في الحادي عشَر من الشهر الجاري ( يناير) عام 2010 كتب "جون شيا" الصحفي الأميركي البارز، ورئيس تحرير مجلة American Reporter بالمجلد السادس عشر برقم 3851 - مقالاً بعنوان: "الحرب ضدَّ الخلافة"، تضمَّن المقال رسالة موجهة إلى الرَّئيس "أوباما" تتعلَّق بما أسماه "دولة الخلافة الخامسة".
بدأ "شيا" مقاله بالإشارة إلى اجتماع الرئيس "أوباما" بِمُستشاريه من أعلى القيادات العسكريَّة والمدنيَّة لمناقشة مسألة إرْسال قوَّات إضافيَّة إلى أفغانستان، يقول "شيا":
"بعد عدَّة شهور من التروّي أصْدر الرَّئيس أوامرَه بانتِشار ثلاثين ألف جندي إضافي في أفغانستان، والآن ماذا عساي أن أقول والجنود في طريقِهم فعلاً إلى هناك؟! أفغانستان، هذه البلاد التي أصبحت بعد ما يقرُب من عقد من الزَّمان رهانًا لكسْر العظام في اللُّعبة الَّتي يلعَبُها الجهاديون.
المشكلة هي أنَّ الرئيس ومستشاريه لا يُريدون الاعتِراف بأنَّ هذه اللعبة تأخُذ الآن منحًى جديدًا، إنَّهم لا يريدون الاعتِراف بأنَّ الجهاديين لا يسعَون إلى غزو البلاد الإسلاميَّة؛ وذلك لأنَّ لهم فيها قاعدة عريضة تنظُر إليهم وإلى قيادتِهم على أنَّهم يمثِّلون القيادة الروحيَّة في الإسلام، إنَّهم يسعَون بدلاً من ذلك إلى بناء "دولة الخلافة الخامسة" الَّتي ينضوي الإسلام جَميعه تحت حكمها، "الخليفة" في هذه الدَّولة هو الإمام، وهو القائد الروحي والحكومي، وكلّ المسلمين يقرُّون له بذلك.
ماذا يعني هذا بالنسبة للرئيس؟ إنَّه يعني أنَّ الجنود الجدد، والجنود القدامى يُواجهون عدوًّا جديدًا، وهو أكثر الأعداء مخافة، وأضيف: إنَّه عدو لا يُقهر، ذلك ببساطة لأنَّه مجرَّد "فكرة".
إنَّ هذه التنظيمات الجهادية لا تهدف إلى تحقيق فتوحات تكسب بها أرضًا، إنَّما تهدف إلى تحويل العلمانيِّين والمسلمين المعْتدلين إلى "إسلام" لم يُمارسوه من قبل، إنَّه الإسلام الَّذي يلتزم فيه المسلِمون بالتفسيرات الصَّارمة للقرآن، وهو الإسلام الذي تبنَّته المئات من التَّنظيمات الإسلاميَّة المشابهة المنتشِرة عبر العالم الإسلامي، خاصَّة بعد الهجوم النَّاجح على الولايات المتَّحدة في الحادي عشر من سبتمبر عام 2001م.
إنَّ "الخلافة" كفِكْرة تتطلَّب إنجازَ انتِصارات عسكريَّة من شأنها أن تُحقِّق إجماعًا بين المسلمين العاديِّين، يجعلُهم يتبنَّون فكر هذه التنظيمات، سواء من ناحية الشَّكل الذي تريده للإسلام، أو قبول القيادة الجديدة التي تقود هذه التَّنظيمات والتي تحقق هذه الانتِصارات، إنَّ تحوَّل عددٍ كافٍ من المسلِمين العاديِّين إلى هذا الفكر وهذه القيادة يعنى أنَّ "اتِّجاه الريح" ضدَّ الأميركيِّين بدأ في التغيُّر.
إنَّ تصوري للسيناريو الخاصّ بهذا التغير سيَكون على النَّحو التالي: "ستفقد الحكومات القوميَّة في بلاد الشَّرق الأوسط شرعيَّتها الضَّعيفة، ولن تعُود الأوامر تصْدر من عواصم هذه الحكومات، إنَّما ستصدر من هناك، من هذه المنْحدرات الجبليَّة التي يختبئ فيها قادة التَّنظيمات الجهاديَّة، وقد يكون أهم تغيُّر هنا هو تحوُّل الشّيعة من قم إلى طهران إلى أتباعٍ لقيادة التَّنظيمات السنيَّة، ولا يعني هذا أنَّ آيات الله وقياداتهم في إيران - بمن فيهم الرَّئيس الإيراني - سوف يفقدون نفوذَهم بين الشيعة، أو أنَّ سلطاتهم ستتأثر، ولكنَّهم سيجدون أنفُسَهم في وضع يحتِّم عليهم الخضوع لهذا الفهْم السني للشَّريعة الذي سيفرضه قادة التَّنظيمات الجهاديَّة.
أمَّا هؤلاء الزُّعماء الذين يصرّون على المقاومة، فإنَّه ما أن يعلن قيام دولة الخلافة الخامسة، ستتجاهلُهم قيادة هذه الدَّولة في بداية الأمر، وستعْمل على تَحويلهم إلى منهجها، وإن لم يفعلوا فإنَّ مصيرَهم سيكون إمَّا السجن أو القتل.
لم تكن أوَّل إشارات لدولة الخلافة المفترضة سوى تَمريرها لكلمة "الخلافة"، وهذا الأمر لم يُلاحِظْه الكثيرون حينما ظهر على العديد من المواقع الإسلاميَّة الأصوليَّة.
وفي الوقْت الذي كان فيه الغرْب يُتابع إشارات هذه المواقِع كمظهر للصِّراع ضدَّه، كانت هناك انتِصارات أخرى تتحقَّق في ميدان المعركة تمهِّد لميلاد دولة الخلافة.
من غير المحتمل أن تكون الاستراتيجيَّة التي قد تتبعها التَّنظيمات الجهادية قد اتبعت من قبل، فما أن يتَّخذ مائة ألف جندي أميركي وحلفاؤهم مواقعَهم في أفغانستان، فإنَّ هذه التنظيمات وقياداتها قد تلْجأ إلى استِخْدام سلطتها الرُّوحيَّة ومفرداتها العقديَّة؛ لتحوِّل ملايين المسلمين الَّذين انضمُّوا فعلاً تحت لوائِها إلى جنود يُحاربون أعداء الإسلام.
حينما قدمنا لأفغانستان أوَّل مرَّة رحَّب الأفغان بنا وبحكومتِها التي صنعناها لهم، هذا كان بالأمس، أمَّا في الغد فإنَّ الأمر مختلف بجدّ، ستطْلب المجالس المنتخبة لدوْلة الخلافة حديثًا - الَّتي تسيطر على معظم أنْحاء البلاد - من كل مسلم: أن يضطلِع بدوره في الجهاد ضدَّنا، عندئذ تتغيَّر أوْضاعنا من قوَّات كانت تحْظى بشرف نسبي، إلى قوَّات أسيرة شرَك كبير للغاية، ويضيق عليها هذا الشرك يومًا بعد يوم.
الحقيقة الجليَّة هي أنَّه لا يستطيع أي جيش في العالم، ولا أيَّة قوَّة عسكريَّة - مهما بلغت درجة تسليحها - أن تهزم "فكرة".
يجب أن نقرَّ بأنَّنا لا نستطيع أن نحرق قادة هذه الفِكْرة في كلّ بلاد الشَّرق الأوسط، ولا أن نحرق كتُبَها، ولا أن ننشر أسرارها؛ ذلك لأنَّ هناك إجماعًا بين المسلمين على هذه الفكرة.
إنَّ الشرق الأوسط يواجه اليوم القوَّة الاقتصاديَّة الموحَّدة للدُّول الأوربيَّة، هذا صحيح، لكن عليْنا أن نعرِف أنَّه في الغد سيواجه الغرب القوَّة الموحَّدة لدولة الخلافة الخامسة.
ليسمح لي سيادة الرئيس "أوباما" أن أُبدي إليه بعض الملاحظات الهامَّة.
سيدي الرَّئيس:
إنَّ المعركة بين الإسلام والغرْب معركة حتميَّة لا يمكن تجنُّبها، وهي ذاتُ تاريخ قديم، ولا بدَّ أن نضعَ حدًّا لهذا الصراع، وليس أمامنا إلاَّ أن ندخل في مفاوضات سلام مع الإسلام.
إني أتوقَّع أن يخبرَك البعض بأنَّه من المستبعد تمامًا أن ندخُل في مفاوضات مع عدوّ متخيَّل اسمه "الخلافة الخامسة"، لكنَّه يجِب عليك كقائد عسكري وأنت تصوغ سياستك في التعامل مع الإسلام أن تعترِف بسخافة الادِّعاء بأنَّ الإسلام منقسم على نفسه، وأن تعترف كذلك بأن توحيد بلاد الإسلام تحت إمرة قائد كارزمي أمر محتمل.
إنَّه من المسلَّم به أنَّه يصعب محاربة شبح لا يمكن رؤيته، أو حتَّى الاعتقاد بوجوده، لكنَّ الأشدَّ صعوبةً هو أن تجِد هذا الشَّبح قد أصبح حقيقة واقعة لَم تحسب لها حساباتك، فإذا حدث ذلك - وهو ما تسعى إليه التَّنظيمات الجهاديَّة - سنكون قد وقعنا في شركٍ كبير آخَر، الملايين من المسلمين سيقِفون ضدَّنا، وعندئذ يصعبُ عليْنا التَّراجُع.
إنَّ معظم الأميركيين يكرهون التَّعايش مع حرب طال أمدُها من أجل ضمان إقامة ديمقراطيَّة حرَّة في أفغانستان، أو من أجل مساندة أنظِمة في باكستان والعراق، ويكره الأميركيون كذلك فكرة وجُود أميركي دائم لمنْع احتمال تحقيق التَّنظيمات الجهاديَّة نصرًا حاسمًا عليْنا يُفقدنا نمط الحياة الذي نعيشه، إنَّنا شعب يملك إرادة قويَّة، ويجب ألاَّ ننتظر حتَّى تتحطَّم إرادتنا من قبل عدوٍّ يَملك إرادة أقوى.
إنَّنا نعيش مرحلة تتصارع فيها العاطفة مع الأيديولوجيا؛ لهذا فإنَّ الأمر يتطلَّب منا إحداث توافق مع الإسلام، قبل أن تَسيل شلالات الدِّماء من أجساد الأميركيِّين، وهذا أمر قد يحدث قريبًا، يجب أن تكون لديْنا الحكمة فلا نضع أنفُسَنا في قلب الحرْب مع دولة الخلافة الخامسة، والأفضل لنا أن نقِف على حدودها، يجب أن نزِنَ أنفُسَنا جيِّدًا، يجب أن نفكِّر بضميرنا الخاص كأميركيِّين، فليس من الحكمة أن نساند أنظِمة غير ديمقراطيَّة وعالية الفساد ضدَّ دولة الخلافة التي تصوغ سياستَها أصلاً وفق عقيدة تُحارب الفساد والقيادة غير الرَّاشدة، بأكثر ممَّا تحاربه المبادئ اليهوديَّة - المسيحيَّة الَّتي تتَّسم بالتسامح والتَّعاطف مع الخطيئة والمخطئين على السَّواء.
سيادة الرئيس:
علينا ألاَّ نخاف من قيام حكومة أمينة أيًّا كانت صفتها، إنَّ الَّذي علينا أن نَخافه هو قيادات تخون مبادئها الأساسيَّة.
إنَّنا مسؤولون يا سيادة الرئيس عن العديد من الصَّفقات التي تعمل على تمكين الفساد في دول الشرق الأوسط، وعن العديد من الخطوات غير العقلانيَّة التي اتَّخذناها لضمان بقاء الحكومات الفاسدة، إنَّه بإمكانِنا أن ننسحب من صراعٍ ظاهر الملامح بدلاً من أن ندخُل في حربٍ ضدَّ جيش غير منظور، وبمعنى أصحّ: ضد "فكرة"، إنَّنا إذا لم نعترِف بهذه الحقيقة، فعليْنا أن نتوقَّع هزيمة أو انسحابًا حتميًّا، عليْنا أن نعرف: مَن هذا الذي نحاربه؟ وما الذي نحارب من أجله؟ إنَّه عدو متسلح بدينه يُهاجِمُنا يومًا بعد يوم، هل نحن نحارب من أجل السَّيطرة على أراض ومقاطعات، أو نحارب فكرة حانَ وقتُها الآن تملؤها رغبة في الانتِقام منَّا؛ لقتلنا مئات الآلاف من الأرواح البريئة؟
الحقيقة هي أنَّنا نحارب الآنَ في أفغانستان أكبر بلاد العالم في تِجارة الهيروين، لصالح حكومة مِن أشدِّ حكومات العالم فسادًا، لقد انسحبْنا من العراق في وقتٍ بدأتْ فيه المصالحة الوطنيَّة تجني ثمارها، ورغْم ذلك تتصاعدُ الهجمات ضدَّ الجنود والمدنيِّين، ومع الأسف فإنَّ الحكومات الَّتي شكَّلْناها هناك هي ذاتها تُعتَبَر شكلاً جديدًا من الحكومات التي تسْعى إلى تأْخير وتَحطيم أُسُس الديمقراطيَّة الحرَّة.
إنَّنا لا نستطيع أن نملي مستقبل السياسة على الشرق الأوسط، أو نرسم سياستَنا لكي نضْمن فقط بقاء أنظمة بعينها، أو لضمان استِمرار إمدادنا بمصدر واحد، إنَّ مستقبلنا يكمن في التِّجارة مع عالم ينعم بالسَّلام، تتوافر فيه الوظائف لشعْبِنا، ويحدث فيه التقدُّم في التكنولوجيا والاختراعات، هذا هو الَّذي يصنع الفارق، دعنا نُحارب من أجل ذلك، وليس من أجل حكومات شيْطانيَّة.
سيدي الرئيس:
أشكرك لاستماعك إليَّ، وأنا فخور بأنِّي أعطيتُك صوتي في انتخابات الرِّئاسة الأخيرة".
نشرت فى 15 يوليو 2016
بواسطة alsiassi
مؤسسة النسر السياسي للإعلام
إعلام وصحافة الكترونية،،، منابر ومساحات للحوار...، بهدف المساهمة في التنمية السياسية ...، وتعميق الثقافة الديمقراطية...، و في محاولة لتلمس الخطى على طريق الوحدة ، والحرية ،والحياة الفضلى....، خدمة للإنسان والوطن والأمة والإنسانية جمعاء... . »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
37,723