ربما ما يشهده العالم من تناحر على مستوى الأمم والمجتمعات كله بسبب غياب المحبة وهروبها من حنايا القلوب، بعد أن تحول الإنسان إلى ما يشبه الآلة، بلا روح وقلب، وقد سيطرت المادة والغريزة على الإنسان، وإن كان وصل إلى ما وصل من درجات التقدم العلمي، إلا أنه على الطرف الآخر والصعيد الإنساني انحدر وهوى إلى الدرك الأسفل من الانحطاط الإنساني، فغابت قيم المحبة والتعاون، حتى على مستوى الأسرة، خاصة أننا كعرب نعد الأسرة اللبنة الأولى في بناء المجتمع، ولكن عقد الأسرة العربية قد انفرط نوعاً ما، وصرنا نبحث عن الاستقلالية والحرية الفردية، بدعوى تحقيق الذات، متناسين أننا كثيراً ما ندوس على أقرب الناس إلينا، وفوق ذاك ندوس على أجمل القيم الإنسانية، وكان بالإمكان كسب كل شيء وأي شيء بالمحبة.

 

المَحَبَّة من الحُبُّ، والحُبُّ: الوِدادُ، والوِدادُ الوِصال، والوِصال القُرب، والقُرب حب ومحبة، فكلما اقتربنا وأزلنا الحواجز فيما بيننا، زادت محبتنا، وذاب الجليد المتراكم على القلوب بحرارة المشاعر الصادقة.

 

دعا المنصور بالربيع فقال: سلني ما تريد، فقد سكت حتى نطقت، وخففت حتى ثقلت، وأقللت حتى أكثرت!

فقال: يا أمير المؤمنين، ما أرهبُ بخلك، ولا أستصغرُ فضلك، ولا أغتنمُ مالك، وإن يومي بفضلك عليّ أحسن من أمسي، وغدك في تأميلي أحسن من يومي، ولو جاز أن يشكرك مثلي بغير الخدمة والمناصحة لما سبقني لذلك أحد.

قال: صدقت، علمي بهذا منك أحلك هذا المحل، فسلني ماشئت.

قال: أسالك أن تقرب عبدك الفضل، وتؤثره وتحبه. قال: يا ربيع، إن الحبَ ليس بمال يوهب، ولا رتبة تبذل، وإنما تؤكده الأسباب.

قال: فاجعل له طريقاً إليه بالتفضل عليه.

قال: صدقت، وقد وصلته بألف درهم، ولم أصل بها أحداً غير عمومتي، لتعلم ماله عندي، فيكون منه ما يستدعي به محبتي.

ثم قال: فكيف سألت له المحبة يا ربيع؟ قال: لأنها مفتاح كل خير، ومغلاق كل شر؛ تستر بها عندك عيوبه وتصير حسنات ذنوبه، قال: صدقت.

◆ بهاء الدين زهير:

لئن بحتُ بالشكوى إليكَ محبة فلَستُ لمَخلُوقٍ سِوَاكَ أبُوحُ

وَإنَّ سُكُـوتي إن عَرَتني ضَـــرُورَة وكِتمانَهـا مـمّن أُحـبّ قَبيحُ

وما ليَ أخفي عنْ حبيبي ضرورتي وما هــو إلاّ مشــفقٌ ونصيحُ

بروحيَ مَن أشـــكو إلَيهِ وَأنثَنـي وقد صارَ لي من لُطفِهِ ليَ رُوحُ

ولوْ لم يكــن إلاّ الحديـثُ فإنـهُ يخففُ أشـجانَ الفتى ويريحُ

وكمْ رُمتُ أنّي لا أقولُ فخفتُ أن يقولَ لسانُ الحالِ وهوَفصيحُ

وكِدتُ بكتمانـي أصـِيرُ مُفرِّطــاً فأبكي علــى مـا فاتَني وَأنُوحُ

وأندمُ بعد الفوتِ أوفـى ندامــة وأغدو كما لا أشــتهي وأروحُ

المصدر: الاتحاد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 110 مشاهدة
نشرت فى 2 مارس 2013 بواسطة alsanmeen

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,305,579