الكاتب: أ.د محمد المهدي
نشرت على الموقع بتاريخ: 12/04/2007
عقد بقصر الإمارات بإمارة"أبو ظبي" مؤتمرٌ بعنوان: "العلاج بالقرآن بين الدين والطب" في الفترة من22-24 ربيع الأول 1428 هـ \ 10-12 أبريل 2000 م تحت رعاية سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبو ظبي, وقد تولت تنظيم المؤتمر مؤسسة التنمية الأسرية بالإمارات.
وشهد المؤتمر حضورا مكثفا من جميع أنحاء العالم الإسلامي خاصة من منطقة الخليج حيث يشكل العلاج بالقرآن ظاهرة متعددة الأوجه بهذه الدول حيث نزح كثيرون ممن يمارسون العلاج بالقرآن إلى هذه المنطقة بحثا عن المال, إضافة إلى ما يحظى به موضوع العلاج بالقرآن من قبول شعبي يجعله الوسيلة المفضلة للاستشفاء من الأمراض النفسية والعضوية على السواء لدى حوالي 70 % من الناس. وقد عانت المجتمعات الإسلامية حالة من الالتباس بين ما هو ديني وما هو شعبي وما هو نفعي أو استرزاقي, واختلطت النصوص الدينية الصحيحة عن الجن والسحر والحسد بالكثير من التفسيرات والاجتهادات والممارسات الشعبية التي تكرس للتفكير السحري والخرافي بين المرضى وأهليهم.
ومن هنا تأتي أهمية المؤتمر في أنه جمع عددا كبيرا من الأطباء في التخصصات المختلفة خاصة الطب النفسي, مع علماء الشريعة مع المعالجين بالقرآن مع المعالجين الشعبيين مع رجال الإعلام من مختلف أرجاء العالم الإسلامي, وقد وصل عدد المسجلين في اليوم الأول فقط ثلاثة آلاف, ولولا الإمكانات الهائلة لقصر الإمارات الذي يعتبر تحفة معمارية وجمالية على جميع المقاييس لحدثت مشكلة في استيعاب الأعداد الضخمة من الحضور, ذلك الحضور الذي يعكس مدى انشغال الناس بهذا الأمر سواء المؤيدين أو المعارضين. ومن المثير للإعجاب تلك القدرة الفائقة للمؤسسة المنظمة للمؤتمر (مؤسسة التنمية الأسرية) على إدارة وتنظيم هذا المؤتمر الضخم بشكل هادئ وسلس بحيث يندر أن تجد شكوى من اضطراب أو خلل.
وقد حدد المنظمون للمؤتمر الأهداف التالية للسعي لتحقيقها قدر الإمكان:
1- تبيان الهدي النبوي في العلاج بالقرآن.
2- تبيان الأخطاء الشائعة وشبهات العلاج.
3- وضع مواصفات دقيقة للعلاج بالقرآن.
4- تحديد دور الهيئات الشرعية والصحية لمتابعة المعالجين بالقرآن من حيث التأهيل وتقنين الممارسة.
5- نشر الوعي فيما يتعلق بمسائل الرقية الشرعية لشرائح المجتمع المختلفة.
6- عرض وتقييم الخبرات الميدانية في مجال العلاج بالقرآن.
هذا وقد اتسم المؤتمر بالحوارات الساخنة بين الأطباء وعلماء الشريعة من ناحية وبين المعالجين بالقرآن على اختلاف توجهاتهم وتياراتهم من ناحية أخرى, حيث بدا إصرار الطرف الأول على إدانة الممارسات غير الأخلاقية لبعض أو كثير من الممارسات التي يقوم بها غير المتخصصين في التعامل مع المرضى واستغلالهم للقرآن ولثقة الناس به في التغرير بالبسطاء وحتى بالمتعلمين تحت دعوى العلاج بكتاب الله, بينما يتشبث الفريق الآخر بحقه في مساعدة من يطلب المساعدة بقراءة القرآن والرقية الشرعية. ولم ينكر أي من الأطراف المتحاورة أو المتصارعة الجوانب الشفائية في القرآن كما ورد في الآية الكريمة "وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً" (الإسراء:82), ولكن الخلاف كان يدور حول مفهوم الشفاء وهل هو شفاء جسدي أم نفسي أم أخلاقي أم عقدي؟
ورأس اللجنة العلمية للمؤتمر الأستاذ الدكتور طارق بن علي الحبيب من السعودية والذي حرص على أن تكون الحوارات متوازنة وموضوعية وأن تعطى الفرصة لكافة الآراء لتعبر عن نفسها خلال جلسات المؤتمر مهما كانت مساحة الخلاف معها. ومن الظواهر الملفتة للنظر الانضباط الشديد في مواعيد بداية الجلسات وانتهائها, والأدب في الحوار بحيث لم يخرج أحد عن اللياقة رغم سخونة المناقشات وتباعد الاتجاهات في بعض الأحيان, وربما يرجع ذلك إلى حسن الإدارة وإلى حسن اختيار رؤساء الجلسات وقد كانوا جميعا من الشخصيات العلمية الرفيعة في بلادها أو الشخصيات العامة ذات الوزن.
وقد ألقى المحاضرة الافتتاحية الدكتور زغلول النجار والذي يلقى حفاوة بالغة في دول الخليج, وكانت المحاضرة عن الإعجاز العلاجي في القرآن الكريم وقد شهدت نسبة حضور عالية ومناقشات مطولة حيث تحدث عن تأثر الماء بقراءة القرآن مستشهدا بتجارب العالم الياباني ماسارو إيموتو عن تأثر الماء بما يحدث حوله وتأثره بقراءة القرآن بوجه خاص وظهور ذلك في شكل البلورات حين يتجمد الماء, وبما أن جسم الإنسان يحتوي من 70%-80% ماء لذلك فمن المنطقي أن يتأثر الإنسان بقراءة القرآن التي تؤثر بشكل ملحوظ في شكل بلورات الماء المتجمدة.
وتلا ذلك تركيز عدد من المتحدثين على نفس فكرة تأثر الماء بالقراءة والعلاج بالماء الذي قرئ عليه القرآن, وقد عارض بعض الحاضرين هذه الفكرة وذكروا بأن تجارب ماسارو إيموتو على الماء تستوجب التمحيص والمراجعة ولا يجوز أخذها على أنها حقيقة علمية. ومن خلال الحوار في الجلسات المختلفة كان هناك تأكيدا على شمولية تأثير القرآن على الجوانب الجسدية والنفسية والروحية للإنسان, وأن قصر تأثير القرآن على مستوى دون آخر أو على جانب دون سواه هو من قبيل الاختزال لهذا الكتاب العظيم الذي نزله الله لصلاح الإنسان وصلاح المجتمعات وصلاح الدنيا والآخرة.
وحذر بعض الحاضرين من أن يتحول القرآن الكريم إلى نوع من الطب البديل أو إلى وسيلة علاجية موضعية فيبتعد عن جوهر حياتنا ككتاب مقدس يشكل محور تفكيرنا واعتقادنا وسلوكنا الفردي والجماعي. وتم التنبيه أيضا إلى عدم اعتبار القرآن مجرد وسيلة علاجية نخضعها للبحث العلمي بالمقاييس العلمية التجريبية ونقارنها بالوسائل العلاجية الأخرى (كما يجري في أبحاث الدواء والوسائل العلاجية) لأن تأثيرات القرآن لها مراميها وأهدافها ومستوياتها وآفاقها التي ربما لا تستطيع أدوات البحث العلمي التجريبي الإحاطة بها بشكل مناسب.
كما حذر المؤتمرون أيضا من الحكم على المنهج الديني بنفس مقاييس المنهج العلمي التجريبي حيث أن المنهج الديني يقوم على الإيمان والتسليم والرضا, أما المنهج العلمي التجريبي فيقوم على الشك وعلى التجريب والاختبار والتعديل بعد التعديل حيث لا قداسة في العلم التجريبي. وفي المنهج العلمي الطبي التجريبي يتحقق النجاح بزوال الأعراض, أما في المنهج الديني فقد يكون لوجود الأعراض المرضية حكمة ويكون من ورائها خيرا يفوق زوالها, ومن هنا تمت مناقشة مفاهيم العلاج والشفاء والابتلاء حتى توضع الأمور في نصابها.
وكانت المعضلة الأهم أمام المؤتمر هي كيفية فك الالتباس بين النصوص الدينية الصحيحة حول الجن والسحر والحسد من ناحية وبين ممارسات المعالجين بالقرآن والمعالجين الشعبيين ومحاولات بعضهم لتحويل هذا الأمر إلى مصدر للكسب غير المشروع وأكل أموال الناس بالباطل وتحقيق شهرة ومكانة على حساب المفاهيم الدينية. وكانت ثمة محاولات لترويج بعض الطرق والوسائل العلاجية والأجهزة الإلكترونية فيما يعرف باسم: "استخدام وسائل التكنولوجيا في العلاج بالقرآن", وهي صيحة جديدة يحاول بعض الأشخاص بالتعاون مع بعض المؤسسات تصنيع أجهزة إلكترونية تقوم بالرقية وأجهزة إلكترونية تحول الرقية إلى موجات كهرومغناطيسية يتعرض لها المريض, وقد عرض بعض المعالجين بالرقية بعضا من هذه الأجهزة لترويجها من خلال تواجد عدد كبير من الناس ومن وسائل الإعلام في المؤتمر, ولكن علماء الدين تصدوا لهم وبينوا بطلان هذه الوسائل في التعامل مع القرآن ومع الرقية الشرعية, وأكدوا أن الرقية يجب أن تكون بشكل مباشر من الراقي على المريض ويشترط فيها النية وأن تكون فردية وليست جماعية, وأن تكون حية وليست مسجلة.
ونوقش موضوع ضرب المريض أو خنقه بحجة إخراج الجن (والتي مات بسببها عدد من المرضى), وهذا تقليد شائع نقله بعض المعالجين عن الإمام ابن تيمية وبالغوا فيه وأضافوا إليه من عندهم. وصرح المتحدثون من الجانب الشرعي ومن الأطباء استنكارهم لهذا الأمر فلا يجوز ضرب المريض أو خنقه تحت أي دعوى, وبين علماء الشريعة أنه لم يرد أي شيء عن الرسول صلى الله عليه وسلم أو عن صحابته الكرام يبيح ضرب المريض أو خنقه بحجة الرقية الشرعية, وأن ابن تيمية كأي عالم يؤخذ منه ويرد.
كما كانت هناك محاولة للتفرقة بين المشعوذ والراقي فذكر الدكتور عبد الله الطيار (من علماء الشريعة المعروفين بالسعودية) عدة خصائص للمشعوذ والدجال نذكر منها: أنه يدعي العلم بالغيب (كأن يؤكد للمريض أنه متلبس بالجن أو مسحور أو محسود – فهذه أمور غيبية لا يعلم وجودها في أحد من الناس أو عدم وجودها إلا الله), ويأكل أموال الناس بالباطل, ولا يلتزم في مظهره وسلوكه بالضوابط الإسلامية, وغالبا ما يطلب أشياء غريبة (مثل فأر يتيم, أو غراب ملون, أو أرنب أسود, أو أثر من آثار المريض, أو معرفة اسم الأم), أو يطلب من المريض أن يتوقف عن الصلاة أو عن الاستحمام لعدة أيام, أو يأمره بأشياء محرمة, أو يوقع العداوة والبغضاء بين الناس حين يقول "فلان أو فلانة هم الذين سحروك", أو يكتب حروفا من لغات مختلفة وبشكل غامض لا يفهمه أحد, أو يطلب من المريض أن يقضي يوما أو عدة أيام كاملة في دورة المياه.
أما المعالج أو الراقي الملتزم بشرع الله فهو يؤدي الفرائض, ويلتزم بالسلوك الإسلامي, ولا يدخل في روع المريض شيئا يضره, ولا يدعي معرفة الغيب فهو لا يجزم بوجود المس أو السحر أو الحسد, إنما يقرأ بعض القرآن أو يردد الأدعية والأحاديث الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم دون أن يضيف شيئا من عنده أو يوهم المريض بأشياء تفزعه ليس عليها دليل من قرآن أو سنة. وقد بين العلماء أن الإنسان يمكن أن يرقي نفسه أو ترقيه زوجته أو أمه أو أبيه أو أحد أبنائه, وأن القدرة الشفائية في القرآن تتحقق منه ذاته ولا تتوقف على شخص بعينه يتخذ هذا الأمر مهنة له فيفتتن به الناس, ولم يعرف عن الصحابة أن أحدهم أخذ الرقية مهنة له وتوقف عن العمل والجهاد ليتفرغ للعلاج بالقرآن, وإنما كانوا يقومون بالرقية بشكل عارض, ولا يتعين شخص محدد للقيام بها.
وقد أوصى الحاضرون بوضع ضوابط شرعية وضوابط طبية لمنع تسلل المدعين إلى المرضى وابتزازهم تحت لافتة العلاج بالقرآن أو الرقية, ومن المقترحات التي قدمت أن يكون في كل مستشفى حكومي عالم دين يقوم بقراءة القرآن والرقية وتعليم المرضى أمور دينهم بشكل متكامل ومتوازن وأن يكون عمله من خلال الفريق العلاجي المتكامل وضمن الإطار العام للمؤسسة العلاجية وتحت إشراف الجهات الشرعية والجهات الطبية. واقترح البعض ما يسمى بعيادات العلاج بالقرآن وهي عيادات ملحقة ببعض المستشفيات الحكومية ويعمل فيها المعالج بالقرآن أو المعالج بالرقية تحت إشراف الجهات الرقابية المختصة ويكون عمله متوافقا مع الخطط العلاجية الطبية.
وفي هذه الحالة تجرم كل الممارسات الخارجة عن هذا الإطار ويتم محاسبة ومعاقبة القائمين بها خاصة إذا كانت تأخذ شكل الممارسة العامة بين الناس وبشكل معلن. ويتبقى أن توضع التوصيات الصادرة عن المؤتمر موضع التنفيذ لكي تنضبط الأمور, وتمحص الأفكار والتصورات الدائرة حول موضوعات الجن والسحر والحسد, وأن يحسم الخلاف بين علماء الشريعة والأطباء والممارسين للعلاج بالقرآن بشكل متوازن من خلال تنظيمات قانونية وثقافة تنبذ الخرافة وتؤمن بالعلم والدين الصحيح.
ساحة النقاش