» التابع للتنظيم اليسوعي كما هو ثابت في وثائق جامعة «ييل» منشأ هذا التنظيم، وأما «كلينتون» فهو فارس من «فرسان دي موليه» آخر قادة فرسان الهيكل، وأما الرئيس الحالي «أوباما» فهو عضو في «مجلس العلاقات الخارجية».

وهؤلاء الزعماء على اختلاف مشاربهم يسعون لتحقيق هذا «النظام العالمي الجديد» وإعادة إمبراطورية الروم بعد أن زلزلها الإسلام؛ فلا غَرْوَ أن نجد الرئيس «بوش الأب» عام 1990 م يسمي «أزمة الخليج» فرصةً لإقامة «النظام العالمي الجديد» فيقول: (إننا نمتلك بين أيدينا الفرصة لأن نصوغ لأنفسنا وللأجيال اللاحقة «نظاماً عالميـاً جـديداً»، عالميـاً حيث شـريعة القانون لا شريعة الغاب تحكم سلوك الأمم، عندما ننجح - وسوف ننجح - فإن لدينا فرصة حقيقية لتحقيق هذا «النظام العالمي الجديد» نظام تلعب فيه «أممٌ متحدة» موثوقة دور حفظ السلام للوفاء بوعد ورؤية مؤسسي الأمم المتحدة[6]. وبعد أن تولى «بيل كلينتون» فارس دي موليْه عرشَ «روما المؤقتة»، تحدَّث في أحد خطاباته عن ذلك المشروع المشترك «النظام العالمي الجديد» الذي لا يفرِّق بين جمهوري وديمقراطي قائلاً: (منذ عام 1945م نهايةِ الحرب [العالمية الثانية] إلى عام 1989م نهايةِ الحرب الباردة... كانت لدينا «نظرة عالمية»؛ الجمهوريون والديمقراطيون على حد سواء... من «هاري ترومان» إلى «جورج بوش»... ناضلنا من أجل الحرية ومن أجل قضايا معيَّنة تجعل أمريكا قوية وصحيحة وتزيد من الطبقة الوسطى وتقلِّص الفقر وتقف في وجه الشيوعية. وبعدعام 1989م ردد الرئيس بوش عبارة أستخدمُها بنفسي كثيراً: أننا بحاجة إلى «نظام عالمي جديد»...)[7]. أما «جو بايدن» الرومي الكاثوليكي، ونائب الرئيس الأمريكي الحالي، فقد دعا إلى تبنِّي مشروع «النظام العالمي الجديد» كسياسة خارجية لأمريكا في القرن الحادي والعشرين في كلمة ألقاها عام 1992م أمام مجلس الشيوخ بعنوان: «على أعتاب النظام العالمي الجديد».

 جاء فيها: (أود أن أقدِّم مقترحاً يبيِّن كيفيـة بدء إعادة تنظيـم سياستنا الخارجية؛ لنحقق القوة الكامنة الكاملة المتجسدة في عبارة «النظام العالمي الجديد»... إنني أحث على أن نُحْيي مفهوم «نظامٍ عالميٍ جديدٍٍ» وأن ننقذ العبارة من الشكوك وأن نستثمر فيها رؤية ينبغي أن تصير ضابط التنظيم للسياسة الخارجية الأمريكية في التسعينيات من القرن العشرين وفي القرن الذي يليه [الحادي والعشرين])[8].

تنتشر اليسوعية اليوم في جميع أنحاء العالم بلا استثناء، سواء بشكل علني أو خفي حسب الظروف المتاحة لها؛ فهم يقسِّمون العالم إلى أقاليم لتسهيل التعامل معها. فعلى سبيل المثال تقع إفريقيا تحت مظلةِ منظمةِ «يسوعيي إفريقيا ومدغشقر» JESAM، ويشرف على هذه المنظمة الأب اليسوعي «فراتيرن ماساوي»، وتقسم إفريقيا إلى سبعة أقاليم منها: - إقليم إفريقيا الوسطى: ويشمل جمهورية الكونغو. - إقليم إفريقيا الشمالية الغربية: ويشمل غامبيا وغانا وليبيريا ونيجيريا وسيراليون. - إقليم إفريقيا الشرقية: ويشمل إثيوبيا وكينيا والسودان وتنزانيا وأوغندا. - أما مصر فداخلة تحت «إقليم الشرق الأدنى»، وأما المغرب والجزائر فتحت مظلة «منطقة المغرب» التابع لـ «إقليم فرنسا»، إلى أخر ذلك من التقسيمات[9]. وكما هو معروف عن تنظيم اليسوعية فإن له حراكاً سياسياً يفوق الجماعات الكنسية الأخرى. وهو لا يهتم للنشاط التنصيري بقدر ما يهتم للسلطة والوصول إليها كما عبر عن ذلك نابليون بقوله: (إن اليسوعيين تنظيم عسكري وليسوا رهبنة دينية. زعيمهم جنرال جيش وليس مجرد راهب في صومعته. وهدف هذا التنظيم هو السلطة: السلطة بكل ممارساتها الاستبدادية: سلطة مطلقة، سلطة شاملة، سلطة للسيطرة على العالم على قلب رجل واحد.

 إن اليسوعية أكثر الأنظمة استبداداً، وفي الوقت ذاته أعظمها إساءة واستغلالاً... كلُّ عمل، وكل جريمة – مهما بلغت بشاعتها – جديرة بالتقدير، إذا ارتُكبت لمصلحة جمعية اليسوعيين أو بأمر الجنرال.[10] ولعل أقرب مثال على النشاط السياسي لليسوعيين هو مبادرة «الحركة الدولية للطلاب الكاثوليك» في السودان بتنسيقٍ ودعمٍ من اليسوعيين في الخرطوم وإشرافٍ من الأبوين اليسوعيين «هانز بوتمان» و«جون شاشو»؛ لإقامة ورشة عمل بعنوان: «دور الطلاب الكاثوليك في الانتخابات السودانية (2010) والاستفتاء (2011)». وكانت الدعوة إلى الطلاب الكاثوليك المشاركين أن «يصوتوا بشكل مسؤول». وقد شارك في هذه الورشة بعض المنظمات التابعة للأمم المتحدة كـ «بعثة الأمم المتحدة في السودان»، و«برنامج الأمم المتحدة الإنمائي»[11].

 أما في الدول التي لا يمكن لهم التحرك فيها بشكل ظاهر، فيلجأون إلى اختراقها عن طريق المؤسسات التعليمية والجامعات. ومن أشهر الجـامعات اليسـوعية ذات النشاط المريب فـي منطقـة الخليـج «جامعـة جورجتـاون» التي تضم ما لا يقل عـن 59 أكاديميـاً هم من اليسوعيين المعلَنين كما تشير إلى ذلك وثائق الجامعة.[12] إن اليسوعية (حاملة لواء الصليبية) التي أرهبت العالم على مدى أربعمائة عام على الأقل لا تزال تغرز مخالبها في خاصرة العالم الإسلامي وليس هناك من ينبري من أبناء الإسلام لتتبُّع أخبارها فضلاً عن التحذير منها؛ فهل أمِنَّا جانبهم؟

 

 

 


[1] المقصود بالطقس هنا: النظام التعبدي. 

 

[2] Mackey, Albert. Encyclopedia of Freemasonry, p. 120-121. 
[3] Webster, Nesta. Secret Societies and Subversive Movements, p. 154.
[4]Robison, James. Proofs of A Conspiracy (Philadelphia: 1798), p. 12. 
[5]The Vatican against Europe, p. 256. 
[6]
http://www.youtube.com/watch?v=Rc7i0wCFf8g  
[7] 
http://www.youtube.com/watch?v=1etgsNU46s4.  
[8] Biden, Joe. «On the Threshold of the New World Order.» http://www.scribd.com/doc/14566112/Jospeh-Biden-On-the-Threshold-of-theNew-World-Order
[9] http://www.jesam-infos.org/en/provregions.php  
[10] Chiniquy, Charles. Fifty Years in the Church of Rome, p. 684. 
[11] http://www.imcsafrica.levillage.org/eng/attachments/073_pax%20newslet  
[12] http://jesuits.georgetown.edu/JCListing.cfm

 

 

 

المصدر: مجلة البيان
amrmuostafa

عمرو مصطفى

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 592 مشاهدة
نشرت فى 7 أكتوبر 2013 بواسطة amrmuostafa

ساحة النقاش

عمرو مصطفى

amrmuostafa
قصص وروايات ومقالات »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

57,029