روي عن الأصمعي أنه قال: اجتزت بعض سكك الكوفة، فإذا برجل قد خرج من حبس على كتفه جرة، وهو ينشد ويقول:
وأكرمُ نفسي إنني إن أهنتُها وحقلك لم تكرم على أحدٍ بعدي
فقلت له: تكرمها بمثل هذا؟ فقال: نعم، وأستغني عن سفلة مثلك، إذا سألته يقول: صنع الله لك، فقلت تراه عرفني، فأسرعت، فصاح بي: يا أصمعي، فالتفت إليه فقال:
لَنَقْلُ الصخر من قُلل الجِبالِ أحبُّ إليَّ مِنْ مِنَنِ الرجالِ
يَقُولُ الناسُ كَسْبٌ فيه عارٌ وكل العارِ في ذُل السؤالِ
ووفد ابن أبي محجن على معاوية بن أبي سفيان، فقام خطيباً فأحسن، فحسده معاوية وأراد أن يوقعه، فقال له: أنت الذي أوصاك أبوك بقوله:
إذا متّ فادفني إلى جنب كرمـةٍ
تروي عظامي بعد موتي عروقُها
ولا تدفنني في الفــــــلاة فإنني
أخاف إذا ما متّ أن لا أذوقهـا
وقال: بل أنا الذي يقول أبي:
لا تسأل الناس مــــــا مالي وكثرته
وسائل الناس ما جـودي وما خُلُقي
أعطي الحسام غــــداة الرّوع حُصته
وعامل الرمح أرويــــه مــــن العلق
وأطعن الطعنة النجلاء في عـــرض
وزكتم السر فيه ضربـــــة العنــــقِ
ويعلم الناس أني مــــن سراتهــــم
إذا سما بصر الرعديــــــــد بالفرق
فقال له معاوية: أحسنت والله يا ابن أبي محجن، وأمر له بصلة وجائزة.
يقال في المثل "أجْهَلُ من قاضي جُبَّلَ" وجُبَّل مدينة، وهذا القاضي قضى لخصم جاءه وحده، ثم نقض حكمه لما جاءه الخصم الآخر. وفيه يقول محمد بن عبدالملك الزيات:
قَضَى لمخاصمٍ يوما فلمّـــــا أتاهُ خصمه نَفَضَ القضاءَ
دنا منكَ العدوّ وعبتَ عنه فقال بحكمهِ ما كان شاءَ
ابن الرومي:
أذاقتنيَ الأسفارُ ما كَـــــرَّه الغِنَى
إلي وأغراني برفض المطالـــــــبِ
فأصبحت في الإثراء أزهد زاهـــدٍ
وإن كنتُ في الإثراء أرغبُ راغــب
حريصاً، جباناً، أشتهي ثم أنتهي
بلحظي جنابَ الرزق لحظ المراقب
ومن راح ذا حرص وجبن فإنـــه
فقير أتاه الفقر من كــــــل جانبِ
تنازعني رَغْبٌ ورهب كلاهمــــا
قويٌ وأعياني اطــــــّلاع المغايب
ساحة النقاش