مخاوف الأطفال تتغذى أحياناً على محيطه 

يعيش بعض الأطفال في حالة خوف دائم، ما يسبب إزعاجا للأهل، خاصة إذا كان الخوف دائما ويلازم الصغير، ويصعب التخلص منه بسهولة، فهناك من يخاف من النوم بمفرده، ومنهم من يخاف من الظلام، وهناك من يصاب بالهلع نتيجة قص أظفاره، فما أسباب هذه المخاوف؟ وما هي الحلول التي يقترحها أخصائيون لفك عقدة هؤلاء؟ خصوصا أن المخاوف الدائمة تعوق نمو الأطفال وتؤثر سلبا في تطورهم العاطفي والعقلي.

لكبيرة التونسي - عالم الأطفال عالم مليء بالغموض، وتمثل فيه المشاعر والانفعالات الجزء الخفى في شخصية كل طفل، وتبرز مشاعر الخوف لتشكل صمام الأمان للصغار فهي التي تشكل القوة الدافعة لحماية ذواتهم من المخاطر، وهي مشاعر طبيعية وفطرية. في هذا الإطار، تقول الاستشارية النفسية والخبيرة الأسرية والتربوية بمركز رسالة للتدريب بدبي الدكتورة هبة شركس إن «الانفعالات حالة داخلية تشكل طبيعة الخبرة التي يعيشها الأطفال، ويعتبر الخوف أحد المشاعر الأساسية لديهم، ومشاعر الخوف تعد صمام الأمان، حيث تشكل القوة الدافعة لحماية الذات من الأخطار»، مؤكدة أن هذه المخاوف ما دامت تدخل في إطار زماني ومكاني مقبول فلا مشكلة فيها. وتتابع «لكن المشكلة الحقيقية تكمن في خروج هذه المخاوف عن إطار الحفاظ على الذات وسيطرتها على حياة الطفل لتشكل عائقا لنمو الطفل وتفاعله مع البيئة الخارجية وتجعله أسيرها».

أنواع المخاوف

 

حول أنواع المخـــاوف التي تعتري الأطفال، تقول شركس، المدرب المعتمد وعضو هيئة تدريس بالأكاديمية الأميركية للعلوم والتنمية، إنه يمكن تقسيم مخاوف الأطفال إلى مخاوف بسيطة وهي مخاوف طبيعية تلعب دورا في الأمن والسلامة لدى الطفل، ومخاوف مبالغ فيها تشكل حاجزا بين الطفل والمجتمع الذي يعيش فيه، وتعكر عليه صفو طفولته، موضحة أن مخاوف الطفل تزيد وتكبر بسبب قلة خبرة بعض الأهالي. وتتابع «أحيانا يلعب المربي دورا في نشأة المخاوف لدى الطفل فقلة خبرة الوالدين بقواعد وأصول التربية قد تدفعهما لتخويف الطفل كوسيلة للتربية والتهذيب، ما ينعكس سلبا على شخصية الصغير، حيث إن الخبرات الوجدانية والعاطفية المخيفة في مرحلة الطفولة قد تلقي بظلالها على المستقبل، إذ تظل كامنة في اللاوعي لتستيقظ فجأة عند التعرض لمواقف مشابهة، وأحيانا تتولد مخاوف الأطفال من قلة خبرة الطفل أو نقص المعرفة لديه أو عدم قدرته على التمييز بين الجد والمزاح أو الواقع والخيال».

 

وتلفت شركس إلى أنه هناك تجارب واقعية تسبب قلق الآباء. وتذكر في هذا الإطار بعض القصص وتسرد قصة الطفل آدم وهو في الثالثة من العمر، والذي يخشى أحد أقاربه بشكل ملحوظ، فهو يفر هاربا إلى حضن أمه بمجرد رؤية هذا القريب، حاولت والدته دفعه للتفاعل مع هذا القريب، لكن محاولتها كانت تدفعه لمزيد من المقاومة، ما دفع الأم للبحث عن السبب، وبعد محاولات للتفريغ النفسي للطفل وتحليل لبعض رسوماته وقراءة أحلامه، ومحاولة ربط التفسيرات بعضها ببعض أتضح أن مخاوف الطفل ناتجة عن دعابة من هذا القريب مفادها «أنه معجب بيديه الصغيرتين وأنه يتصور أنهما طعام شهي يتمنى قضمه».

تأثير العمر

حول اختلاف المخاوف باختلاف الأطفال وأعمارهم، توضح شركس «طفل العام أو العامين قد تثير الأصوات المرتفعة المفاجئة مخاوفه، بينما تثير المخاوف الخرافية من أشباح، وساحرات، وعفاريت مخاوف الأطفال الأكبر سنا من خمس إلى ست سنوات، بينما يتأثر الأطفال في سن الطفولة المتأخرة من 9 إلى 12 سنة بمخاوف الكبار، بمعنى أنهم عندما يستمعون لأحاديث وحوارات الكبار التي تحتوي بعض المخاوف مثل فقدان قريب، أو خوف الأم من بعض الحيوانات، أو الخوف من السحر والحسد»، مؤكدة أن ما يشاهده الأطفال من مشاهد دامية على شاشة التلفاز ومن تقارير إخبارية أو أفلام مرعبة قد يثير هلعهم، كون الأطفال في هذه المرحلة العمرية يعمدون لتقمص المشاعر الوجدانية لمن هم أكبر سنا.

وتشير شركس إلى أن الخلافات الزوجية تتسبب في إثارة مشاعر الخوف من الضياع، وفقد الرعاية لدى العديد من الأطفال، خاصة مرهفي الحس والمشاعر. وتضرب شركس نموذجا آخر من الأطفال في هذا السن والذي كانت خلافات والديه سببا في حزن دائم وخوف، قائلة «زايد ولد في العاشرة من العمر له أخت في الثانية عشرة، يعيش مع والدين دائمي الخلاف، وفي أحد الأيام الهادئة اصطحب الأب أخت زايد لشراء بعض الأغراض ولم يصطحب زايد، فأطبق الحزن على مشاعر الصغير، وعندما تدخلت الأم لترضيته، انفجر باكيا ومتعلقا بعنق والدته وهو يردد عبارته «لا تتركوني لوحدي لا أستطيع العيش بدونكم، لا تتركيني في البيت، أخاف من البقاء وحيدا في هذه الدنيا»، وبعد أن هدأ بدأت الأم حوارا هادئا معه، فاستشفت أن بعض العبارات التي يطلقها كلا الوالدين في أوقات الخلافات تسبب الأذى للأبناء، وتولد مشاعر الخوف لدى زايد فهو يأخذها بحرفيتها على أنها حقائق وينتظر حدوثها بين الحين والآخر».

الشعور بالأمان

تربط شركس النمو العاطفي والفكري والعقلي للطفل بالشعور بالأمان. وتضيف «أهم الاحتياجات النفسية لنمو سوي للطفل «الشعور بالأمان» إذ يحتاج الطفل لهذه المشاعر تماما كما يحتاج إلى الماء والغذاء، فلا تقتصر تربية الأبناء على التربية الجسدية، بل إن التربية النفسية السوية هي الطريق السوي للصحة والسلام النفسي للطفل، ولكي نوفر هذا الأمان النفسى علينا توفير بيئة هادئة ودافئة مليئة بالحب والسلام، ليس للطفل فقط، بل لكل من يحيط به».

وتشدد على ضرورة تجنب التربية عن طريق التخويف نظرا لانعكاساتها السلبية، وتضيف «علينا أن نتوقف عن التربية بالتخويف ونستبدلها بالتربية بالتثقيف، بمعنى توعية الأطفال حول المخاطر المحتمل مواجهتها بأسلوب تربوي متوازن يجعل الطفل حذرا دون أن يحد من انطلاقه أو يعيق فضوله وحبه للاستكشاف، كما يتوجب على الوالدين مراعاة مخاوف الطفل وعدم الاستهزاء أو السخرية منها، وعدم إجباره على التخلي عن مخاوفه والتوقف عن التحدث عنها أو وصفه بالجبان عندما يبدى مشاعر الخوف، أو إجباره بالقوة على مواجهة مخاوفه فكل هذه السلوكات والأنماط التربوية لا تزيد المخاوف إلا تعقيدا فهي تلقى بها في اللاوعي وتبقى آثرها لتطفو من جديد على السطح فتكون شخصية مهزوزة، وقد تتسبب في ظهور بعض المخاوف المرضية في سن متقدمة».

دور الأهل

تؤكد الاستشارية النفسية والخبيرة الأسرية والتربوية بمركز رسالة للتدريب بدبي الدكتورة هبة شركس أنه «على الوالدين الاستماع والتفهم لمخاوف الطفل دون مبالغة أو استهزاء، فعندما يعي الطفل ويفهم مخاوفه يكون قد خطى أول خطوة في طريق السيطرة عليها، ومن الحكمة أن نسمح للطفل بالتحدث عن تجاربه المزعجة ومخاوفه حتى تبدو أقل غرابة وأكثر ألفة لديه، ومن ثم مناقشته حول هذه المخاوف بالمنطق ورفع وعيه ما يساعد على تبديد هذه المخاوف، كما يمكن استخدام الخيال في التقليل منها تدريجيا، فمثلا يمكن أن نطلب من الطفل رسم الشبح الذي يخشاه ومن ثم إضافة بعض اللمسات على الرسمة ليتحول إلى شكل مهرج، أو التحدث حول موقف مخيف وتحويله إلى موقف كوميدي حتى تتبدل مشاعر الطفل مع تبدل الموقف، كما يمكن استخدام تقنية التدرج والتكرار لتبديد مخاوف الطفل من بعض الأشياء والحيوانات والمواقف التي يخشاها دون عنف أو تعجل».

المصدر: الاتحاد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 113 مشاهدة
نشرت فى 24 مارس 2013 بواسطة alsanmeen

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,305,437