في يومها العالمي "صحتنا ليست للبيع" ..بقلم د. غسان شحرور*
في "يوم الصحة العالمي" الذي يوافق 7 نيسان/ أبريل من كل عام، تواصل "منظمة الصحة العالمية" هذا العام 2019 تركيزها على موضوع “التغطية الصحية الشاملة”، وهكذا تؤكد فيه هذه المنظمة العالمية أكثر من أي وقت مضى، منذ تأسيسها قبل أكثر من سبعين سنة، أن رؤية “الصحة للجميع” التي نسعى إليها على مدى عقود، لا يمكن أن تتحقق ما لم ننجح في تحقيق “التغطية الصحية الشاملة” للجميع وفي كل مكان. فالصحة وفق التعريف الذي نشأت عليه "منظمة الصحة العالمية" هي "حالة من اكتمال السلامة بدنياً وعقلياً واجتماعياً، لا مجرد انعدام المرض أو العجز".
تعني “التغطية الصحية الشاملة” بكل بساطة العمل المجتمعي من أجل ضمان حصول جميع الناس على الخدمات الصحية التي يحتاجونها بما فيها الخدمات الصحية التعزيزية والوقائية والعلاجية والتأهيلية والملطفة، ذات جودة تكفي لأن تكون فعّالة، دون أن يتسبب ذلك في حدوث عجز مالي لديهم، لاشك أن تحقيق ذلك يتطلب نظاماً صحياً قوياً وفعالاً، وإدارة جيدة تفي بالاحتياجات الصحية ذات الأولوية من خلال الرعاية المتكاملة التي تركز على الناس، وتأخذ بعين الاعتبار حاجات جميع شرائح السكان في المجتمع.
نعم، إن "التغطية الصحية الشاملة" تؤثر إيجابياً على حياة السكان بكل جوانبها الصحية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية، لذلك تعد عنصراً أساسياً لتحقيق التنمية المستدامة والحد من الفقر، وعنصراً ضرورياً في أي جهد يسعى إلى تقليل الفوارق الاجتماعية بين أبناء المجتمع، ولكل هذه الأسباب أقرت الأمم المتحدة عقد قمة على مستو عال حول ذلك خلال جلسة الجمعية العمومية في نهاية هذا العام، نتوقع أن تكون محطة تاريخية على طريق تحقيقها.
كما ذكرت سابقاً، وفي أكثر من مناسبة، أن هذا التعريف يتضمن ثلاثة أهداف رئيسة:
● الإنصاف في الوصول إلى الخدمات الصحية – أي أنه ينبغي لمن يحتاجون هذه الخدمات أن يحصلوا عليها، وليس فقط من يستطيعون دفع كلفتها؛
● أن تكون جودة الخدمات الصحية جيدة بما يكفي لتحسين صحة من يتلقون هذه الخدمات؛
● الحماية من العجز المالي - أي ضمان أن كلفة الرعاية لن تسبب مصاعب مالية تهدد معيشة المجموعات السكانية الأقل دخلا، وهكذا لانقايض الصحة بالمال.
تستند “التغطية الصحية الشاملة” بقوة إلى “دستور منظمة الصحة العالمية” الذي أعلن منذ أكثر من70 سنة أن الصحة هي حق من حقوق الإنسان الأساسية، وكذلك إلى شعار “الصحة للجميع” الذي حدده إعلان "ألما-آتا" قبل أكثر من أربعين سنة، بإجماع دول العالم. وتزداد الحاجة إليها عند المجموعات الواقعة خارج مظلة “التغطية الصحية الشاملة” لاسيما العاملين في القطاع الأهلي أو الخاص وغيرهم كالأشخاص ذوي الإعاقة، وكبار السن، وذوي الأمراض المزمنة غير السارية.
وكما ذكرت سابقا وفي أكثر من مناسبة، تزداد الحاجة في بلادنا العربية إلى مظلة “التغطية الصحية الشاملة” بسبب افتقار مجموعات كبيرة في المجتمع للخدمات الصحية ليس فقط في البلاد التي تشهد كوارث طبيعية، وتلك التي تشهد نزاعات مسلحة أو في البلاد ذات الدخل المنخفض بل أيضا في البلاد مرتفعة الدخل حيث العمالة الوافدة والتباين الهائل بين مجموعات السكان وغيرها. إن غياب “التغطية الصحية الشاملة” جزئياً أو كلياً يشكل تحدياً كبيراً أمام جهود الحد من الفقر وتحقيق التنمية المستدامة وفق رؤية 2030.
نعم في هذا اليوم، وفي كل يوم، لابد من التأكيد أن صحتنا ليست للبيع أو المقايضة، إذا ما شملت المظلة الصحية الجميع، وفي كل مكان.
* الدكتور غسان شحرور، طبيب، كاتب وباحث.
ساحة النقاش