موقع الأستاذ عبد الفتاح أمير عباس أبو زيد

موقع لغوي أدبي تربوي قبمي

من لي بأمثال هذا الداعية

كتب: د. محمد الدويش21 فبراير, 2013 - 11 ربيع الثانى 1434هـ

 

في قرية نائية من قرى مالي التقينا مع داعية من الدعاة يحدوه الهمّ لتعليم الناس وتبليغ الدين ، قام من خلال جهد فردي بإنشاء إذاعة محلية في منزلة ، هذه الإذاعة يُشغِّلها ويديرها ويقدم برامجها بنفسه ، ولا تتجاوز تكلفتها بطارية بقيمة مائة دولار ، ويبث من خلال هذه الإذاعة برامج تعليمية وأشرطة قرآن كريم على مدى ساعتين في الصباح ، وساعتين في المساء ، وحين يسافر يكون قد أعدّ مجموعة من الأشرطة الصوتية وأناب زوجته بتشغيلها فترة غيابه .

ويقبل أهل القرية على سماع هذه الإذاعة ومتابعة برامجها ، وينتظرونها ويتلهفون عليها بشغف .

إن هذا الداعية - الذي ربما لم يحمل تأهيلاً جامعياً - ينتج بعمله هذا على المدى الطويل أضعاف ما ينتجه كثير ممن يملك أعلى المؤهلات .


كثيراً ما نقدم أفكاراً طموحة ، ونتحدث عن مشروعات ضخمة ، وكثيراً ما يبدو في حديثنا عن الأعمال والمشروعات تهميش الأفكار الجزئية والأعمال الصغيرة.


ومن هنا تعلو لدى بعض الناس وتيرة النقد، وكلما ارتبط النقد بالأكابر - أفراداً أو مؤسسات - صار أكثر شهية .

 
ومما لا شك فيه أن مشروعنا الدعوي يحتاج منا إلى أن نفكر بطريقة أعمق ، وإلى أن نقدم برامج طموحة ، وإلى أن نخضع مشروعاتنا للنقد والتقويم ، وأننا نعاني من سطحية في التفكير ومحدودية في الآراء .


لكن هذا قد يدعونا إلى أن نغفل عن أمر له آخر ألا وهو الروح العملية والإنتاج .

فمع أهمية الأفكار الطموحة ، ومع ضرورة معايشة تحديات الواقع ، إلا أن ذلك كله ما لم يقرن بجهد عملي يبقى حبراً على ورق .

والناقدون للأعمال والعاملين ما لم يقدموا برامج عملية واقعية فإنهم لا يحققون أمراً ذا بال .


أينما رحلت في المشرق والمغرب ، ولقيت العديد من شباب الصحوة فأنت ترى فئات عديدة من الخيّرين ، وتسمع ما يسرك من الأفكار والآراء ، لكن حين تنتقل إلى الواقع العملي ، وتبحث عمّا يقدمه هؤلاء فسترى أن العامل قليل .


وتزداد المشكلة حين يكون التحليق في جو الأفكار المثالية والمشروعات الطموحة وسيلة نفسية يمارسها أصحابها للهروب عن العمل المنتج ، فحين تبدو أمامهم مجالات للعمل ، وحين يدعون للمشاركة يحتقرون ما يدعون إليه ، ولو أنهم انشغلوا عنه بما هو أولى وأجدى نفعا لكان مسلكهم محموداً ، لكنهم إنما ينشغلون باجترار الكلام وترديد المقولات .


وأمثال هؤلاء ينبغي أن يذُكَّروا بقول الله عز وجل : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ } [ الصف: 2-3 ] .


وحريٌّ بالمربين والموجهين أن يُخرِّجوا جيلاً يكون العمل أول ما يفكر فيه ، ويدرك أنه إنما يسأل يوم القيامة عما قدم وعمل ، وإنما يجزى على عمله إن خيراً فخير، وإن شراً فشر .


وهذا لن يتم إلا من خلال قدوات واقعية يرونها ، ومن خلال فتح مجالات عمل يُشرك الناس فيها .

 

والاهتمام بالعمل لا يعني إهمال الفكر وإلغاءه ، بل نحن بحاجة إلى ننفق المال من أجل الوصول إلى أفكار بنّاءة تختصر علينا الكثير من الخطوات .

لكن ينبغي أن ندرك أن قيمة هذه الأفكار إنما تظهر حين تكون خطوة نحو العمل الإيجابي ، وإلا صارت علماً لا ينفع ، وقد استعاذ من ذلك خير الخلق صلى الله عليه وسلم .


كما ينبغي أن ندرك طاقات الناس وإمكاناتهم ، وأن الداعية الناجح هو من يستطيع أن يدفع الناس لأن يعملوا ويقدموا ما يطيقون من جهد وعمل ، وأن يتقي كل منهم ربه فيما يستطيع .

amer123123

اللهم احفظ المسلمين من شر وسوء المنافقين والخونة والعملاء والكافرين يارب

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 117 مشاهدة
نشرت فى 20 يونيو 2013 بواسطة amer123123

ساحة النقاش

عبد الفتاح أمير عباس أبوذيد

amer123123
موقع لغوي تربوي وأدبي وقيمي الرؤية والرسالة والأهداف: رؤيتنا: الرؤية : الارتقاء بالمنظومة التعليمية والتربوية بما يؤسس لجيل مبدع منتمٍ لوطنه معتزاً بلغته فخوراً بدينه رسالتنا: السعي لتقديم خدمات تربوية وتعليمية ذات جودة عالية بتوظيف التقنية الحديثة ضمن بيئة جاذبة ومحفزة ودافعة للإبداع الأهداف التي نسعى إلى تحقيقها · إعداد »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

14,613,345