أحمد شعبان
أكد علماء الدين أن الإسلام اهتم اهتماما كبيرا بالأخلاق وما يقوله الإنسان وما يفعله، لأن ذلك يؤثر تأثيرا مباشرا في حياة الناس ومصالحهم ولذلك بين القرآن الكريم أن كل ما نتكلم به محصى علينا ومسطر في صحائف أعمالنا، كما أكد ديننا وجوب حماية المرافق العامة من العبث المؤدي إلى الأضرار. وقد انتشر بصورة كبيرة الانفلات الأخلاقي بين كثير من الناس وأصبح ظاهرة تقلق الملتزمين في العالمين العربي والإسلامي ويتنافى مع مبادئ الإسلام الحنيف الذي يحث على مكارم الأخلاق.
يقول الدكتور أحمد محمود كريمة - أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر- قال الله عز وجل: «يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون» سورة الصف وقال تعالى:» يا أيها الذين امنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا» سورة الحجرات وقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لمعاذ- رضي الله عنه - ملخصا ما يدخل الجنة ويباعد بينه وبين النار: «أمسك عليك هذا وأشار إلى لسانه قال: أو إنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال: هل يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم».
تدليس وخداع
واخبر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن قوم كسبهم في أواخر الزمان من حصاد ألسنتهم وروى سعيد بن أبي وقاص- رضي الله عنه- عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أنه قال:» لا تقوم الساعة حتى يخرج قوم يأكلون بألسنتهم كما تأكل البقر بألسنتها» ولصدق هذه الأخبار من الصادق المصدوق- صلى الله عليه وسلم- ظهرت طوائف عديدة كسبها من اللسان مثل المجترئين على الفتاوى: «أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار» وقوله تعالى: «ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون» سورة النحل الآية 116. وظهر من يترافع بالتدليس والخداع عمن يعرف أنه مدان ومن يمدح الناس بما ليس فيهم نفاقا وكذبا والمهرجون الذين يتحدثون بالكلام الساقط وهؤلاء بأفعالهم يريدون أموال الناس وخطباء الفتنة الذين يقلبون الحقائق ويبررون الأباطيل ويسعون لمطامع ومغانم دنيوية كالشهرة والأموال وغير ذلك من شهود الزور ودعاة التخريب وتعطيل مصالح الناس والساعين بمعسول كلامهم لإهلاك الحرث والنسل والله تعالى لا يحب الفساد وهؤلاء ومن يماثلهم ومن يناظرهم صرعى الألسنة.
تعمد التخريب
ويؤكد الدكتور حلمي عبد الرؤوف- أستاذ الفقه بجامعة الأزهر- أن كثيرا من الناس يتعمدون تخريب المرافق العامة التي تشمل كل شيء لاستعمال الكافة أيا كانت الجهة المالكة له لأن العبرة بعموم الانتفاع كالطرق ودور التعليم والمستشفيات والحدائق العامة وموارد المياه والطاقة ووسائل المواصلات وهذا الانتفاع يقتضي قيام علاقة خاصة بين هذه المرافق العامة والمحافظة عليها قوامها السلامة والحماية والأصل فيه نصوص شرعية كثيرة منها قول رسول الله- صلى الله عليه وسلم-:«المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده» فالسلامة تكون بكف اليد واللسان.
وأشار إلى وجوب حماية المرافق العامة من العبث المؤدي إلى الأضرار تأكيدا لما قاله رسول الله - صلى الله عليه وسلم- حينما قال: «مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استسهموا «اقترعوا» على سفينة في البحر فأصاب بعضهم أعلاها وأصاب بعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا استسقوا من الماء-أي أخذوا ماء- مروا على من فوقهم فقال الذين في أعلاها: لا ندعكم تصعدون فتؤذوننا فقالوا: لو أنا خرقنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا» ومن مظاهر المحافظة على المرافق العامة حق الطريق وآدابه من غض البصر وكف الأذى ورد السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» اتقوا الملاعن الثلاث وضع الأذى في موارد المياه والظل وقارعة الطريق» وجعل رسول الله-صلى الله عليه وسلم- إماطة الأذى عن الطريق من شعب الإيمان .
وأضاف: ومما يدل على العناية والرعاية بالمرافق العامة تكريم من يخدمها ويحافظ عليها تكريما معنويا وقد روى أصحاب السنن قصة امرأة عجوز كانت ترفع القمامة من مسجده- صلى الله عليه وسلم- فماتت ليلا ودفنها الصحابة- رضي الله عنهم من دون إخباره-صلى الله عليه وسلم- شفقة عليه فطلب أن يدلوه- صلى الله عليه وسلم- على قبرها فذهب وصلى على قبرها. وفي المقابل جعلت الشريعة الإسلامية عقوبات دنيوية لضمان المتلفات فمن أتلف شيئا ألزم بإصلاحه أو دفع قيمته مع التحذير من الإفساد في الأرض كما قال في كتاب الله- عز وجل-:» ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها» وقوله تعالى:»وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد. وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد» سورة البقرة الآيتان 205-206.
وجوب العقاب
وأكد الدكتور شعبان محمد إسماعيل- أستاذ أصول الفقه بجامعة أم القرى مكة المكرمة- أن الانفلات الأخلاقي بكل صوره يؤدي إلى إيذاء المسلمين وإلحاق الضرر بهم وهذا الإيذاء يستوجب العقاب من الله عز وجل قال تعالى: «إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا. والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا» سورة الأحزاب الآيتان 57-58 ونفى الرسول- صلى الله عليه وسلم- الإسلام عن الذي لا يسلم الناس من إيذائه حيث قال: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم» والإسلام يريد من المسلم أن يعامل الناس بما يحب أن يعاملوه به فالذي لا يرضاه لنفسه لا يرضاه لغيره فإذا طبق كل إنسان هذا المبدأ استراح الجميع واطمأن كل إنسان على نفسه وعرضه وماله.
روح المحبة والمودة
يقول الدكتور شعبان محمد إسماعيل، إن الإسلام حرص على بناء المجتمع على الأخلاق الفاضلة والصفات الحميدة، حتى تسود مجتمعاتنا روح المحبة والمودة والأخوة الصادقة والمبادئ العادلة التي تعطي كل ذي حق حقه ولن يتحقق ذلك إلا إذا كنا صادقين في أقوالنا وأفعالنا نقول الحق ولا نخشى في الله لومة لائم ونتأسى بأخلاق رسولنا الكريم –صلى الله عليه وسلم- قال تعالى: «يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما» سورة الأحزاب الآيتان 70-71.
ساحة النقاش