كانت تختزن في جنباتها كل أنواع الألم وما تعجز عن وصفه الكلمات، أمّ ، زيتونة، عجنت بألم المرض، ومع ذلك، كانت تشع من وجهها إشراقات أمل، وحب وحنان وتفاؤل بالحياة، ما يجعل من حضورها شيئاً مختلفاً، لم نعرف، حقيقته، إلا بعد أن فارقتنا إلى غير رجعة.

 

كم زارها الألم، كان يأتيها بغير ميعاد، فتحضنه، وتختزنه، وتفرغه بضحكة أحياناً، وبابتسامة أحياناً، تغالب الوجع، تصارعه فيصرعها أياماً في الفراش، فتخادعه بالتظاهر بالسكينة، وسرعان ما تتمرد عليه، معلنة أن الحياة يجب ألا تتوقف مع الألم، وألا نستسلم للمرض، فتحزم أمرها وعدة الخروج للتنزه، مستنفرة رفيق دربها، وأبناءها من البنين والبنات،للخروج إلى الحياة والتمتع بها، بصحبة الأهل والأصدقاء، فتهلّ على حديقة العائلة في أبو ظبي، بوجه كالقمر وسناء الشمس، فتنتزع من جعبتها ما لذّ وطاب من الضحكات والابتسامات والنكات فتوزعها على الحاضرين فرداً فرداً، طفلاً طفلاً، وتتربع على كرسيها المعهود، معلنة بدء المشوار والرحلة الأسبوعية، بدء تجديد حب الحياة.

 

كثيراً ما فاجأتنا أبناءً وإخوةً وأهلاً وأصدقاءً بأنها مضطرة لمغادرتنا لأمر مهم، فتتعلل وتحاول إقناعنا بأمر ما ليس له حقيقة لكيلا تنغص علينا جلستنا، فتذهب إلى مقارعة المرض رفيق حياتها الذي اعتادته واعتادها، فلا تكاد تنساه، حتى يذكّرها بنفسه، في المشفى وفي البيت، ربما أحبها، ربما أحب صبرها وطريقة تعاملها مع المرض، فتستقبله، برضا وقناعة، كانت تطلب من المرض استراحة المحارب فقط ، كي تتمتع بقرب أبنائها الذين بدأوا يشبّون على الطوق، فقد كان كل واحد منهم بالنسبة لها مشروع ومشوار حياة جديدة، ونافذة أمل بنجاحها في صراعها مع الألم، تحاول ما استطاعت إخماد النيران التي تشب في خلاياها، جاهدة ألا تعكر صفو الجلسة بأنّة، أو أي إشارة لاشتعال تلك النيران، وإن طغت وفاضت وضاق أن يتحمله ذلك الجسد الذي بقي أيقونة الجمال والحب والصبر، فقد تشرّب بزيت زيتون نابلس، وارتمى في حضن واحة أبو ظبي التي أحبتها، فقد عاشت فيه أجمل أيام حياتها.

«ليتنا لم نعرفها، ليتنا لم نلتق بها، لماذا يذهب كل من نحبهم ونتعلق بهم بسرعة، لماذا تموت الأمهات، مادام ليس هناك طعم بدونهن للحياة ؟!

تحشرجت وغصت الكلمات مغمسة بـ «يا ليت» تقطع كبد صديقة لم تمض على معرفتها بأم طارق أكثر من ستة أشهر، معرفة أم الأمل، أم الألم.. تبكيك كل العيون يا أمُّ.. والقلوب تحن وتئن وتشمُّ..ليتَ أَلَماً بنا يزور ويُلِمّ..

لنحسّ بما كان فيك يضمُّ...زيتونة أنت أم أمٌّ وأمُّ؟ عويل في النخيل وهمُّ...ونحيب في الورد وغمُّ......

والزيتون ينادي يا أمّ: انتظري، خَطْبٌ خضّمّ..من بلا أمّ يحفر ويطمّ....بموتها يطل البلاء ويعمّ.

المصدر: الاتحاد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 85 مشاهدة
نشرت فى 23 مارس 2013 بواسطة alsanmeen

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,305,664