عن المحتوى العربي أتحدث: هذه بضاعتكم رُدَّت إليكم
بواسطة تامر عمران - 27 أبريل 2014المحتوى العربي على الإنترنتمرحباً بالجميع! لم أتصور يوماً ما أنني سأجد أحد الإخوة قد كرَّمه الله تعالى بالنطق باللغة العربية، فضلاً عن كونه عربياً، ثم يقول إن اللغة العربية لديها لغة “معيوبة” من الدرجة الأولى! ولغة متأخرة!
طيّب، في هذا المقال، سأجمع بين عدة أمور مضطربة، أوّلها عن المحتوى العربي على شبكة الإنترنت بطريقة مختلفة عمَّا طرحها العديد، بما في ذلك قوقل! وبين مفهوم سرقة المحتوى لدى البعض، خاصة الكُتَّاب والمُدوِّنين، فضلاً عن رؤية البعض للغة العربية.
أوه، صحيح! إن شعر أحدكم أنني أقصده لذاته وشخصه، أو أن هناك تلميح عن أحد المواقع، أرجو أن يتسع صدره لهذه المقولة:
نعم، أنا أقصدك أنت تحديداً!
أ. المحتوى العربي: لمحة تاريخية عن بضاعتنا المسروقة
لن أحكي عن أرقام وإحصائيات، الكل يعلم ذلك. المحتوى العربي الإلكتروني ضئيل جداً جداً جداً على شبكة الإنترنت، مُقارنة باللغة الإنجليزية مثلاً. لكن ما أرجو أن ننتبه إليهِ أن تُراث اللغة العربية، له تاريخ قد تنفطر له قلوبكم إذا راجعتموه.
هل تتذكرون علوم العرب؟ من سرقها وسرق مخطوطاتها وترجمها ثم نسب محتواها إلى نفسه؟ وكتب العرب؟ ومكتبات العرب؟ أين ذهبت؟ وكيف دُمِّرَت؟ ومن جعل منها جسراً لعبور النهر؟! ومن غاية مهامه هي حرقها؟
لا أتساءل مستنكراً وحسب، نرجو أن يأتي أحد القراء المثقفين ويدلو بدلوه في التعليقات ليذكر تلك اللمحات التاريخية. لكني أذكركم أن الجهل في هذه الأمة، بجانب ما تخلّى عنه العرب الآن، هناك من تسبب عن عمد أن ينشره داخل بلادنا، إنها نفس الأمم والدول التي تتفاخر بحداثتها، وتدعونا بالعالم الثالث، أو بدول التخلف.
بالعربيإن لم تشعر بوجود هذا الثأر داخلك، وأنه يتوجب عليك استرجاع كل ما مضى بطريقة أو بأخرى؛ فأنت خائن لماضيك وأجدادك وللغتك ليس إلا. أنصحك فقط بمُشاهدة حلقات البرنامج الألماني على اليوتيوب تحت عنوان “علوم الإسلام الدفينة” ربما تعرف بعض الحقائق، ولا تنس أن تهتم للمعلومات التي سيذكرها البرنامج، دون الالتفات إلى التمثيل المزرى خلال المشاهدة.
الحروف العربيةب. خدعوك فقالوا: اليوم العالمي للغة العربية
في ويكيبيديا، َتقرر الاحتفال باللغة العربية عالمياً في 18 سبتمبر من كل عام؛ لكونه اليوم الذي أصدرت فيهالجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم 3190، والذي يقر بموجبه إدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسميةولغات العمل في الأمم المتحدة. بعد اقتراح قدمته المملكة المغربية والمملكة العربية السعودية خلال انعقاد الدورة 190 للمجلس التنفيذي لمنظمة اليونسكو.
كل هذا جميل، لكن الآن، حان وقت الضحك على “الهمّ المُبكي”! نجد أن جوجل تقوم بعمل نقاشات حول تطويراللغة العربية في تلك الفترة، ونجد المُشاركات على الشبكات الاجتماعية التي تُطالب المُستخدمين بدعم اللغة العربية. كيف ذلك؟ بوضع منشورات أو تعليقات باللغة العربية الفصحى في هذا اليوم فقط. هذا بالتأكيد حباً في اللغة العربية ولا ريب، لكنه حُب يدوم ليومٍ واحدٍ فقط أيضاً!
لا مجال للطعن في حبكم لها؛ لأن الحقيقة هي: إن كنتم مِمَّن لا يتذكَّرون أهمية اللغة العربية إلا في يومٍ واحدٍ فقط، فأنتم إمَّا أن تكونوا مُدَّعِين، أو تكونوا مُقصِّرين. وللأسف، معظمنا هذا الأخير.
ج. جوجل .. هل تدعم المحتوى العربي على الإنترنت بالفعل؟ الإجابة في: SEO
أهمية اللغة العربيةجوجل باختصار تدعم المحتوى العربي المفتوح من جهة وتقطع دعمها له من جهةٍ أخرى! دعوني ألتمس لها العذر! ربما لم تستطع التوصل إلى حل جذري لهذه القضية.
كل عربي يسعى لإنشاء موقع أو مدونة يرغب في الحصول على أرباح من كتاباته فقط كالمواقع الإخبارية والمجلات الإلكترونية وما شابه. يتَّبع قواعد تحسين محركات البحث ويُراعيها أشدّ المُراعاة. ومنها، تلك الكلمات البحثية التي يجمعها من على منتجات جوجل، محرك البحث، أو أداة مخطط الكلمات التابعة لجوجل أدوردز.
حسناً، أنا أريد أن أضع كلمات بحثية في مقالاتي وأخباري، ما العمل؟ – على سبيل ضرب الأمثلة ليس إلا- هناك 10 آلاف من الزوار يبحثون عن كلمة اله! في الواقع، هُمْ يقصدون آلة، لكن جهل المُستخدِم بقواعِدِ الإملاء يجعله يكتب ذلك، آسف نسيت، ليس مجرد مستخدم يقول بذلك شهرياً، وإنما 10 آلاف كما ذكرنا. بينما هناك 500 فقط يبحثون عن آلة.
قل لي بربّك، هل ستقول: لن أتخلّى عن لغتي العربية مقابل 9500 زائر؟! أم أنك لن تُعير الأمر أهمية وستهتم كثيراً لأجل أرباحك؟ هذا ما نُعاني منه الآن. ارتكاب جريمة في حق المحتوى العربي في الإنترنت وجودته، والمشترك فيها: حضرتك + الزائر + جوجل.
وما شأن جوجل؟ إنها قادرة ببساطة على حل هذه المعضلة، لو فكّر أحدهم فقط في وضع مُصحح لغوي مع الاقتراحات التي تظهر، بحيث لا يتم البحث إلا بكلمة صحيحة، لكان اللغة العربية على الإنترنت أفضل مما كانت عليه حالياً. ليست صعبة على جوجل، بل سيتعلم الزائر الكلمات العربية السليمة فيما بعد. ربما تكون لديكم مقترحات أخرى لحل هذه المشكلة، أرجو مشاهدتها في التعليقات.
د. كاتب؟ أم مُدوّن؟ أم مُترجِم؟.. أم سارق؟
مشكلة أخرى، العديد من القراء قاموا بتقليل شأن ما ينشره الكُتّاب، واعتبار أن أقصى ما قام به هي الترجمة فحسب. الأمر الذي استدعى البعض إلى أن يترجم مقالات وأخبار وينسبها لنفسه كأنه إبداعه الخاص، وفي هذه الحالة لا يذكر المصدر.
القضية شائكة أعلم، وتعرَّض لها الكثير، وسأُحاكيكم بصدق:
لكل موقع، أو كاتب، تظل هناك مصادره الخاصة، لكن هذا لا يعني أنه مسموح له بترجمة المقال وينسبه لنفسه. هذه سرقة على أية حال.
أين المحتوى العربي المفيد؟وعجبت لما شاهدته منذ فترة حول أحد المواقع العربية التي تتحدث في التقنية والأفلام السنيمائية في آن واحد، عندما ادَّعَى الموقع أن أحد المجلات التابعة لأحد الصحف المصرية تسرق من مقالاتها مع إضافة بعض التعديلات.
وتم ضرب أمثلة بعدة مقالات، كلها مترجمة من مقالات أخرى، فأين السرقة؟! يعني إذا قاموا بالترجمة من مصدر أجنبي، وجاءت هذه المجلة بالترجمة الحرفية لنفس “المصدر” الأجنبي، هل أصبحت سارقة من مقالات هذا الموقع؟
إذا افترضنا أن المجلة تأخذ من هذا الموقع المقالات وتقوم بالتعديل عليها وتغيير بعض الكلمات لتغييرها، على أصحاب الموقع ألا يُشهروا بها كما فعلوا؛ لأنهم ببساطة يقومون بالأمر نفسه! بل ويأخذونه من مواقع لا تحمل رخص المشاع الإبداعي مثلهم، أي أن الترجمة حقوق محفوظة لهم.
الشاهد، نصيحتي للكتاب وأصحاب المواقع العربية: عليكم ألا تشنعوا على الآخرين بهذه الطريقة، إلا إذا قام أحدكم بإعداد المقال بمجهوده الذاتي، وليس مجرد ترجمة وحذف المصدر ثم يضع اسمه عند بداية ونهاية المقال. وفي النهاية، هذه بضاعتكم ردت إليكم، ليست بضاعتكم وحدكم، وإنما هي بضاعة الكل. فقط اسمح لي بذكر مصدرك للمقال، أو أخبرني أنه مترجم بتصرف إن كان كذلك، وأعدك أنني سأنظر لك ككاتب ومدون ومترجم في نفس الوقت.
هل يعني ذلك أني أشجّع الآخرين على سرقة المقالات؟ إن جال بخاطرك هذا السؤال، قم بمعاودة قراءة هذه النقطة من جديد!
اللغة العربيةختاماً .. بالنسبة لحبيبتي اللغة العربية
وجَّه الأمير أمين ناصر الدين هذه الأبيات إلى النَّاطقينَ بالضَّاد:
لكُلِّ قومٍ لسانٌ يُعْرَفونَ بهِ … إنْ لم يصونوه لم يُعْرَفْ لَهُمْ نَسَبُ
وإنّ مَوْطِنَ عُرْب يَرْطُنونَ وَإنْ … عَلَتْ مبانيهِ لَهْوَ الموطِنُ الخَرِبُ
لنْ يُدرِكَ المَجْدَ شعْبٌ ما لَهُ لُغَةٌ … تحوطُها دولةٌ أَسيافُها قُضُبُ
لَها حُماةٌ على اسْتقلالِها غُيَرٌ … وجَحفلٌ ذائِدٌ عَنْ حَوضِها لَجِبُ
على كل من طَعَنَ في اللغة العربية ولو بكلمة واحدة، سواء تعمَّدَ في طعْنِهِ أو خانه اللفظ، أن يتأمل في الأبيات جيداً. هل تريد أن تُطوّر اللغة العربية؟ حسناً، طورها بإبداعك الخاص. يمكنني أن أقرأ لك قصة أو مقال أو كتابات أدبية، تجعلني أفضلك على الكثير من الكُتّاب، واللغة هي نفسها، هلّا شرحت لي السبب؟
هل تريد أن تطوّر قواعد اللغة العربية والنحو كذلك؟! خذ بعضاً مِمَّا قاله الكُتّاب الحُذّاق من اللغات التي تراها أفضل من اللغة العربية. قال أناطول فرانس، وهو كاتب فرنسي مشهور ونابهُ الذكر “لن يستطيعَ الكاتبُ أن يأتيَ بالكلام السديدِ المنهجِ، التامّ الروعةِ، إلا إذا كانَ متضلعاً من النحو، مُتبحِّراً في اللغة.” وقال كاتبٌ فرنسيٌّ آخر “مهما يكنِ الكاتبُ سَمْحَ القريحة، متفنِّناً في الإنشاء، وكان ضعيفَ اللغة، فلن يُعَدّ كاتباً ممن لكلامهِم قيمة.“
أعود مُجدَّداً إلى كلمات الأمير أمين ناصر الدين الرائعة لتجيب على تلك النظرة التي ينظر بها البعض للغة العربية، حيث قال “ففي هذا ما يدلُّ على أنَّ الذين يحاولون طَمْسَ العربية من الأَعاجم، ليسوا بأَشدّ استخفافاً بها من الذين حذقوا اللغاتِ الأعجميةَ من العرب، ولكنهم لم يدركوا من العربية إلَّا بعض جزئياتها؛ فهم ينتهزون كلَّ فرصة لتقبيحها والهبوط بها إلى َدركةِ العاميةِ، ذلك شأْنُ الذين جهلوا الفُصحَى وخفيت عليهم أسرارها ودقائقها، ولم يقفوا على مصادرها ومواردها، ولم يتبيَّنوا حقائقها؛ فباتت ألفاظا شَجاً في حُلوقِهم، وسطورُها قَذىً في عيونهم.“
معذرة، أختم بالاعتذار لكل من ساهم في إثراء المحتوى العربي ورأى بعض القسوة خلال عباراتي السابقة. ولا أدَّعِي البراعة في الكتابة بالفُصحى، لكني أحبها حبَّاً جمَّاً، وأتقرَّب بحبها إلى الله عز وجل؛ فيكفي أن خصَّها للقرآن، مما يدل على اكتمالها وبقاءها أبد الحياة في الدنيا والآخرة.
تحياتي
ساحة النقاش