عشرات أمام المنصة بمدينة نصر، عشرات في ميدان التحرير بوسط القاهرة، عشرات أمام قصر عابدين الرئاسي، عشرات في الإسكندرية، عشرات في بورسعيد، والمعارضة المصرية مفتتة، ومطالب فئوية عديدة، ونظام يلعب على عامل الوقت، هكذا أصبح حال الشارع المصري منذ ذكرى الثورة الثانية بـ25 يناير الماضي.
واحتار المواطن المصري الغير "مسيس"، وسط تلك المسيرات والأصوات المختلفة، بين مطالب الضباط الملتحين الذي يتظاهرون للعودة إلى العمل، وبين عمال يطالبون بتحسين أوضاعهم المعيشية، وبين من يطالب بالعصيان المدني لإسقاط نظام الرئيس محمد مرسي، وبين من يطالب الجيش بالنزول للشارع من جديد وعمل انقلاب عسكري، وأصبح قطاع كبير من الشعب المصري يعيش حالة من الإحباط وعدم القدرة على تفسير ما يجرى في البلد، التي تشهد أزمة اقتصادية عنيفة بسبب عدم استقرار الوضع السياسي منذ أكثر من ثلاثة أشهر متتالية.
عودة الجيش
وقد دعت عدد من القوى السياسية والشخصيات العامة إلى مليونية تحمل شعار "دعم الجيش"، ودعوة المؤسسة العسكرية إلى العودة إلى السلطة، ولكنها لم تلقى الاستجابة المتوقعة، حيث تجمع العشرات فقط لتلبية الدعوة وسط هتافات مؤيدة للجيش.
واعتبر عدد من المراقبين أن دعوة الجيش للعودة للحياة السياسية تأتي في ظل الوضع الراهن والاحتقان السياسي في البلد، وعقب تصريحات رئيس الأركان المصرية الفريق صبحي صدقي أثناء زيارته إلى الإمارات، والتي أكد خلالها أن القوات المسلحة التي ظلت في مركز السلطة لعشرات السنين ستتجنب التدخل في السياسة، لكن يمكن أن تقوم بدور إذا "تعقدت" الأمور.
ومن قبلها كانت تصريحات وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة الفريق أول عبد الفتاح السيسي، نهاية يناير الماضي، بأن استمرار الاضطراب السياسي يدفع الدولة إلى حافة الانهيار وأن الجيش سيظل "الكتلة الصلبة المتماسكة والعمود القوي الذي ترتكز إليه أركان الدولة".
وكانت عدد من المدن والمحافظات قد بدأت في جمع توكيلات من الأهالي لتفويض المؤسسة العسكرية في إدارة شؤون البلاد، في ظل استمرار حالة الاحتقان السياسي بين المعارضة والقوى الثورية من جانب، والرئيس محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين من جانب آخر.
الخيانة العظمى
من جانبه قال جمال سمك، الأمين العام المساعد لحزب "البناء و التنمية" الجناح السياسي "للجماعة الإسلامية"، أن من يدعون إلى عودة العسكر مرة أخرى إلى حكم مصر، يجب أن تتم محاكمتهم بتهمة الخيانة العظمى، لأنهم يدعون إلى الانقلاب على رئيس مدني منتخب من قبل الشعب المصري.
وأضاف سمك: من العجب أن ترى من يدعون إلى عودة العسكر مرة أخرى هم أنفسهم من خرجوا إلى الميادين وهتفوا "يسقط يسقط حكم العسكر "، وكانوا من اشد المطالبين برحيل المجلس العسكري، والذي كانوا يرونه ظالم وقتل كثير من المصريين.
موضح أن من يريدون عودة العسكر إلى الحكم مرة أخرى لأنهم يتخيلون أنهم سيعقدون صفقات مع العسكر، تؤدي إلى وصولهم إلى الحكم، بعد أن فشلوا في كل الاختبارات الديمقراطية من خلال الانتخابات.
الضباط الملتحون
فيما نظم الضباط الملتحون المحتشدون في محيط قصر عابدين - مسيرة حاشدة طافت محيط قصر الرئاسة؛ لمطالبة الرئيس مرسى بالعمل على تطبيق الأحكام القضائية التي حصلوا عليها بحقهم في عودتهم للعمل، وإتاحة الفرصة لهم في إطلاق لحيتهم وعدم تعرضهم لأي محاكمات تأديبية من قبل وزارة الداخلية.
وطالب الضباط رئيس الجمهورية بالعمل على تحقيق وعوده الانتخابية التي وعدها لهم قبل الانتخابات الرئاسية، وتأكيده على أنه يحق للضباط إطلاق لحاهم وأنه موافقهم في هذا الأمر.
وردد الضباط هتافات: "يالا يا وزير الداخلية.. نفذ فينا حكم الإدارية"، و"الشعب يريد عودة الضباط " و"يلا يا ريس اغضب ثور واحمي سنة الرسول" و"يلا يا ريس اغضب تأنى الضباط الملتحين قادة بيحبوا الدين" و"قول يا ريس للداخلية الضباط حقهم عليا".
مشاهد مختلفة
وتشهد محافظات مصر المختلفة، مسيرات تطالب بفرض العصيان المدني، للضغط على الرئيس مرسي، وأخرى تطالب بسقوط النظام، ولكن عدد المشاركين في تلك المسيرات لا يتجاوز في الغالب بضع العشرات.
فيما يركز أنصار الأحزاب الإسلامية والوسطية في مصر، على التحضير للانتخابات البرلمانية، وهو ما يوضح الانقسام الشديد الذي يعيشه الشارع المصري، ويفسره الحزب الحاكم بقيادة حزب الحرية والعدالة الذراع السياسي للإخوان المسلمين، بأن المعارضة "التي تريد عودة نظام مبارك" على حد قولهم، تلفظ أنفاسها الأخيرة، بعد فشلهم في إسقاط الرئيس المنتخب بإرادة شعبية، عن طريق المظاهرات والعنف والعصيان.
ساحة النقاش