كانت العرب تَذُمَّ الدهر، وتَسُبَّه عند الحوادث والنوازل التي تنزل بهم من موت أو هَرَمٍ فيقولون: أصابتهم قوارع الدهر وحوادثه وأَبادهم الدهر، فيجعلون الدهر الذي يفعل ذلك فيذمونه، وقد ذكروا ذلك في أَشعارهم، وأَخبر الله تعالى عنهم بذلك في كتابه العزيز فقال: «وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلاَّ الدهر»، ثم كذبهم فقال عز وجل: «وما لهم بذلك من علم إن هم إلاّ يظنون».

وإلى اليوم كثيرون منا يشتمون الدهر والزمان كلما وقعوا في مصيبة، أو فشلوا في عمل، محملين الدهر المسؤولية عما هم فيه.

 

يقال «تدهورت» السيارة أي انقلبت، ويظن خطأ أن «تدهورت» عامية ولكنها فصيحة، لأن الدَّهْوَرَة جَمْع الشيء وقَذْفُه في مَهواةٍ، والدال والهاء والراء في «دهر» أصل واحد، وهو الغَلَبة والقَهْر.

وسُمِّي الدّهرُ دَهْراً لأنه يأتي على كل شيء ويَغلِبُه. فأمّا قولُ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تسبُّوا الدَّهْرَ فإنّ الله هو الدّهر"، فقيل معناه أنّ العربَ كانوا إذا أصابتْهم المصائبُ قالوا: أبادَنَا الدّهرُ، وأتَى علينا الدّهر.

وقد ذكروا ذلك في أشعارهم. قال عمرو الضُّبَعِيّ:

فلو أنَّنِي أُرمَى بنَبْلٍ تَقَيْتُها ولـــــكنَّني أُرمَى بغير سهامِ

وقال آخر:

وسلَبْتَنَا ما لستَ تُعِْقبُنــــا يا دَهرُ ما أنصفْتَ في الحُكْمِ

وسلَبْتَنَا ما لستَ تُعِْقبُنا فأعلَمَ رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم، أن الذي يفعل ذلك بهم هو الله جلّ ثناؤُه، وأنّ الدّهرَ لا فِعلَ له، وأنّ مَن سَبَّ فاعِلَ ذلك فكأنّه قد سَبَّ ربّه، تبارك وتعالى عمّا يقول الظالمون عُلُوّاً كبيراً.

وقد يحتمل قياساً أن يكون الدَّهرُ اسماً مأخوذاً من الفِعْل، وهو الغَلَبة، كما يقال رجل صَوْمٌ وفِطرٌ، فمعنى لا تسبُّوا الدَّهْرَ، أي الغالبَ الذي يقهركم ويغلِبُكم على أموركم. ويقال دَهْرٌ دَهِيرٌ، كما يقال أبدٌ أبِيدٌ.

وفي كتاب العين: دَهَرَهُم أمْرٌ، أينزَل بهم.

ويقولون ما دَهْرِي كذا، أي ما همّتِي.

الدَّهْرُ: الأَمَدُ المَمْدُودُ، وقيل: الدهر أَلف سنة. وقد حكي الدَّهَر، بفتح الهاء.

ابن الرومي:

دهر يُشبِّعُ سبتَه أحـــــدُهُ متتابعُ ما ينقضي أمــــدُهْ

والحالُ من سعدٍ يساعدنـا طوراً ونحسٍ مُعقب نكـدُهْ

يــــــــومٌ يبكِّينا وآونـــــةً يـــــــومٌ يُبكينا عليهِ غدُهْ

نبكي علـــى زمنٍ ومن زمنٍ فبكاؤنـــــا موصولةٌ مُددهْ

ونـــرى مكارهنــــا مُخلَّدةً والعمرُ يذهب فانياً عددُهْ

أفـــلا سبيل إلى تَبَحبُحِنــا في سرمدٍ لا ينقضي أبـــدُهْ

سَكرى شبابٍ لا يعاقبـــه هرمٌ وعيشٌ دائم رَغــــــدُه

لا خيــرَ في عيشٍ تخوّنُنـــا أوقاتــــــــه وتغولنا مُدده

المصدر: الاتحاد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 77 مشاهدة
نشرت فى 2 مارس 2013 بواسطة alsanmeen

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,179,950