محمد علي يوسف
ساعة واحدة · تم تعديله ·إن من أعظم الفوارق بين العبد الشكور والعبد الكفور هو إحساس القلب بنعمة الله واعترافه بها
فالشكر ليس فقط كلمات يتمتم بها اللسان دون ان يدرك لها معنى أو يستشعر لها أثرًا
الشكر حالة وشعور يملأ كيان العبد ويسيطر على وجدانه ويخفق به قلبه وتتسامى به نفسه وتهفو به روحه
والاعتراف بالفضل هو أول درجات تلك الحالة النورانية
ولذلك تجد أخطر ما وقع فيه قارون كنموذج لعبد كفور جاحد هو رفض هذا الاعتراف وإنكار ذلك الفضل الذي تجلى في قوله {إنما أوتيته على علم عندى}
وشتان الفارق بينه وبن عبد آخر شكور كيوسف عليه السلام حين شكر في موضع ابتلاء وهو خلف جدران السجن إذ يقول: {ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون}
لقد نظر يوسف دومًا للنعمة حتى في خضم النقمة ونسب الفضل لصاحبه حتى آخر لحظة وبعد موجات الابتلاء المتوالية تجده لا يقول مثلًا: وقد ابتلانى -ولو قال لما جاوز ما حدث- لكنك لا تجده إلا معترفًا بالفضل لله لا يرى فضلًا لسواه قائلًا: {وقد أحسن بى إذ أخرجنى من السجن وجاء بكم من البدو}
وكذلك فعل سليمان عليه السلام حين عاين النعم فقال: {ذلك من فضل ربى ليبلونى أأشكر أم أكفر}
وإبراهيم عليه السلام تجده في عين البلاء وهو يترك امرأته ومعها فلذة كبده في صحراء قاحلة امتثالًا لأمر مولاه وإذ به لا يترك الحمد ولا ينسى النعم قائلًا في هذا المقام الصعب -مقام مفارقة الأهل والولد- {الحمد لله الذي وهب لى على الكبر إسماعيل وإسحاق}
وكيف لا تخرج من مثله تلك الكلمات وهو القائل من قبل: {إنه كان بي حفيا}
ولمثل هذه المشاعر والمعانى كان الحبيب صلى الله عليه وسلم يقول معترفًا بالفضل في كل صباح ومساء: (اللهم ما أصبح بى من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد ولك الشكر)
هؤلاء جميعًا لم يتكلفوا تلك الكلمات وإنما خرجت من قلوب لم تر للنفس فضلًا ولم تشهد إلا فضل الله ونعماءه
كم نحن بحاجة لشهود نعمة الله بقلوبنا ونسبة الفضل إليه وحده وهجران ذاك الخلق القارونى الذميم الذي تسرب لنفوس البعض دون أن يشعروا
خلق {إنما أوتيته على علم عندي}
كم نحن بحاجة لأن نحيا بقول الله جل وعلا: {وما بكم من نعمة فمن الله}
ساحة النقاش