للعيون لغة ساحرة، والعين باب القلب ومنفذ النفس، والعين أبلغُ الحواس وأصحها دلالة وأوعاها عملاً، فنظرة ولمحة وإشارة تقول كلاماً يغني عن كتاب، فالإشارة بمؤخر العين الواحدة: نهي عن الأمر، وتفتيرها: إعلامٌ بالقبول، وإدامة نظرِها: دليل على التوجّع والأسف، وكسر نظرها: آية الفرح، والإشارة إلى إطباقها، دليل على التهديد، وقلب الحدقة إلى جهة ما تم صرفها بسرعة: تنبيه إلى مُشار إليه، والإشارة الخفية بمؤخر العين كلتيهما: سؤالٌ، وقلب الحدقة من وسط العين إلى المُؤقِ بسرعة: شاهد المنْعِ، وترعيد الحدقتين من وسط العينين، نهي عام، وسائر ذلك لا يدرك إلا بالمشاهدة.
إذا نظر الإنسان إلى الشيء، بمجامع عينيه قيل رمَقَهُ، فإن نظر إليه من جانب أذنه قيل (لَحَظَهُ)، فإن نظر إليه بعجلة (لَمَحَهُ)، فإن أعاره لحظ العداوة (أبدى له العداوة) نظر إليه (شَزْراً)، فإن نظر إليه نظرة المحبة، قيل: له نظر إليه نظرة ذات عَلَق، فإن نظر إليه نظرة المتثبت قيل: (توضّحه، تأمّله)، إذا فتح كامل عينيه يقال: حدّق، فإن لألأهما قيل بَرقَ، فإذا انقلب حملاق عينيه قيل «حَمَلَق»، فإن غاب سواد عينيه الفزع: قيل برق بصره، فإذا انفتحت عينه من الحيرة قيل: شَخَصَ بصره، فإن نظر إلى الهلال، يتفحصه: قيل: تَبَصَّرَهُ. فالعينان تتصلان بالنفس وبالقلب وبالدماغ، وعندما يتهيأ الرجل للبكاء يقال: أَجْهَشَ، وإذا امتلأت عيناه بالدموع، يقال اغرورقت عيناه، فإذا كادت تسيل ترقرقت، فإذا سالت، قيل دمعت وهمعت، فإذا زاد همت وذرفت، فإن سُمِعَ لبكائه صوت: قيل: نحب ونشج، فإذا صاح مع بكائه: أَعْوَلَ من العويل.
إيليا أبو ماضي:
ليت الذي خلــق العيون السودا
خلق القلوب الخافقات حديـــدا
لولا نواعسها ولـــــولا سحرهــــا
ما ود مــــــالك قلبــــه لو صيدا
عَوذْ فؤادك من نبــــال لحاظهـا
أو متْ كما شـــاء الغـرام شهيدا
إن أنت أبصرت الجمال ولم تهـم
كنت امرءاً خشن الطبـاع، بليدا
وإذا طلبت مع الصبابـــــــة لذةً
فلقد طلبت الضائـــع الموجـودا
يـا ويح قلبي إنـــــــــه في جانبي
وأظنه نـــــــــائي المزار بعيــــدا
مستوفـــــزٌ شوقــــــاً إلى أحبابه
المرء يكــــره أن يعيش وحيـــدا
برأ الإله لــــــه الضلوع وقايـــــةً
وأرته شقوته الضلــوع قيــــــودا
فإذا هفا بــــرق المنى وهفا لـــه
هاجـــت دفائنه عليـه رعـــــودا
ساحة النقاش