تبدأ المرحلة الانتقالية بسقوط النظام ، وتنتهي بعد انتخاب رئيس وبرلمان على أساس دستور جديد للدولة السورية، وانبثاق حكومة تمثّل البرلمان المنتخب. وتتطلب المرحلة إجراءات توافقيّة بين الأطراف ذات العلاقة على الصعد السياسيّة والقانونيّة والأمنيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة.
الموجّهات العامة لمسيرة التغيير
انطلاقاً من الشرعية الثورية، يبدأ الحلّ السياسي في سورية برحيل بشار الأسد والسلطة الحاكمة ورموز النظام من الأمنيين والعسكريين والمدنيين من سدّة الحكم، ليُفسح المجال للشعب من أجل بناء نظامه وفق إرادته ومصالحه وحسب المعايير السياسية المعاصرة. محاسبة المتورّطين في قتل السوريين وإيذائهم وتخريب ممتلكاتهم وتدمير المرافق العامة، وذلك وفق الأصول القانونية. ضرورة استمرار الحراك الثوري ومقتضيات الإرادة الشعبية بعد سقوط السلطة الحاكمة من أجل تفكيك البنية الأمنية لنظام الدولة واستبدالها ببنية ديمقراطية تمثّل الشعب وتفصل بين السلطات وتحيّد الجيش عن السياسة وتحول دون ولادة استبداد جديد في البلاد . انضواء فصائل الجيش الحرّ والمقاومة المسلحة على اختلاف فرقها تحت هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة التي تتبع رئاسة مدنية منتخبة من الشعب. اعتبار أغلب فصائل الجيش وعناصره التي كانت تعمل تحت إمرة النظام السابق مُكرهة على أمرها، إلا من عمل على نحو مبادر وتورط بارتكابات ضد الوطن والشعب . رفض التعميم الجائر البعيد عن التحرّي والتدقيق في تحمّل آثام النظام وسلوكه الإجرامي. دعوة كافّة الأطراف للعمل بأشدّ الحرص على حماية السلم الأهلي والوحدة الوطنية، واتخاذ كافة الإجراءات العملية التي تساعد على تحقيق هذا الهدف. اعتماد التمثيل العادل للشعب في الأجهزة البرلمانية بحيث تعكس تعددية المجتمع السوري. اعتماد الكفاءة في شغل المناصب التنفيذية.
أولاً: مرحلة إسقاط السلطة الحاكمة
لن يتمّ الوفاء لتضحيات ومعاناة الشعب السوري من أجل الحريّة والكرامة بمجرد إسقاط رموز السلطة فحسب، وإنما بإسقاط النظام بدءاً من رأسه بشار الأسد وزمرته مروراً بتغيير بنيته الأمنية واستبدالها ببنية تمثل الإرادة الشعبية. إن إزاحة رموز النظام ليست إلا خطوةً أولى، تنطلق بعدها الجهود لتفكيك بنية وثقافة الظلم والفساد وتشييد صرح الدولة الديموقراطيّة، دولة المجتمع المدني التي تصون الحريات، وتعمل على إرساء المساواة في الحقوق والواجبات وفق عقد المواطنة.
إسقاط النظام الحالي / خطة التغيير الإداري
فقد النظام الحالي مقومات الشرعية واستحقاق الحكم ، وحوّل نفسه إلى فرق موتٍ وأمراء حرب، وهو عاجز وظيفياً حتى في المناطق التي يسيطر عليها بالبطش وقوة السلاح، ولن يكون شيئاً من مستقبل سورية ، فهو زائل عاجلاً أو آجلاً .
يقوم الائتلاف الوطني لقوى المعارضة والثورة السورية بتشكيل حكومة مؤقتة، وذلك عند توفر الضمانات الدولية بالاعتراف بها وتوفير صندوق دعم نشاطاتها. وتتشكل الحكومة في اجتماع الهيئة العامة للائتلاف، من شخصيات وطنية ملتزمة بأهداف الثورة السورية وفق المعايير الواردة في النظام الأساسي للائتلاف، وتمارس مهامها في الأراضي المحررة. يجري اختيار أعضاء الحكومة بناء على المعيار التالي: الكفاءة وحُسن السيرة والمشاركة في الثورة السورية والبراءة من الاشتراك في جرائم النظام البائد. لا يجوز للحكومة الانتقالية أو أي من وزاراتها ومكوناتها الدخول بمفردها في حوار أو مفاوضات مع النظام القائم. تضطلع الحكومة المؤقتة بالصلاحيات التالية: العمل على وضع الخطط التفصيلية لإسقاط النظام القائم. إدارة شؤون المناطق المحررة، وإدارة المنافذ الحدودية، وتنسيق جهود المجالس المحلية الموجودة والربط بينها. تسخير كافة الجهود لتأمين سبل الإغاثة الشاملة للسوريين في الداخل والخارج. تأمين التنسيق الكامل مع هيئة الأركان والقوى الثورية المسلحة ودعمها بكل ما يلزم. تنظيم شؤون السياسة والعلاقات الخارجية مع كافة الدول والمنظمات الدولية والإقليمية وتمثيل الشعب السوري أمامها بحسب القواعد التي أقرها الائتلاف وذلك في سبيل تحقيق أهداف الثورة. إتمام المخططات الكفيلة بتنسيق الدعم الدولي بكفاءة عالية. اتخاذ القرارات التي تضمن وحدة الأراضي السورية والسيادة عليها. العمل على استرداد أموال الشعب السوري. وضع رؤية تفصيلية تتضمن الإجراءات الرسمية وغير الرسمية التي من شأنها أن تحمي البلد من الأخطار ، وتحفظ السلم الأهلي . تهيئة الخطط واللوائح اللازمة لاستتباب الأمن وسيادة القانون بعد سقوط النظام، بما في ذلك حفظ السلم والأمن الاجتماعي، وإنشاء اللجان اللازمة لمتابعة مسيرة العدالة الانتقالية.
أهداف حيوية ترصدها الخطط :
ضمان أمن وسلامة أرواح جميع المواطنين السوريين وممتلكاتهم الخاصة، وكذلك الممتلكات العامة في كل أرجاء البلاد. تجنب حدوث حالات الفوضى وانتشار الجريمة وتخريب المصالح العامة والخاصة. تجنب الممارسات التي قد تجرّ إلى صراع داخلي أو فتنة طائفية مما سيكون له نتائج مأساوية على جميع أبناء الشعب السوري والدولة السورية. الحؤول دون الممارسات التي تؤذي وحدة سورية أرضاً وشعباً . منع محاولات استعادة السلطة من قبل قوى النظام البائد.
ثانياً: المرحلة الانتقاليّة
1- إجراءات فورية في الأسبوعين الأولين:
فور سقوط النظام غير الشرعي ورئيسه بشار الأسد ورموز الحكم، يتمّ التالي:
التحفّظ والحجز على أملاك أعضاء السلطة السابقة وعائلاتهم وأقاربهم المتورّطين في نهب المال العام في الداخل والخارج، كي يعالج الموضوع ضمن قواعد يضعها الجسم التشريعي المؤقت أو البرلمان، بما في ذلك أموالهم المحتجزة في الخارج. إصدار عفو عام يشمل جميع المعتقليين السياسين وسجناء الرأي، وإطلاق سراح الموقوفين ظلماً على نحوٍ فوري ومنظّم. توقيف وعزل كبار ضباط النظام المتهمين بقيادة عمليات قتل أو انتهاكات لحقوق الإنسان وفق ما ورد في قوائم منظمات حقوق الإنسان السورية والدولية، وإحالتهم إلى محاكمات عادلة. توقيف وعزل القيادات الحالية للمؤسسات الأمنية وإحالة المسؤولين عن القتل والانتهاكات منها الى المحاكمة، وتعيين قيادات جديدة نظيفة، تمهيداً لإعادة هيكلة جذرية لهذه المؤسسات وفق خطة متكاملة لإصلاح القطاع الأمني. تشكيل إطار عمل مشترك بين الجيش النظامي وهيئة الأركان المشتركة للجيش الحر من أجل: منع اللجوء إلى قوة السلاح باعتبار أن النظام قد سقط وتستأنف الحياة المدنية في البلاد . بداية الترتيب لاستيعاب عناصر المقاومة المسلحة التي ترغب بالانضمام الرسمي إلى الجيش والقوات المسلحة . سحب الآليات الثقيلة والمظاهر المسلحة من المناطق السكنية، وعودة الجيش إلى ثكناته إلا القطعات التي توكل إليها هيئة الأركان مهامات خاصة. تكليف قطعات محددة من الجيش النظامي تحت قيادة جديدة موثوقة بحفظ الأمن والسلم الأهلي في المناطق والأحياء السكنية لجميع المواطنين السوريين، وضمان تطبيق القانون، ومنع أي محاولة لعزل أو انسلاخ مناطق من البلاد، والحيلولة دون وقوع أعمال عنف أو انتقام، وإخضاع جماعات الشبيحة واللجان الشعبية للقانون ونزع أسلحتهم. نشر قوات من الجيش على الحدود ومراقبة الموانئ لمنع المطلوبين من الفرار. ترتيب حماية المنشآت العامة ومخازن الأسلحة بما فيها الأسلحة الكيماوية. تفعيل عمل الهيئة العليا للاغاثة بالتعاون مع المؤسسات الإغاثية الدولية والسورية بهدف توزيع المساعدات الإنسانية العاجلة على جميع المحتاجين من أبناء الشعب السوري. إعطاء الإعلام كامل حريته للانتاج وفق الأسس المهنية، بالإضافة إلى عزل الشخصيات الإعلامية السلطوية ومديري الإعلام الذين كانوا جزءاً من آلة النظام. الحجز على مؤسسات الإعلام الخاصة التي كانت تعمل لخدمة النظام وتجميد نشاطاتها. الإعلان فوراً عن خطة للعدالة الانتقالية والمصالحة الاجتماعية مع تقديم ملامحها الاساسية مثل التعويضات المعنوية والمادية ضمن إطار زمني واقعي وذلك لتجنب الاعمال الانتقامية. الاعلان عن تجريم كل عمل تخريبي ضد الأماكن الدينية والتراث التاريخي والثقافي لسورية.
2- الترتيبات السياسية والقانونيّة
إقالة حكومة النظام السابق وحلّ مجلس الشعب. تجميد عمل حزب البعث العربي الاشتراكي وإعادة كل أرصدته وممتلكاته إلى الدولة على ان يتم الإقرار في مصيره في وقت لاحق عند الاعلان عن تشكيل الاحزاب السياسية في المرحلة الانتقالية. إقالة القيادات العليا للجيش، حلّ الفرقة الرابعة للجيش والحرس الجمهوري وتوزيع عناصرهما على القطعات المختلفة في الجيش. حلّ الأجهزة الأمنية باستثناء جهاز الشرطة، وإعادة تشكيلها في جهازي أمن مدني وعسكري يأتمران بأمر مجلس الأمن الوطني في هذه المرحلة الانتقالية، وفيما بعد يكون الجهاز المدني تابعاً لوزارة الداخلية والجهاز العسكري تابعاً لوزارة الدفاع. يعطل العمل بالدستور الحالي، ويُسيّر الائتلاف هذه المرحلة بمراسيم تشريعية. يتولى الائتلاف الوطني السلطة التشريعية والتنفيذية، ويصدر المراسيم اللازمة، وتتسلّم الحكومة المؤقتة المعينة من قبل الائتلاف مهمة تسيير أعمال الدولة حتى تشكيل الحكومة الانتقالية. خلال مدة أقصاها ثلاثة أشهر، تتمّ الدعوة إلى مؤتمر وطني واسع في دمشق يشمل كلّ القوى السياسيّة ومكوّنات المجتمع دون استثناء . يشكل المؤتمر الوطني حكومة انتقالية لإدارة المرحلة . وفور انعقاد المؤتمر الوطني وتشكيل الحكومة الانتقالية يتمّ حل الائتلاف. يقوم المؤتمر الوطني بتشكيل الهيئات واللجان التالية:
(1) اللجنة العليا للانتقال السياسي :
تقدم هذه اللجنة رؤية واضحة وتوجهات مفصلة خلال تسعين يوماً ، لإنجاز قوانين وقواعد انتخابات لجمعية تأسيسية تضع دستوراً جديداً ، يطرح للاستفتاء العام . تنظم بعدها انتخابات عامة للمجلس التشريعي لتنتج برلماناً جديداً . ووفق الدستور يتم انتخاب رئيس جديد وحكومة جديدة .
(2) اللجنة القضائية :
تضع لوائح وقوانين وقواعد قضائية مستقلة ، وتكلف بلتحقيق بحالات الأفراد المرتكبين جرائم بحق الوطن والشعب وتتوجب محاسبتهم . كما تبحث بأكر التعويضات على ضحايا الإجرام والاعتداءات المختلفة . وتبحث أمور عودة كريمة وآمنة الاجئين والناوحين الذين اضطروا للخروج من منازلهم . وتعمل على تنظيم وإصلاح وإعادة هيكلة المؤسسات القضائية. وإعادة النظر في قانون القعوبات. تبني طرق التحقيق وفق المعايير العالمية لحقوق الإنسان، وتجريم التعذيب وكل أشكال الاعتداء على الكرامة الإنسانية.
(3) مجلس الأمن الوطني:
يقوم مجلس الأمن الوطني بتنظيم وإدارة كل من قوى الجيش وقوى الأمن من خلال فريق عمل يضم مواطنين يتمتعون باحترام واسع مدنيين وعسكريين بما فيهم ضباط متقاعدين . تكون مهمتهم خلال ستين يوماً وضع خطة لإعادة هيكلة وإدماج ونوحيد القوات المسلحة . تتضمن نقل وتسريح وإدماج وإدخال عناصر جديدة إلى القوات المسلحة من المعارضة ومن صفوف الشعب .
مهمات حيوية ذات أهمية قصوى:
يحرص مجلس الأمن الوطني على الحفاظ على السجلات والوثائق من أجل تسهيل تحقيق العدالة الانتقالية، وحماية السجون وخاصة التي تحتجز عناصر النظام السابق، والحفاظ على سلامة الممتلكات العامّة والخاصّة من أيّ عبث. توجيه أوامر إلى الوحدات العسكرية لحماية المباني الحكومية وخاصة دائرة النفوس والطابو لتسجيل العقارات. توجيه وحدات من الجيش لحماية محطات توليد الطاقة ومحطات معالجة الصرف الصحي والسدود.
مراقبة وحماية المتاحف لمنع سرقة ونهب محتوياتها.
(4) هيئة المصالحة الوطنية من اجل الحقيقة والعدالة والمسامحة :
تضع خطة وطنية وبرامج عمل وتشكل لجاناً فرعية لتحقيق ذلك .
(5) الهيئة العامّة للتعويضات وإعادة الإعمار :
تعمل من خلال الوزارات المتخصصة بالشؤون التي تعالجها هذه الهيئة ، ومنها العمل على إلغاء العقوبات الاقتصادية الخارجية بسرعة ، وتنشيط التجارة والاستثمار والتخطيط لإعادة الإعمار ، وتسهيل مشاركة الأشقاء العرب في عملية إعادة الإعمار والتنمية الشاملة .
يصدر المؤتمر الوطني قوانين مؤقتّة تنظّم الحياة العامّة في المرحلة الانتقاليّة، تشمل حريّات الإعلام والتظاهر وتشكيل الأحزاب والنقابات والجمعيّات وإلغاء جميع المراسيم والقوانين والمحاكم الاستثنائية، كما يلغي المراسيم والقوانين التمييزيّة بحق القوميات الكردية والتركمانية والآثورية وأيّ طيفٍ آخر من أطياف الشعب السوري.
3- أولويات تثبيت السلم الأهلي
استثمار طاقة الحراك الثوري من خلال استيعاب المجالس المحلية لإدارة الشؤون الاقتصادية والنقل والاتصالات والإغاثة والخدمات الأخرى في أماكن تواجدها. تجنب الفراغ الإداري واستمرار عمل مؤسسات الحكومة. منع الفئات الإجرامية من استغلال غياب القانون وأجهزة مراقبة إنفاذه. إسكان المهجّرين من بيوتهم، والإسراع في إيواء المشردين من خلال الحزم في تنفيذ خطط ترميم السكن والإسكان المؤقت.
ثالثاً: العدالة الانتقالية
2- الأهداف الرئيسة
تحقيق العدالة لجميع الضحايا الذين تعرّضوا لانتهاكات منهجية لحقوقهم الإنسانية ولإساءة المعاملة، وتعويضهم ومحاسبة الفاعلين وإيجاد آليات تعويض إضافية اجتماعية تمنع تفاقم النزاعات الاجتماعية. تحقيق الشفافية في نشر وثائق وحقائق تتعلّق بسلوك مرتكبي الجرائم بالإضافة إلى تجارب الضحايا. إنشاء آليات المحاسبة والشفافيّة ومنع حصول انتهاكات جديدة أثناء تطبيق العدالة الانتقالية واستعادة إيمان وثقة المواطنين بمؤسّسات الدولة والمساهمة في تعزيز سلطة القانون والمؤسّسات الديمقراطية ومشروعيتها، بغية ترسيخ بيئة خصبة لترميم الصدوع وتحقيق المصالحة الوطنية الشاملة على الصعيد الوطنيّ والمحلّي. معالجة التأثيرات الفرديّة والجماعية للعنف والقمع والاستبداد وتوفير الدعم النفسي للأطفال والنساء وضحايا العنف. نقض السياسات التمييزية السابقة بما فيها إلغاء القانون 49 لعام 1980 ورفض الإجحاف بحق نازحي الجولان وضحايا أحداث الثمانينات، وانتفاضة 2004 الكردية . وضع الخطط لإزالة آثار السياسات والقوانين التمييزية والمجحفة بحق القومية الكردية في سورية وتداعياتها، ولتعويض المتضرّرين من أبناء الشعب السوري كافة وإعادة الحقوق لأصحابها. تكريم المناضلين من المقاومين في صفوف الجيش الحر والمجموعات الثورية من خلال تعويضات معنوية ومادية مناسبة وضمان عودة المنشقين إلى مواقعهم وترفيعهم وصرف مستحقاتهم ومكافآتهم المتراكمة، وأن يرافق ذلك حل جذري متوافق عليه لمسألة المجموعات الثورية المسلحة.
جورج صبرا
|
ساحة النقاش