من المعلوم بداهة أن قلب الأبوين مفطور علي محبة الأولاد ومتأصل بالمشاعر الأبوية لحمايتهم والرحمة بهم والشفقة عليهم  والاهتمام بأمرهم وإلا لما صبر الأبوان علي رعاية أولادهم والسهر علي أمرهم والنظر في مصالحهم ، ويصور القرآن الكريم تلك المشاعر الأبوية الصادقة أجمل تصوير فتارة يجعل الأولاد زينة الحياة الدنيا قال تعالي ( المال والبنون زينة الحياة الدنيا ). 

الكهف : 46 

 وتارة يعتبرهم نعمة عظيمة تستحق الشكر  عليها وذلك في قوله تعالي ( وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا.

الإسراء: 6

وفي ثالثة يراهم قرة للأعين ( والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما )

  الفرقان : 74

 ، وغيرها الكثير والكثير من الآيات القرآنية التي تصور عواطف الأبوين نحو أولادهم وتكشف عن صدق مشاعرهما ومحبة قلبيهما تجاه أفلاذ الأكباد وثمرات الفؤاد.

ومن أهم المشاعر التي أودعها الله في قلب الأبوين الشعور بالرحمة نحو الأولاد والرأفة بهم والعطف عليهم ، ولقد رسخت الشريعة الإسلامية تلك المشاعر وحضت الكبار من أباء وأمهات ومعلمين ومسئولين علي التحلي بهذه الأخلاق وليس أدل علي ذلك من اهتمام النبي ( ص ) بموضوع الرحمة وحرصه الزائد علي تحلي الكبار بهذا الخلق الكريم والشعور النبيل ، فكان ( ص ) إذا رأي أحد من أصحابه لا يرحم أولاده يزجره بحسم ويوجهه إلي ما فيه صلاح المنزل والأولاد ، فقد روي عن الأمام البخاري رضي الله عنة عن السيدة عائشة أم المؤمنين أن أعرابيا جاء إلي النبي ( ص ) فقال أتقبلون صبيانكم ،فما نقبلهم ، فأجاب النبي ( ص ) أو أملك لك أن نزع الله الرحمة من قلبك .

وقوله ( ص ) للأقرع بن حابس التميمي حين قال إن لي عشرة من الأولاد ما قبلت أحد منهم ، فنظر إليه النبي ( ص ) قائلا من لا يرحم لا يرحم ( رواة البخاري  ).

 

كما يدعو الإسلام إلي المساواة بين الأبناء مساواة مطلقة وبعدالة شاملة فلم يفرق في المعاملة بين الذكر والأنثى حيث قال الأمام أحمـد في مسنده عن ابن حيان قول النبي ( ص ) سووا بين أولادكم في القبل .ولكي يقتلع النبي ( ص ) من بعض النفوس الضعيفة جذور الجاهلية خص البنات بالذكر وأمر بالإحسان إليهن ، كما أمر الأباء بحسن رعايتهن والعناية بهن حتى يكن طريقه إلي الجنة فقال ( ص ) من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين وضم أصابعه ( رواة مسلم ).

وقوله ( ص ) في مسند الأمام أحمـد من كانت له ثلاث بنات فصبر عليهن وسقاهن وكساهن من جدته ( ماله ) كن له حجابا من النار ، وقد نهي الإسلام عن تفضيل أحد الأبناء حين قال النبي ( ص )   ساووا بين أولادكم في العطية.

 ( رواه الطبري )

كما روي أن رجلا جاء إلي النبي ( ص ) فجاء ابنه بعده فقبله و اجلسه علي فخده وجاءت ابنه له فأجلسها بين يديه فقال ( ص ) ألا سويت بينهما.

ويضع الإسلام استراتيجية خاصة في تعديل سلوك الطفل وتربيته فإن كان ينفع مع الطفل الملاطفة بالوعظ فلا يجوز للمربي أن يلجأ إلي الهجر وان كان ينفع الهجر أو الزجر فلا يجوز له أن يلجأ إلي الضرب ، فان عجزت الوسائل الإصلاحية الممكنة فلا بأس أن يلجأ للضرب بشروط وضعها الإسلام.

ويدل علي الاستراتيجية السابقة قول عمر بن أبي سلمة عن التوجيه والوعظ والإرشاد كوسيلة أولي في التربية حيث يقول كنت غلاما في حجر رسول الله ( ص ) وكانت يدي تطيش في الصفحة فقال لي النبي ( ص ) يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك . أما فيما يتعلق بالهجر فما قاله بن المغفل لقريب له وكان دون الحلم حين حذف ( رمي الحصى بالسبابة والإبهام ) فنهاه وقال له إن رسول الله ( ص ) نهي عن الخذف فإنه يقتل الصيد ولا ينكأ العدو وإنه  يفقأ العين ويكسر السن ثم عاد الفتي فقال له أحدثك إن النبي ( ص ) نهي عنه ثم عدت تخذف ، لا أكلمك أبدا .

وفيما يتعلق بالضرب قوله ( ص ) مروا أولادكم بالصلاه وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع.

وهكذا نجد أن الإسلام  وضع استراتيجية للعلاقة بين الطفل ومن يتولي تربيته وهذه الاستراتيجية تتدرج من الوعظ إلي الهجر وأخيرا الضرب غير المبرح فلا يجوز للمربي أن يلجأ إلي الأشد إذا كان الأخف ينفع وهذا هو المنهج الإسلامي في التربية.

 

ولم يكتفي الإسلام بالاهتمام بالطفل بعد ولادته بل تجاوز ذلك واهتم بالحمل حين حدوثه حين ذكر البشارة بالمولود في مناسبات عدة إرشادا وتعليما للأمه الإسلامية ، فهاهي الملائكة تبشر سيدنا زكريا عليه السلام ( فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب إن الله يبشرك بيحي ) أل عمران : 39 . وقوله تعالي في بشارة إبراهيم ( وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ) هود : 71.

كما أهتم  بالمولود من لحظة ميلاده مباشرة عن طريق الأذان في أذنه اليمني ،وإقامة الصلاة في أذنه اليسرى مصداقا لما رواه أبو رافع حين قال رأيت النبي ( ص ) أذن في أذن الحسين بن علي حين ولدته فاطمة .

 ( رواه أبو داود والترمذي )

وهنا يظهر مدي اهتمام وحب الأب لولده واهتمامه الشديد به ورغبته في أن تقرع آذنه كلمة التوحيد فكأنه يلقنه شعار الإسلام عند دخوله إلي الدنيا وغير مستنكر وصول أثر الأذان إلي قلبه وتأثره به.

 ( بن قيم الجوزية )

ويستحب تحنيكه عقب الولادة وذلك عن طريق مضغ تمرة وتدليك حنك المولود بها ولعل الحكمة من ذلك تقوية عضلات الفم بحركة اللسان مع الحنك مع الفكيين حتى يتهيأ المولود للقم الثدي ، فقد جاء في الصحيحين عن أبى موسى رضي الله عنه قال ولد لي غلام فأتيت به النبي ( ص ) فسماه إبراهيم وحنكه بتمرة ودعا له بالبركة ودفعه إلي.

 

و ينصح الإسلام الأباء بحلق رأس المولود  يوم سابعه والتصدق بوزنه ذهبا أو فضة علي الفقراء والمساكين وفي هذا نوع من أنواع الفرح والبهجة بالمولود وفيه ينبوع من ينابيع التكافل الاجتماعي الذي قد يعود نفعه علي المولود بالدعاء له وهو ما قاله النبي ( ص ) لفاطمة رضي الله عنها بعد ولادتها الحسن بن علي يا فاطمة احلقي رأسه وتصدقي بزنه شعره فضة.

وقد اعتني الإسلام فائق العناية باختيار اسم المولود كما حدد أيضا موعد التسمية ، فهناك أحاديث تري تسميته في أول يوم ، وأجازت أحاديث أخري تأخير التسمية لثالث يوم ، ويجوز تأخيره إلي يوم العقيقه فقال ( ص ) كل غلام رهين بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ويسمي ويحلق رأسه.

كما أوجب الإسلام علي المربي أن يختار من الأسماء أحسنها وأجملها وحض النبي ( ص ) علي ذلك حين قال ( إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم فأحسنوا أسمائكم ).

وكان ( ص ) يغير الأسماء القبيحة التي تمس كرامة الشخص وتكون مدعاة للاستهزاء والسخرية فعن بن عمر رضي الله عنهما قال كان لعمر رضي الله عنه ابنه يقال له عاصية فسماها النبي ( ص ) جميلة.

 ( رواه الترمذي وبن ماجه )

كما روي أنه ( ص ) غير اسم عاصي وعتله والشيطان وغراب وحباب وسمي حوبا سلما.

 ( السيوطي ).

كما يجب تجنب الأسماء التي بها اشتقاق من كلمات فيها تشاؤم فقد روي البخاري في صحيحه عن سعيد بن المسيب عن أبيه عن جده قال آتيت النبي ( ص ) فقال ما اسمك قلت حزن فقال أنت سهل قال لا أغير اسما سمانيه أبى قال بن المسيب فما زالت تلك الحزونه فيما بعد. ( سنن البيهقي ) 

والإسلام يأمر كل من في عنقه مسئولية التوجيه والتربية ولا سيما الأباء والأمهات منهم أن يتخلوا بالأخلاق العالية والملاطفة أترصينه والمعاملة الرحيمة حتى ينشأ الأولاد علي الاستقامة ويتربوا علي الجرأة واستقلال الشخصية ، وبالتالي يشعرون أنهم ذو تقدير وكرامة واحترام فالله سبحانه وتعالي يأمرنا بالمعاملة الرحيمة للحيوانات  ( دخلت امرأة النار في هرة لا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض ) فما بالكم بالإنسان ، و يأمر بحسن معاملة الغريب فما باللك بالقريب (  إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى ) النحل : 290 ، ويقول تعالي ( والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين ) .أل عمران :  143.

ويقول تعالي ( ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ) ويقول النبي ( ص ) إن أراد الله بأهل بيت خيرا أدخل عليهم الرفق ، وإن الرفق لو كان خلقا لما رأي الناس خلقا أحسن منه ، وإن العنف لو كان خلقا ما رأي الناس خلقا أقبح منه.

(رواه أحمد والبيهقي )

وقوله ( ص ) الراحمون يرحمهم الله ، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء.

 ( رواه أبو داود والترمذي )

والأباء حين يسلكون الطرق الملتوية والمعاملة القاسية والعقوبة الظالمة الشديدة يكونوا قد جنوا علي أبنائهم بل وغرسوا فيهم وهم صغار بذور الانحراف أو التمرد أو العقوق ، وليس هناك أدل من قصة الشيخ الذي ذهب إلي الخليفة عمر بن الخطاب يشكو إليه عقوق ولده فقال الولد للخليفة أليس للولد حقوق علي والده ؟ قال عمر بلي ، قال فما هي ؟ قال عمر أن ينتقي أمه ويحسن اسمه ويعلمه الكتاب ، فقال الولد يا أمير المؤمنين أن أبي لم يفعل شيئا من ذلك فأمي زنجية كانت لمجوسي وقد سماني جعلا ( خنفساء ) ولم يعلمني من الكتاب حرفا واحدا ، فالتفت عمر رضي الله عنه إلي الوالد وقال عققته قبل أن يعقك وأسأت إليه قبل أن يسيء إليك،  وهكذا يحمل الإسلام الأباء المسؤولية كاملة في تنشئة الأطفال كأفراد أسوياء بدنيـا ( علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل ) ،ونفسيـا ( تبسمك في وجه أخيك صدقة ) ، وعقليـا ( اطلبوا العلم من المهد إلي اللحد) .

فالإسلام أعطي نموذجا لنمط التربية والعلاقة الوالدية الطفلية في العديد من الأحاديث النبوية منها ما رواه بن حيان عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه ( ص ) قال الغلام يعق عنه يوم السابع ويسمي ويماط عنه الأذى ،  فإذا بلغ ست سنين أدب ، وإذا بلغ تسع سنين عزل عن فراشه ، فإذا بلغ ثلاث عشر سنه ضرب علي الصلاة والصوم ، فإذا بلغ ستة عشر سنه زوجه أبوه ثم أخذ بيده وقال قد أدبتك وعلمتك وأنكحتك وأعوذ باللة من فتنتك في الدنيا وعذابك في الآخرة.

كما أوجب الإسلام علي الأباء بجوار التربية الخلقية الاهتمام بتربية الجسد حتى ينشأ الطفل قويا سليم البدن يبدو عليه مظاهر الصحة والحيوية والنشاط فقال تعالي ( وعلي المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف ) البقرة : 233.

وقوله ( ص ) دينار أنفقته في سبيل الله ودينار أنفقته في رقبة ودينار تصدقت به علي مسكين ودينار أنفقته علي أهلك أعظمها أجرا الذي أنفقته علي أهلك.

( رواه مسلم )

وقوله ( ص ) المؤمن القوي خير وأحب إلي الله من المؤمن الضعيف. ( رواه مسلم )

 

 

 

  • Currently 76/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
26 تصويتات / 481 مشاهدة
نشرت فى 1 إبريل 2007 بواسطة alysmail

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

106,708