بغض النظر عن طريقة استخدامنا للتكنولوجيا لتحسين حياتنا، إلا أننا في الواقع نُعتبر العبيد الحقيقيون لهذه التقنية. فنحن ننغمس في إشباع رغبتنا لوجود دائماً شيئاً إلكترونياً في أيدينا – أداة تربطنا بالإنترنت، والألعاب الخاصة بنا أو لشبكاتنا الاجتماعية. نحن نتجاوز العالم الحقيقي للحصول على الحل الرقمي السريع والفوري. ويبدو أن عملنا، ولعبنا، وخططنا للتخلٌص من الإجهاد تعتمد كلها على اتصالٍ واسع النطاق بالعالم.
إنها ليست سوى مسألة وقت قبل أن تفرض هذه الحاجة نفسها على أجيالنا اليوم، كضرورةٍ لكيفية التصرُّف، ورد الفعل، والتفكير، والتعامل مع الآخرين بشكلٍ مختلفٍ كثيراً عن الأجيال السابقة للإتصال على سبيل المثال.
١- نوع جديد من الخطر على الطريق
هل وجدت نفسك يوماً تتحقّق من وجود تحديثاتٍ على هاتفك الذكي في حين لا تزال خلف عجلة القيادة؟ أنا أفعل ذلك، عندما أتوقّف عند الضوء الأحمر، أو أصطف في مكان استلام الطلبات الخارجية من المطعم، أو أثناء الانتظار لأخذ شخصٍ ما. أنا أعترف بأن فعل هذا شيء سخيف، ولكني لا أفعل الشيء نفسه عندما تتحرّك السيّارة التي أقودها.
ولكني أتحدّث فقط عن نفسي. وبما أننا نتكلّم حول هذا الموضوع، فإن السائقين على الطرقات يصبحون أكثر فأكثر، أكثر شباباً وأصغر سناً؛ والسيارات كذلك تصبح أكبر حجماً وأكثر قوة. في العديد من بلدان العالم، ما أن يكاد الصبي يبلغ ١٦ عاماً حتى يستطيع بطريقةٍ شرعية أن يقود سيارةً بسرعة ٥٠ ميلٍ في الساعة على الطريق السريع. أضف إلى ذلك جرعةً قاتلة من من الإدمان على هواتفهم، وشعوراً متهوراً بالاستهتار، ها هم يملكون وصفةً لكارثةٍ محقّٓقة.
الأثر
حسناً، الكثير من الناس في الواقع يرسلون الرسائل النصيّة أثناء القيادة، ويقعون في الحوادث ، الشيء الذي أدى أن يقوم المجلس الوطني لسلامة النقل في الولايات المتحدة إلى إطلاق دعوة لحظر الرسائل النصيّة أو استخدام الأجهزة الإلكترونية أثناء قيادة السيارة.
٢- الفجوة الرقميّة في المنزل
يتعرّض الآن الأفراد في كل مرحلةٍ من مراحل حياتهم للأدوات التكنولوجية. ويُستخدم الآيباد بلا خجلٍ لتهدئة ومجالسة الأطفال الغوغائيين من الذين لا تزيد أعمارهم عن ٤ سنوات. فمن السهل استخدام واجهةٍ ملوَّنة، وتطبيقاتٍ للترفيه والمشاركة تجذب انتباه هؤلاء الصغار، والتي تتلائم مع حاجتهم المتواصلة للترفيه ، ليلاً ونهاراً. حاول أخذ جهاز آيباد بعيداً عن الطفل وسترى ما أعنيه. فليس من المستغرب إذاً أنه يمكن بسهولةٍ أن نصنّف الآيباد على أنه لعبة لهذا السبب.
الآن لو قمنا بتقديمٍ سريعٍ لهذه الحالة ، لعقدٍ من الزمن من اليوم، سنرى البالغين جالسين في مقهى إنترنت لاسلكي. وهناك احتمالات كبيرة بأنهم لا يتحدّثون إلى بعضهم البعض، وليس في العالم الحقيقي ، على الأقل. في المنزل، سوف تحدث الكثير من المشاحنات والنقاشات أكثر بكثير بين الزوجين بسبب غياب التواصل، ولن يكون الأمر أفضل بكثير عندما سيصبح لهذا الجيل أطفالاً من صلبهم.
ولو فكّرنا في الأمر حالياً، فإننا نرى بأن كل هذا يحدث بالفعل الآن.
تأخذ التكنولوجيا ببطء طريقها إلى حياتنا وقد شكّلت جدراناً زجاجيّة بين الأفراد الذين يستطيعون التواصل مع بعضهم البعض ولكن بدلاً من ذلك اختاروا عدم فعل ذلك.
الأثر
والخبر السار هو أن الجزء الكبير من العالم لا يزال يعمل على أساسٍ غير افتراضي؛ والخبر السيّء هو (أننا) جيل الشباب، لا يزال على استعدادٍ أن يعمل بشكلٍ أفضل على الإنترنت من خارجها. قد نعتبر ذلك أمراً جيداً مع العالم الذي (يصغر) والأدوات التكنولوجية التي تصبح أقوى ، ولكن شبابنا لا يحتفظون بالمعرفة العامة في رؤوسهم (بإمكاننا التوجّه بالشكر لغوغل على ذلك)، ولا حاجة لأن تكون لغوياً جيداً وأنت تكتب رسائلك النصيّة (وهنا يمكنكم توجيه الشكر لمجموعة ال ١٤٠ حرفاً لذلك)، وأيضاً للشبكات الاجتماعية- التي تفتح آفاقا جديدة تحتوي على عدة أنواعٍ من الأسلحة المدمِّرة.
٣- البحث عن زر “Like” خارج الإنترنت
هل تساءلت يوماً لماذا تتمتّع الشبكات الاجتماعية بشعبيةٍ كبيرة جداً ؟ نظريتي هي أنه لدينا الرغبة الشديدة في أن نكون “الطفل الأكثر شهرة”. في المدرسة، كان لدينا الهدف غير المكتوب أن يكون لدينا الكثير من الأصدقاء، وأن نكون قادرين على مشاركة أفكارنا “العميقة”، وإن يكون لدينا أتباع، والتباهي بأننا نملك -وجهاً جميلاً، وأحدث أدوات التكنولوجيا، وسيّارة جميلة، إلخ. ألا تبدو هذه الأفكار مألوفة لك ؟
من الواضح إن مواقع الشبكات الاجتماعية هي البديل الافتراضي هذا. لديك قائمة الأصدقاء أو الأتباع؛ يمكنك نشر تحديثات الحالة، وكذلك الصور التي تصوِّر أجزاء من حياتك أو الأشياء التي تواجهها. إنها، مرة أخرى، مثل المدارس الثانوية في جميع أنحاء العالم، بدون الدروس بطبيعة الحال. الشيء الوحيد الذي تقوم به هذه الشبكات أفضل من الطريقة التقليدية هو نشر المعلومات بنقرةٍ بسيطة على زر ً”مشاركة”.
الأثر
لقد جعلت هذه النظم من السهل جداً نشر هذه الأجزاء والمقاطع من حياتك على الإنترنت، هذا عدا عن أنك قد تتعثر بشيءٍ آخرٍ يستحق النشر، حيث أنك كنت ستترك “كل شيء” وتفعل ذلك. ترى حادث سيارة، “ترسل الصور على الإنترنت”، ترى كلباً يتسوّل الطعام مع سيّده، “تشارك الصور”، ترى شخصاً يحاول القفز من أحد المباني، “تنشر الصور” على الشبكة.
فجأةً، وحتى في العالم الحقيقي، تجد نفسك متجولاً لا يتوقّف لمساعدة الضحية على الخروج من السيارة المحطّمة، ولا تضع القطع النقدية في كوب المتسوّل، أو تستدعي الشرطة لتوقف القافز التعيس. كلا، ينحصر همّنا كله على طريقة تطويع هذه الأشياء لنحصل على خبر اليوم وننشره.
٤- كل الأشياء القصيرة والجميلة
مع الوقت، يصبح مدى انتباهنا أقصر فأقصر. شخصياً، لم أعد أستطيع الجلوس لمشاهدة فيلمٍ كامل، وهذا ما يفسّر لماذا لم أعد أذهب إلى السينما منذ وقتٍ طويلٍ جداً… ولكن، ليست هذه هي النقطة.
النقطة هي أني لم أعد أستطيع التركيز على مهمةٍ واحدة في متناول اليد. هذا لا يعني تلقائياً أني ماهرة في القيام بمهماتٍ متعددة في آنٍ واحد، أو أني جيدة في ذلك. هذا يعني فقط أن لديّ أشياء كثيرة جداً أقوم بها، في البيت، في العمل، في المدرسة والتي تحتاج إلى كامل انتباهي. مرةً أخرى، هذه ليست الفكرة.
حقيقة أني لا أستطيع التركيز على مهمةٍ واحدة فقط لفترةٍ طويلةٍ بما فيه الكفاية هي مصدر للقلق. وأنا لست وحدي فقط مع هذه المشكلة. وهذا هو بيت القصيد. نحن نتحوّل إلى ما يعرف بـ”السمكة الذهبية” الرقمية ! حيث يمكن لطبيعة الإدمان على تصفّح الأنترنت أن تتركنا مع مدى انتباه يدوم ٩ ثوانٍ فقط -تماماً كما السمكة الذهبية. “يتأثّر مدى انتباهنا بالطريقة التي نؤدي بها أعمالنا”، يقول تيد سيلكر، الخبير في الإنترنت المعادل للغة الجسد في معهد ماساشوستس للتكنولوجيا في الولايات المتحدة. ويضيف قائلاً : “إذا كنا ننفق وقتنا ونحن ننتقل من شيءٍ إلى آخر على شبكة الإنترنت، يمكننا أن نكوّن عادة من عدم التركيز”.
وبينما نحن نحوم حول موضوع “الأشياء القصيرة”، دعونا نتحدّث عن الفتيل القصير. وأيقونة الانتظار الأبغض على مرّ الزمان…
لأنها تدل على أنه عليّ أن أتصرّف مثل إنسانٍ ناضجٍ وأنتظر. الصبر فضيلة، ولكن هذا الجيل يرى أنه من الصعب تحقيق ذلك. وهل يمكن أن تلومونا ؟ نقرأ الأخبار على مدار الساعة، وليس فقط في دفعةٍ محدودة من الأوراق التي تحتوي على الأنباء والأخبار التي وقعت قبل ٢٤ ساعة. صحيح، هذه المواد تحتوي على مزيدٍ من التفاصيل التي تأكّدت صحتها من خلال التدقيق والفحص، إلا أنه عندمايتعلّق الأمر بالحصول على الأخبار أولاً، فهذا يعني موقع تويتر بالنسبة لنا. مباشرةً من موقع الحدث،١٤٠ حرفاً، سهلة النشر والمشاركة.
الأثر
حتى أولئك منكم الذين لم يكونوا يولون اهتماماً كبيراً لذلك الأمر :” ١- يصبح مدى الانتباه الخاص بكم أقصر فأقصر. ٢- أصبح لديكم صمّامات قصيرة. ٣- أصبحتم تفضّلون حقاً أخذ قضمات أو جرعاتٍ صغيرة من المعلومات.”
٥- القرصنة!
قرأت هذا الخبر قبل أيام : رسب طالب حاصل على درجة A في مادة اللغة الانجليزية بعد أن قرر أن يناقش الفرق بين القرصنة و السرقة. لا أدري السبب الذي دفع بالمدرّسة لإعطائه هذه النتيجة فأنا لست خبيرة حقاً في أخلاقيات الإنترنت.
لكن لو حاولنا البحث في محرّك غوغل عن “القرصنة مقابل السرقة” فسوف نحصل على دليلٍ بصري لجوهر النقاش. ففي حين أن السرقة تزيل العنصر الأصلي -كما يعمل shoplifting الأعمال- فإن القرصنة تصنع نسخةً من العنصر الأصلي، ولكنها تتركنا مع النسخة فقط. إنها محاولة للتمييز بين الإثنتين ولكني لست متأكدة مما إذا كان ذلك يدفعنا إلى النقطة الرئيسية.
ليس أن الأمر يتعلّق بالتمييز. الكل يصنعون نسخاً من الأشياء التي لا يدفعون مقابلاً لها: سيول من الأفلام، والأغاني على MP3، والكتب الإلكترونية، والمشاريع الجامعية. إتها ظاهرة عامة في جميع أنحاء العالم مع أن الشفاه تقول أننا لا نملك الحق في ذلك، إلا أن أفعالنا تتحدّث عكس ذلك. وإذا كانت القرصنة هي السرقة، فإن العالم متخم باللصوص.
الأثر
إذا كنت تعتقد أنك لا تريد الوقوف إلى جانب شركات انتاج الأفلام الكبرى أو استديوهات الموسيقى، أو دور نشر الكتب الرئيسية، فهذا هو اختيارك. ولكن أود أن أذكّركم أنه في بعض الأحيان لا يتعلّق الأمر بالمال، ولكن بالائتمان والاعتراف بكل العمل الشاق الذي نضعه في شيءٍ ما : إختراع، عمل فني، مقال، مقطوعة موسيقية، معلومات بيانية، قالب، فكرة، وحتى الفكرة وراء “القرصنة مقابل السرقة” هي صورة يجب أن تأتي من شخصٍ ما.
ولكن عندما تتم مشاركة الموضوع، ونسخه، وإعادة استخدامه، وإعادة توضيبه، وتقديمه أو بيعه من قبل شخصٍ آخر غير المبدِع، فهذا الأمر مقلق. تماماً مثل أن يقوم زميل لك في الصف بأخذ واجبك ويمرّره على أنه من عمله، ثم يحصل على درجة A أو جائزة، ألا يجعلك ذلك تحس بالامتعاض وبألمٍ يعتصر معدتك أيضاً؟ على المدى الطويل، يمكن لذلك أن يكون إيذاناً بنهاية التفرُّد والإبداع، لأنه إذا كان شخص آخر هو الذي سوف يجني الفائدة، فلماذا يأتي أي شخص بشيءٍ جديدٍ بعد الآن ؟
الخلاصة
على الرغم من التوقعات القاتمة التي رسمتها هذه المقالة، فأنا متأكدة من أن التكنولوجيا التي تبقينا متصلين بشبكة الإنترنت فعلت الكثير من الخير لحياتنا. ومع ذلك، تذكّر من هو المسيطر وتصرَّف تبعاً لذلك. عندما تأخذ أجهزتك الرقمية الكثير من حياتك، عليك أن تعرف أن الوقت قد حان لإطفائها والاستمتاع بالحياة الواقعية.
ساحة النقاش