تتوالى الأنباء وتتعارض التصريحات الدولية حول الأزمة السورية وكلها تدور حول التغيير أو التطور في الموقف الدولي منها، ومما يزيد الضبابية هي مواقف الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وبريطانيا التي تتضارب بين الدعوة للحوار وتشجيع الضغط العسكري. العارفون بخبايا الأمور يرون أن هذا التناقض أمر طبيعي ويمكن تفسيره وفق معايير المنطق السياسي والتركيبة السياسية لكل دولة.
فالإدارة الأميركية تعرف تماما مصالحها وما تحقق منها وما لا يمكن تحقيقه وتعتقد أن معظم ما تريده قد تحقق. دون أن تدفع ثمناً له وليست مضطرة لإظهار الخلافات مع شركائها الأطلسيين فهؤلاء ليس لهم أي تأثير في مجريات الأمور. أما فرنسا وبريطانيا فلم يحققوا ما سعوا إليه منذ البداية وكان رهانهم على «اللاأحصنة الخاسرة» أحصنة تفرقعت واختلفت. ومنذ البداية حكمت قيادتي البلدين المصالح الخاصة في أكبر عملية فساد تعرفها الدولتان، فساد يستحق أن يحمل الفرنسيون والبريطانيون للثورة ويطالبوا بتحقيق حول الثمن الذي تم دفعه في جيوب بعض القيادات رغم أن بعض الفرنسيين والبريطانيين يعتقدون أن الفساد بدأ في عهد ساركوزي وما هو حاصل الآن هو بفعل الاستمرارية.
فموضوع تسليح المعارضة وخاصة المتطرفين التكفيريين فيها لم يعد مجرد احتمال فالتقارير الاستخبارية تؤكد أن كل من قطر والسعودية قد دفعتا أموالاً طائلة لشراء أسلحة للتكفيريين ومن بينها عناصر القاعدة وجبهة النصرة وغيرها من المجموعات عن طريق فرنسا وبريطانيا وتسهيلات تركية مدفوعة مادياً وما زالت تطالب بتعويضات سياسية وإستراتيجية وأن الخلاف هو على هذا الجانب من التعويضات. لذا فإن الدولتين الأوروبيتين تجهدان لتحقيق بعض المكاسب وإخفاء وتمويه بعض الحقائق.
هذا الأمر جعل المشهد معقداً لعوامل كثيرة أهمها صمود الدولة السورية الاسطوري وعدم ظهور أي تصدع في البنى الأساسية للدولة وصمود حلفائها الإقليميين والدوليين وعدم ظهور أي تصدع في هذا التحالف.
أما التصدع فبات واضحاً في التحالف الدولي والإقليمي الذي أعلن الحرب على سورية حيث دفع هذا التحالف بكل طاقاته وأدواته واستخدم كافة الوسائل خلال عامين. وما ظهر من تصدع حتى الآن لا يخفى على أي مراقب ومتابع وكل تصدع يخفي آخر حتى بات المشهد سوريالياً.
فالأتراك فقدوا ثقتهم بحلفائهم الغربيين والعرب الذين تعاملوا مع تركيا «عقارياً» فاستأجروا الأراضي التركية لقاء بدل مالي دون أي وعد سياسي وإستراتيجي.
السعوديون يعتبرون أن إعطاء أي دور سياسي لتركيا يعني تغييب دورها المطلوب وهو الأمر الذي يهدد استقرار الحكم السعودي للجزيرة العربية مما يهدد وحدة المملكة السعودية في الوقت الذي تعاني فيه الأسرة الحاكمة أزمة داخلية وتمر في مرحلة خطيرة ناتجة عن انتقال قريب للحكم من الجيل الأول إلى الجيل الثاني وتضغط لتحجيم الدور التركي استراتيجياً وإبقاء تركيا عقاراً للإيجار فقط كما فعلت هي طيلة حكمها في الجزيرة. كما أن السعوديين ينظرون بألم لتساوي دورهم بدور قطر إضافة إلى تخوفها من ارتدادات ذلك داخلياً وخارجياً ويعتبرون أيضاً أن قطر قد «خانتهم» في مصر وانقلبت على تفاهماتهم لوراثة حكم مبارك.
القطريون يعتبرون أن عدم «اخضاع» سورية لشروطهم الاقتصادية والسياسية سيعيد قطر وحكامها إلى مرحلة ما قبل النفط بل إلى ما هو أسوأ فكل مشاريعها السابقة قد فشلت وتحقيق مكاسب في سورية هو الخيار الوحيد أمامها ويذهب القطريون بعيداً في تصور ما بعد فشلهم في سورية إلى حد القول إن مصير قطر كدولة بات مهدداً وأن مستقبل الساحل العربي للخليج سيكون بيد الصيغة الإماراتية والكويت يساعدهم في ذلك مراكز بحوث إسرائيلية وفرنسية وإن إعادة إعمار سورية ستتعهد به الموارد النفطية القطرية.
الفرنسيون والبريطانيون يعتقدون أن الأوروبيين قد خذلوهم في حين يعتبر الأوروبيون الآخرون أن العقل الاستعماري الفرنسي والبريطاني يحاول جر أوروبا إلى زمن الحروب وأنهم يستعدون الأوروبيين إلى مزيد من الأزمات تضاف إلى الأزمة الاقتصادية الحالية وما تخلفه من أزمات اجتماعية. لذا تذهب القيادتان الفرنسية والبريطانية للتهديد بتصعيد الموقف والتهديد بعظائم الأمور ويظهرون استعدادهم لقلب الطاولة على الروس والأميركيين إن لم يحصلوا على نصيبهم في النظام الدولي الجديد الذي سينبثق من الاتفاق. هذا من جهة ومن جهة ثانية يريدون القول لشعوبهم إنهم لم يقدموا بعد أسلحة للقاعدة وأنصارها وإنهم تعاملوا بشفافية ووفق مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان في الملف السوري والليبي وفي شمال إفريقية.
ويبدو واضحاً أن قراءة القيادتين الفرنسية والبريطانية للخارطة الجيو-إستراتيجية تدفعهم لإعادة تجربة العدوان الثلاثي على السويس متجاهلين التغييرات الدولية ومتجاهلين أن عدوانهم الثلاثي هو الذي أدخل الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي آنذاك «روسيا الاتحادية حالياً» إلى الشرق الأوسط وأن جول جمال كان سورياً أيضاً.
المصدر: الوطن
نشرت فى 18 مارس 2013
بواسطة alsanmeen
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
1,276,659
ساحة النقاش