المضمون التربوي لقصص الأطفال في شعر أحمد شوقي أمير الشعراء بقلم: د أميمة منير جادو
تاريخ النشر : 2010-11-06 المضمون التربوى لقصص الأطفال
في شعر أمير الشعراء " أحمد شوقي "
دراسة تحليلية د/ أميمة منير جادو *
توطئة :
تَزَعَّمَ أحمد شوقي إمارة الشعر على مستوى القصيدة التي كتبها للكبار وللصغار أيضاً .
ولعل في هذا بيت القصيد نفسه والذي ينطوي عليه اختيارنا لأمير الشعراء أحمد شوقي في هذا المقال ، بحيث يصبح من السفسطة طرح السؤال المنهجي :
لماذا أحمد شوقي ؟ ثم الرد عليه .
ولعلنا ضمننا عنوان المقال الإجابة مختصرة مكثفة بقصدية " اللقب " ( أمير الشعراء ) والتي لم يختلف عليها جميع نقاد عصره وما بعد عصره .
أما الحديث عن قصة الطفل وما يتعلق بها من محاور مختلفة مثل ماهيتها أو مصادرها أو أفكارها أو مراحل النمو الأدبي عند الأطفال أو ما يتعلق بشخصيات قصص الأطفال أو أسلوب تقديم القصة للطفل أو مقومات الكتابة الفنية في قصة الطفل أو الاعتبارات الرئيسة التي يجب مراعاتها في كتابة قصة الطفل على المستوى الأدبي أو الفني أو التربوي أو .. أو ... الخ.
فإنه من وجهة نظرنا - الشخصية - نرى أن مثل هذه الأحاديث صارت عبثية مكررة لا تضيف جديداً ، وقد تناولتها كثير من الدراسات الأكاديمية أو أقلام بعض الكتاب الكبار أمثال عبد التواب يوسف ومحمد نجيب والشاروني وغيرهم مما لا يتسع المجال لذكرهم جميعا ...
ولهذا أيضا فقد رأينا تقديم هذا الموضوع – ( المضمون التربوي لقصص الأطفال في شعر أمير الشعراء أحمد شوقي ) – لعله يقدم إسهاماً جديداً لم يحظ بالبحث في هذه الجزئية خاصة ، وأعنى بها القصة الشعرية أو الشعر القصصي للأطفال فضلاً عن مُبْدعها أمير الشعراء الذي تناولته العديد من الدراسات اللغوية والأدبية بما تنطوي عليه من محكات أسلوبية أو بلاغية أو .. الخ .
وقد ارتكزنا في هذه الورقة على المصدر ( المختار من ديوان شوقي للأطفال ) الصادر عن مكتبة الأسرة سنة 2000 – الروائع ، والذي قدم له الأستاذ الكبير عبد التواب يوسف، وهذا في حد ذاته ما يشجع اختيارنا هذا المصدر وما يصقله ويبرره أيضاً، فهذا المصدر قد حظى بين دفتيه بثلاث اعتبارات هامة :
الاعتبار الأول : جهة الإصدار وسلسلة الروائع .
الاعتبار الثاني : الشاعر نفسه ( أمير الشعراء ).
الاعتبار الثالث : مقدم الكتاب أ . عبد التواب يوسف وهو غنى عن التعريف باعتباره من أهم الأقلام في مجال الكتابة للطفل من جيل الرواد الأوائل بعد كامل كيلاني مباشرة .
أما أهمية هذا المقال فلعلها تنبع من الاعتبار الرابع لدى كاتبة المقال نفسها وهو الوقوف على المضمون التربوي في قصص الأطفال لدى أمير الشعراء، وفي حدود علمي أن هذا الجانب لم يدرس من قبل في شعر أمير الشعراء بعد الدراسة المسحية الأولية التي قامت بها الباحثة للوقوف في هذا الجانب، وبذلك يصبح الوقوف على " المضمون التربوي " عند شوقي: وهو الهدف الذي نصبو إلى بلوغه وإبرازه باختصار في هذا المقال المتواضع فالموضوع بحاجة ماسة إلى دراسة مسحية معمقة، فلعل المقال دعوة لهذا أيضا .
* الشعر القصصي أم القصص الشعري للأطفال ؟
لن نحاول – في هذا المقال القصير – الخوض في فلسفة المصطلح كثيرا أو التوقف عند مناقشته فهذا لا يهم الآن ولكن يمكن الإشارة إلى أن المقصود بأي من هذين المصطلحين هو هذا الشعر الموزون المقفى الذي كتبه أمير الشعراء ويشمل النص الشعري في الوقت نفسه على قصة متكاملة ذات بداية ونهاية وحبكة فنية ومعنى وتنطوي على مضمون تربوي ، وتُقرأ عبر موسيقى الشعر، ويشار إلى هذا المضمون إما صراحة أو رمزاً وقد تكون القصة ذات بناء درامي على لسان الشاعر ( الراوي ) أو بين شخوصها، وأن الشخوص أنفسهم قد يكونوا مجرد رموز حيوانية أو جماد أو نبات وليسوا بالضرورة من بنى البشر .
ويدعو عبد التواب يوسف في مقدمة الكتاب الأمهات إلى ترديدهن للقصائد على مسامع أطفالهن ليصل الشعر إليهم ويصلوا إليه لأن الشعر فكر والشعر صور ترسمها الكلمات وتجعل الأطفال يتخيلونها فتتسع آفاقهم والشعر موسيقى ( هي مدخل إليه، أو هو طريقهم إليها، لتدريب آذانهم على الأوزان والبحور والألحان والأنغام ويؤكد أيضا : أن الشعر في العصر الحديث هو الملاذ وهو النجاة بالنفس والروح في عصر تحكمت فيه الماديات .
ويضيف : بأن الأطفال يقبلون على الشعر البسيط الذي يروى قصة ويكون فكاهياً مرحاً، كما أنهم يفضلونه في صورة ( غناء ) أو ( نشيد ) أي التي تحاكى حركة إنسان أو حيوان أو ماكينة .. الخ .
كما أنهم يميلون إلى أن يكون قصيرا، والطفل يحب القصة فإذا ما اجتمعت هذه العناصر : "الشعر" ، " الفكاهة" ، " الحيوان والقصة" فلاشك أننا سنجتذب إلينا الطفل ونكسبه إلى صفنا . وقد فعل شوقي كل ذلك في قصائده للأطفال وكسب بها أجيالاً عدة .
أضف إلى هذا كله المضمون التربوي ( القيمي والأخلاقي والاجتماعي والقومي ... الخ ) الذي تحتويه القصة المقدمة للطفل داخل النص الشعري وهذا ما سنتعرض له لاحقاً .
* مصادر شوقي في قصصه الشعري للأطفال :
يشير الكاتب عبد التواب يوسف إلى أربعة مصادر هى :
(1) حكايات لا فونتين ، (2) القصص الديني .
(3) التراث العربي . (4) تجاربه الخاصة .
وعلى سبيل المثال لا الحصر :
فقد اقتبس أمير الشعراء في قصصه الشعري حكاية الديك والثعلب عن " لافونتين" ، ومن "التراث الديني" اتخذ شوقي من ( سفينة نوح ) مسرحاً لتسع قصص في قصائده مثل : نوح والنملة ، والسفينة والثعلب في السفينة .. الخ ، ويحكى أربع قصص عن سيدنا سليمان والطير تدور حول الهدهد والطاووس والحمامة ثم البلابل التي رباها البوم، ومن " التراث العربي " استلهم حكاية الصياد والعصفورة وغيرها، أما " تجاربه الخاصة "، فإنه يصعب حصرها جميعا كأعمال إبداعية خالصة من التأثر بالتراث أو استلهامه لصعوبة حصر جميع ما ورد في التراث الذي قرأه وتأثر به تماما وما أبدعه هو شخصياً خالصاً.
* المضمون التربوي للقصص الشعري عند شوقي :
نظم شوقي مجموعة من الشعر البسيط السهل للأطفال خاصة ، نشرت في " الجزء الرابع من الشوقيات" ، بعضها يدور حول الحيوان مثل ( الهرة والنظافة ) و (الرفق بالحيوان) و( ولد الغراب ) و ( الوطن ) و ( الأسرة ) ( الحدة ، والأم ) كما تحدث عن النيل ، المدرسة مثل " نشيد مصر" ، " ونشيد الكشافة " ، " ونشيد الشبان المسلمين " والأخير نشر في الشوقيات المجهولة ... الخ .
تضمن القصص الشعري للأطفال مجموعة من المضامين أو القيم التربوية ( الخلقية والاجتماعية والدينية والوطنية .. الخ .
وعلى سبيل المثال لا الحصر يشير إلى قيمة ( النظافة ) عبر الأبيات الشعرية لقصــة ( الهرة والنظافة ) :
ومن الأثواب لــــم تمــ لك سوى فرو قطيفــــة
كلما استوســـــــــخ أوآ وَى البراغيث المطيفة
غللَّتــــــــــــه وكوتـــــــــــه بأســــــــــاليب لطيفــــــة
وحدت ما هوى، لحمام والمــــاء وظيفـــــــــــــــة
صيرت ريقتهــــــا الصا بــــون والشارب ليفـــــة
... الخ
ويختتم
إنما الثوب على الإنسـ ان عنـــــوان الصحيفة
ويشير إلى " حنان وحب الجدة " ودورها التربوي تجاه أحفادها فهي تحبهم وتعطف عليهم وتحميهم من إيذاء الآب بالضرب ،وتذكره بأنه ذات يوم كان مثل ابنه في طفولته وقد فعل بها ما يفعل هذا الصبي اليوم به ، ولذا تدعوه للرحمة بابنه فيقول في نشيد ( قصة الجدة ) :
لي جدة ترأف بـــــــي 00 أحنى علىَّ من أبى
إن غضب الأهل علىَّ 00 كلهُّم لـــــــم تغضب
.. الخ
ويختم بقول الجدة لأبنها :
ألم تكن تصنع ما يَصنعُ إذ أنت صبى ؟
وفي قصيدة " قصة الوطن " يحكى عن عصفورتين بأرض الحجاز فوق غصن تتناجيان في سعادة فأتى لهما الريح من أرض اليمن ليغريهما بالطيران إلى أرض ( عدن ) :
قالت لـــــه إحداهما 00 والطَّيرُ منهن الفطن
يا ريحُ أنت ابنُ السبيل 00 ما عَرفْتَ ما السكن
هَب جنةً الخُلدِ اليمن 00 لا شئ يَعدِلُ الوطن !
وفي القصة الشعرية السابقة تأكيد على قيمة ( الانتماء للوطن )
وفي قصيدة أخرى يؤكد على قيمة ( الرفق بالحيوان ) :
الحيوانُ خَلقُ .. له عليك حَقُّ
من حقه أن يُرفقا .. به وألا يُرهقا
لأنه : بهيمة مسكين .. يشكو فلا يبين
لسانه مقطوع .. وما له دموع .
وفي معنى ( الرفق بالحيوان ) ( قيمة الرحمة ) وهى قيمة دعا إليها رسول الله (ص) وقال : ارحم ترحم .
وحول قيمة الأمومة وأهمية دور الأم في التربية وتأثيرها في النشئ سلباً وإيجابا قال :
إن شئتِ كان الَعْيرَ، أو .. إن شئتِ كان الأسدا
وإن تُرِد غيَّا غـــــــــــوى 00 أو تبغِ رُشــــــداً رشَداَ
يأخُذُ ما عَوَّدِتــــــــــــــــه .. والـمــــــرُء ما تعـــــــودَّا
وحول قيمة "التعلم والتعليم" والدعوة إليه بإصرار لأن التعليم مرادف للتنوير وللفكر وضد الجهل، وقد صور شوقي المدرسة باعتبارها وسيط تربوى هام لنقل المعرفة صورها كأم تقص حكايتها فهى تحتوى التلاميذ تضمهم وتعلمهم :
أنا المدرسة اجعلني .. كأم ، لا تمل عنــــــــى
أنا المصباح للفكـــــر .. أنا المفتاح للذهـــــــــن
أنا البابُ إلى المجد .. تعالَ ادخل على اليُمُنِ
كما تؤكد قيمة (المشاركة والتعاون) بين الزملاء في مجتمع المدرسة وأيضا دور المدرسين كآباء للتلاميذ وقدوة يقول شوقي :
وألقاك بإخوانِ .. يدانونك في السَّنَّ
وآباء أحَبوُّكَ .. وما أنت لهم بابــــــن
وفي قيمة "الوطنية وافتداء الوطن" وإيثاره على النفس يقول شوقي في نشيد مصر :
لنا وطن بأنفسنا نقيه .. وبالدنيا العريضة نفتديـه
إذا ما سيلت الأرواحُ فيه .. بذلناها كأن لم نعط شيَّا
إليك نموت – مصرُ – كما حيينا .. ويبقى وجهك المفدىُّ حيَّا
وفي قيمة ( التسامح الديني ) وعدم التعصب للأديان والتطرف أو الغلو يقول :
جعلنا مصر مِلَّة ذي الجلال .. وألفنا الصليب علـــــــى الهلال
وفي احتضان مصر لأى غريب أو جار وإكرامها له قال :
وينعم فيه جيران كرام .. قلن تجد النزيل بنا شقيا
وأيضا عن قيمة "حب الوطن " وافتدائه بالأنفس الغالية ليبقى هو قال :
إليك نموت – مصرُ – كما حيينا .. ويبقى وجهك المفدىُّ حيَّا
وفي الفضائل والقيم التي تبثها ( الكشافة ) كأحد الأنشطة التربوية قال عن قيمة الصدق والعفة والكرم ورعاية الأطفال والمحتاجين وحماية النساء وغيرها ...:
في الصدق نشأنا والكرم .. والعفة عن مَسَّ الحُرمَ
ورعاية طفل أو هَــــــــــرِم .. والذود عن الغيدِ الحصُنُِ
ونوافي الصارخ في اللَُّجج .. والنار الساطعة الوَهَــــج
لا نسأله ثمن المنهجِ .. وكفي بالواجِبِ من ثمنِ
ويلخص شوقي في قصة ( أنت وأنا ) قيمة تربوية هامة حول إدراك الإنسان لقدراته الحقيقية بلا غرور والاعتراف بقدرات الآخر عند المواجهة وهى مجمل الروح الرياضية ويختم شوقي القصيدة بقوله :
بل قال للغالب قولاَ لَّينا الآن صرنا اثنين : أنت وأنا
ويعود شوقي في قصة ( ضيافة قطة ) ليؤكد مجموعة من القيم التربوية الهامة منها الرفق بالحيوان وتأمينه ، ومنها الأمومة عند الحيوان وكيف تنقلب القطة إلى حال شرسة إذا ما حاول أحد إيذاء أطفالها ، وعن أهمية منح الأمن والأمان حتى ولو كان لحيوان ضعيف نختار بعض الأبيان من القصة الشعرية :
ولا رأيـــــــتُ غيرَ أُمَّ .. بالبنين بَــــــــــــــــرَّة
رأيتُ جــــــــِدَّ الأمهـا .. ت في بناءِ الأسرَة
فلم أَزَل حتى اطمأن .. جأشُهــــــــــا، وقرَّت
أتيتها بشربـــــــــــــــــــــــة .. وجئتها بكســــــــــرة
فأضجعت تحت ظلا .. ل الأمنِ واسبطرَّت
وسرح الصغار في .. ثديَّها، فَدَرَّت .. الخ .
وفي قصة " الصياد والعصفورة " يؤكد شوقي على قيمة الفطنة الحدس وإعمال العقل وعدم التسليم تماما بالمظاهر ولكن الوقوف على الجوهر لأن المظاهر كثيرا ما تخدع فيقول :
" ما كُلُّ أهلِ الزُهدِ ِ أهلُ اللهِ 000كم لاعب في الزاهدين لاه "
وأيضا : " إياك أن تغتر بالزُّهَّاد .. كم تحت ثوبِ الزهد من صياد "
وفي قصة " ( البلابل التي رباها البوم ) " يؤكد شوقي على أثر البيئة تربوياً أو تأثير دور المربى في التربية فالمرء على ما عوداه أبويه ورباه فيقول :
بلابِلُ الله لم تخرس ، ولا وُلدِت .. خُرساً ، ولكن بوم الشؤم ربَّاها
ومجمل القصة السابقة يؤكد أن الكبت والقهر والظلم الاجتماعي في العملية التربوية يؤثر سالباً على شخصية الطفل .
وحول مضمون الحيطة والحذر والحرص وعدم الثقة بدون أسبابها يقول شوقي في قصة ( الديك الهندي والدجاج البلدي ) كيف أن معسول الكلام قد يخدع ويجب ألا ينساق الإنسان بسهولة ورائه حتى لا يغدر به كما حدث للدجاج البلدى من الديك الهندي، وبعض الأبيات نسوقها فقط :
إذا جاءها هندي كبير العُرفِ قام في الباب قياــم الضيف
يقولُ: حيَّا الله ذي الوُجُوها ولا أراها أبداً مكــــــــــــروها
.. الخ
صاح بها صاحبْها الفصيــــــــح يقولُ : دام منزلي المليحُ!
فانتبهت من نومها المشئوم مذعورة من صيحة الغشوم
تقولُ : ما تلك الشروط بَيننـــــا غدرتنا والله غدراً بَّينـــــــــا
فضحك الهنديُّ حتى استلقى وقال:ما هذا الَعَمى يا حمقى؟
متى ملكتم ألـــــــسن الأربابِ قد كان هذا قبلَ فتحِ البابِ !
وفي القصة التي كانت بين العصفور والغدير المهجور ، يؤكد شوقي على قيمة العطاء في الخفاء والسر وهى قيمة إسلامية عليا كما يؤكد على قيم الإحسان والإحساس بالنعمة وأن النفع الذي يعود على الناس من أى شئ كان لن يلغى وجود النافع حتى لو كان مستترا والقصة في مجملها تؤكد على بذل الخير وفعله دونما رجاء الشكر من أحد بل من الخالق عز وجل فيختمها بهذا البيت :
إن خفي النافعُ فالنفعُ ظَهَر .. يا سَعَْد من صافي وصوفي واستتر !
وفي قصة الأفعى النيلية والعقربة الهندية يؤكد على أهمية الانتصاح بنصح أهل الخبرة والتجربة وعدم احتقار النصيحة وإلا فعلى الإنسان حمل مسئولية طيشه ونزقه بقول شوقي في بعض الأبيات :
وهذه واقعة مستغربــــــــــــة .. في هوس الأفعى وخُبثِ العقربة
رأيت أفعى من بنات النيل .. معجبة بقدها الجميـــــــــــــــــــــــــــــــل
تحتقر النصح وتجفو الناصحا .. وتدعى العقل الكبير الراجحا ... الخ
إن تلجي فالموتُ في الولوج .. أو تخرجي فالهُلكُ في الخروج .. الخ
لولا الذي أبصر أهل التجربة .. مِنىّ لما سمُّوا الخبيث عقربـــــــــــــــة ..
وفي قصة (السلوقى والجواد ) يؤكد شوقي من خلال الرمز أن الإنسان الحُرَّ لا تُربيه العصا لأنه يعتد بذاته وبكرامته و بشجاعته فيقول :
تشكو ، فتشكيكَ عصا سيدي .. إن العصا ما خلقَت للجواَد
ويؤكد في ذات القصة الشعرية أيضاً أن الحاجة والرغبة تجعل الإنسان قوياً ذا إرادة وبخاصة إذا كانت الحاجة إلى الرزق الحلال والسعي للبحث عنه فيقول :
ما الرجل إلا حيثُ كان الهوى 00 إن البطونَ قادرات شُداد
أما ترى الطير على ضعفها 00 تطوى إلى الحَبَّ مئات البلاد ؟
ويؤكد شوقي في قصة " فأر الغيط وفأر البيت " على عاقبة الغرور والكبر وعدم الاستماع للنصح بأن فيه الهلاكَ ، فيختم القصيدة بهذا البيت :
فناحت الأم وصاحت : واها ! إن المعالي قتلت فتاهاّ
ويقصد هنا ( أم الفأر ) وهى بالطبع أحد الرموز المستخدمة في التجربة الشعرية لبث المضمون التربوي للصغار .
وفي قصة " ملك الغربان وندور الخادم " يؤكد شوقي أيضا على القيمة السابقة بأن من لا يأخذ بنصح من سبقوه في التجربة فإنه يهلك أو تسوء عاقبته ، ويؤكد أيضا في القصة على أن ( دوام الحال من المحال ) ولذا يجب على الإنسان أن يكون قانعا راضياً بالنصيحة وباتخاذ الحيطة والحذر من الأمور التى لا تُحمد عقباها وعدم التكبر والغرور عند مواجهة المواقف، يقول شوقي في نهاية القصيدة :
يا ندور الخير، أسعف بالصياح 00 ما ترى ما فعلت فينا الرياح ؟
قال : يا مولاي ، لا تسأل ندور 00 " أنا لا أنظر في هذى الأمور "
وقارئ القصيدة كلها يلحظ أن إجابة ندور الخادم – الناصح الأمين قبلاً – هى ذاتها إجابة الملك في البداية حين لم يقبل النصيحة وسفه من الأمر ومن نصح ندور ، فيأتي هذا الرد النهائي متفقاً مع سياق القصة في البداية وكأنه يقول :
( دوام الحال من المحال أو من أعمالكم سلط عليكم ) .
وفي القصة الشعرية لشوقي عن " الظبي والعقد والخنزير "
يؤكد شوقي على قيمة الرضا بالقدر والمقسوم لأن الله عادل في توزيعه للأرزاق أو النجاحات أو السعادة .. الخ .
وأن الاعتراض على أمر الله مما لا يحمد عقباه ، وأن عاقبة الطمع والجشع فيها مهلكة الإنسان بينما القناعة بالرزق والقدر مما يُحمد للإنسان ويزيده الله من فضله .
وخلاصة القصة – الرمزية – أن الظبي لما رأى صورته في الماء اغتر بجماله وطلب من الله عقد لؤلؤ يزينه ولكن الماء رد عليه بأن في طلبه استحالة، فلم يقتنع وظل يبحث عن اللؤلؤ هائما على وجهه وذات يوم رأى خنزير مطوق بقلادة تنير فقال الظبي :
مـــــــا آفة السعي سوى الضلال 00 ما آفة العمر سوى الآمــال
لــــــولا قضاء الملك القديــــــر 00 لما سعى العقد إلى الخنزيــر
فالتفت الماءُ إلى الغـزال 00 وقال : حال الشيخ شرُّ حـــــــــــال
لا عَجَبُ ، إن السنين موقظة 00 حفِظتَ عُمراً لو حفظت موعظة
وفي قصة " ولى عهد الليث وخُطبة الحمار " يؤكد شوقي على أهمية إدراك الإنسان لقدراته الحقيقية وعدم الزج بنفسه في مواضع ليس أهلاً لها، وأهمية أن يسلك الإنسان بذكاء في الموقف وليس بغباء الحمار وألا يضع نفسه في مواقف تهينه أو تحرجه ، وقد ختم القصيدة شوقي بقوله :
وانتُدبَ الثعلب للتأبين 00 فقال في التعريض بالمسكين
لا جعــل اللهُ لـــــــــــه قرارا 00 عاش حماراً ومضــــــى حماراً
وفي حكاية " الأسد والثعلب والعجل " يؤكد شوقي على عاقبة الغرور وعدم التفكير بروية ووضع الأمور في نصابها الحقيقي وعدم الائتمان لمن يشتهر عنه بالمكر والخداع مثل الثعلب فيحكى كيف اشتهى الأسد العجل وطلب من الثعلب أن يغرر به فإما أن يأتي له به وإما أن يقتله ، ولما عرف عن الثعلب من حيلة ومكر وخداع فقد قام بالمهمة وخدع العجل بإرضاء غروره بالمنصب الكبير 000 الخ
ويختم شوقي القصيدة :
وهناك ابتلع الليث الوزيــــــــــــــــر 00 وحبا الثعلب منــــــــه باليسير
فانثنى يضحك من طيش العجول 00 وجرى في حلبة الفخر يقول
سلم الثعلب بالرأس الصغــــــــــــــــير 00 ففداه كلُّ ذي رأسِ كبير .
وفي قصة " القرد والفيل " يسوق شوقي عاقبة من ليس لديه أخلاق كريمة وشريفة ويحاول الاحتيال بمعسول الكلام فإذا ما فطن الآخرون له عاقبوه أشد العقاب كما عاقب الفيل القرد في هذه القصة بأن خذق له عينه الأخرى حتى لا يتطلع بفضول إلى ما ليس من حقه، والقصة في مجملها رمزية بالطبع لتوصيل الفكرة التربوية أو القيمة في نهاية القصيدة أو( القصة الشعرية ) يختم شوقي :
ونـــزل البصيرُ ذا اكتئاب 00 يشكو إلى الفيل من المصاب
فقال / لا موجب للندامة 00 الحمد لله على السلامـــــــــة
من كان في عينيه هذا الداءُ 00 ففي العمـى لنفسه وقاءُ
وتنطوي الأبيات السابقة على سخرية أيضا إذ يعنى البصير هنا الأعمى ، والدعاء بالسلامة ينطوي على سخرية الموقف أيضا وكأن الفيل يقول للقرد : أحمد الله أنى لم أقتلك 0
وفي قصة " الشاة والغراب " يلفت النظر إلى قيمة الأمومة وأن غياب الأم عن طفلها قد يلحق به الضرر وأن الأيام عادة ما تأتى للإنسان بالخطوب وعليه أن يصبر ويحتمل ، غير أنه يثير أيضا فكرة التشاؤم من الغراب وهى لا تعنينا تماما في هذا المقال وإنما نتوقف عند المضمون التربوى فقط ففي مطلع القصيدة :
مَرَّ الغرابُ بشــــــــــاةٍ 00 قــــــد غاب عنها الفطيم
تقولُ والدمع جـــــار00 والقلب منهـــــــا كليــــم :
يا ليت شعري يا ابني 00 وواحدي ، هل تدوم ؟
وهل تكون بجنبي 00 غــــــــدا علـــــى ما أروم ؟
000 الخ
لكل يوم خطوب 00 تكفي، وشغل عظيم 000الخ
ألم أقل لكِ توا 00 لكل يوم هموم ؟000
ويختم بقول الشاة للغراب :
فإن قومي قالوا : وجه الغُراب مشوم .
وفي القصة الشعرية " أمة الأرانب والفيل " يدعو شوقي – عبر رموز القصة – إلى أن الاتحاد قوة وأن حلول الاستسلام للعدو أو انتدابهم للحكم في الوطن العربي حلول غير جائزة ولا مفيدة وإنما الحل الوحيد للقضاء على العدو وطرده وإهلاكه إنما هو في اتحاد العرب جميعا كما فعلت الأرانب في الفيل رغم ضخامته. أن اختيار الحاكم لا يكون بحداثة عمره ولا بهرمه أيضا وإنما بصواب التفكير والعقل الراجح فيقول :
وانتخبوا من بينهم ثلاثـــــة 00 لا هرما راعوا، ولا حداثـــــــة
بل نظروا إلى كمالِ العقلِ 00 واعتبروا في ذاك سن الفضل
000 الخ
اجتمعوا ، فالاجتماع قوة 00 ثم احفروا علــــى الطريق هُوَّة
يهوى إليها الفيلُ في مروره 00 فنستريحُ الدهر من شــــروره.
000 الخ
فصاحبُ الصوتِ القوىَّ الغالب 00 من قد دعا : يا معشر الأرانب
وفي قصة حكاية " الخفاش ومليكة الفراش "، يؤكد الشاعر العظيم على عاقبة الحمق والغرور وعدم الاستماع للنصح من أهله ، كما يؤكد على قيمة ( الجوهر قبل المظهر ) فمن المظاهر ما هو براق كالضوء والنور ولكنه يخدع ولذا يجب عدم الاندفاع وراء البريق الزائف وإنما وراء الفكرة الصائبة والجوهر السليم حتى ولو كان صاحبها عبدا أسود كالليل ، يقول شوقي على لسان مليكة الفراش - ( رمز ) – تسأل الخفاش عن الليل :
صف لى الصديق الأسودا 00 الخامل المجردا
قـــــال: سألتِ فيــــــــــــــه 00 أصــــدق واصفيه
هو الصديق الوافي 00 الكاملُ الأوصــــــــــــاف ِ
000الخ
وحين تمضى ساخرة لا تستمع النصح يقول لها :
إن من الغرور 00 ملامة المغـــــــــــــرور
فاعطنى قفاكِ 00 وامضي إلى الهلاكِ.
وحين تندم بعدم استماعها للنصح فتهلك يقول لها :
رُبَّ صديق عبد 00 أبيض وجــــــــه الوُدّ
يفديك كالرئيسِ 00 بالنفــــــس والنفيس
وصاحب كالنور 00 في الحسن والظهور
معتكــــــــــر الفؤاد 00 مضيـــــــع الــــوداد
حبـــــــــــالُه أشواكُ 00 وقربـــــــه هـــــلاكُ
وفي قصيدة (النملة والمقطم ) يؤكد شوقي على قيمتين هما الشجاعة عند مواجهة الخطوب وفي ذات الوقت الإيمان بالله الخالق الأعظم .
ويختم بالقول على لسان النملة ( كرمز ) :
ليتني سَلّمتُ فالعا 000 قلُ من خــــــــــاف فسَلَّم
صاحِ لا تخشَ عظيما 000 فالذي في الغيب أعظم .
وفي قصة " ( الغزال والكلب ) – رمزية أيضا – يثير مفهوم اختلاف آراء الناس ومشاربهم وبالتالي فإن إرضاء جميع الأطراف غير وارد ولذلك يؤكد على قيمة ( إرضاء الله ) وبالتالي رضا الله عن الإنسان ولكي يصل الإنسان إليه فعليه باكتمال التقوى، كما يشير إلى أن إقبال الناس وأدبارهم إنما ينطوي على مصالحهم عادة ولذلك فمن الأهمية بمكان أن يختار الإنسان برضا وقناعة ما يناسبه وبحرية أيضا ، والرمز هنا فلسفي تعليمي ربما أكثر مناسبة للأطفال الكبار وليس الصغار، ويصف شوقي حقيقة الناس على لسان الكلب ناصحاً الغزال في الأبيات :
سائلي عن حقيقة الناس، عذراً 00 ليس فيهـــم حقيقـــــة فتقال
إنما هُم حقدُ ، وغشُ ، وبغضَُ 00 وأذاهُ ، وغيبـــة ، وانتحــــــال
فرضا البعض فيه للبعض سُخطُ 00 ورضا الكُلَّ مطلب لا يُنــــــال
ورضا الله نرتجيه ، ولكـــــــــن 00 مــا يــــؤدى إليــــه إلا الكمــال
لا يغرنك يا أخا البيد من مولاك 00 ذاك القبــــول والإقبـــــــــال
فاطلب البيد، وأرض بالعشب قوتا 00 فهناك العيش الهنىُّ الحلال
وفي قصة ( الثعلب والديك ) – الرمزية – إشارة إلى مكر وخداع اليهود للعرب وعدم الثقة بهم أو الائتمان لهم :
بلغ الثعلب عنـــــــــــــى 00 عن جدودي الصالحينا
عن ذوى جان ممن 00 دخل البطــــــــن اللعينا
أنهم قالــــــــــــــوا وخير 00 القول قـــــــول العارفينا :
" مخطئ من ظن يوماً 00 أن للثعـلب دينـــــــــــــــا "
وفي قصة " النعجة وأولادها " يؤكد شوقي على مضمونين تربويين أحدهما قريب المعنى وهو رعاية الأم لأطفالها ودورها ومسئوليتها تجاههم حتى لا ينالهم الأذى 00
ومعنى سياسي بعيد يرمز له حديث رسول الله : كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ، وفي المعنى رعاية الحاكم لشعبه ومسئوليته عنهم حتى يحميهم من الطامعين فيهم ، ويختم شوقي:
وضاق بالذئب وجه الأرض من فَرَق 00 فانساب فيه انسياب الظبى في القاع
فقالت الأم : ياللفخر ّ كان أبـــــــــــى 00 حُـــــرَّاَ ، وكــــــــان وفيـــــا طائل الباع
إذا الُّرعاة على أغنامها سَهِـــــــــــرت 00 سهرتُ من حُبََّّ أطفالي على الراعي
وفي قصة " الكلب والقط والفأر " يثير شوقي قضية عدم الائتمان للأعداء أبداً مهما ابدوا من صداقة ، لأنها غالبا ( مزيفة ) ويختم قصيدته بهذا المضمون التربوى :
" وانقض في الحال على الضعيف 00 يأكله بالملح والرغيف "
" فقلتُ في المقام قولا شاعا 00 من حفظ الأعداء يوماً ضاعا ً"
وفي قصة " سليمان والهدهد " ينبه شوقي إلى مضمون أخلاقي مهم وهو ( عذاب الضمير ) إذا ما أذنب المرء في الخفاء واعتقد أن أحدا لا يراه ، لكن ضميره يؤنبه هكذا من يشعر بالظلم عادة يشعر بوخز الضمير وكأنه مريض يشكو، يقول شوقي خاتما القصة الشعرية :
تلك نارُ الإثم في الصَّد 000 ر، وذى الشكوى تعِلَّه
إن للظالــــــــــــــم صدرا ً 000 يشتكى من غير علة .
وفي قصة " سليمان والطاووس " يشير أمير الشعراء إلى مفهوم ( الغرور ) بأنه آفة إذا ما أصابت صاحبها حلت عليه اللعنة ، ولذا فإن الله منح الطاووس جمالاً وبهاءً لكنه لم يمنحه نعمة صوت الطيور الأخرى الصغيرة الأقل منه جمالاً ، وفي هذا مضمون عدم اكتمال كل الأشياء معاً لصاحبها ولكنها موزعة بعدالة الخالق بين المخلوقات وبعضها ، فيقول شوقي :
تعالت حِّكمة الباري 000 وجلَّ صنيعه شانا
لقد صغرت يا مغرو 000 ر نعُمى الله كُفرانا
وملك الطير لم تحفل 000 به كبرا وطغيانا
فلو أصبحت ذا صوت 000 لما كلَّمت إنساناّ
وفي قصة ( القبرة وابنها ) يشير شوقي إلى مضمون ( التأني ) وعدم التعجل في نيل المطالب، وأهمية إنجاز كل عمل في وقته الخاص به دون تسرع ويختم القصيدة بقوله :
ولو تأَنــَّـــى نال ما تمنى 000 وعاش طول عمره مُهنَّا
لكل شيء في الحياة وقتهُ 000 وغاية المستعجلين فوتهُ ّ
وفي قصة " السفينة والحيوانات " يشير شوقي إلى مفهوم الوحدة والحب بين الناس حين يعم الخطر الحقيق أو عندما يهددهم الموت أو الأزمات والكوارث للدرجة التي قد تجمع بين الأعداء وبعضهم ليتعاونوا على الخروج من الأزمة فإذا ما خرجوا منها بسلام عادت الأمور إلى طبيعتها من نزاع وخصام وعداء00 الخ وكأنها سنة الكون 000
والمضمون التربوي العام هو فلسفة الحياة والبشر وقانونهم الطبيعي في التضاد والاختلاف عادة 000
يقول أمير الشعراء شارحاً حال الحيوانات بعد النجاة :
حتى إذا حطَّوا بسفح الجودى 000 وأيقنوا بعــــــــودة الوجــــود
عادوا إلى ما تقتضيه الشيمــــــــة 000 ورجعوا للحالــــة القديمــــــــة
فقس على ذلك أحوال البشــر 000 إن شمل المحذور أو عم الخطر
وفي قصة " القرد في السفينة " ينبه الشاعر إلى عاقبة الكذب حيث يؤدى إلى الهلاك ، وأن في قيمة الصدق النجاة والخلاص، فإن من اعتاد الكذب لن يصدقه أحد حتى ولو صدق ، يقول الشاعر :
قد قال في هذا المقام من سَبَق 00 أكذبُ ما يلُغى الكذوبُ إن صدق
من كــــــــــان مَمنُواَّ بِداءِ الكذِبِ 00 لا يــــــــــــــــترك الله ، ولا يعفي نبي
وفي قصة " الدب في السفينة " يؤكد شوقي أن في الشذوذ عن القواعد الاجتماعية للبشر – عادة – ما لا يحمد عقباه ، وأن عاقبة سوء الظن على الدوام تؤدى أيضا إلى ما لا يحمد عقباه ولعل الدب في قصيدة شوقي متهم بسوء الظن ولعله في المأثور متهم ( بالعمى ) لأنه لا يُحسن التصرف فلا يضع الأمور في نصابها الحقيق ولا يستمع للنصح ولذا تسوء خاتمته، وهكذا من البشر من يسلك سلوك الدب ، وفي القصص المأثور أيضا ( الدبة التي قتلت صاحبها). يقول شوقي على لسان الدب :
فقال : بالجدَّي التعيس أسأتُ ظني بالنبي الرئيس
ما كان ضرني لو امتثلتُ ومثلما قـــد فعلوا فعلتُ ؟ّ
وفي مضمون البيت الأخير ما يشير إلى ندم الدب على سوء ظنه وعدم امتثاله للجمع الآخرين فيما فعلوا00
وفي قصة " الثعلب والأرنب " في السفينة " يشير أمير الشعراء إلى قيمة ضمنية هي قيمة ( العفو عند المقدرة ) أي كرم الموقف مع القدرة على الإيذاء ، وليس كما فعل الثعلب مع الأرنب فإنه لم يعف عنه باقتدار ولكن لأنه لم يكن أمره بيده، ولم يكن بيده أي شيء أي لم يأكله لأنه كان متخماً بالشبع، لدرجة أنه كان بين الموت والحياة يقول في ختام القصيدة على لسان الأرنب موجها حديثه للثعلب : فقال لما انقطع الحديثُ 00 قد كان ذاك الزهدُ يا خبيث
وأنت بين الموت والحياة 00 من تخمة ألقتك في الفلاة ّ
وفي قصة " الأرنب وبنت عرس في السفينة " يشير شوقي إلى عدم الثقة في الأعداء مهما أبدوا من رغبة في المساعدة لأن العداء المتوارث لن ينقلب إلى حبٍ أبداً وإنما التاريخ يؤكد مزيدا من العداء، وأن العدو لو أبدى غير ذلك فعلينا عدم الانخداع به لأنه " مزيف " .
وفي قصة " سليمان عليه السلام والحمامة " يشير إلى عاقبة الخيانة بأنها من أسوأ ما تكون للدرجة التى قد تقوم القيامة لأجلها ، وفي هذا إشارة ضمنية إلى الأهمية القصــــوى ( للأمانة ) ، يقول شوقي على لسان سليمان مخاطباً الحمامة، التى فتحت الرسائل وخانت الأمانة فزال عنها الملك الموعود الذي أمر به لها سليمان :
فأجاب : بل جئتِ الذي 00 كادت تقومُ له القيامة
لكـــــــــــــــن كفاكِ عقوبةً 00 من خان خانته الكرامة.
فبكت لذلك تندماً 00 هيهات لا تجدي الندامـــــــة
وفي قصة " الأسد والضفدع " يؤكد شوقي على قيمة ( العفو عند المقدرة ) فقد عفا الأسد وهو ملك الغابة عن الضفدعة التي آذته بنقيقها العالي وأرقته وعند الوشاية بها ما كان من الأسد إلا حكمة التصرف بأنه عفي عنها ومنحها الأمان ّ كاملاً ، يقول شوقي :
إذ كيف تسمو للعُلا يا فتى00 إن أنت لم تنفع ولم تشفع ؟
فكتب الليثُ أماناً لـــــــها 00 وزاد أن جـــــــــاد بمستنقع
يؤكد شوقي في قصة " النملة الزاهدة " على أهمية العمل وقيمته في حياة الإنسان ، وأن الله يُقوى ويعين من يجتهدٍ ويعمل فلكل مجتهد نصيب وأن العمل عبادة يقول شوقي :
سْعىُّ الفتى في عَيشه عباده 00 وقائدُ يهديه للسعادة
لأن بالسعي يقوم الكوَنُ00 والله للساعين نعم العون
ومجمل القصة تشير ضمينا إلى مكافحة التسول بل محاولة السعي للعمل ، والقصة رمزية بالطبع فيشير للمضمون على لسان النمل :
متى رضينا مثلَ هذى الحالِ؟ 000 متى مددنا الكفَّ للسؤال ؟
ونحن في عين الوجود أُمَّة ؟ 000 ذات اشتهار بعُلَّو الهمــــة
بل وفي هذه القصيدة يقدم شوقي حلاً لمشكلة التسول حتى لا تصير آفة مجتمع فينصح على لسان النمل بعدم مساعدة هؤلاء الكسالى المتسولين كى لا نشجعهم على ذلك بل نتركهم ، لأن في ذلك ما ينبههم إلى خطورة الوضع ويدعوهم إلى العمل ويحثهم على السعي للرزق ، تقول النمل :
ألم يقل من قولهُ الصوابُ 00 ما عندنا لسائلٍ جـــــــــــــــوابُ ؟
فامضى فإنا يا عجوز الشومِ 00 نرى كمالَ الزُهد أن تصومي
وفي قصة " اليمامة والصياد " يشير شوقي إلى عاقبة الحمق والطيش والاندفاع وعدم دراسة الموقف بتأنٍ ورويَّه ، يقول شوقي :
فبرزت من عشها الحمقاء 000 والحمقُ داءُ ما له دواء
فسقطت من عرشها المكين 000 ووقعت في قبضة السكين
تقول قول عــارف محقق 000 ( ملكت نفسي لو ملكتُ منطقي )
وفي قصة" الكلب والحمامة " يؤكد شوقي على قيمة إسداء المعروف والخير بين الناس وبعضهم ، والتعاون على البر فيما بينهم، فيقول :
فسبق الكلب لتلك الشجرة 00 لينذر الطير كما قد أنذره
وأقلعت في الحال للخلاص 00 فسلمت من طائر ِ الرصاص
هذا هو المعروفُ بأهل الفطن 00 الناسُ بالناس، ومن يُعِنَ يُعَن .
وفي قصة " الكلب والببغاء " يشير شوقي إلى أن الفصاحة واللباقة قد تثير حقد وحسد الآخرين، ولذا يجب توخى الحذر والحرص لأن عادة ما يكون الحسد، ضريبة النجاح كما حسد الكلب الببغاء في القصيدة وقطع لسانه الفصيح ، ولعل في القصة مغزى سياسياً أيضا لسنا بصدد التعرض له في هذا المجال ، يقول شوقي :
كذا القليلُ بالكثير يَنقُصُ 00 والفضلُ بعضه لبعضِ مُرْخِصٍُ
فأخرجت من طيشها لسانَها 00 فعضــــــــه بنابـــــــه فشانـــها
ثم مضى من نورِه يصيح 00 قطعتهُ لأنــــــــــــه فصيـــــــــــح ّ
وما لها عندي من ثأر يُعد 00 غير الذي سَّمْوهُ قِدما بالحسدِ
وفي قصة " دودة القزَّ والدودة الوضاءة " يحكى الشاعر قصتهما معاً ، حيث طلبت الأولى ود الثانية ، فتعالت الثانية عليها واغترت بنفسها ورفضت صداقتها واحتقرتها واعتقدت أنها أرفع شأنا منها ولذا لا تجوز مصادقتها وبينما ( الوضاءة ) تسخر من دودة القز فإذا بالبرهان والدليل على أهمية القز في صنع الحرير والثياب الجميلة التي جعلت الناس تشكر الله على هذه النعمة .
ومضمون القصة إنما يستقى الشاعر معناه من الآية الكريمة " لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم " 000الخ .
وينطوي المغزى التربوي على التنبيه لعدم السخرية ونبذ الغرور والكبر والتعالي على الآخرين أو احتقارهم لأن لكل شيء قيمته في ذاته ولا أحد يعلم بها إلا الله وإنما التواضع هو الأبقى عموما ويزيد فضله بحب الناس للمتواضع كذا ويثنون على العمل الجيد، إذ ليس كل ذي بريق حقيق، فمنه اللامع المزيف غير ذي نفع ، يقول الشاعر على لسان دودة القز تخاطب الدودة الوضاءة التي سخرت منها قبلا:
هل عندك الآنَ شك 00 في رتبتي القعساء ؟
وقد رأيتِ صنيعي 00 وقـــــد سمعت ثنائَى ؟ّ
إن كان فيك ضياءُ 00 ان الثناء ضــــــيائي
وانـــــــــــــــه لضياءُ 00 مؤيَّد بالبقـــــــــــــــاءِ ّ
وفي القصة الشعرية " الجمل والثعلب " يشير أمير الشعراء عبر الحوار بينهما الحكمة القائلة ( يا بخت من بات مظلوماً ولم يبت ظالماَ ) ومضمونها أن الجمل يشكو من كثرة أثقاله التي تكاد تقتله وهنا يبرهن له الثعلب بأن التعب الحقيق والعذاب الحقيق ليس ( تعب الجسد ) وإنما تعب الصدر المثقل بعذاب الضمير من جراء الظلم الذي قام به فهو دائما مُطارد بذنوبه ولذا فإنه لا ينام مرتاح التال مثل الجمل الصابر، يقول الشاعر على لسان الثعلب للجمل :
فقال : مهلاَ يا أخا الأحمال 00 ويا طويل الباع في الجمال
فأنت خيرَُ من أخيك حالا 00 لأنني أتعب منـــــــك بـــــــالا
كأن قُدامى ألفِ ديــــــــــك 00 تسألني عن دمعها المسفوك
كأن خلفي ألفِ ألفِ أرنبِ00 إذا نهضتُ جاذبتني ذنبي
000الخ
ليسَ بحملٍ ما يَمَلُّ الظهرُ 00 ما الحَمْلُ إلا ما يُعانى الصَّدرُ
وفي القصة الشعرية " الفأرة والقطة " يشير أمير الشعراء إلى قيمة الأمل في الحياة مهما كانت عذاباتها أو حجم مصائبها ، وأن الإنسان مجبول على حب الحياة مهما كانت كمية الأحزان فيها فهذه الفأرة ( كرمز ) في القصيدة كانت تقول لن أحيا أبداً بعد ابني وتمنت لو تموت، فإذا ما كاد الأمل يتحقق بأن يأكلها قط ( كرمز ) فإنها عادت تتمسك بالحياة وترفض الموت، وهكذا البشر وهى سنة الحياة التي لا تتوقف مسيرتها مهما بلغت الأحزان فإنها لن توقف دورتها ، يقول شوقي على لسان الفأرة بعد موت ابنها :
وقالت: الَيومَ انقضت لذَّاتي 00 لا خير لي بعدَكَ في الحياةِ
من لي بهرَّ مثل ذاك الهرَّ 00 يريحني من ذا العذاب المُرََّّ ؟
وكان بالقرب الذي تريد 00 يسمع ما تُبدى ومـــــــــــــا يُعيد
فجاءَها يقولَ : يا بُشراكِ 00 إن الذي دَعَوتِ قـــــــــد لبَّاكِ
ففزعت لما رأته الفاره 00 واعتصمت منه ببيت الجـــــــارة
وأشرفت تقولُ للسّفيه 00 أن مُتُّ بعد ابني فمن يبكيه ؟
وفي قصة " الغزال والخروف والذئب " يشير شوقي إلى أهمية اختيار الإنسان المناسب للموقف المناسب وعدم الانخداع بالمظاهر الكاذبة حتى لا تسوء العاقبة كما حدث للظبي والخروف فقد انخدعا بلحية س الذي ظنوه حكيماً لكنه أودى بحياتهما معاً نتيجة حماقته إذ أكلها الذئب، فيقول شوقي على لسان الأخير :
وقال : لا أحكم حسب الظاهر 000 فمزق الظبيين بالأظافـــــــر
وقال للتيس : انطلق لشأنكــــا 000 ما قتل الخصمين غير ذقنكا .
وفي القصة الشعرية " الثعلب والأرنب والديك " ينبه شوقي إلى عدم التقليد الأعمى في أي موقف لأن المهم هو أن يدرك المرء قدراته الحقيقية ويسلك بحسب إمكانياته وظروفه وإلا فالهلاك هو نصيبه كما حدث مع الأرنب الضعيف الذي حاول أن يقلد الديك ، ويشير أيضا أن الإمكان أقوى من الموقع والمكان، ولكن أحيانا يكون للمكان ( المكانة ) سُلطة وقوة تنطق صاحبها فإذا ما فقدها ما استطاع أن ينطق، فالمنطق هنا منطق قوة المكانة وليست قوة القوة ذاتها أو المقدرة ، ولعلها تنطوي في رموزها على معاني اجتماعية وسياسية أيضا فيقول شوقي:
من أعجب الأخبار أن الأرنبا 000 لما رأى الديــــــــــــك يسب الثعلبا
وهو على الجدار في أمـــــان 000 يغلب بالمكان ، لا الإمكــــــــــــــــــــان
دَاَخله الظنُّ بأن الماكـــــــــــرا 000 أمسى من الضعف يطيق الساخرا
000الخ
فالتفت الديكُ إلى الذبيح 000 وقال قـــول عــــــارف فصيـــــــح
مــــــــــــا كلنا ينفعه لساُنـــــه 000 في الناسِ مـــن ينطقه مكانـــــه ّ
والقصة تنطوي على حكمة أيضا أن من الناس من يكون بمثابة كبش الفداء لأناس آخرين ، لا لشيء إلا بسبب حماقتهم واندفاعهم وطيشهم وتقليدهم الأعمى لآخرين أكثر تمكنا في وضعيتهم ومكانتهم . ومجمل القصيدة ينبه إلى عدم التقليد الأعمى وراء الغير دون دراسة الموقف وإمكانيات الذات .
خاتمة : وتلخيصاً لما سبق يمكن القول بأن مجموعة القصص الشعرية الرمزية التي أبدعها أمير الشعراء ( أحمد شوقي ) إنما انطوت على مجموعة من المضامين أو المفاهيم أو القيم التربوية سلوكيا وأخلاقياً بما يمثل ( الحكمة ) أحيانا وإنما صاغها رمزاً لعلها تكون محببة للأطفال وأكثر طرافة مما لو قالها على لسان البشر، وكي تحقق الهدف التربوي الذي كتبت لأجله وهو ( هدف تعليمي ) غير مباشر، لأن النفس البشرية عادة ما تكره النصح المباشر وفي هذا تتجلى قدرة الشاعر وعظمته .
ويمكن تلخيص مجموعة المضامين التربوية تلك التى أمكن استخلاصها عبر ( 60 ) قصيدة شعرية – بعد إلغاء الغير مناسب في الكتاب : أى استبعاده لأنه ينطوي على مغزى سياسي أكثر عمقا من مستوى تحصيل الأطفال – في هذه المضامين ( المفاهيم ) التالية :
1- قيمة النظافة 2- الرحمة
3- حنان الأمومة 4- التعلم والتعليم
5- المشاركة والتعاون بين الزملاء والأصدقاء ( على البر والخير ) .
6- القدوة الحسنة 7-حب الوطن والانتماء إليه والفداء في سبيله
8- التسامح الديني 9- الصدق والأمانة
10- الكرم 11- العفة
12- رعاية المسن والمحتاج 13 - تقبل الآخر بروح رياضية
14- الرفق بالحيوان
15- التفكير العقلي وإعمال العقل والفطنة وعدم الانخداع بالمظاهر الكاذبة
16- أثر المربى في المتربي ( تأثير القدوة )
17- الحيطة والحذر وعدم الثقة اللامبررة
18- العطاء والإحسان
19- الاستماع للنصح من الكبار ذوى التجارب والحكمة
20- تحمل المسئولية والإرادة القوية في العمل
21- الرضا بما قسم الله من رزق
22- عدم الثقة بالأعداء مهما أبدوا من محبة فهى مزيفة
23- الاتحاد قوة 24- الاهتمام بالجوهر قبل المظهر
25-الشجاعة 26- إرضاء الله أولاً ثم العباد ثانيا
27السلوك بضمير 28- عدم الغرور لأنه مهلكة
29- التأني دون العجلة 30- العفو عند المقدرة
31- العمل ونبذ الكسل 32- عدم السخرية من الآخرين
33- الأمل والتفاؤل وغيرها وقد تكررت بتفاوت عبر الأبيات .
وأخيراً : هل نأمل ترسيخ هذه المضامين والقيم التربوية في نفوس أطفالنا .
المراجع :
- المختار من ديوان شوقي للأطفال، تقديم : عبد التواب يوسف ، إعداد وتحرير د. سمير سرحان ، ود. محمد عناني ، مكتبة الأسرة – الروائع ، مهرجان القراءة للجميع 2000 ، الهيئة المصرية العامة للكتاب بالقاهرة .
ساحة النقاش