موقع الأستاذ عبد الفتاح أمير عباس أبو زيد

موقع لغوي أدبي تربوي قبمي

authentication required
أنوار آية : ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن

كتب: د. علي بن عمر بادحدح01 يناير, 2013 - 19 صفر 1434هـ

 

لقاؤنا يتجدد مع أنوار آية، والآية هي قوله سبحانه وتعالى: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [العنكبوت: 46].

وهذه الآية فيها توجيه رباني عظيم مع ذكر بعض وسائله وأسبابه المعينة عليه، وهي في توجيه المؤمنين المسلمين في كيفية خطابهم مع غيرهم من أبناء الملل الأخرى من أهل الكتاب، فالله جل وعلا يقول: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}.

وأول وقفة: أن أسلوب النفي والاستثناء هو أحد أساليب الحصر والقصر، عندما تقول لابنك لا تلعب إلا بعد فراغك من الدراسة فمعنى ذلك أن اللعب محصور في وقت محدد هو هذا الوقت وأن غيره لا يصلح فيه ذلك، وهنا: (لا تجادلوا.. إلا) أي لا تكون المجادلة على الوجه المطلوب إلا إذا كانت بالتي هي أحسن، فهي توجيه لكنه جاء بصيغة تدل على أهمية التزام هذا التوجيه وأنه هو الذي يحقق الخير وتحصل به النتائج وأن غيره لن يكون كذلك.

ثم المجادلة أصلها في اللغة من جدل الحبل إذا فتله حتى يحكمه ويشده، والمجادل يريد بحجته وبأدلته أن يفتل ويلوي عنق صاحبه وفكره وعقله ليوافقه فيكون معه محكماً متفقاً في الرأي والقول.

والمجادلة درجة أصلاً من درجات الدعوة لأن الحق سبحانه وتعالى يقول: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125]، فالحكمة هي ما يُعرض بالدليل القاطع البين الذي لا يملك العقل إلا التسليم به، ولذلك جُعلت على سبيل القطع إلى حد ما؛ لأنها كما يقولون مفحمة مقنعة، وكذلك الحكمة يجتمع فيها وضع الشيء في صوابه فتكون بالأسلوب الذي يؤثر في النفس كما يقنع العقل.

ثم الموعظة الحسنة، والموعظة تكون للموافق المآلف الذي بينك وبينه أمور معروفة مقررة مشتركة فهو يذكرك بما نسيت، ويُهيجك على ما ذكرت حتى تعتني به عناية أكبر.

أما المرتبة التي بعد ذلك فقد اشترط الحق لها أو وجّه بها إلى وسيلة أعظم، وجّه الله بالموعظة أن تكون بالحسنى فإنه وجّهها في المجادلة لغير المسلمين أن تكون بالتي هي أحسن أي بمرتبة أعلى وبحرص أكبر وبإحسان أكثر ولطف ورفق أبلغ، لماذا؟ لأن الذي تخاطبه هنا مختلف عنك ومخالف لك، فلكي تقربه إليك وتقنعه بما عندك لا يكفي الحسنى بل لا بد من التي هي أحسن، يعني لا بد من بذل جهد أكبر سواء في الموضوع والمادة والبرهان والحجة أو في المعاملة والمخالطة والمجالسة ونحو ذلك.

{وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ} وهذا أصلاً من أسلوب القرآن العظيم في تلطّفه بالخلق أجمعين، فقد سمى هذه الفئات من اليهود والنصارى بأهل كتاب مع أن القرآن ذكر أنهم حرّفوا كتبهم وأن بعض أحبارهم ورهبانهم قد بدّلوا وغيّروا، لماذا يذكر الله ذلك؟ تلطفاً وتحببا بأنكم أهل كتاب فهي سمة حسنة وصفة حميدة وتذكير لهم بأنكم إن كنتم أهل كتاب فحري بكم أن تتبعوا الكتب السماوية التي جاءتكم والتي جاءت بعدكم وهو القرآن العظيم والرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.

فهنا مشروعية للحوار والمجادلة، والحوار أصل الحور في اللغة يرجع إلى الرجوع، والمحاورة أن يرجع الإنسان بعد الأخذ والرد إلى قول لم يكن قاله من قبل، والمحاورة حينئذ هي مراجعة الكلام بين طرفين على سبيل الإقناع، فإذا كان الحوار صراخاً فلا أظنه يكون مقنعاً! وإذا كان مصارعة وصفعاً وركلاً فقطعاً لن يكون سبيلاً للإقناع! وإنما الحوار أصلاً هو لإقامة الحجة أو الإقناع والموافقة، إما أن يتغير الرأي وإما أن يفهم الرأي وتقام الحجة.

الله سبحانه وتعالى حاور إبليس في القرآن الكريم، وتوجد آيات كثيرة في الحوار بين رب العزة والجلال وإبليس وهو من مخلوقاته وهو الذي اقتضت حكمته عز وجل أن يكون شر الخلائق، ولكن جعل الله له فرصة ليقول ما عنده، قال: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف: 12] حجج! ثم استأذن أيضاً أن ينظره الله إلى يوم يبعثون، الرسل والأنبياء حاوروا طواغيت عصرهم، الكفرة الذين حشدوا القوى لقتالهم، فإبراهيم له حوار مع ذلك الطاغية المعروف، وموسى له حوارات متعددة مع فرعون وهو يعلم من فرعون لأن الله سبحانه وتعالى أمره بقوله: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: 44]، ونوح عليه السلام حاور ابنه وهو على الكفر، كل هذه الحوارات مع مفترقين مختلفين متباعدين ما رأينا في لفظ القرآن فيها شتماً ولا تسفيهاً حتى مع الكافرين: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون: 6]، إقامة حق ومفاصلة لكن من غير أن يخرج المؤمن عن خلق إيمانه ومنهج إسلامه.

ولذلك {لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ} [يونس: 41]، {لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا} [سبأ: 25] ونحن لسنا مجرمين، لكن القرآن يتنزل معهم حتى يبين الإنصاف ويقيم الحجة بالذات للمحايدين، عندما تناظر أحداً فأنت في طرف وهو في طرف وهناك جمهور مشاهد، ماذا تريد؟ هل تريد أن تغلبه؟ هل تريد أن تشهّر به؟ إذا كنت تريد إقامة الحق فالنية الخالصة ينبغي أن يتبعها العمل الموافق لها وإذا كنت تريد خير الناس فكن ذكياً.

ولعلي أذكر هنا صور الذكاء وهي كثيرة، قصة إبراهيم عليه السلام هي صورة من هذه الصور، لما قال: {رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ} [البقرة: 258]، قال هذا الطاغوت: {قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} [البقرة: 258]، فهل ترون إبراهيم الخليل عليه السلام ناقشه وقال كيف تحيي وتميت وهل تستطيع أن تعيد الروح، سكت ولم رد عليه، {قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} في بعض كتب التفسير أنه: "جاء برجلين مسجونين فقتل أحدهما وأطلق سراح الآخر قال: أنا أحيي وأميت هذا قتلته وهذا أحييته"، هذا الإحياء وهذه الإماتة، موافقون! لن نجادلك فيها، ماذا بعد ذلك؟ قال: {فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ} [البقرة: 258] لو جادله إبراهيم عليه السلام هناك واختصم وإياه وقال حقيقة الحياة هي بث الروح وأنت لم تفعل إلا أن قطعت رأسه لكن... سيطول الجدل دون فائدة، لكن الشمس تأتي من المشرق فإن كنت إلهاً فأت بها من المغرب، جاءه بما لا قِبَل له به، {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ} انتهى! خرس!.

فرعون في مجادلته مع موسى، يقول عنه: {قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ} [الشعراء: 27]، ما قال أنا لست مجنوناً وأنت تستخدم الدعايات وأنت تشوه الإسلام، وإنما سكت عنه حتى أقام عليه الحجة من كل وجه، فلم يبق لفرعون إلا أن يقول: اسجنوه واقتلوه، لأن الحجة قامت عليه فلم يستطيع أن يواصل الحوار، فبدأ بحوار من نوع آخر وهو حوار القتل والنفي.

هذا النوع الذي يقرر هذه الحقائق يدلنا ليس على شرعية الحوار بل على أهدافه وغاياته، بل هو مشتمل كذلك على أخلاقياته وآدابه، النبي صلى الله عليه وسلم كم كان من المشركين من يحاجه ومن يسيء الأدب معه، لكنه عليه الصلاة والسلام ما تلفظ بكلمة غير لائقة، ولا جنح إلى أسلوب من الأساليب التي تُعاب بل كان في قصته مع ثمامة بن أثال يقول: (ما عندك يا ثمامة) وثمامة مربوط في سارية من سواري المسجد مأسور عند المسلمين، قال: يا محمد، إن تقتل تقتل ذا دم -إن قتلتني فإن ورائي قبيلة وقوماً يأخذون بثأري- وإن تعتق تعتق ذا مال -إن أردت أن تفديني فأنا ذا مال- فيتركه النبي عليه الصلاة والسلام في اليوم الأول والثاني والثالث ثم ماذا؟ ثم قال: (حلّوا وثاقه)، وكان قد ربطه في المسجد حتى ينظر إلى المسلمين وهم يصلون وهم يبتسمون ويرى كيف يصنع الإسلام المجتمع الفريد، فلما أطلقه -وكان ثمامة رجلاً من رجالات العرب أصحاب النخوة والعزة- ذهب فاغتسل ثم رجع وأعلن إسلامه، لماذا لم يسلم وهو مربوط؟ أراد أن يقول: أسلمتُ عن قناعة واختيار ليس وأنا تحت قهر الأسر، ولهذا أراد النبي صلى الله عليه وسلم تركه، لم يقل له إما أن تسلم، هل تسلم؟.. سنفعل..، {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 256] إشعار وقاعدة مضطردة طبقها النبي عليه الصلاة والسلام في مواقع الحياة.

ولذلك يقول القرآن: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} والتي هي أحسن لها شروط، من الذي يجادل؟ من الذي ستكون عنده التي هي أحسن؟ أليس هو الأعلم بشرع الله فيحسن؟! كيف يتكلم وكيف يقيم الحجة وكيف يستطيع إبطال الشبهات ودحضها؟ أليس هو الأعلم الذي تأدب بآداب الإسلام وتحلى بأخلاق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فلا يخرج عن حد الاعتدال؟ أليس هو أيضاً الذي ينظر إلى المصالح الراجحة والنظر إلى الآخرين الذين يستمعون إلى هذا الحوار؟ ما رأيت متحاورين إلا ملت إلى الأهدأ منهما والأكثر ابتساماً والأحسن معاملة، حتى إنك أحياناً ترى مسلماً وغير مسلم وهو على هذا النحو، أنت مع المسلم لأنه على الحق لكنك تقول ليت غيره كان مكانه فإنه لم يحسن أن يمثل صورة إسلامنا.

وهناك قصص ثابتة في الحديث، كقصة الغلام التي وردت في صحيح مسلم وفي تفسير سورة البروج، أراد الطاغية أن يقتل الغلام وجرب معه عدة طرق لقتله ولم يفلح، وفي كل مرة يعود الغلام وينجو ويقتل جنود الطاغية، حتى دل الغلام الطاغية على طريقة قتله، فقال: اجمع الناس على صعيد واحد واربطني في جذع شجرة ثم خذ سهماً من كنانتي -تعليمات محددة- وقل: بسم الله رب الغلام ثم ارمني بالسهم فإنك إن فعلت ذلك قتلتني، المغفل الكبير والأحمق وافق، وجمع الناس وربطه وأخذ سهماً من كنانته وقال أمام كل الناس: بسم الله رب الغلام، ورماه فقتله، بمجرد أن أصابه السهم بعد قول: بسم الله رب الغلام، قال الناس كلهم: آمنا برب الغلام، فأقام هذا المغفل الحجة على صدق دعوى الغلام وعلى إيمانه وعلى كل ما جاء به مما يذكره للناس عن الدين الحق وأن هذا ظالم طاغ باطل، فلم يتحاور الطاغية مع الناس وليس عنده ما يقنعهم! فخدّ الأخاديد وحفر الحفر وأشعل النيران وقذف الناس فيها وانتهى الأمر، وهذا يدلنا على الحكمة التي يريد بها المحاور أو المجادل أن يصل إلى الثمرة والنتيجة، نحن لا نريد هذا الذي أمامنا أن نبين أنه أرذل الناس وأنه أجهل الناس لا، نحن نريد أن نظهر الحق في أحسن صورة وأحلى حلة متحلياً بالعقل والحكمة متجلياً بإقامة الحجة والبرهان، ساعياً إلى الخير والإحسان، قائماً بالأدب واللطف، ولذلك نرى في سيرة الرسل والأنبياء ما يدلنا على هذا.

والحق أن هذا إن كان في سياق الحديث مع غير المسلم فكيف هو مع المسلم وإن كان عاصياً، وإن كان غافلاً، وإن كان مرتكباً للكبيرة، وكلنا يعرف أن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاءه الشاب قائلا له: ائذن لي في الزنا، حاوره النبي صلى الله عليه وسلم: (أترضاه لأمك، أترضاه لأختك..) حوار عقل وحكمة، حوار حب ولطف ورفق، فاستطاع بذلك أن يزيل تعلقه بهذه الفاحشة ويدعو له عليه الصلاة والسلام. وغير ذلك كثير لما جاء ماعز رضي الله عنه يعترف بالزنا أعرض النبي صلى الله عليه وسلم عنه أربع مرات! وهو يقول له: (لعلك قبلت، لعلك كذا.. ، لعلك كذا، استنهكوه لعله شرب خمراً فيقول مالا يعرف) قالوا: "ما به بأس"، حينئذ أمر به أن يُرجم رضي الله عنه وأن يقام عليه الحد لأنه كان طالباً للتطهير.

إذاً المحاورة والمجادلة ليست انتصاراً للنفس، وليست إذلالاً للطرف الآخر حتى وإن كان غير مسلم، فالله بعث محمداً صلى الله عليه وسلم للخلق كلهم، وأهل الكتاب وردت نصوص كثيرة في آيات القرآن وأحاديث النبي عليه الصلاة والسلام بأن استهدافهم بالمحاورة والمجادلة أولى لأنهم مظنة أن يؤمنوا ويسلموا وأن يفقهوا هذا الدين.

ونذكر هنا بعض التنبيهات، قال: {إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} قال أهل التفسير فيه معنيين:

الأول: هو {إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} أي الذين أصرّوا على ما هم عليه بعد قيام الحجة وظهور البيّنة.

الثاني: الذين اعتدوا عليكم باعتدائهم على دينكم أو على أرضكم أو على أموالكم فهؤلاء لا يتصور محاورتهم أبدا.

ولذلك دائماً أقول احسبوا بالإحصاءات، كم غزا النبي صلى الله عليه وسلم؟ تسعة عشرة غزوة، كم عدد الذين قتلوا فيها من المشركين؟ كتب السيرة تحصي أعدادا أقل من بضع مئات، لكن كم عدد الذين أسلموا دون معارك؟ مئات الآلاف، حجّ النبي عليه الصلاة والسلام حجة الوداع ومعه نحو مائة ألف نفس.

انظروا أيضاً إلى معركتي اليرموك والقادسية، كانت معارك ضخمة، والذين قتلوا بعشرات الآلاف، لكن الذين دخلوا في الإسلام من تلك الديار بمئات الآلاف والملايين من البشر.

ثم يقول الحق سبحانه وتعالى: {وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ} وأنزل إليكم هذه حجة قوية لنا، ألسنا نؤمن بعيسى عليه السلام وبنبوته وبطهارته وبعظمته؟ ونؤمن كذلك بأنه أنزل عليه الإنجيل؟ وأن الإنجيل كتاب الله؟ وأنه هدى ونور من الله؟ ليس عندنا في ذلك شك؟ ونحن نؤمن بموسى عليه السلام وبالتوراة وبغير ذلك، فعندما نقول هذا نقيم الحجة، نحن نؤمن بالذي أنزل إلينا ونحن متأخرون، ونؤمن بالذي أنزل إليكم وأنتم متقدمون، فما بالكم لا تؤمنون بالذي أنزل إلينا؟! لأنك لو سألت بعض المسيحيين والنصارى، ماذا تعيبون على اليهود؟ يقولون اليهود لم يؤمنوا بعيسى ويتبعوا الإنجيل رغم أنه جاء بعد موسى ونزل عليه الإنجيل والمفروض أن يؤمنوا به، ونحن نقول وجاء محمد صلى الله عليه وسلم مبشراً في التوراة والإنجيل بعد موسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام أفليس حقاً على أتباع موسى وعيسى عليهما السلام أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم وأن يتبعوا القرآن والإسلام؟!، هذا هو الأمر البدهي، فإن الديانات واحدة في أصولها وهي متغيرة في شرائعها بما يناسب تغير الزمان والمكان وبما يناسب مصالح الخلق واقتضت حكمة الله كما تقام على ذلك البراهين الكثيرة عقلية ونقلية وتاريخية على ختم هذه الديانات بالإسلام وختم النبوات برسولنا محمد صلى الله عليه وسلم.

{وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ} إن قالوا واحد: فالحمد لله، هذه الوحدانية أس الديانات وهي جوهر الإسلام، وإن لم يقولوا واحد، فهذه مشكلة في دعوى أصل الدين وهو الوحدانية.

ولذلك الوحدانية هي أصل الديانات بلا شك، وغيرها ومنها التثليث وهو طارئ بتواريخ محددة يعرفها المؤرخون ويعرفها أصحاب الديانة أنفسهم، لم يكن موجودا في الأصل، ولذلك بعض فرقهم للإنصاف لا يزالون يقولون إن التوحيد هو أصلنا ويردون على من حرّفوا وغيروا وبدّلوا.

{وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} ختام هذه الآية أن أصل الديانات هو الاستسلام لله، يقول عز وجل: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ}[آل عمران: 19] هو الإسلام المعروف نعم، ولكن هو المعنى الحقيقي للدين وهو أن نستسلم لأمر الله سبحانه وتعالى فما جاءنا من أمر ونهي عن الله فهو الذي يصبغ حياتنا وهو الذي يغير معتقداتنا وأفكارنا وأقوالنا وأفعالنا كل شيء في حياتنا وفق أمر سبحانه وتعالى.

الحوار الذي يكون مع غير المسلمين خاصة، له أنواع كأن يكون حوار تعارف، أن تعرف من أنا وأعرف من أنت، وقد يكون الحوار ليس للتعارف وإنما للدعوة، والحوار في الإسلام للدعوة لكنه ليس للدعوة بالإكراه والقوة وإنما لأن الإسلام حق وكتابه محفوظ ورسوله خاتم معصوم، فكل فرصة تتاح لقول الإسلام ولقول غيره سوف تكون الغلبة بلا إكراه للإسلام وهذا الذي تثبته الإحصاءات، ولعلي أشير إلى بعضها.

الموسوعة المسيحية العالمية بنهاية عام 2000م ومع بداية الألفية الثالثة أفادت بأن نسبة عدد المسلمين على مستوى سكان العالم زادت من 16,3% إلى 19,6% يعني 6% على مستوى سكان العالم، ومعروف أن الذين يدخلون في الإسلام اليوم أكثر بل أضعاف أضعاف ما يدخلون في غيره من الديانات رغم أن المسلمين مقصرين في الدعوة ومقصرين في الإعلام ومقصرين في تبليغ الإسلام بكل الوسائل.

وهناك حوار للتعايش وهو مهم، لأن الإسلام جاء بالتعايش، فمن يريد البقاء على دينه يُقر له ذلك، لكن هناك مسألة مهمة يجهلها الناس وهي أن إقرارهم على دينهم ليس تصحيحاً لهم، نحن نقبل أن تبقى على دينك وإن كان خطأ، لماذا؟ لأنك ستحاسب عليه، نحن لا نحاسبك، المحاسب هو الله عز وجل: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 256].

فإذا أقررنا له بألا يدخل في الإسلام أفليس من العقل أن نتيح له فرصة الحياة والعيش الكريم بوصفه إنسانا وقد تركنا له اختيار الدين، إذاً فالمقصود من التعايش تحديد حقوقه وواجباته، كيف يأخذ حقه؟ وكيف يؤدي واجبه؟ والإسلام هو الدين الوحيد الذي ظلل كل الديانات بظلال الرحمة والإنصاف والعدل وكل تاريخ الديانات من اليهودية والنصرانية يثبت بتاريخهم وبأقوالهم أنهم نعموا في ظلال الإسلام ودولة الإسلام ما لم ينعموا في غيرها، وهذا شواهده كثيرة.

وأخيراً قد يكون الحوار للتوحد وهذا لا يكون بين الأديان، بالنسبة للإسلام لن يتوحد مع غيره، فالإسلام هو الدين الحق وليست هناك حوارات للتوحد أو التقارب، فمعنى التقارب أن تترك شيئا من الإسلام وهم يتركون شيئا من دينهم، لذلك لما جاءت المفاوضات مع كفار قريش قالوا: نعبد إلهك عاماً وتعبد إلهنا عاماً، فنزل قول الله عز وجل: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [سورة الكافرون].

فليس هناك ما يسمى بالتقارب، هناك التعايش، هناك التفاهم والحوار، هناك الدعوة.

هذا جزء مما ينبغي أن نفطن له، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يقيم حجتنا وأن يعلي رايتنا، وأن ينشر دعوتنا، وأن يجعل العاقبة لنا، ونسأله سبحانه أن يسخرنا لنصرة دينه ونشر دعوته.

amer123123

اللهم احفظ المسلمين من شر وسوء المنافقين والخونة والعملاء والكافرين يارب

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 129 مشاهدة
نشرت فى 20 يونيو 2013 بواسطة amer123123

ساحة النقاش

عبد الفتاح أمير عباس أبوذيد

amer123123
موقع لغوي تربوي وأدبي وقيمي الرؤية والرسالة والأهداف: رؤيتنا: الرؤية : الارتقاء بالمنظومة التعليمية والتربوية بما يؤسس لجيل مبدع منتمٍ لوطنه معتزاً بلغته فخوراً بدينه رسالتنا: السعي لتقديم خدمات تربوية وتعليمية ذات جودة عالية بتوظيف التقنية الحديثة ضمن بيئة جاذبة ومحفزة ودافعة للإبداع الأهداف التي نسعى إلى تحقيقها · إعداد »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

14,674,897