ولدت هذه المبادرة بدون كثير من الأفق ولم تحظ بقبولها لدى الطرف الآخر، رغم التراشق بين الشيخ الكبير ووزراء النظام وحلفائه باشتراطات وتمديدات وتفسيرات ليس آخرها ما قاله  وزير النظام المارق من أن أي تفاوض لن يكون على الرحيل

وأن من حق "الرئيس" أن يرشح نفسه [إلى أبد الآبدين بغض النظر عن يديه المضرجتين وسجله الإجرامي]... النظام لم يكن غير واضح في رده على المبادرة فلماذا لا نكون نحن أشد وضوحاً منه في ردنا عليه؟

يحزنني مشهد التفاوت بين انتصارات كبرى يحققها الجيش الحر وإخفاقات في صفوف المعارضين وخلافات حول مبادرة أصبح لها حياة سريالية مستقلة تتراوح بين المأساة والملهاة، وها هو الرئيس الفرنسي "الصديق" يتذرع باسم صاحبها ليبرر امتناع الاتحاد الأوروبي عن مناقشة إمداد جيشنا الحر بالسلاح. حتى هيئة التنسيق، المعارضة المستأنسة، أعلنت أمس أنها تؤيدها وأنها كانت السبّاقة في هذا النوع من المبادرات. وها هي أيام المبادرة الأربعة عشر تشهد أكثر من ألف وأربعمائة شهيد جديد وآلافاً من المعتقلين الإضافيين ونحو 70 ألفاً من النازحين واللاجئين الجدد. لقد انتهت صلاحيتها تقنياً بانتهاء المهلة الممنوحة، فعلام نراهن الآن؟ ولماذا نعيد حقنها متأملين احتلابها حتى النهاية؟

نعم لقد حققت المبادرة ما توخاه الشيخ الكبير منها: "حراثة الأرض الصلبة المستعصية". أما الآن وقد حصل ذلك فإن علينا أن نعود إلى قيادة الركب لا أن نتابع تجاوز الجماعة. علينا أن نعاود المسيرة على أساس أكثر تماسكاً ولا يمكن أن يبدأ ذلك إلا بالتسليم، فيما بين الرفاق على الأقل (وليس أمامنا نحن معشر العامّة)، بأن تجاوزاً ما قد حصل. الاعتراف بالخلل (ولا أقول بالخطأ) فضيلة. أما الحشد لتعبئة المؤيدين وممارسة اللعب السياسي داخل الائتلاف لتسجيل الانتصارات على الحلفاء وفرزهم،  فهذا لعمري ما يجب ألا يكون له مكان بيننا إذا كنا صادقين في أننا نخدم الثورة المقدسة.

ما الذي علينا أن نفعله الآن؟ ليس أمامنا إلا أن نعود  إلى الأرض! هناك تصور عام مفاده أن المعارضة الخارجية في واد والثوار في واد آخر والمبادرة أكدت صورة الانفصام. الحاجة ماسة إلى تغيير ذلك بتعزيز خطوط الاتصال الفعلي بين الائتلاف والمجلس من جهة والمجموعات المقاتلة وغيرها من المجموعات الثورية الأخرى على الأرض. هذه هي المهمة الأساسية وهي أخطر بكثير في هذه المرحلة من العمل الخارجي وإنشاء المكاتب الخلبية (على أهميتها). ولا يمكن أن يكون هناك مصداقية للمعارضة سواء على مستوى الثورة أو على المستوى الدولي إلا بها. ولعلّ زيارات المجلس الوطني إلى الأرض المحررة، وآخرها زيارة الأخ جورج صبرا وصحبه، خطوة على الطريق السليم (برغم محاولة الاغتيال وسقوط عدد من الشهداء)، فهذه الزيارات تعمل على مأسسة الارتباط بالثورة والأرض و تدلل على ذلك الارتباط بصورة علنية جلية. أقول وأكررها مثنى وثلاث ورباع: الجيش الحر هو رأس المال الأكبر لدبنا وعلينا أن نستثمر فيه تعزيزاً وتسليحاً وتمويلاً بكل الوسائل. بدون ذلك تكرس المعارضة أنها زائدة عن الحاجة لا محل لها من الإعراب.

أما بالنسبة للمبادرة، فإني أقول للأخوة المعارضين: كفى! أقلبوا الصفحة. آن الأوان لوقف هذه المهزلة وللإعلان بلا لبس إننا دفناها وإننا ماضون في ثورتنا بهمة جيشنا الحر وشعبنا الجبار.

لقد لامني الشيخ الكبير لأني انتقدت. أجل، بل وقمت بأكثر من ذلك –  حاولتُ أن أقـوّم بالكلمة وليس لدي سواها. كانوا في غابر الأيام يقوّمون بغيرها، وكانوا يُحمدون ويَحمدون الله على التقويم... ولكن أين نحن الآن من تلك الأيام...

المصدر: الشبكة العربية العالمية: سمير الشيشكلي
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 67 مشاهدة
نشرت فى 19 فبراير 2013 بواسطة alsanmeen

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,179,134