(أوهــام لغــوية .. )
بقلم: أ. د. مصطفى رجب
يتوهم كثير من الناس أن كلمة "المأتم " تختص بتجمع الناس في مناسبات الموت والعزاء فقط ، ولكن هذه الكلمة عند العرب تعني تجمع النساء حين يجتمعنَ في الخير والشرِّ، بدلالة قول الشاعر:
رَمَتْه أناةٌ من ربيعة عامِرٍ ... نَئُومُ الضُّحى في مأتَمٍ أيّ مأتَمِ
ويتوهمون فتح الميم من اسم كوكب "المِرّيخ " فينطقونه بفتح الميم. والصواب كسرها.
ويقولون: مُستَهَلّ الشهر، متوهمين أنها تعني أولِ يومٍ من الشهر، وذلك غلط، لأن الهلال إنما يُرى في الليل، وإنما يقال بدل هذا: أوّلُ الشّهر أو غُرَّته في اليوم الأول منه. وأما إذا قصدوا التعبير عن شيء حدث ليلاً ، فالصواب أن يقولوا: كتبت هذا الخطاب في مُستَهلِّ كذا، أي في ليلة كذا.
ويقولون للداء المُعترض في البطن: المَغَص، بفتح الغين، والمَغَص بفتح الغين هو خِيار الإبل، وأما اسم الداء فهو المَغْص، بإسكان الغين، وقد يقال بالسين.
ويقولون: للبخيل: مُقْرِف. والمُقْرِف الذي أمُّه كريمة وأبوه ليس كذلك.
ويقولون في تسمية المدارس الأولية القديمة: الكُتّاب وجمعه: الكتاتيب. وهذا غلط، لأن الكُتّاب هم الذين يكتبون ، والمأثور عن العرب أن يقال : المَكْتَبُ وجمعه: المكاتِبُ.
ويتوهون أن كلمة "الأوْباش" بمعنى: السَّفِلة من الناس، وليس هذا الاستعمال صحيحا. إنما الأوباش والأوشاب هم الأخلاط من الناس من قبائل شتى، وإن كانوا رؤوساً وأفاضل، وفي الحديث: وقد وَبّشتْ قريشٌ أوباشاً، أي جمعتْ جُموعاً. (رواه أحمد في مسنده ومسلم في صحيحه وأبو عوانة في مستخرجه)
ويتوهمون أن كلمة: "الأيِّمُ " ، لا يُقصد بها إلا التي ماتَ عنها زوجُها أوْ طلّقَها. وليس الأمر كذلك في لغة العرب ، وإنما الأيِّم هي التي لا زوج لها سواء أكانتْ بِكراً أم ثَيِّباً، قال الله عز وجل: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ) (النور / 32) ولم يردْ بذلك الثَّيِّبات دونَ الأبكار.
ويقولون إذا أصبحوا: سَهِرنا البارحةَ، وسَرَينا البارحةَ، والاختيار، على ما حكاه ثعلب، أن يقال: من الصبح الى أن تزول الشمس: سَرَينا الليلة، وفيما بعد الزوال الى آخر النهار: سهِرنا البارحة. ويتفرّع على هذا أنهم يقولون من انتصاف الليل الى وقت الزوال: صُبِّحتَ بخيرٍ، وكيف أصبحتَ، ويقولون إذا زالت الشمس الى أن ينتصف الليل: مُسّيتَ بخيرٍ، وكيف أمسيتَ.
ومن ذلك الوهم أنهم يكتبون [بسم الله] أينما وقعت بحذف الألف، والألف إنما تُحذف منها، إذا كتبت في أول فواتح السور لكثرة استعماله في كل ما يُبدأ به، وتقدير الكلام: أبدأ باسم الله، فإذا بَرَز ما يُبدأ به وجب إثباتها، كقوله تعالى: (اقْرأْ بِاسْمِ ربِّك الذي خلَق).
ويقولون: بعثتُ إليه بغلام وأرسلتُ إليه بهدية، فيخطئون. لأن العرب تقول فيما يتصرَّف بنفسه أي العاقل : بعثته وأرسلته، كما قال تعالى: (ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضاً وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ) (المؤمنون / 44)
ويقولون فيما يُحمَل: بعثتُ به وأرسلتُ به، كما قال تعالى: ( وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ) (النمل / 35)
وقد عيبَ على أبي الطيب المتنبي قوله:
فآجرَك الإلهُ على عليلٍ ... بعثتَ الى المسيحِ به طبيبا
ومن تأوَّل له: قال أراد به أن العليل لاستحواذ العلة على جسمه قد عومل معاملة ما لا يتصرف بنفسه.
الحمل على المعنى :
يشيع في العربية حمل اللفظ على المعنى في تذكير المؤنث وتأنيث المذكر، فقد يترك العربي حكم ظاهر اللفظ ويحمله على معناه كما يقولون: ثلاثة أنفس، والنفس مؤنثة، وإنما حملوه على معنى الإنسان أو معنى الشخص. ومنه قول الشاعر:
ما عندنا إلا ثلاثة أنفس .. مثل النجوم تلألأت في الحندس
وقال عمر بن أبي ربيعة:
فكان مجنى دون ما كنت أتقي .. ثلاث شخوص : كاعبان ومعصر
فحمل ذلك على أنهن نساء.
كما ذكرت الكف وهي مؤنثة في قول الشاعر:
أرى رجلاً منهم أسِيفاً كأنما .. يضم إلى كشحيه كفاً مخضبا
فحمل الكلام على العضو، وهو مذكر. وكما قال الآخر:
يا أيها الراكب المزجي مطيته .. سائل بني أسد ما هذه الصوت
أي: ما هذه الجلبة؟
وقال الآخر:
من الناس إنسانان دَيني عليهما .. مليئان، لو شاءا لقد قضياني
خليلي أما أم عمرو فواحدٌ .. وأما عن الأخرى فلا تسلاني...!!
فحمل المعنى على الإنسان أو على الشخص. وفي القرآن: " وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيراً " ، والسعير مذكر. ثم قال بعدها: " إذا رأتهم من مكان بعيد " ، فحمله على النار فأنثه. وقال جل وعلا : " وأحيينا به بلدة ميتاً " . ولم يقل ميتة لأنه حمله على المكان، وقال جل ثناؤه: " السماء منفطر به " ، فذكر السماء وهي مؤنثة لأنه حمل الكلام على السقف، وكل ما علاك وأظلك فهو سماء .
على:
كلمة (على) لها في العربية ثلاثة استعمالات:
فهي قد تكون اسما ، كقولك جئت من على الجبل ، بمعنى: من فوقه ، وقد تكون فعلا بمعنى ارتفع كما قال تعالى (إن فرعون علا في الأرض) وكقولك: علا الغبار أو الدخان ، وقد تكون حرفا مثل قولك: على زيد مال .
وقد تجيء (على) بمعنى (من) الجارة كما قال الله تعالى في سورة المطففين: {الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ) أي: من الناس، و كذلك تقع بمعنى: (عند) كقوله تعالى في سورة الشعراء: {وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ) أي: عندي .
ساحة النقاش