عماد ملاح - كثرت أمراض القلب بكل أشكالها، وأصبحت شائعة، وقد تختلف الأسباب والأعراض، إنما النتيجة تبقى واحدة، وتتمثل في السكتة القلبية، أو بالأحرى الذبحة الصدرية القاتلة، وحقيقة الأمر أن أمراض القلب تعتبر مسؤولة عن نسبة كبيرة من الوفيات، إلا أن التقدم الحاصل في مجال الطب التخصصي، والتقنيات الحديثة في وسائل العلاج والتشخيص نجحت إلى حد كبير في السيطرة على هذا المرض، لا سيما ما يتعلّق منه بالعوامل المسببة الوراثية.
تحتل السكتة القلبية المركز الأول في أسباب الوفيات في العالم، وبنسبة 12.2% من مجموع الوفيات. كما تتوقع منظمة الصحة العالمية أن تبقى السكتة القلبية تحتل المركز الأول في أسباب الوفيات حتى في عام 2030 بناء على آخر الحسابات الإحصائية التي أجرتها المنظمة. أما في بلاد الشرق الأوسط والبلدان العربية فإنه لا توجد دراسات حول نسبة مساهمة السكتة القلبية في مجمل الوفيات، لكن تقديرات الخبراء تشير إلى أن السكتة القلبية تتقدم على أسباب الوفيات الأخرى في دول العالم النامي ومنها الدول العربية. ويعود هذا التقدير إلى أن تغير أنماط العيش وبخاصة في دول الشرق الأوسط، وتحسن الأنظمة الصحية في معالجة الأمراض المعدية والحوادث، يجعلان من أمراض القلب والسكتة القلبية التحدي الصحي القادم.
طبيعة المرض
مرض القلب يبدأ عندما تبدأ الشرايين الداخلية بالتضخم، وبزيادة سماكتها وتصبح مثل الأنابيب الضيقة، وإذا كانت هذه الأوعية المصابة من الأوعية الموصلة للدم إلى القلب، ستتأثر عملية نقل الكمية الكافية من الدم، إلى العضلة القلبية التي تحتاج إلى هذه الكميات، لأن الدم يحمل في طياته «الأوكسجين» اللازم، لعمل هذه العضلة، وكذلك ستتأثر عملية إزالة الرواسب المتبقية عن العملية، ما يترك مجالاً لرسو هذه الرواسب في مجاري الأوعية، وعلى الشرايين لتسد بذلك جزءاً من هذا المجرى أو ذاك، أو حتى كله في بعض الأحيان، مؤدية إلى «الذبحة القلبية» الخفيفة أو القاتلة.
بوادر الأزمة
الدكتور سعيد الصايغ، أخصائي أمراض القلب، يلفت النظر إلى أن الشعور بالألم في الصدر المسمى «بالذبحة الصدرية» ينتج عن تعب عضلات جدران الشرايين المصابة بشكل لا يسمح لها بالتخلص من الرواسب، ما يؤدي في النهاية ومع تطور المرض إلى انهيار القلب والجهاز القلبي بأكمله، إن سماكة جدران الأوعية الدموية يمكن أن تعزى إلى خلايا تسمى بالمصطلح الطبي «الماكروفاج»، وهي بمثابة سيارات دوريات للمراقبة المتجولة والتابعة لجهاز المناعة في الجسم، والتي تعمل بحماسة زائدة للبحث وتدمير المواد البيولوجية الغريبة عن الجسم داخل الدم في الشرايين، ويبدأ الخلل عندما يتعثر عمل المراقبة، وتصطدم بمادة «الكوليسترول» التي يحملها الدم، وتلتصق معه بجدران الأوعية الدموية القريبة من القلب.
ويضيف د. الصايغ: الواقع أن خلايا «الماكروفاج» هذه تقترب عادة من مادة بروتينية، وهي مادة مسؤولة عن الدهن العالق والمترسب في الشرايين، الذي يسمك جدرانها، وعندما يكون كل شيء على ما يرام، لجهة عمل هذه المادة، تترك خلايا «الماكروفاج» هذا البروتين وشأنه ليتابع عمله، ولكن عندما تصاب هذه المواد البروتينية بعطل أو خلل، تصبح خلايا «الماكروفاج» نفسها، مصدر تهديد خطير، وتتحول عن مهمتها بالمراقبة».
طبيعة الخلل
يكمل الدكتور الصايغ: «إن الأبحاث الطبية انطلقت من هذه النقطة لبدء العلاج، وذلك بالتحري والاستقصاء عن طبيعة الخلل، الذي يحصل على صعيد الكيمياء الخاصة بالجسم ويؤدي إلى تحولات، حيث يلفت إلى أنه لدى بعض الناس، نقائص وراثية تمنع حماية أجسامهم من المادة المدمرة لـ «الكوليسترول».
وقد اكتشف البحاثة منذ سنوات «الجينة» المسؤولة عند ضبط مادة تتحكم بتحليل الدهون في «البروتين» للذكور. وبذلك، فإن تعاطي أي دواء يؤثر على عمل هذه «الجينة»، سيؤثر بالتأكيد على نسبة وجود ترسب الدهون في الأوعية الدموية. وتشير دراسة إلى أن أهم المواقع المؤثرة في الجسم اثنان: الكبد والأمعاء، والنوع الذي تنتجه الأمعاء، أسهل امتصاصاً من قبل أنسجة الجسم، وبذلك فهي لا تبقى في الدم فترة تسمح بتحللها وإصابتها بعطب، فيما يبقى النوع الذي ينتجه الكبد فترة أطول تجعله عرضة للعطب، وبالتالي يخلق إشكالات صحية لجهة العلل الشريانية والقلبية.
تجارب وأبحاث
من هذا المنطلق تتركز نظرية البحاثة، حول تجارب ترمز إلى استعمال طريقة العلاج «الجينة» البروتين التي تنتجها الأمعاء لإيصالها إلى الكبد، على أمل أن تتمكن هذه «الجينة» التي تنتج النوع الأجود من البروتين، من الحلول كبديل عن النوع الأسوأ الذي ينتجه الكبد، وهو الأمر الذي سينعكس بالنتيجة على نسبة ترسب الدهون في الأوعية الدموية فيخفضها ويمكن استعمال هذا العلاج في حالات أولئك المرضى الذين ابتلوا بحالات وراثية من ارتفاع «الكوليسترول» في الدم، حيث يتناقلونها من جيل إلى جيل في العائلة الواحدة.
لكن لا بد من التذكير، بأنه حتى لو اكتشفت علاجات للأمراض القلبية والعلل الشريانية، فإن الأطباء الأخصائيين يركزون على أن الوقاية خير من العلاج، ويدعون لاتباع أسلوب صحي في الحياة اليومية، بالإقلاع عن التدخين والكحول وممارسة الرياضة البدنية، والأهم من ذلك هو الانتباه إلى أنواع الطعام التي تدخل الجسم، حتى لا تتسبب بعض هذه الأنواع بتخلف رواسب تؤدي إلى الأمراض القلبية.
وهنا ينصح بالإكثار من الخضراوات الطازجة ذات الأوراق الخضراء وزيت الزيتون، كعناصر أساسية في الغذاء، تمنع وترد أمراض القلب ما أمكن، وتحد من الإصابات بداء فتاك وقاتل.
ساحة النقاش