برع العرب في فنون الكلام والبيان وعرفوا بالإيجاز، إذ كانوا يعدون خير الكلام ما قلّ ودلّ، ولكل مقام مقال، فيصرّحون حين يستوجب الموضوع ذلك، ويلمحون حين لا يفيد التصريح، ويحذفون بعض الكلام حين يكون أكثر وقعاً في النفوس.

 

كلَّم رجل من قيس عمرَ بن عبد العزيز في حاجة، وجعل يمتُّ بقرابة، فقال عمر: فإنّ ذاك، ثم ذكر حاجتَه، فقال: لعَلَّ ذاك، لم يزدْه على أن قال: فإنّ ذاك، ولعل ذاك، أي أنّ ذلك كما قلت، ولعلّ حاجتك تُقضَى، وقال عَبْدُ اللَّه بن قيس:

 

بكَرتْ عليَّ عواذلــــي يَلحَيْنَــنــــِي وأَلُومُهُنَـــــّهْ

ويَقُلْن: شيب قد علا ك وقد كبرت، فقلت: إنَّهْ

وقال الأسدي لعبد اللَّه بن الزُّبير: لا حُمِلتْ ناقةٌ حَملتني إليك، قال ابن الزبير: إنّ وراكبها.

وقال عبدالرحمن بن مهدي، عن سفيان، عن أبي هاشم القاسم بن كَثير، عن قيس الخارفي إنه سمع عليّاً كرم الله وجهه يقول: سبق رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وصلّى أبو بكر، وثلَّث عمر، وخبَطتنا فتنةٌ فما شاء الله، ليس في الحديث أكثرُ من هذا، ولما كتب أبو عبيدةَ إلى عمرَ جوَابَ كتابِ عمر في أمر الطّاعون، فقرأ عمرُ الكتابَ واستَرجَع، فقال له المسلمون: مات أبو عبيدة؟ قال: لا وكأنْ قد، وقال النابغة:

أزِف التَّرحُّلُ غيرَ أنَّ ركابنا لمَّا تَزُلْ برحالنا وكأن قَدِ

وقال ابن أبي الزِّناد: كنتُ كاتباً لعمر بن عبد العزيز، فكان يكتب إلى عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطّاب في المظالم فيُراجعه، فكتب إليه: إنه يُخَيَّلُ إليَّ أنِّي لو كتبت إليك أن تعطيَ رجُلاً شاةً لكتبتَ إليّ: أضأْنٌ أم ماعزٌ؟ وإنْ كتبتُ إليكَ بأحدهما كتبتَ إليّ: أذكرٌ أم أُنثى؟ وإن كتبتُ إليك بأحدهما كتبتَ إليّ: أصغيرٌ أم كبير؟ فإذا أتاك كتابي في مَظْلمةٍ فلا تراجعْني، والسلام، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إني لأستعينُ بالرّجل الذي فيه، ليس في الحديث غير هذا، ثمّ ابتدأ الكلام فقال: ثمّ أكون على قَفّانِه إذا كان أقوى من المؤمن الضعيف وأرَدَّ، هو قول الأسديّ:

سَوَيدٌ فيه، فابغُونا سواه أبَيناه وإنْ بَهَّاهُ تــــــاجُ

ولم يقُل: فيه كذا وفيه كذا.

وقال الرّاجز:

بِتنَا بحسّانَ ومِعْزَاهُ تئـــطّ في سَمَــــن جَــــمٍّ وَتَمْر وَأَقِطْ

حتّى إذا كاد الظلام ينكَشِطْ جاءَ بمَذْقٍ هل رأيتَ الذِّئبَ قطّ

وأنشد ابن الأعرابي:

إذا قيل أعمَى قلت إنَّ، وربمَّا أكـــونُ، وإنِّي من فَتىً لَبَصيرُ

إذا أبصر القلبُ المروءةَ والتقَى فإن عمَى العينين ليس يَضيرُ

وإنّ العمى أجرٌ وذُخرٌ وعِصْمَةٌ وإنِّي إلى هــذي الثَلاثِ فقيرُ

[email protected]

المصدر: الاتحاد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 79 مشاهدة
نشرت فى 27 فبراير 2013 بواسطة alsanmeen

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,276,394