وها أنا ذا أبتسم في بلاهة لوجوه المعازيم التي تتأملني بنظرات تتقلب بين الفضول الحسرة .. من العمدة عظيم الكرش وحتى عوضين مجذوب القرية..
فضول وحسرة على الشاب الذي سيدخل عش الزوجية بعد قليل وبعدها سيخرج منكس الرأس حيران..
لكنني تجاهلت كم النظرات الفضولية وبحثت عن وجه الشيخ علوش نعم .. لقد وعدني أنه سيأتي ..ترى هل يفي الدجاجلة بوعودهم ..
لكن دعوني اصارحكم ..كنت أراه بزاوية بصري في كل ركن من الأركان يرمقني بعينه المتبقية بنظرة خاوية ..
وحينما التفت لا أجد شيئاً .. تكرر هذا عدة مرات ثم قررت أن أنفض الفكرة عن رأسي حتى لا أبدو معتوها أمام العيون المتربصة ..لقد حقق علوش وعده بالمجئ للعرس وإن لم يكن له وجود حقيقي فالوغد قد عبق المكان بروحه الثقيلة الخبيثة ..
ويمضي الزفاف كأي زفاف تقليدي .. كقطار بطيء يمر على أعصابك ذاتها ..
متى سأجد نفسي وحيدا مع شريكتي الجديدة في مشروع اليوتوبيا .؟
مازال أمامنا طريق ليس باليسير حتى نصل لعش الزوجية في البندر .. وهذة في الحقيقة كانت حجتي حتى أخذ فتاتي وانطلق بعيداً بعيداً عن كل هذا الصخب والأعراف الغريبة وعبارات المجاملات المنمقة التي لا أدري كيف يحفظونها ..
وحينما انغلق الباب علينا التفت لفاطمة فوجدت وجهها أحمراً مثل ثمرة الطماطم .. ولم يكن هذا بفعل الزينة ولكن وجهها كان على وشك الانفجار بدماء الحياء ..
- <!--[endif]-->هل تذكرين يوم تقابلنا لأول مرة ..؟
- <!--[endif]-->مممم ..
- <!--[endif]-->هل كنت تتصورين أن ينتهي بنا المطاف للزواج ..؟
- <!--[endif]-->مممم ...
- <!--[endif]-->إجاباتك بليغة للغاية ..
وحينما اقتربت منها رفعت كفها في إشارة تحذيرية واضحة ..
- <!--[endif]-->ماذا بك ..؟
- <!--[endif]-->لا تقترب اليوم ..
- <!--[endif]-->نعم ..!!
ابتلعت ريقها كأنما تبحث عن كلام يعبر عما تريده .. ثم كان ما قالته عبقريا :
- <!--[endif]-->اليوم .. لا .. لأن ..لا ..يصلح .. لأنه .. اليوم .. و..
فككت ربطة عنقي وخلعت سترتي وشمرت عن ساعدي وظللت لساعة أحاول توصيل كلماتها المتقطعة كي أفهم ..
وأخيراً فهمت ..
الفتاة قررت ممارسة نشاطها الفسيولوجي المعتاد قبل الأوان بسبب التوتر .. ووقفت في شرفة الشقة أرقب النجوم وأردد في حسرة :
- <!--[endif]-->فقط لو كنا في اليوتوبيا ..لما كان هذا عائقا ..
لكنني قررت استثمار الليلة بنشاط بديل ..قضيت طوال الليل في محاولة شرح النظرية اليوتيوبية لزوجتي المبجلة فاطمة ..!! ولما لا .. فلا يوجد لدينا الأن سوى الثرثرة لحين إشعار أخر .. كنا واقفين عند مكتبتي الخاصة التي ألحقت بها كل الكتب التي جئت بها من القاهرة وكنت أحدثها أحياناً وأقرأ لها أحياناً فقرأت من بعض الكتب وأحاول شرحها وتقريبها إلى فهمها وكانت فاطمة تنظر إلي في إنبهار طوال الوقت .. لقد ظفرت بزوج متنور كما تحب أن تقول .. كنت بالنسبة إليها كائن فضائي هبط عليها من عالم يسبق عالمها بملايين السنين الضوئية ..
هذة الفتاة الساذجة المثيرة للشفقة .. لم أشعر يوماً بالمسئولية عن شخص ما كما شعرت اليوم بالرغم من أنني رجل شرطة مسئول ..
هذة الفتاة الحمقاء الطيبة كيف سيمكنها السير ثلاث خطوات دون أن تتعثر ويدق عنقها ..
- <!--[endif]-->لماذا تنظر إلي هكذا ..؟
انتزعتني عبارتها الخجول من تأملاتي فتنحنحت قبل أن أقول :
- <!--[endif]-->ولماذا لا أنظر إلى زوجتي ..
- <!--[endif]-->أشعر بالحرج من نظرات الأخرين..
- <!--[endif]-->أنا لست كالأخرين .. أنا زوجك ...
اطرقت إلى الأرض متمتمة :
- <!--[endif]-->مازلت لا أصدق أنني صرت زوجة ..
حككت أنفي قائلاً :
- <!--[endif]-->عملياً نعم ..
ثم قررت أن أوجه دفة الحديث بعيداً فقلت لها مداعباً :
- <!--[endif]-->لقد مر يومان حتى الأن ولم يحدث لي شئ ..هل فقد الشيخ علوش قدراته أم ماذا .. ؟
رفعت طرفها إلي وبدت مترددة في الإفصاح عن شئ ما .. ثم قررت أن تتكلم :
- <!--[endif]-->الشيخ علوش ليس شريراً كما تتصور ..
ابتسمت بركن فمي قائلاً :
- <!--[endif]-->ربما أكثر مما أتصور ..
- <!--[endif]-->هل .. هل ستظل تكرهه لو علمت أنه السبب في زواجنا ..
شعرت برجفة تسري في عروقي .. وقبضت على ساعدها لا شعورياً قائلاً :
- <!--[endif]-->ماذا تعنين ..؟
ابتلعت ريقها بصوت مسموع وساعدها يرتجف في قبضتي فأرخيت قبضتي معتذراً لها .. لكنني كنت بحاجة إلى أن تكمل ..
ساعتها طلبت مني حفظ ذلك السر .. فوعدتها وقلبي يدق بعنف
فبدات تحكي لي ما دار يوم ذهبت سراً بطلب من والدتها إلى علوش ..لماذا ؟! طبعاً ليصنع لأخيها عمل دون علم أبيها ..
قصة معتادة في قرية كفور الصوالح لكنها تمسنى وبشدة ..
***
لقد عادت فاطمة لتأخذ العمل الذي سيصلح من شأن أخيها مداح ..
لكنها فوجئت بعلوش يضع في كفها لفافتين ..ولما تسائلت ابتسم لها
فبدت لها أسنانه النخرة وهو يجيب :
- <!--[endif]-->الأخر في اللفافة البنية هدية لك من عمك علوش حتى يرزقك الله بالزوج الصالح ..
تورد خدها ولم تدر بماذا ترد .. قبضت على العملين واستدارت لتنصرف فاستوقفها قائلاً :
- <!--[endif]-->ولا كلمة شكر ..
لكنها لم تلتفت ولم ترد ..كانت من داخلها تشعر بمزيج من الخجل
والسعادة .. لقد سعت في خدمة اخيها مداح فعادت بعملين ..لها ولأخيها.. ستفرح امها كثيراً ..فهي لم تفكر في فاطمة لانها جميلة والعرسان ياتونها ليل نهار لكن فاطمة كانت كسائر الفتيات تفكر
لماذا حتى الأن لا يطرق بابها ابن الحلال الذي يأخذها على حصان أبيض ويطير دون أن يتعنت والدها ..
ظلت تفكر في هذة الأشياء حتى عادت إلى دوار أبيها وهناك ادركت ان هناك ضيوف بالدار .. ولم تتصور أن الشيخ علوش سره باتع لهذا الحد إلا حينما أخبرتها امها أن الضيف ما هو إلا عريس جديد يطرق بابها وليس أي عريس ..إنه ضابط النقطة شخصياً هذة المرة ..
ساعتها ناولت لأمها العمل الخاص بأخيها ثم هرولت إلى حجرتها وهي تحتضن العمل الثاني ..
وهنالك اخذت ترسم ألف صورة وصورة لضابط النقطة الذي جاء يتقدم لخطبتها .. لكنها شعرت بامتنان تجاه الشيخ الطيب علوش
لقد كانت تنقبض كلما رأته .. والأن ..كم تتبدل الأمور لم يعد علوش ذلك المقبض أعور العين .. وأسفت كثيراً لأنها حتى لم تكافئه ولا حتى بمجرد الشكر ...
كانت فتاة طيبة وساذجة إلى أبعد الحدود ..
***
استمعت إليها في صبر ..ثم ابتسمت في إشراق .. ولم يعد قلبي يدق بعنف بعد أن عرفت أنني تزوجت فتاة حمقاء .. وأن علوش هذا أحمق منها .. وأنا الذي انتظر منه الشر كل الشر الذي يدعيه ..الأن يتوجب علي أن ألقنها دروساً مكثفة تحصنها من سيطرة الأفكار الخرافية التي تسيطر على مداركها ..
أعرف ان هذا لن يكون سهلاً لكنه ليس مستحيلا .. ساستغل أيام
حيضتها في غسيل دماغها من كل الأدران التى علقت بها سأفرغ عليها كل ما تعلمته من فكر تقدمي شمولي .. أنت أول براعمي يا فتاة الريف الساذجة ويبدو أن شيئاً غريباً قد بدأ يتخلخل جدار الصلب الذي يضخ الدم إلى رأسي .. ذلك الشئ يعرفه ابناء البيئات المحافظة بالميل ويعرفه الشاعريون بالحب .. وأعرفه أنا بالمغناطيس الجاذب لنقيضه ..و
هكذا تمضى بنا طبائع الأشياء ..
***
ساحة النقاش