الطفل يتكاسل أحياناً ولا يريد أن يبرح سريره
كسل الطفل مشكلة تشكو منها كثير من الأمهات. فقد تلاحظ الواحدة منهن أن ابنها أو ابنتها يميل إلى عدم القيام بعمل ما، أو يبطئ ويحاول أن يجد فرصة للهروب من القيام بمثل هذا العمل، فالأم تحسب أن ظاهرة التكاسل، ظاهرة فريدة يعاني منها طفلها وحده. لكن الحقيقة أن الأعراض التي تراها الأم في ابنها الكسول أو ابنتها الكسلى هي الأعراض نفسها التي تقولها أم أخرى عن ابنها أو ابنتها، هذه هي الحقيقة في معظم الأحوال. الآباء والأمهات يمتلئون بالغيظ والضيق من ظاهرة تكاسل أحد الأبناء والأمهات أكثر ضيقاً وغيظاً. إن الطفل قد يميل إلى التكاسل خصوصاً في الفترة التي تسبق التحاقه بالمدرسة، وقد تزيد درجة تكاسله غالباً في سنوات الدراسة الأولى. كيف تتعامل الأم مع طفلها في هذه الحالة؟
خورشيد حرفوش - تشكو إحدى الأمهات من أن طفلها البالغ من العمر عامه التاسع، يسبب «المتاعب» منذ الصباح، وكل دقيقة فيه مهمة، فكل فرد يرغب في أن يسرع إلى عمله. لكن هذا الطفل يتعمد التكاسل ويتمادى فيه. تدخل الأم حجرته أكثر من مرة تطلب إليه أن يصحو ويغادر السرير. تظل الأم قلقة وهي تعد إفطار الأسرة، إنها تخشى أن يتكاسل هذا الابن عن ارتداء ملابسه، تدخل عليه الحجرة كل دقيقتين حتى تتأكد من أنه ارتدى ملابسه، يعلو صوت الأم بالغضب. تطالبه بأن يكون سريعاً.
يأتي ميعاد تناول الإفطار. فلا يكون الابن قد انتهى من ارتداء ملابسه، إنه يتشاغل عن ارتداء ملابسه بأمر ما، يصل إلى مائدة الطعام لتناول الإفطار بعد أن تكون الأم قد فقدت أعصابها تماماً. إنه لا يشعر بأنه كسول. ويغرق للحظات سارحاً. يتناول طعامه ببطء. تكاد الأم في أثناء كل ذلك أن تفقد كل أعصابها، إنها تخاف أن تفوته سيارة المدرسة، تذكره بذلك يبدو عليه عدم الاكتراث التام. إن إخوته معه في المدرسة نفسها، ولا بد أن يخرج معهم. يبدؤون في الغضب منه والصراخ عليه ليستعجلوه حتى لا يتأخروا عن المدرسة. لا يبدي الطفل أي نوع من الاهتمام قد يخرج بقية الأخوة إلى الشارع، قد تصل عربة المدرسة فعلاً، هنا يمكن أن يفتعل الطفل بعض السرعة ليلحق بإخوته أو بعربة المدرسة.
وعندما يعود من المدرسة يبدأ في «تعذيب» الجميع عند تناول الطعام. إنه يتأخر أيضاً عن الجلوس إلى المائدة. ويتعمد الطفل الكسل في كل ما يفعل حتى عندما تستعد الأسرة للخروج للتنزه أو لقضاء يوم الإجازة. على الطفل في المنزل عمل شيء ما. عليه أن يستذكر دروسه عليه أن يساعد الأسرة في أي عمل، لكنه دائماً يتكاسل. وعندما تستعد الأسرة للخروج فهو أيضاً يتكاسل. وعندما يذهب إلى النوم ليلاً، فهو يتكاسل عن غسل وجهه ويديه وقدميه. وعندما يدخل إلى المرحاض فهو يتباطأ لدرجة أن أكثر من صوت في الأسرة يعلو حتى يخرج. إنه يسبب دائماً الضيق منه بسبب هذا التباطؤ في كل شيء. إنه أيضاً يتخذ من القراءة ستاراً يخفي به كسله. إنه دائماً في صحبة كتاب ما يواجه به هذه المطالب بالإسراع. إنه يهرب إلى الكتاب كمخبأ من المطاردة بالإسراع.
لكن ما هي الأسباب التي تدفع الطفل إلى التكاسل والتباطؤ؟
مشكلة التباطؤ
الأخصائية النفسية ريهام كامل، ترى أن مشكلة التباطؤ تظهر في بعض الأحيان أثناء محاولة الأسرة تدريب الطفل على ضبط التبرز والتبول واستخدام المرحاض. إن الكثير من الأطفال ينتبهون إلى أن عملية تبرزهم في الإناء الخاص بهم أو في المرحاض أمر شخصي. وإن كانت الأم من النوع القلق الذي يحاول أن يتابع دائماً مسألة تبرز الطفل، فإن الطفل قد يقاوم هذه الضغوط بأن يقاوم عملية التبرز لمدة أيام، بل إنه يتعود على ذلك. ويظل يعاند الأمر ويظل يتباطأ ويؤجل عملية التبرز. وتأخذ المسألة شكل عناد دائم، وقد يصبح التباطؤ والتكاسل أسلوباً متعباً في كل سلوكه.
ويظهر أحياناً أخرى الميل إلى التكاسل والتباطؤ عند طفل آخر دون أن يظهر هذا العناد الصريح بينه وبين والدته بخصوص مسألة التعود على الانتظام في عملية التبرز. عادة ما يكون الطفل الذي يميل إلى الكسل أو التباطؤ هو ابن لسيدة ممتلئة بالنشاط، إن ذلك لا يكون سبباً في أي ألوان من المشاكل خلال عام الطفل الأول، لكن بعد أن يتم الطفل عامه الأول أو الثاني، فإن المشاكل بسبب التكاسل تبدأ في الظهور. إن الأم والأب ينتظران من الابن أن يحضر إلى مائدة الطعام في ميعاد الطعام، وأن يقوم هو نفسه بتناول الطعام دون مساعدة أحد، وأن يسير على خطوات الأم وسرعتها نفسها وهو يسير معها إلى مكان ما، إن هذا العمر - عمر العام أو العامين - تكون فيه قدرة الطفل وسرعته بطيئة لأن قدرته على التركيز أيضاً بطيئة. يتشتت ذهنه في مجالات مختلفة.
العناد
تضيف ريهام كامل: «قد تفقد الأم القدرة على الصبر فتبدأ في إصدار الأوامر بلهجة عصبية ويبدأ الطفل في العناد، كما أننا يجب أن ننتبه جيداً إلى أن الطفل في عامه الأول والثاني يبدأ في الرغبة في الاعتماد على نفسه والاستقلال عن والدته. إنه يشعر بأنه قد أصبح من المحتم عليه أن يعلن للجميع أن له «شخصية» وأن له «كرامة» وأن له حقوقاً كإنسان صديق. إن كلمة «لا» هي أسهل الكلمات التي ينطقها في أي مناقشة. إنه يرفض أن يسيطر عليه أحد بشكل مهين للكرامة. كما أنه يحاول أن يصنع كل شيء. إنه يحاول مثلاً أن ينتعل حذاءه بمفرده رغم أنه يفتقد القدرة عملياً على ذلك. وفي بعض الأحيان لا تسعف الطفل القدرة على اللحاق بأمه، وهي تسير مسرعة فيتخلف عنها، عندئذ تحاول الأم أن تنادي الابن، فيقف في مكانه «ويمثل» أنه لا يسمعها، وعندما تعود لتمسك بيديه فقد يحاول أن يبدي استقلاله عنها بأن يجري إلى الخلف. هنا تقع الأم فريسة نفاد الصبر والضيق من تباطؤ الطفل وعناده.
على الأم أن تأخذ المسائل بهدوء أعصاب وبسهولة ولا داعي لأن تظن أن الابن هو آلة ستطيعها طوال النهار والليل. ذلك يجعل الحياة أسهل ويخلص شخصية ابنها من الوقوع في العناد. إن عليها أن تؤكد للابن الإحساس بأنه كائن مستقل وأنها تحترم ذلك، وهذا ما يجعل الفرص التي يظهر فيها الطفل العناد أو التباطؤ قليلة للغاية. فالأم التي تستعمل ذكاءها تستطيع إقناع الطفل بتنفيذ ما تريد، لكن إذا استسلمت الأم إلى الغضب ونفاد الصبر وعدم القدرة على السيطرة على غضبها، فإن هذا الغضب إذا ما واجهت به الطفل، لن يقابله الطفل إلا بالعناد، إن الأم التي تتميز بعدم الصبر وبالرغبة الكاملة في السيطرة على الابن تحاول أيضاً أن تضبط رغبات العدوان التي في أعماقها، هذا النوع من الأمهات هو أكثر الأنواع تعرضاً للضغط على أطفالهن. ولا تدري الواحدة منهن أنها بهذا الإلحاح في الإسراع إنما تنمي في نفس الابن الإحساس بالتباطؤ والتكاسل، وربما تكون الأم من النوع الذي يشعر في أعماقه بضرورة توجيه النقد لكل سلوك الرجال وتختزن في أعماقها رغبة في التنافس مع الرجال، يحدث ذلك نتيجة مشكلات قديمة بينها وبين الأب أو أحد إخوتها الذكور أثناء طفولتها، وهذا النوع من الأمهات يكون سريع التوتر، وتكون أيضاً معرضة لنفاد الصبر مع ابنها».
احترام الواجب
الخبير التربوي الدكتور بنيامين سبوك يرى أن نسبة كبيرة من الأطفال الذين تربوا في أسر تحترم الواجب يحترمون بالطبيعة مواعيد الدراسة ويخافون أن يستنكر أحد أصدقائهم أو زملائهم مسألة التأخير في الذهاب إلى المدرسة، والذي يحدث عادة في حالة الطفل المتباطئ هو أن هناك معركة شبه حربية تحدث في المنزل كل صباح حول مسألة قيامه من النوم، ويدخل فيها الطفل كطرف وتكون النتيجة النهائية هي أن الطفل لا يعثر على فرصة يفكر فيها بضرورة احترامه لمواعيد المدرسة. لكن عندما تتفق الأسرة على أن ينسى الجميع ما فات وأن تكون هناك بداية جديدة وأن يحدث هذا الاتفاق في اجتماع تلتقي فيه الأسرة نحو هدف واحد هو المزيد من الترابط والواعي بين أفرادها، ويمكن للأم أن تحدث ابنها قائلة: «إنني أرى أنه من عدم الحكمة أن أظل في حالة عناد وشجار معك كل يوم بسبب ميعاد قيامك من النوم وقت الذهاب إلى المدرسة، لقد أحسست أن هذا التصرف مني يجعلك تمتلئ بالضيق ولذلك تتعمد التباطؤ، وهذا يرهق أعصابي طبعاً، ولهذا فقد اتخذت قراراً وهو أن يهتم كل واحد منا بعمله، لن أناديك في الصباح إلا مرة واحدة وأترك لك الباقي».
العلاج الحاسم
يوضح الدكتور سبوك أسلوب علاج التكاسل والتباطؤ، ويقول:»لن نكون خادعين لأنفسنا لأن الطفل لن يغير من سلوكه مرة واحدة، فهو لن يقوم من النوم بمنتهى السرعة، كما تتوقع الأم أو الأب في اليوم التالي للاتفاق، إنه سيقضي أياماً يحاول فيها أن يعرف مدى «سيطرته» على نفسه وعلى عمله، سيتكاسل في الأيام الأولى للاتفاق، ولابد هنا أن تحتمي الأم بالصبر وأن يلوذ الأب إلى عالم الأعصاب الباردة، ولابد أن يكون التشجيع للابن مليئاً بالحزم والحنان، ومن أيام الاتفاق الأولى سيلهث الطفل في اللحظات الأخيرة ليضع نهاية لتكاسله. وهذه بداية لا بأس بها على الإطلاق، وإذا فاته ميعاد الدراسة فلا يجب أن تؤلمه باللوم الشديد، بل يكن أن تظهر بعض الفهم له، ذلك أن الهدف هو وضع نهاية لعملية التكاسل والتباطؤ وليس الدخول مع الابن في مباراة عناد جديدة، لأن بعض الآباء والأمهات يجدون لذة كاملة في إظهار مدى تحملهم لمسؤولياتهم أمام الأبناء، فتظل على أفواههم كلمات تعيد تذكير الطفل بمسؤولياته. وتتطلب النقطة الثانية أن يقوم بها أحد الوالدين الذي يتمتع بطاقة أكبر من الصبر، إن المطلوب من الأب الصبور أو الأم الأكثر صبراً أن تدخل إلى الغرفة التي ينام فيها الابن المتباطئ ليدور بينهما أي حوار في فترة الصباح، أثناء الاستيقاظ وارتداء الملابس ولا مانع من أن نتنقل مع الابن من غرفة إلى أخرى ومن مكان إلى آخر. وبشرط أن نتعمد تجاهل هذا التكاسل الذي قد تلمحه من تصرفاته، ولا تترك أعصابها تفلت منها لأن الابن لا يقوم بما يجب القيام به، كأن يتلكأ في غسل وجهه أو يتلكأ في ارتداء ملابسه، المهم هنا أن يشعر الابن أن هناك من معه ومن يصادقه، هنا ستنتهي بالتأكيد وفي معظم الأحيان مسألة تكاسل الابن، وقد يسأل أحد الآباء أو إحدى الأمهات «ألا نستطيع أن نضع جائزة للطفل عندما يسرع في أعماله؟».
ساحة النقاش