أعترف، على رؤوس الأقلام، بأنني ساهمت، لا بل كنت من أوائل المساهمين، في الحملة الساخرة ضدها، حيث ابتكرت قبل عشرين عاما صفحة ساخرة، تضع عناوين لصحف المستقبل- كان ذلك عام 1993 وكنت أتحدث عن عام 2000- وكتبت في أحد العناوين المستقبلية: «(وفاة المطربة صباح بعد معاناتها من حمّى النفاس)، والكثير من العبارات المشابهة.

وقد شاركت أيضا في تكرار النكات الطازجة التي كانت تظهر حولها، مثل ذلك السؤال غير البريء وجوابه:

◆ ما هو وجه الشبه بين حزب الله اللبناني والمطربة صباح؟

الجواب:

◆ صباح عملت «عمليات» أكثر.

وذلك في إشارة الى العمليات الجراحية التجميلية التي كانت صباح تجريها على جسدها لتبدو أكثر شبابا.

ومن ذات المنطلق انتشرت نكتة أن صباح شكرت الطبيب الذي أجرى لها إحدى العمليات، لأنه وضع لها «غمازة» في ذقنها دون أن تطلب منه ذلك.

فقال الطبيب:

◆ عفوا مدام.. هذه ليست غمازة ..هذه «سرتك، وصلت الى هنا بعد عمليات التجميل.

وهناك طبعا النكات التي تتحدث عن زواجها وأزواجها الشباب الذي يقاربون عمر أحفادها. على كل هذا المقال لا يقصد تعداد ما قيل حولها من نكات ونهفات وطرف وملائح، لا بل إنه يقصد الاعتذار لأن مقترف هذا المقال، شارك- ولو جزئيا- في بوقة الساخرين من المرحومة «تجوز الرحمة على الأحياء».

طبعا، عرفتم أنني أتحدث عن الشحرورة صباح، التي لا يكاد يمر شهر دون أن تنضح وسائل الإعلام بخبر يدّعي وفاتها، لكأنها تعيش عالة على الأمة العربية، أو لكأنها كانت السبب المباشر في ضياع فلسطين ولواء الإسكندرونة وسبتّه ومليلة ومضيق باب المندب وغيرها من «ضياعات العرب». وكان آخرها- قبل كتابة هذا المقال وليس قبل نشره- خبر وفاتها في 14 فبراير الجاري، تحديدا في عيد الفالنتاين المسمى، جدلا، يوم الحب.

أدين نفسي قبل أن أدين أحدا، وأعترف بأن المرحومة التي لا تزال حية، أفضل منا وأكثر إنسانية وحبا للناس، وأعترف بأنها من القلائل، لا بل من الندرة في العالم العربي، الذين يتقنون الحياة.. نعم الحياة بكامل معانيها من أفراح ودهشة وتجديد ومغامرة.

من لا يصدقني، فليستمع الى مجمل أغاني صباح، سيكتشف أن معظم أغانيها- إن لم تكن جميعها- تكرس الفرح وحب الحياة والبهجة الدائمة والاحتفال المستدام في الحب والعشق، بدون نواح ولا تنكيد، مثل معظم أغانينا الطربية التي تزخر بالفراق المر وألم الابتعاد عن الحبيب، والوحدة والليل القاتل، والمراسيل البكائية و»هاتولي الحبيب»، لكأننا نشتغل في الدرك لجلب الفتاة الى عاشقها المرتمي بانتظار إحضار الحبيبة مخفورة الى جنابه.

إنها ذات العقدة النفسية التي كانت تعاني منها قبيلة «عذرة» العربية، حيث يتشبب الرجل بحبيبته ويفضحها بين القبائل، ثم يعاني من فراقها، لأن أباها يرفض تزويجه إياها، ولو سمح له ولي الأمر بالزواج منها لابتكر معيقات أخرى، حتى يستمر في النواح على حبه الضائع.

نحن شعب لا يتقن الحياة، ويسخر ممن يتقنها، لذلك فقد سخرنا وما نزال من الشحرورة، لأنها تمثل كل ما ينقصنا، لذلك نبتكر كل فترة نبأ وفاتها، حتى نخلص منها، ومن وجع القلب لأنها تذكرنا بما نحن من بؤس وكره للحياة ولجميع عشاق الحياة، في كل زمان ومكان.

الرائعة صباح.. أعتذر منك، عني وعنهم،.. فإنهم لا يدرون ماذا يفعلون!!

يوسف غيشان

[email protected]

 

المصدر: الاتحاد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 49 مشاهدة
نشرت فى 24 فبراير 2013 بواسطة alsanmeen

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,310,534