الهدية من الأشياء التي تدخل السرور إلى النفس، وهي من العادات والتقاليد الموجودة عند مختلف الشعوب والأمم، لكنها في الإسلام كانت ذات وقع خاص، وتوظيف يخدم الدعوة إلى الله، وكان لها أثرها الواضح في هذا المجال..
الدراسة التالية للدكتورة الجوهرة بنت صالح بن حمود الطريفي الأستاذ المساعد في قسم الدعوة والاحتساب بكلية الدعوة والإعلام بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية تبحث في هذا الجانب وتوضح أهمية الهدية وأثرها في الدعوة إلى الحق..

ابتدرت د. الجوهرة حديثها قائلة: التهادي أن يُهدي بعضهم إلى بعض، والجمع هدايا وهداوي وامرأة مهداءٌ بالمد إذا كانت تهدي لجاراتها وإذا كانت كثيرة الإهداء، وكذلك الرجل مهداءٌ إذا كان من عادته أن يُهْدِي.
ويدخل في معنى الهدية، الهبة والعطية، والهبة في اللغة: العطية الخالية عن الأعواض والأغراض.
والهبة في الاصطلاح: تمليك العين بلا عوض.
وعن الفرق بين الهدية والهبة، قالت: قال ابن حجر في التفريق بين الهبة والهدية: (تطلق الهبة بالمعنى الأخص على ما لا يقصد له بدل، وعليه ينطبق قول من عرف الهبة بأنها تمليك بلا عوض، والهدية هي ما يكرم به الموهوب له).
وقال ابن قدامة في معنى الهبة والعطية والهدية: (وجملة ذلك أن الهبة والصدقة والهدية والعطية معانيها متقاربة، وكلها تمليك بغير عوض).
وقال في تحديد معنى الهدية: (فالظاهر أن من أعطى شيئاً ينوي به التقرب إلى الله تعالى للمحتاج فهو صدقة، ومن دفع إلى إنسان شيئاً للتقرب إليه، والمحبة له، فهو هدية).
وتضيف: الهدية اصطلاحاً: (هي دفع عين إلى شخص معيّن لحصول الألفة والثواب من غير طلب ولا شرط).
قال مؤلف “الهدية بين الحلال والحرام” عند شرحه للتعريف: (ولفظ من “غير طلب” يخرج الهدية أو الرشوة التي تطلب لغرض مقابل لها ولفظ “ولا شرط” أي ولا شرط إعانة لأن الرشوة تعطى بشرط الإعانة…).

أهمية الهدية
الإسلام دين يدعو إلى المحبة والألفة والأخوة، فالنبي – صلى الله عليه وسلم – يقول: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً)، ويقول – صلى الله عليه وسلم -: (مثل المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه  عضو تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى) ودعا إلى ترك ما يضاد هذه المعاني من كُره وتباعد وتباغض، فالنبي – صلى الله عليه وسلم – يقول: (لا تباغضوا، ولا تحاسدوا ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخواناً).
ولتأصيل هذه المعاني الجليلة وترك ما يضادها، فقد دعا إلى الوسائل التي تتحقق بها هذه المعاني، بالدعوة إلى الإحسان إلى الناس، فإن النفوس مجبولة على حب من أحسن إليها، ومن هذه الوسائل التي تتحقق بها معاني الأخوة والتحاب والتواد الهدية، حيث جاءت النصوص التي فيها الحث على التهادي، وبرر هذا الحث بأنها جالبة للمحبة، ومذهبة للشحناء كقوله صلى الله عليه وسلم: (تهادوا تحابوا وتذهب الشحناء) وبأنها مذهبة لوحر الصدر كقوله صلى الله عليه وسلم: (تهادوا فإن الهدية تذهب وحر الصدر) أي حقده وغله وغضبه.
والإسلام يدعو إلى تحاب الناس وتآخيهم وتعاضدهم، من أجل الرقي بالمجتمع المسلم، ليكون مجتمعاً فاضلاً مترابطاً، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بعد هجرته إلى المدينة المنورة وحينما شرع في بناء الدولة الإسلامية، كانت من أساسيات بناء هذه الدولة ومجتمعها أن شرعت المؤاخاة، إذ شرعت في السنة الأولى من الهجرة.

الهدية والهبة مطلب شرعي
وكان من أسباب هذه المؤاخاة أنه لما قدم المهاجرون من مكة إلى المدينة لم يكن بأيدي معظمهم شيء، لأنهم تركوا أموالهم خلفهم، وقد أعطى الأنصار المهاجرين كل ما يستطيعون من فضل، فأراد الرسول – صلى الله عليه وسلم – أن يوجد تشريعاً يعالج للمهاجرين أوضاعهم الاقتصادية، ويشعرهم بأنهم ليسوا عالة على إخوانهم الأنصار، لذا شرعت المؤاخاة، والنبي – صلى الله عليه وسلم – يتعهد أصحابه بالتعليم والتربية وتزكية النفس، ويؤدبهم بآداب الود والإخاء والبذل والعطاء. قال عبدالله بن سلام: لما قدِم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – المدينة انجفل الناس إليه.. فجئت في الناس لأنظر إليه، فلما استثبت وجه سول الله – صلى الله عليه وسلم – عرفتُ أن وجهه ليس بوجه كذاب، وكان أول شيء تكلم به أن قال: أيها الناس: أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا والناس نيام تدخلو الجنة بسلام)، فالمواساة بالمال عن طريق الهدية والهبة هي مطلب شرعي تتحقق به مطالب الإسلام بإشاعة معاني الأخوة، والبذل والعطاء.
وقد كانت الهدية إحدى وسائل تبليغ دين الله عزَّ وجلَّ، فالدعوة إلى هذا الدين مع عظمته، وصدقه ووضوحه، وموافقته للفطرة لا بد أن يكون القالب الذي يدعى به إليه بالإحسان إلى الناس، إحسان قولي وفعلي، ومن الإحسان الفعلي الهدية التي لها من الفضائل ما جعل البخاري في صحيحه يبوب كتاباً سماه (كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها)، وكذلك الترمذي بوب باباً من كتاب الولاء والهبة سماه (باب في حث النبي – صلى الله عليه وسلم – على الهدية).
وقد حفلت كتب السُّنَّة والسير بالأحاديث التي فيها حض قولي أو فعلي على التهادي من أجل نشر دين الله – عزَّ وجلَّ – وتبليغه للبشر.

مشروعية الهدية
لقد جاء الشرع المطهر في الحث على التهادي، وقد جاءت الأدلة حاضة على ذلك منها ما رواه أبو هريرة عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: (تهادوا فإن الهدية تذهب وحر الصدر ولا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة). والفرسن: عظم قليل اللحم.
قال في تحفة الأحوذي: (وفي الحديث الحض على التهادي ولو باليسير لما فيه من استجلاب المودة، وإذهاب الشحناء، ولما فيه من التعاون على أمر المعيشة، والهدية وإن كانت يسيرة، فهي أدل على المودة، وأسقط للمؤنة، وأسهل على المهدي لاطراح التكلف والكثير قد لا يتيسر كل وقت، والمواصلة تكون كالكثير).
وقال صلى الله عليه وسلم: (تصافحوا يذهبِ الغِلُّ، وتهادوا تحابوا وتذهب الشحناء).
وفي الصحيحين عن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: (يا نساء المسلمين لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة).(1)
قال ابن حجر: (وأشير بذلك إلى المبالغة في إهداء الشيء اليسير وقبوله).
وعن عائشة – رضي الله تعالى عنها – قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم   يقبل الهدية ويثيب عليها).

قبول الهديّة
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم – قال: (لو دعيت إلى ذراع أو كراع لأجبت ولو أهدي إلى ذراعٌ لقبلت).
قال ابن حجر: (أشار عليه الصلاة والسلام بالكراع والفرسن إلى الحض على قبول الهدية ولو قلت لئلا يمتنع الباعث من الهدية لاحتقار الشيء، فحض على ذلك لما فيه من التآلف).
وعن عائشة – رضي الله عنها – قالت: (قلت يا رسول الله إن لي جارتين، فإلى أيهما أهدي؟ قال: إلى أقربهما منك باباً).
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: (كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إذا أُتي بطعام سأل عنه: أهدية أم صدقة؟ فإن قيل: صدقة. قال لأصحابه كلوا ولم يأكل، فإن قيل: هدية، ضرب بيده – صلى الله عليه وسلم – فأكل معهم).
وعن خالد بن عدي الجهني قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: (من بلغه معروف من أخيه من غير مسألة ولا إشراف نفس، فليقبله ولا يرده، فإنما هو رزقٌ ساقه اللهُ – عزَّ وجلَّ – إليه).
قال الشوكاني: (قوله في حديث خالد (فليقبله)، فيه الأمر بقبول الهدية والهبة ونحوهما من الأخ في الدين لأخيه، والنهي عن الرد لما في ذلك من جلب الوحشة، وتنافر الخواطر، فإن التهادي من الأسباب المؤثرة للمحبة).

حكم الهدية
الهدية مندوب إليها، فهي سُّنَّة غير واجبة.
قال ابن قدامة: (ومن دفع إلى إنسان شيئاً للتقرب إليه والمحبة له، فهو هدية، وجميع ذلك مندوب ومحثوث عليه، فإن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: (تهادوا تحابوا)، فما ورد في فضلها أكثر من أن يمكننا حصره).
وقال القرطبي: (الهدية مندوب إليها، وهي مما تورث المحبة وتذهب العداوة).
وهذا في الهدية المطلقة غير المقيدة بشرط ولم يكن ثمة غرض للمهدي سوى إكرام المهدى إليه ولا تأخذ حكم الرشوة.

الهدية وسيلة دعوية
لا شك أن المريد تبليغ هذا الدين، ودعوة الناس إلى الالتزام بشرع الله – عزَّ وجلَّ – لا بد أن يسلك سبيل النبي – صلى الله عليه وسلم – حيث أمرنا المولى تبارك وتعالى بالتأسي به في سائر أحواله. قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً }. [الآحزاب: 21].
قال ابن كثير: (هذه الآية الكريمة أصل كبير في التأسي برسول الله – صلى الله عليه وسلم – في أقواله وأفعاله وأحواله).
وقال تعالى: {قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } [يوسف: 108].
والمتأمل في سيرته – صلى الله عليه وسلم – يرى أنه استخدم أنجح الوسائل والأساليب التي حققت بفضل الله تبارك وتعالى نجاحاً جعل أفئدة الناس تقبل على دين الله تعالى، وتلتزم به، ومن هذه الوسائل الهدية، فقد تواترت النصوص الدالة على استخدام هذه الوسيلة، من ذلك ما جاء عن أم كلثوم بنت أم سلمة – رضي الله عنها – قالت: (لما تزوج رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أم سلمة قال لها: إني قد أهديت إلى النجاشي حلة وأواقي من مسك ولا أرى النجاشي إلا قد مات، ولا أرى إلا هديتي مردودة عليّ. فإن ردت عليّ فهي لك…).
وفي صحيح البخاري: (اهدى ملك آيلة للنبي – صلى الله عليه وسلم – بغلة بيضاء وكساه بُرْداً وكتب له ببحرهم).

أحب من الدنيا وما فيها:


وعن بلال – رضي الله عنه -قال: (… فقال لي رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “أبشر فقد جاءك الله بقضائك”. ثم قال: “ألم تر الركائب المناخات الأربع؟” فقلت: بلى. فقال: “إن لك ركابهن وما عليهن، فإن عليهن كسوة وطعاماً أهداهن إليّ عظيم فدك” فاقبضهن واقض دينك”).
ومنه ما جاء عن أنس – رضي الله عنه – قال: (ما سُئل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على الإسلام شيئاً إلا أعطاه. قال: فجاءه رجل فأعطاه غنماً بين جبلين، فرجع إلى قومه فقال: يا قوم! أسلموا، فإن محمداً يعطي عطاء لا يخشى الفاقة).
وفي رواية أخرى للحديث عن مسلم فقال آنس: (إن كان الرجل ليسلم ما يريد إلا الدنيا. فما يُسلم حتى يكون الإسلام أحبَّ إليه من الدنيا وما عليها).
قال النووي عند شرحه للحديث: (فما يلبث بعد إسلامه إلا يسيراً حتى يكون الإسلام أحب إليه والمراد أنه يظهر الإسلام أولاً للدنيا، لا بقصد صحيح بقلبه، ثم من بركة النبي – صلى الله عليه وسلم – ونور الإسلام لم يلبث إلا قليلاً حتى ينشرح صدره بحقيقة الإيمان، ويتمكن من قلبه فيكون حينئذ أحب إليه من الدنيا وما فيها).
وعن سعد بن أبي وقاص – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى رهطاً – وسعدٌ جالس – فترك رسول الله – صلى الله عليه وسلم رجلاً هو أعجبهم إلىَّ فقلت: يا رسول الله مالك عن فلان فو الله إني لأراه مؤمناً فقال: أو مسلماً، فسكت قليلاً ثم غلبني ما أعلم منه فعدت لمقالتي فقلت مالك عن فلان فو الله إني لأراه مؤمناً. فقال: أو مسلماً. فسكت قليلاً ثم غلبني ما أعلم منه، فعدتُ لمقالتي وعاد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ثم قال: يا سعد، إني لأعطي الرجل وغيره أحبُّ إليَّ منه خشية أن يكبّهُ الله في النار).

العطاء والتآلف
قال ابن حجر: (… ،محصل القصة أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يوسع العطاء لمن يظهر الإسلام تألفاً، فلما أعطى الرهط وهم من المؤلفة وترك جعيلاً وهو من المهاجرين مع أن الجميع سألوه، خاطبه سعد في أمره لأنه كان يرى أن جعيلاً أحق منهم لما اختبره منه دونهم، ولهذا راجع فيه أكثر من مرة، فأرشده النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى أمرين أحدهما: إعلامه بالحكمة في إعطاء أولئك وحرمان جعيل مع كونه أحب إليه ممن أعطى، لأنه لو ترك إعطاء المؤلف لم يؤمن ارتداده فيكون من أهل النار).
وعن عكرمة (أن النبي – صلى الله عليه وسلم – أهدى إلى أبي سفيان بن حرب تمر عجوة).
ومما يدل أيضاً على قبول النبي – صلى الله عليه وسلم – الهدايا ما جاء في البخاري عن أنس – رضي الله عنه – (أن أكيدر دومة أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم).
وعن أنس بن مالك – رضي الله عنه-: (أن يهودية أتت النبي – صلى الله عليه وسلم – بشاة مسمومة فأكل منها…).
فقد كان – صلى الله عليه وسلم – يهدي ويُهدى إليه فيقبل.

قبول هدية المشركين
وقد وقع خلاف بين العلماء حول قبول هدية المشركين وممن ناقش هذه المسألة ابن حجر في فتح الباري والشوكاني في نيل الأوطار وغيرهم وقد قال ابن حجر عند شرحه لأحاديث باب قبول الهدية من المشركين من كتاب الهبة في صحيح البخاري: قوله “باب قبول الهدية من المشركين” أي جواز ذلك، وكأنه أشار إلى ضعف الحديث الوارد في رد هدية المشرك، وهو ما أخرجه موسى بن عقبة في المغازي عن ابن شهاب بن عبدالرحمن بن كعب بن مالك ورجال من أهل العلم أن عامر بن مالك الذي يدعى ملاعب الأسنة قدِم إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهو مشرك فأهدى له، فقال: إني لا أقبل هدية مشرك” الحديث رجاله ثقات، إلا أنه مرسل وقد وصله بعضهم عن الزهري ولا يصح… وفي الباب حديث عياض بن حماد قال: (أهديت للنبي – صلى الله عليه وسلم – ناقة، فقال: أسلمت؟ قلت: لا. قال: إني نهيت عن زبد المشركين” وأورد المصنف عدة أحاديث دالة على الجواز جمع بينها الطبري بأن الامتناع فيما أهدي له خاصة، والقبول فيما أهدي للمسلمين، وفيه نظر، وأن من جملة أدلة الجواز ما وقعت الهدية فيه له خاصة، وجمع غيره بأن الامتناع في حق من يريد بهديته التودد والموالاة، والقبول في حق من يرجى بذلك تأنيسه وتأليفه على الإسلام، وهذا أقوى من الأول).

أثر الهدية في الدعوة إلى الله


لقد مر ذكر عدد من الأدلة التي تبين الأصل الشرعي للهدية وأنه كان – صلى الله عليه وسلم – يقبل الهدية ويثيب عليها، وما ذلك إلا لما للهدية من أثر كبير على النفوس بإزالة الضغائن والأحقاد، والتقرب للآخر بالودة والزلفى، ومن فضلها أن البخاري بوّب في كتابه كتاباً عنوانه (كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها).
وقد تبيّن في الأحاديث التي فيها الحض على التهادي آثار الهدية كما في الحديث الذي أخرجه مالك في الموطأ وسبق ذكره، حيث ذكر من  آثارها التحاب وذهاب الشحناء بقوله: (تهادوا تحابوا وتذهب الشحناء).
وقوله – صلى الله عليه وسلم – في الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد والترمذي: “تهادوا فإن الهدية تذهب وحر الصدر”، حيث إن من آثارها أنها تذهب وحر الصدر أي حقده وغيظه، وقيل العداوة وقيل أشد الغضب، وكل هذه المعاني تعد آثاراً جليلة للهدية.
قال القرطبي: (الهدية مندوب إليها وهي مما تورث المودة وتذهب العداوة… ومن فضل الهدية مع اتباع السُّنة أنها تزيل حزازات النفوس وتكسب المهدي والمهدى إليه رنّة في اللقاء والجلوس).
ومما يدل على أثر الهدية على النفوس ما جاء في قوله تعالى في سورة النمل عن ملكة اليمن حينما أرسل هدية إلى سليمان عليه السلام لما أرسل إليها بكتاب يدعوها فيه إلى الإسلام.

حوافز نفسية
وتضيف د. الجوهرة: ويعد الإهداء من الحوافز النفسية التي رغب بها علماء النفس من أجل حفز المتلقي على قبول ما يراد منه وهذا ما كان يستخدمه رسول الهدى – صلى الله عليه وسلم -، حيث كان يكثر العطاء والإهداء للمسلمين الجدد ولأصحابه كسباً لقبولهم، وتثبيتاً لهم على الاستقامة، وإعانة لهم عند الحاجة، وكي تعطي الأثر المطلوب في حسن العلاقة بينه وبينهم.
وقد كان استخدام النبي – صلى الله عليه وسلم – لهذه الوسيلة سبباً في ترك من يراد دعوته عن سلوك مشين، ومعصية، وكم حوّل قلوب عدد من أعدائه من الكُره إلى المحبة، وبدّل مواقفهم من العداوة إلى الصداقة، وبدّل سلوكهم من المعصية إلى الطاعة.

فالهدية مما كان يتألف به رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الناس، لما لها من وقع في نفس المهدى له، لأنها إشعار بالاهتمام به، فالهدية تفعل ما لا تفعله الخطب والمواعظ، وتجعل القلب على أتم الاستعداد للتلقي عن المهدي، كما أنها أثر نعمة ويد لم تزل تذكر بصاحبها، وتستحضر صفاته الحميدة، وسجاياه الطيبة، كما وإنها رسول مباشر إلى القلوب يدخل إليها دون استئذان فيأسرها، ويجعل المشاعر تجيش بالمودة، وتستشعر بالرفق والمحبة.
وهي وسيلة تربوية ودعوية ذات أثر فعّال، فكم من قلب كان ممتلئاً حنقاً وحقداً، أبدلته حباً ورضىًً، وكم من صدر اشتعلت فيه نار العداوة فأطفأتها لطافة الهدية، وكم من عدو صيرته صديقاً، وصديق صيرته أخاً.

 

المصدر: موقع مؤسسة الدعوة الاسلامية
  • Currently 68/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
23 تصويتات / 1487 مشاهدة
نشرت فى 17 ديسمبر 2010 بواسطة amiraramah

ساحة النقاش

amira-ramah

amiraramah
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

34,652