المنهج الإنساني للتدقيق الداخلي

يهدف طرح هذا المنهج إلى تعزيز العلاقات الايجابية الموجودة فعلا بين المدققين والجهات الخاضعة للتدقيق. وتحويل الاتجاهات السلبية لدى بعض الخاضعين للتدقيق نحو المدققين إلى اتجاهات ايجابيه. وحصول المدققين على اكبر قدر ممكن من المعلومات الدقيقة والإيضاحات حول العمليات بأقصر وقت وبأقل الجهود والتكاليف ، ولإشباع حاجات تقدير الذات عند الخاضعين للتدقيق ولضمان قبول توصيات المدققين الداخلين بأقل قدر من مقاومة المنفذين ولتعظيم صورة المدققين الداخلين وخدماتهم داخل التنظيم.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

أن الدبلوماسية علم يجب تعلم قواعده، وهي فن يتعين الوقوف على أسراره  بتعبير مبسّط ، ترمز الدبلوماسية إلى فن الحوار والمخاطبة في التوصل إلى أكبر قدر من المكاسب الإستراتيجية على حساب الخصم، وكثيرًا ما يستشهد الناطقين بالعربية ب "بشعرة معاوية" كوصف آخر للدبلوماسية، حيث وصف معاوية بن أبي سفيان علاقته بالناس وكأن بينه وبينهم شعرة، إن هم أرخوا، شدها معاوية من جانبه، وإن هم شدّوا أرخاها معاوية. فبين الدبلوماسية والنفاق شعرة، فهل تعرف الفرق بينهما؟ إن الأولى ذوق وفهم وإحساس بالآخرين، والثانية صفة لا أخلاقية تسعى لهدف.

يتطلب عمل التدقيق درجة عاليه من الدبلوماسية أو ألحكمه. وتقاس ألحكمه بالقدرة على توجيه الموارد المادية والبشرية نحو تحقيق الأهداف المحددة . وتزداد هذه ألقدره بإتقان عدة مهارات:-

  1. 1.    مهارة الاتصال: هو سلوك أفضل السبل والوسائل لنقل المعلومات والمعاني والأحاسيس والآراء إلى أشخاص آخرين والتأثير في أفكارهم وإقناعهم بما تريد سواء كان ذلك بطريقة لغوية أو غير لغوية. فهو توفير او تجميع البيانات والمعلومات الضروريه لاستمرار العمليه الاداريه ونقلها وتبادلها او إذاعتها. تقول أخصائية العلاج الشهيرة فرجينيا ساتر: ' الاتصال هو عملية أخذ وعطاء للمعاني بين شخصين ' وتقول أيضًا: 'إن الاتصال باختصار هو إقامة علاقة مع الشخص الآخر'. إذن تستخلص مما مضى أن الاتصال حتى يكون ناجحًا لا بد من ركنين أساسين :  
  • إقامة علاقات قوية مع الآخرين والتوافق معهم .
  •  نقل المعلومات والأفكار إلى الآخرين والتأثير فيهم بما تريد

تمثل وظيفة التدقيق الداخلي إحدى حلقات الاتصال والرقابة بين أعضاء المنظمة،حيث أن من واجب المدققين المساعدة في المحافظة على كافة الأنشطة متلاحمة وفعالة.وفي نفس الوقت المحافظة على خطوط الاتصال بين القائمين على هذه الأنشطة مفتوحة ومتواصلة،لا سيما في عصر العولمة والانترنت والعالم السريع.وعليه يجب على المدققين امتلاك مهارات الاتصال المختلفة لأنهم يتعاملون باستمرار وبصورة مباشرة مع الإفراد الذين تخضع إعمالهم للتدقيق.فإذا لم تكن هناك علاقة ذهنية متولدة عن الخلفية العلمية ،والتجربة الشخصية،والاتصال الفعال بين الجميع فان المشاركة والتعاون الايجابي لن يحدث بينهم.

  1. 2.    مهارة التفاوض ودبلوماسية الإقناع:هي عملية الحوار والتخاطب والاتصالات المستمرة بين طرفين او أكثر بسبب وجود نقاط اتفاق واختلاف في المصالح. يكونون ميالين بطبعهم للحلول الوسط، فهم لا ينظرون للأمور من جهة وجود منتصر وخاسر ولكن من جهة وجود رضا متبادل وفوز لكلا الطرفين، وهذا هو المفهوم الصحيح للتفاوض والذي يقوم على اعتباره تعاونًا لا مواجهة، فهو فرصة للعمل المشترك بين طرفين لتحقيق هدف لا يستطيع أحدهما إنجازه بمفرده.
  2. 3.    مهارة الإقناع: هي عملية فكرية تهدف إلى التأثير في أفكار الغير.فالإقناع وسيلة لبلوغ الأهداف ومهارة من مهارات الاتصال الناجح وركيزة من ركائز النجاح. لذا فقد عدها البعض البارومتر الذي يقاس به مدى اهتمام الفرد للوصول إلى النجاح وتحقيق أهدافه. فالشخصية تتجسد في السلوك اللغوي للفرد لتعبر عن مشاعره وآراءه . كما يقول امير المؤمنين (عمر): (تكلموا تعرفوا فان المرء مخبوء تحت لسانه). كما يشير إلى ذلك قولة عليه السلام: (رب قول أنفذ من صول) فالشخصية تتجلى في سلوكها اللغوي في التأثير والتأثر بالآخرين. فالإقناع مهارة يمكن اكتسابها عن طريق التعلم والتدريب والممارسة. إن اللغة من أكثر وأوسع وسائل الاتصالات انتشارا بين الناس ، ولها القدرة على التأثير في الناس على اختلاف مستوياتهم ، فعلى كاتب التقرير أن يتذكر دائماً أن مهمته الرئيسية من وراء كتابة التقرير هي إيصال المعلومات إلى القارئ والتأثير فيه ومساعدته على  اتخاذ قرار مناسب.

 

  1. 4.    مهارة الانتقاد: الانتقاد هو أحد وسائل تصحيح الأخطاء إذا كان محدداً ويركز على السلوك ( الخطأ ) وليس على الشخص.يعني توجيه الانتقاد إلى أن يكون بناء , لا يثبط العزيمة , ولا يفسد العلاقة مع الآخر , بل يحسنها ,كما يهدف إلى أن الانتقاد يكون فرديا وليس علانية , ويحافظ طلب الأذن , عموما على العلاقة الجيدة لكن معظم الناس اعتادوا على توجيه الانتقاد بصورة عامة وسطحية . يستخدم الشخص الحازم مهارة معالجة الانتقاد لتحويل الانتقاد العام والسطحي إلى انتقاد بناء ومحدد ، وذلك باستخدام الخطوات التاليـة :
    1. يسأل عن نقاط تفصيلية محددة لسبب الانتقاد .
    2. يسأل عن مقترحات وبدائل .
    3. يوافق على المقترحات العمليـة .

 

  1. 5.    مهارة التأثير على الآخرين: قال صلى الله عليه و سلم : " ما كان الرفق في شيء إلا زانه و ما نزع من شيء إلاشانه " الذي يدعو لشيء و يفعل عكسه يقول للناس إن الذي أريدكم أن تعلموه أو تعتقدوه لا يعمل ألا ترون ذلك فيّ ؟!اصمت بعد أن تقول جملة أو تفعل فعلاً و اسمح للشخص أو الأشخاص أن يفكروا ، بأنك تنقل لهم معاني عظيمة من خلال أنفسهم لأن الإنسان في أعماق نفسه عظيم كن رقيقاً في أمورك و معاملتك مع الآخرينتواضع للناس حتى يحببك الناس و يتأثرون بك. إن التأثير قد لا يكون سريعاً أعطِ الناس فرصة في التأثير و التغيير ، إن عليك البلاغ و ليس عليك التغيير ولا النتائج . قد يأتي تأثيرك بعد ساعات أو شهور أو حتى سنوات ، ليست هذه مهمتك إذا أردت أن تؤثر فعليك أولاً أن تنسجم مع الشخص الذي أمامك من خلال نبرة الصوت و هيئة الجلوس أو الوقوف و طريقة التفكير و حركات الجسد و ربما سرعة التنفس.

 

لذا علينا ان نعرف الاخطاء التى يقع فيها كثير من الناس حتى نحاول ان نتجنبها في معالجة اخطاء غيرنا ومن هذه الاخطاء :

  • القسوه في التعامل مع المخطئ التى قد تزيد عناد المخطئ واصراره على الخطأ بينما الرفق في معالجة الخطأ والتعامل معه بهدوء والتماس الاعذار للمخطئ ثم تعليمه الصواب يفيد كثير في علاج هذا الخطأ.
  • الاندفاع والتسرع في التعامل مع المخطئ فقد ينتج عنه مشاكل اكبر من الخطأ ذاته لذا علينا ان نتريث ولا نندفع فنرتكب نحن خطأ اكبر من الخطأ نفسه.
  • النصيحه امام الناس فالشخص لا يحب ان تظهر اخطأه امام الناس فاذ حاولنا ان نوجه المخطئ امام الناس فاننا لن نفلح في معالجة الخطأ بل بالعكس لربما تحصل مشكله بين الشخص المخطئ والناصح ولهذا لابد ان تكون النصيحه سراً بين الناصح والمخطئ .
  • اخلاص النيه في علاج الخطأ وان نحاول ان لا نحرج احد او نبين له اننا افضل منه بل علينا ان نتواضع عند معالجة الخطأ ونتخلص من الاهواء والشماته في المخطئ وان نختار افضل العبارات وارقها.
  • عدم تقديرنا للخطأ بشكل صحيح فكثير من الناس لا يقدر الخطئ بشكل صحيح سواء بتعظيمه او تحقيره وبالتالى لا يعالج الخطأ بشكل صحيح فلذا يجب علينا ان ننظر بمنظار صحيح فلا نصغر الكبير ونعظم الصغير حتى لا نفسد ونحن نظن اننا نصلح.
  • مراعاة عامل السن والعقل فعندما نتعامل مع المخطئ الصغير ليس كتعاملنا مع المخطئ الكبير وايضاً تعاملنا مع المتعلم يختلف عن تعاملنا مع الجاهل وهكذا لنصل الى معالجة الخطاً بشكل صحيح.
  • المرجعيه فلكل شي مرجعيه فالمرجعيه في العمل هي النظم واللوائح والقوانين وفي الدين القران والسنه وهكذا لذا لابد ان نكون ملمين بها فاذا اردنا توجيه احد الى  الصواب لابد ان نكون ملمين بالمرجعيه حتى لا نجد انفسنا نحكم على سلوك معين بانه خاطئ ثم نكتشف ان هذا السلوك ليس سلوك خاطئاً .

 

وإذا ما أردا المدققون الداخليون إن يكونوا فعالين يجب عليهم التحلي بصفات الحكمة أولا لان معظم المشكلات التي تواجههم إثناء تأدية إعمالهم ، تكون ناتجة عن الأسلوب الذي يتعاملون به مع الآخرين.وتقتضي ألحكمه من أي مدقق إتباع الخطوات التالية:-


أولا: ابتداء العمل من عند مسؤول النشاط وذلك بعقد لقاء معه يوضح المدقق فيه نوعيه العمل وأطاره ونطاقه والإجراءات العامة واهم الأهداف التي يصبو إلى تحقيقها.والطلب من المسؤول مرافقتهم إلى الأقسام وتعريفهم بهم والإلحاح في طلب مساعدة المدير لإنجاح مهمتهم.

 

ثانيا: الانتقال إلى مواقع العمل الميداني سواء كانت أقسام إدارية او مستودعات او ......الخ والالتقاء بالعاملين وتعريفهم بالمهمة بشكل يعطيهم فكرة عامه عن هدفها.

 

ثالثا: فتح قنوات الاتصال مع العاملين من خلال مناقشات حول قضايا عامه تهم المؤسسة ككل او تتعلق بعملياتهم بصورة غير مباشرة بهدف إزالة مظاهر التوتر والقلق عند هؤلا العاملين ، وتهيئة الأجواء النفسية المناسبة لقبول النتائج التي سيتوصلون إليها مستقبلا.

 

رابعا: الرجوع إلى مسؤول النشاط المختص في حالة اكتشاف انحرافات او أخطاء وعدم تجاوزه إلى المسؤول الأعلى منه ألان ذلك من شانه إن يسبب حالة من العداوة المبكرة نحو المدقق.

 

ومما لا شك فيه إن ألحكمه والدبلوماسية لا تناقض مع دماثة الأخلاق والصدق والصراحة والامانه والموضوعية والاستقامة و السرية في العمل بل العكس فان هذه الصفات من مقومات ألحكمه والدبلوماسية وهذه الصفات من شانها إن تظهر المدقق أمام الجهة الخاضعة للتدقيق بصورة الخبير الذي يسعى إلى مساعدتهم ويبتعد عن مخيلتهم صورة رجل البوليس الذي يبحث عن الأخطاء فقط ليؤكد على المفهوم التقليدي القديم الذي كان همه البحث عن أدلة الاتهام والادانه. على أية حال فان التخلي عن اليقظه او الإغراق في حسن النية الأعمى بحجة الدبلوماسية لا يلغي الشك المهني للوصول إلى الحقيقة ، فاليقظة ضرورة عمليه تقتضيها حالات ومواقف يتعرض لها المدقق الداخلي إثناء عمله فمثلا يجب إن يكون يقظا في الحالة التي يبدي فيها الشخص الذي يخضع عمله للتدقيق موافقته السريعة على ضرورة إجراء التصحيحات فور اكتشاف المدقق لبعض الانحرافات او الأخطاء فقد تكون هذه الموافقة بدون مناقشه لمحاولة من جانب الجهة الخاضعة للتدقيق تهدف إلى وقف استمرار المدقق في إجراء بحثه واختباراته والتي تخاف الجهة الخاضعة للتدقيق إن تتمخض عن اكتشاف انحرافات وأخطاء اكبر واخطر يعرفها المدقق ويعلم انه سوف يتعرض للمساءلة الشخصية لو اكتشفت. لهذا فهو يحاول بتعهده السريع إن يطمئن المدقق بان الذي تم اكتشافه هو الانحراف او الخطأ الوحيد وان باقي الأنشطة والعمليات سليمة.

وعند متابعة الإجراءات التصحيحية يجب اليقظة حيث لا تكفي التأكيدات والتفسيرات المختلفة للأوضاع بديلا عن التيقن الشخصي من خلال جمع البيانات الحقيقية او المعاينة على الطبيعة إذا لزم الأمر.

وعليه نرى ضرورة ألمحافظه على اليقظة والحذر دون التخلي عن مقتضيات التعامل الدبلوماسي لقولة تعالى:(فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلبلانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الامر فاذا عزمت فتوكل على الله ان الله يحب المتوكلين) سورة ال عمران- اية 159

 

بقلم :الدكتور خلف عبدالله الوردات CA

 

 

 

 

 

المصدر: كتاب "دليل التدقيق الداخلي" الدكتور خلف الوردات 2012
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 308 مشاهدة
نشرت فى 5 مايو 2012 بواسطة alwardat

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

20,573