جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
خبَّاب بن مروان الحمد
|
سُئلتُ كثيراً من بداية شهر ذي الحجَّة وإلى الآن، حول حكم الجمع بين الأضحية والعقيقة بنيَّة واحدة، وذلك لأنَّ كثيراً منهم لا يتمكَّن من إفراد الأضحية والعقيقة بذبيحة لوحدها لسوء الأوضاع المالية، فيحاول التشريك بين نية الأضحية ونية العقيقة بنية واحدة تجمعهما. وبعد البحث في أصول هذه المسألة، وجدت أنَّها مِمَّا اختلف فيها العلماء بخلاف مُعتبر على قولين:
- القول الأول: (أنَّه يُجزئ الجمع بين الأضحية والعقيقة بنية واحدة). وهي رواية عن الإمام أحمد، ومذهب الحنفيَّة، ورأي جماعة من التابعين كقتادة، ومحمد بن سيرين، والحسن البصري. وقالوا بجوازه لأنّ هذا القول فيه تيسير على الناس، كما أنَّ المقصد في ذلك التقرب إلى الله تعالى بالذبح، فتدخل نيَّة أحداهما بالأخرى كما تدخل تحية المسجد في صلاة الفريضة لمن دخل المسجد ولم يصل تحية المسجد ودخل في جماعة المسلمين بالصلاة معهم صلاة الفريضة.
- القول الثاني: (أنَّه لا يُجزئ الجمع بين الأضحية والعقيقة بنيَّة واحدة) وهي رواية عن الإمام أحمد، ومذهب المالكية والشافعية.
• تحقيق أصولي: الحقيقة أنَّ هذه المسألة مبنية على مسألة بحثها علماء أصول الفقه وهي مسالة (التداخل في الأحكام) أو (التشريك في النيَّة)، والذي يظهر تقسيم ذلك لقسمين: 1) فهنالك أعمال مقصودة لذاتها ولا تدخل مع غيرها، مثل: من فاتته سنَّة الفجر، ويريد قضاء سنَّة الفجرمع نيَّة صلاة الضحى، فهذا تشريك خاطئ لأن العملين كل منهما له نيته الخاصة. 2) وهنالك أعمال غير مقصودة لذاتها فتدخل النية مع غيرها( مثل من دخل المسجد فصلَّى تحية المسجد وكان قد توضأ فنوى صلاة سنة الوضوء بركعتين فتحية المسجد وسنة الوضوء تدخل النية فيها مع غيرها لأن العملين يُمكن أن يقوم بهما الشخص باجتماع النيتين دون تأثر إحداهما بالأخرى، ومثل الاغتسال ليوم الجمعة ولصلاة العيد.
• تحقيق النظر في مسألتنا: حينما ننظر لمسألتنا حول (حكم الجمع بي العقيقة والأضحية بنية واحدة).
نرى أن العقيقة والأضحية لكل منهما نيتها الخاصة، وكلاهما عبادتان مستقلتان، فكلاً من العقيقة والأضحية حكمه مقصود لذاته، فلا يُغني إحداهما عن الأخرى، فالعقيقة تُذبح لنية شكر الله على أن وهبه المولود، أما الأضحية فإنَّها تذبح في عيد خاص قرن اسمه بها وهو عيد الأضحى المبارك.
والسنَّة المقيدة لا يُجمع بينها وبين سنة مقيدة لأنهما ذبحان بسببين مختلفين فلا يقوم الواحد منهما عن الآخر كدم المتعة و دم الفدية، والمقيد لا يجمع بين المقيد والفرض لا يدخل مع الفرض، وأما قولهم بأنَّ المقصود بالأضحية والعقيقة يحصل بذبح واحد، فغير صحيح؛ فصحيح أنَّ المقصود إراقة الدم، لكن لا تقوم إراقة دم واحدة مقام إراقتين.
ولو أنَّ المرأة ولدت توأماً ذكرين مثلاً فعلى كل ولد شاتين، والمجموع أربعة، فلو ذبح عنهما شاة واحدة لم يجزئ عن الآخر، فيكون عدم اجزاء التداخل بين الأضحية والعقيقة من باب أولى لأنه إذا امتنع مع اتحاد الجنس فأولى مع اختلافه .
والذي يظهر لي من ذلك الخروج من هذا الخلاف وهو الاحتياط الشرعي، بعدم جواز الدمج والتشريك بينهما بنيَّة واحدة، لكن إن دمج بينهما بنيَّة فعلى الصحيح أنَّ ذلك يُجزئ عن إحداهما خلافاً لابن حزم ونقل عن جمع من السلف ، حيث أبطلوا أجر كل عبادة قصد بها صاحبها تحقيق ثواب قربتين، الذي أبطل كلتا النيتين، ورأى أنَّه لا يجزئه بهذا الذبح العقيقة ولا الأضحية.
والخلاصة أنَّه لا يجوز الجمع بين نية الأضحية والعقيقة في ذبح واحد، والله تعالى أعلم وأحكم، وصلى الله على محمد وسلَّم.
|
المصدر: صيد الفوائد
ساحة النقاش