د.خلف عبدالله الوردات

الاعجاز العلمي بسورة يوسف

 

 

الايميل

[email protected]

المكان

عمان, الأردن

العمل

خبير مالي وتدقيق  

العنوان

الاردن -عمان

رقم الهاتف

0096265525155

رقم الموبايل

00962775525155

 

التخطيط الاستراتيجي واعداد الموازنات

 

أحسن القصص......قصة يوسق عليه السلام.. قصة بلغ فيها الجمال ودقة الاعجاز حدا جعل كل جزئية فيها حكمة تكاد تستقل بذاتها.. وفيها من الخطط المستقبلية مع كامل التوكل والإيمان بالغيب فيما قضى الله وقدره على النتائج .. وفيها من المتابعة والإشراف على تنفيذ ما تم التخطيط والتنظيم له ، لمعرفة جوانب القوة في التنفيذ من أجل الإبقاء عليها... وفيها من التوجيههم إلى ما يفعلونه في تلك السنين، وذلك بادخار ما استغلوه في السنوات السبع في سنبله .. وفيها رمز العفة الغواية ، وقدروة العفو ممن يملك القدرة على الانتقام.. هذا وغيره كثير اوردتة السورة القرانية الكريمة في نسق ادبي رائع اكتملت فيه قوة (الحبكة) وبلاغة التعبير.

 

ولكن الرائع ان ياتي في اطار القصة مواجهة علمية عميقة للتخطيط واعداد المدوازات ،حيث يعَدُّ التخطيط ضرورةً من ضرورات الحياة للإنسان، وذلك بسبب خوفه المستمر من المجهول، والأخطار، والكوارث التي تحدق به؛ لذا حتَّمت عليه الظروف توخي الحيطة والحذر لمواجهة ذلك المجهول، فبدأ يُخطط لنشاطاته المختلفة؛ للتغلُّب على ذلك المجهول وما يتعلق به من متغيرات وتقلبات في ظروف البيئة الطبيعية التي يعيش فيها؛ من تعاقب الليل والنَّهار، وتتابع الفصول الأربعة صيفًا وشتاءً، وربيعًا وخريفًا؛ لذا فالإنسانُ يَهدف بالتخطيط إلى تنظيم شؤون حياته، ولتطويع المستقبل المجهول لأهدافه وأغراضه.

 

لقد اهتمَّ يوسف بالتخطيط كنهج لتفكير والتدبر بشكل فردي وجماعي في أداء عمل مستقبلي ، مع ربط ذلك بمشيئة الله - تعالى - ثم بذل الأسباب المشروعة في تَحقيقه، مع كامل التوكل والإيمان بالغيب فيما قضى الله وقدره على النتائج، ويسعى لتحقيق هدفٍ شرعي للتحكم في ظروف المستقبل؛ لتسخيرها في انقاذ البلاد وانقاذ نفسة عن طريق تَحديد الأهداف، ووضع السياسات، وتصميم البرامج، وتحديد الخطوات والإجراءات والقواعد في إطار زمني محدد،حيث قدم يوسف  خطة من عدّة مبادرات (برامج) لخمسة عشر عاماً ، إنّ هذا التعبير المقرون بالمقترح للمستقبل حرّك الملك وحاشيته وكان سبباً لإنقاذ أهل مصر من القحط القاتل من خلال الخطوات التالية:-

1-   حدد الأهداف بشكل مسبق.

2-   ووضع سياسات وقواعد لتحقيق الأهداف.

3-   وضع واختيار البدائل المناسبة لتنفيذ الأهداف.

4-   وحدد الإمكانات المتاحة.

5-   وحدد كيفية توفير الإمكانات غير المتوفرة.

6-   ووضع البرامج الزمنية اللازمة لتنفيذ االاهداف.

 

قال تعالى : " يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (46( قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ (47( ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ (48( ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (49) " .(سورة يوسف .

 

وقد جاء في كتب التفاسير لهذه الآيات أنَّ المطر والخصب سيأتي لمدةِ سبع سنوات متواليات، وأنَّ البقرَ هي السنين؛ وذلك لأَنَّها تثير الأرضَ التي تستغلُّ فيها الزروع والثمرات، وهن السنبلات الخضر، ثُمَّ قام يوسف بتوجيههم إلى ما يفعلونه في تلك السنين، وذلك بادخار ما استغلوه في السنوات السبع في سنبله؛ ليكونَ أبقى له، وأبعد من إسراع الفساد إليه، إلاَّ القدر أو المقدار الذي يَحتاجونه للأكل؛ بحيث يكون قليلاً، ونَهاهم عن الإسراف؛ لكي يستفيدوا في السبع الشداد، وهن السبع المحل التي تعقب السنوات السبع المتواليات، وقد بشَّرهم يوسف بأنه سيأتي عام غيث بعد عام الجدب؛ حيث تغل البلاد ويعصر الناس الزيت وغيره، كما كانت عليه عادتهم في السابق، كما اعتُبرت من قِبَلِ بعضِ الكُتَّاب بأنها موازنة تخطيطية عامة؛ حيث قام يوسف - عليه السَّلام - بعملية الموازنة بين إنتاج ادِّخار واستهلاك القمح في مصر ،

 

فقد اضطلاع يوسف بدَوره الإداري الفَعَّال وعبّر عن الرؤيا بتعبيراً دقيقاً لا غموض فيه مقروناً بما ينبغي عمله في المستقبل يقول الله تعالى "تزرعون سبع سنين.."، "ثم يأتي من بعد ذلك سبع.."، "ثم يأتي..عام.."، حيث يتبين لنا من خلال الآيات السابقة تأثير الزمن في تفسير الرؤيا، ومن ثم التخطيط الاستراتيجي لمواجهة الأزمات في عصر سيدنا يوسف عليه السلام.

 

وحدد التهديدات التي سوف تحلّ بتعبيراً دقيقاً لا غموض فيه مقروناً بما ينبغي عمله "القحط لسبع سنين متوالية فلا أمطار ولا زراعة كافية، وقدم التوصيات للاستفادة ممّا جمع في سنيّ الرخاء “ثمّ يأتي بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدّمتم لهنّ”.

 

ووضع هدف تنفيذي بتقييد وتنظيم استهلاك الطعام “إلاّ قليلا ممّا تحصنون” نتيجة هذا الهدف سيودي الى الاستعداد لإعادة الاستثمار “يأتي من بعد ذلك عام فيه يُغاث الناس”. و”يغاث الناس” أي يدركهم الغيث فتكثر خيراتهم.

 

وبداء بترتيب البرامج والانشطة المترديّة في ذاك البلد الكبير، ويجعل الزراعة وتنظيمها برنامجة الأوّل وخاصّةً بعد وقوفه على أنّ السنين القادمة هي سنوات الوفرة حيث تليها سنوات المجاعة والقحط، فيدعو الناس إلى الزراعة وزيادة الإنتاج وعدم الإسراف في استعمال المنتجات الزراعية وتقنين الحبوب وخزنها والاستفادة منها في أيّام القحط والشدّة...

 

ولاستكمال البرامج وترابطها مع بعضها البعض اهتم يوسف بتنظم وتوزيع الأعمال المختلفة على العاملين كل في مجاله تخصصه ، وإعطاء هؤلاء العاملين الصلاحيات لإنجاز ما اسند إليهم من أعمال في أقصر وقت ممكن، وبأقل تكلفة وبأعلى مستوى للأداء. ، وقال للملك اجعلني مشرفاً على خزائن هذا البلد فإنّي حفيظ عليم كوني شخص متمرس ولدي معرفة تامّة بأسرار المهنة وخصائصها “قال اجعلني على خزائن الأرض إنّي حفيظ عليم”.

 

     اهتم يوسف عليه السلامبالمتابعة والإشراف على تنفيذ ما تم التخطيط والتنظيم له ، لمعرفة جوانب القوة في التنفيذ من أجل الإبقاء عليها ، والعمل على تعزيزها  والتعرف على نواحي الضعف من اجل تلافيها.

يعد التوجيه أحد وظائف الإدارة الرئيسية ، ومن أكثرها حساسية، خاصة وأن هناك ارتباطا وثيقا بين عملية التوجيه و القيادية،حيث قام يوسف عليه السلام بتوجيههم إلى ما يفعلونه في تلك السنين، وذلك بادخار ما استغلوه في السنوات السبع في سنبله؛ ليكونَ أبقى له، وأبعد من إسراع الفساد إليه، إلاَّ القدر أو المقدار الذي يَحتاجونه للأكل؛ بحيث يكون قليلاً، ونَهاهم عن الإسراف؛ لكي يستفيدوا في السبع الشدادقال تعلى" فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إلا قَلِيلاًمِمَّا تَأْكُلُونَ" لمحاربة الاستهلاك والتوجية بالاعتدال (الاقتصاد).

 

       لتجديد مدى فاعلية العمل وفقا للاهداف المرسومة والوسائل والأساليب التي استخدمت في الاداء ولإدراك نواحي القوة لتشجيعها والاستزادة منها ، والوقوف على نواحي الضعف من اجل علاجها تم التقويم لخطة يوسف عليه السلام البالغة خمسة عشر سنة قال تعالى"ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ"(49) .

 

عرف الفكر الإسلامي الموازنة التخطيطية وقدر الاحتياجات والايرادات اللازمة لتغطيتها كما ورد في قصة يوسف عليه السلام والتي حكاها القرآن بقوله: { سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ}(2).  فقد أرسى سيدنا يوسف لملك مصر موازنة تخطيطية توافرت لها الأصول العلمية والعملية وازن فيها الانتاج الزراعي (الايرادات) والنفقات الاستهلاكية بهدف مواجهة المخاطر المحتملة من  المجاعة المتوقعة فقال لهم  تزرعون سبع سنبلات خضر فما حصدتموه فاتركوه في سنابله ليعطيهم اجمل صورة للتخطيط الاستراتيجي والذي من شانه حفظ  الايرادات (المنتج الزراعي) بعيداً عن المؤثرات الخارجية وليتم استخدام ذلك في سنوات القحط بغرض تخطي فترة الكساد في ضوء الظروف المتاحة ، خطةً استمرة تطبيقها خمسة عشر عاماً نجدها في قوله تعالى: ( قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ، ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إلا قَلِيلاً مِمَّا تُحْصِنُونَ، ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُون) (1).
وفي الآيات المباركات نجد مشروعاً له ثلاث مراحل: -


 المرحلة الأولى :تستمر سبع سنوات حدد يوسف-عليه السلام- معالمها كالآتي :

  1. خطة الإنتاج : (تَزْرَعُون) ( الزراعة)
  2. مدة الإنتاج : ( سَبْعَ سِنِينَ)
  3.  مستوى الإنتاج : ( دَأَباً) عملا دائباً متواصلاً.
  4. زيادة المدخرات : ( فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ)
  5. تقييد الاستهلاك : ( إِلا قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُون َ) .

المرحلة الثانية: تستمر سبع سنوات حدد أهم معالمها كآلاتي:

  1. تقييد وتنظيم الاستهلاك ( ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ)
  2. الاستعداد لإعادة الاستثمار: ( إلا قَلِيلاً مِمَّا تُحْصِنُونَ ).. أي هذه هي البذور التي ينبغي. أن تحافظوا.

المرحلة الثالثة : ( ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُون ) ، أي يبذرون ما احتفظوا به في سنبله من قبل سبع سنين، فإذا ما ارتفع النبات وغطى الأرض وزكا الثمر جمعوه وعصروا زيوتهم وفاكهتهم. ومن هذا نستشف أن خطة يوسف عليه السلام كانت تستهدف المجتمع بأسره ( تَزْرَعُون ) وإرادته الحكيمة متوجهة لإيجاد صفات في ذلك المجتمع تمكن من تحقيق الهدف المرسوم واجتثاث أي عائق في سبيل التنمية...... ومن ذلك: -


  1- زيادة ساعات العمل وزيادة استثمار الطاقة الإنتاجية للأمة خلال المرحلة الأولى بأكملها، يتبين ذلك من خلال قوله: ( تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً ) والدأب في اللغة يعني العادة والاستمرار.وهذا يستدعى محاربة البطالة بجميع أنواعها ولاسيما البطالة المقنّعة التي تظهر المجتمع بغير صورته الحقيقية ظاهره الرحمة وباطنه العذاب.


2- تنمية الوعي الادخاري كما يبينه قوله: (فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إلا قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ ).  وهذا يستدعي محاربة ظاهرة الاستهلاك التي كانت منتشرة عند المصريين في عصره -عليه السلام- كما تذكر ذلك بعض المصادر  وبإيجاد هذه الصفات الحسنة ومحاربة تلك الصفات الذميمة يتحقق ما أراده يوسف --عليه السلام- من رفع مستوى الإنتاج والموازنة بين متطلبات الإنتاج والادخار والاستهلاك.

   لقد اكتملت للموازنة التي أرسى يوسف عليه السلام أسسها وقواعدها أركان الموازنة التخطيطية وتفصيل ذلك إن مفهوم الموازنة التخطيطية إنما يقوم على فكرة التوازن والموازنة، وقد قام يوسف عليه السلام بالموازنة بين الإنتاج الزراعي والاستهلاك في ضوء الظروف المتاحة وذلك بغرض تخطي الجدب والقحط.  

إن موازنة سيدنا يوسف قد توافر لها مبدأ المشاركة ، باشتراك المستويات الإدارية في المسئولية مسئولية مباشرة عن تحقيق الخطة في مراحل إعدادها وتنفيذها . ولقد استنبط ذلك من مخاطبته لرسول الملك بقوله (تَزْرَعُونَ (، ( حَصَدْتُمْ) ، (فَذَرُوهُ)، (تُحْصِنُونَ)، إذ الخطاب هنا بصيغة الجمع، أي للناس المخاطبين جميعاً وليس بصيغة المفرد. أي لجميع الناس والمسئولين وهذه إشارة إلى ضرورة اشتراك كافة المستويات الإدارية ـ عليا ووسطى وتنفيذية ـ في إعداد الموازنة التخطيطية.

     إن موازنة سيدنا يوسف قد توافر لها مبدأ توفير الحوافز، ومبدأ الواقعية في الأهداف ، وتناسبها مع الإمكانات ، ذلك أنه وقد وضح للناس أن سنوات كساد سبع ستعقب الرخاء، حمل إليهم البشرى تطمئنهم وتحفزهم، وهي أن هذه الأزمة إلى انقطاع ، إذ سيأتي على الناس عام فيه يغاثون ويرزقون وفيه يعصرون، (ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ).

 

 

 

 

.


2. القران الكريم  سورة يوسف- الايه (43).

1 . القران الكريم  سورة يوسف- الايات من (47-49).

المصدر: القران الكريم سورة يوسف- الايه (43). القران الكريم سورة يوسف- الايات من (47-49).
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 2396 مشاهدة
نشرت فى 5 مايو 2012 بواسطة alwardat

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

20,557