قال بعض الحُكماء لابنه: يا بُني تعلِّم حُسن الاستماع كما تتعلّم حُسن الحديث، وليعلم الناسُ أنك أحرصُ على أن تَسمع منك على أن تقول، فاحذرْ أن تُسرع في القَوْل فيما تُحِبّ عنه الرجوع بالفِعْل حتى يعلم الناسُ أنك على فِعْل ما لم تَقُل منك إلى قَوْل ما لم تَفْعل.
وقالوا: من حُسن الأدب ألا تُغالب أحداً على كلامه وإذا سُئِل غيرُك فلا تُجب عنه، وإذا حَدّث بحديث فلا تُنازعه إياه ولا تَقْتحم عليه فيه ولا تُره أنك تعَلمه، وإذا كلّمت صاحبك فأخذتْه حُجّتك فحسِّن مخرج ذلك عليه ولا تُظهر الظَّفر به وتَعلَم حُسنَ الاستماع كما تعلم حُسنَ الكلام.
قال أبو بكر بن أبي شَيْبة: قيل للعبّاس بن عبد المطّلب: أنت أكبرُ أم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: هو أكبر منّي وأنا أسنّ منه.
وقيل لأبي وائل: أيكما أكبر أنتَ أم الرَّبيع بن خُثَيم قال: أنا أكبر منه سناً وهو أكبر منّي عقلاً.
وقال أبان بنُ عثمان لطُويس المغنّي: أنا أكبر أم أنت؟ قال: جُعلتُ فداك لقد شَهِدْتُ زفاف أمك المُباركة على أبيك الطيّب.
وقيل لعُمر بن ذَرّ: كيف برّ ابنك بك؟ قال: ما مَشَيت نهاراً قطُّ إلا مشى خَلْفي، ولا ليلاً إلا مَشى أمامي ولا رَقى عِلّية وأنا تحته.
وقيل في الأدب:
أَدبٌ كمثْـــل المـــــاء لــو أفـرغتَـــه
يومــــا لســـال كمــا يَســـيلُ المــاءُ
قال أحمد بن بّي طاهر: قلتُ لعليّ بن يحيى ما رأيتُ أكملَ أدبا منك قال: كيف لو رأيتَ إسحاق بن إبراهيم؟ فقلتُ ذلك لإسحاق بن إبراهيم قال: كيف لو رأيتَ إبراهيم بن المهديّ؟ فقلتُ ذلك لإبراهيم فقال: كيف لو رأيت جعفر بن يحيى.
وقال الشاعر:
يا حبـذا حيــن تُمســى الريـحُ بــاردةً
وادي أشـــيٍَ وفِتْيـــانٌ بـــه هُضـــمُ
مُخدَمــون كِــــرامٌ فــي مجالســــهم
وفــي الرّحـــال إذا جَربتَهـــم خَـــدمُ
ومــا أصاحــــب مـــن قــوم فأذْكُــر
هـــم إلا يَزيدُهــــم حُبّــا إلــيَ هُـــمُ
وقالت الحُكماء: رأسُ الأدب كلِّه حُسنُ الفَهم والتفهّم والإصغاء للمتكلّم.
الشافعي:
قالوا سكت وقد خوصمت قلت لهم
إن الجــواب لبــاب الشــــر مفتـــاحُ
والصمت عن جاهل أو أحمـق شـرف
وفيه أيضـا لصـون العــرض إصــلاحُ
أما ترى الأسـد تخشـى وهـي صامتـة
والكلـب يخشـى لعمــري وهـو نبـاحُ
ساحة النقاش