فلسفتي في التدريس
لعل من المفيد أن نفرق بداية بين مصطلحي التعليم والتعلم ، فالأول يعني إحداث تغيير مقصود ( أو منتظر ) في سلوك المتعلم . أما الثاني فيمكن أن يحدث عشوائيًا ، أو من غير تخطيط مسبَّق لمعطياته أو مخرجاته المرغوبة ؛ لذا فإن عملية التعلم عملية يومية مستمرة ، تحدث في كل مكان ، وفي كل آن ، ولكل إنسان ، يمارسها في كل منشط من مناشط حياته المختلفة ، ويبني عليها خبراته التراكمية . أما العملية التعليمية فإنها تتطلب تحديدًا مسبقًا لما يراد للطالب أن يتعلمه داخل تلك المؤسسة التربوية التي يتعلم فيها .
أرى أنَّ العملية التعليمية يجب أن تمر بثلاث مراحل ، وهي كالآتي :
أولاً : مهارات ما قبل التدريس :
وتعني المهارات المرتبطة بتخطيط التعليم وتصميمه ، التي يحتاج إليها الأستاذ قبل تفاعله في الموقف التدريسي، ويندرج تحتها العديد من المهارات الفرعية، وذلك على النحو التالي :
1- تحديد الأهداف التدريسية :
الأهداف موجهات تحدد سير عملية التدريس ، وتوجه سلوك المعلم والمتعلم نحو ما ينبغي تحقيقه ؛ ولذلك فتحديد الأهداف يُعد أولى خطوات عملية التدريس .
2- تحليل المحتوى التعليمي :
يقصد به استخلاص جوانب التعلم المعرفية والوجدانية والمهارية من الدرس ، مما يساعد الأستاذ على الإلمام بجوانب مادة التعلم .
3- تنظيم المحتوى التعليمي :
3-1 البناء على المعرفة السابقة .
3-2 الانطلاق من مشكلة وتساؤل .
3-3 البدء بخطوات بسيطة .
3-4 استخدام أمثلة محسوسة ، ومحاولة الربط بالواقع .
3-5 زيادة مستوى التركيب شيئًا فشيئًا .
3-6 مراعاة خصائص الطالب المستهدف وحاجاته .
4- تخطيط الدرس :
التخطيط له دور هام في التدريس ، ويتمثل هذا الدور في الآتي :
4-1 توجيه محتوى المادة وجميع الإمكانات اللازمة نحو تحقيق الهدف .
4-2 جعل عملية التعليم ممتعة للطلاب .
5- اختيار مدخل التدريس :
كل محتوى له مدخل تدريس يلائم طبيعة هذا المحتوى ؛ ولذلك فهذه الخطوة تحدد في ضوء تحديد الأهداف ، وتحليل خصائص المتعلمين ، وطبيعة المادة الدراسية .
6- تحليل بيئة التعلم :
أقصد بالبيئة هنا البيئة المجتمعية ، والبيئة جامعية ، والبيئة الصفية ـ بيئة القاعة ـ ؛ ولذا أحاول أن ألمَّ بكيفية تحليل البيئة الصفية وتنظيمها بما يسمح بتحقيق الأهداف المنشودة .
ثانيًا : مهارات التدريس :
وأعني بها مجموعة المهارات التي يمارسها الأستاذ في الموقف التدريسي داخل القاعة ، والمرتبطة بتنفيذ الدرس ، وفي ذلك الصدد أحاول الالتزام بعدة مهارات فرعية ، أهمها :
1- مهارات الاتصال :
تشمل كل ما يقال أو يكتب أو يقرأ ، وكل ما يحدث من حركات وأفعال وإيحاءات تعزز التعاون بين الأستاذ والمتعلمين .
2- الانتباه :
يقصد به توجيه شعور الفرد أو إدراكه الذهني إلى موقف سلوكي جديد ، عن طريق بعض المثيرات المتنوعة . وفي رأيي يعد الانتباه من العمليات الهامة التي توطد العلاقة بين الأستاذ والمتعلم ، وقد يتحقق عن طريق استخدام الوسائل التعليمية ، أو استخدام الرسم البياني أو التوضيحي ، وكذلك التمثيل الحسي والحركي ، وغير ذلك . لكني أحاول في الوقت ذاته ألا أكرس وقتي وجهدي في جذب انتباه الطلاب ، وتشويقهم للدرس بشتى الطرق والوسائل ؛ لأن هذا الانتباه يكون مؤقتًا ، فالأهم هو أن أنجح في توجيه نشاطهم ومجهودهم توجيهًا ثابتًا ودائمًا .
3- إثارة الدافعية :
الدافعية حالة داخلية في الفرد تستثير سلوكه ، وتوجهه نحو تحقيق الهدف المنشود ؛ ولذا فأنا أحاول إثارة الدافعية من خلال تعزيز الاستجابات الصحيحة ، فالإشارة إلى طالب بعينه يستثير دوافع باقي الطلاب .
4- المرونة :
وأقصد بها محاولتي الجمع بين أكثر من طريقة في التدريس ؛ فمثلاً الجمع بين عدة نظريات مثل : السلوكية ، والمعرفية ، والبنائية ؛ وذلك رغبة في التنويع في معالجة المحتوى ، كي أتلافى عيوب الطرق ، وأحقق فعالية التدريس .
5- طرح الأسئلة :
يقصد بها تصنيف الأسئلة الصفية بما يتفق مع المستويات العقلية للطلاب ، وهذه الأسئلة أحاول طرحها على المستوى الفردي ، وأحيانًا على المستوى الجماعي ، وذلك عن طريق تكوين ما يشبه ورش العمل ؛ وذلك ليتدرب الطلاب على مهارة العمل ضمن الفريق الواحد ، وكذلك لاستثارة دوافع بعض الطلاب من ذوي الهمم الضعيفة .
6- إدارة قاعة الدرس :
وفيها أهتم بعدة أمور ، أهمها :
6-1 التعرف على أهم طبائع الطلاب ، وخصالهم الشخصية .
6-2 كيفية التعامل مع الطلاب .
6-3 مراعاة الفروق الفردية بينهم .
6-4 محاولة التعرف على أهم المشكلات لديهم ، سواء على المستوى التعليمي ، أو الاجتماعي ، أو النفسي .
ثالثًا : تقويم مخرجات عملية التدريس :
وتعني مجموعة المهارات التي يمارسها الأستاذ ، بقصد التحقق من تحقيق عملية التدريس للأهداف المنشودة منها ، ويندرج تحتها عدد من المهارات الفرعية :
1- تقويم نتائج التدريس :
التقويم عملية هامة ومستمرة ، فهو وسيلة واستراتيجية في وقت واحد ، يستخدم الأستاذ أساليب التقويم وأسسه وأدواته المختلفة ؛ للتأكد من تحقيق الهدف ومعرفة النتائج المرغوبة خلال عملية التدريس . وأرى أن الاختبارات يجب أن تُصمم على وفق الأهداف المرسومة ، والمحتوى الدراسي أيًا كان نمطه وشكله . وأما بالنسبة لنوعي الاختبارات : موضوعية ، ومقالية ، فأحاول الجمع بينهما وعدم الاقتصار أي منهما .
ولعل السبب في ذلك يكمن في الرغبة في الجمع بين مميزات النوعين ، فللأسئلة الموضوعية دور بارز في قياس التحصيل ، حيث تمكننا من قياس مستويات مختلفة من النواتج التعليمية : كالتذكر ، والفهم ، والتطبيق ، وربما التحليل أيضًا . والأسئلة الموضوعية ذات فاعلية لقياس هذه النواتج إذا ما أحسن إعدادها وتنظيمها ، ولكن عندما نصل إلى المستويات العليا كالتركيب في مصنف الأهداف المعرفية تصبح الأسئلة الموضوعية ، وحتى الأسئلة ذات الإجابات المقيدة غير مناسبة ، وعليه فإنَّ الأمر يتطلب استخدام أسئلة المقال .
إنَّ الفائدة الرئيسة للأسئلة المقالية ، تتضح في صلاحيتها لقياس قدرات الطلاب على معرفتهم وتوفير الترابط والتكامل فيها ، كما تستخدم في حل مشكلات جديدة ، وتوفر عناصر الأصالة والإبداع لدى الطلاب .
2- الأنشطة التعليمية :
النشاط التعليمي عبارة عن خبرة تعلمية عملية ، يشترك فيها المتعلم ؛ لتحقيق هدف تدريسي . وهذه الأنشطة تتراوح بين تكليف الطلاب بعمل بحث حول موضوع معين أو ظاهرة ما ، والهدف من ذلك هو تدريب الطلاب على التعامل مع المصادر والمراجع ، وتحقيق الذاتية في الحصول على المعرفة ، وممارسة بعض المبادئ الأولية للبحث العلمي ـ وبين إلزامهم بممارسة الواجبات المنزلية ، التي تهدف إلى التطبيق العملي لما سبق دراسته ، وهي أيضًا لون من ألوان المراجعة والتعمق داخل المادة الدراسية .
والله الموفق وعليه قصد السبيل
ساحة النقاش