جانب من مقتنيات متحف نافارا بإسبانيا 

 

أحمد الصاوي

رغم أن بنبلونة، التي تتمتع بحكم ذاتي، وتقع شمال إسبانيا، كانت على عداء مع الممالك الإسلامية في الأندلس، وتعرضت لهجمات بين الفينة والأخرى من جيوشها فإنها لم تهمل ما آل إليها من منتجات الفنون الإسلامية؛ فقامت إدارة نافارا بعرضها بكل عناية في متحفين مهمين بها هما متحف نافارا في بنبلونة، ومتحف دي توديلا التابع لأبرشية تلك البلدة، يضمان أنماطا من الفنون الإسلامية التي تقدم تصويرا دقيقا لحياة ملوك الأندلس.

كانت النواة الأولى لمتحف نافارا مجموعة من الصناديق التي جمعت بها تحف من مبان دينية وحكومية وقصور أيضا في عام 1844م، وتم افتتاح المتحف للجمهور في عام 1910م ليكون أول متحف بالمقاطعة. ومنذ عام 1940م تولى أمير معهد فيانا مهمة حماية واستعادة التراث الأثري والفني لنافارا، وبدأت مقتنيات المتحف في النمو، واحتل مكانه الحالي في عام 1956م، وهو في الأصل مستشفى ابن سيدة الرحمة القريب من السور القديم في الركن الشمالي الغربي من بنبلونة، ويعود بناء المستشفى للقرن السادس عشر الميلادي.

تجديدات شاملة

جرت عدة تحسينات في المتحف بدأت بتجديدات شاملة افتتحتها الملكة صوفيا في عام 1990م، ثم أعيد افتتاح قاعة ما قبل التاريخ في عام 2011، بعد إجراء تعديلات معمارية أزيلت بتنفيذها بعض الجدران ورافق ذلك تجديد العرض المتحفي وزيادة أعداد المقتنيات بفضل نشاط بعثات التنقيب الأثري في العقدين الأخيرين.

ويمتلك المتحف مركزا فنيا مرموقا لترميم وحفظ المقتنيات الأثرية والفنية، ويتبع سياسة دقيقة لصيانة تلك المقتنيات، كما يملك مكتبة ضخمة، ويقيم عدة معارض سنوية وأنشطة تثقيفية مختلفة.

والمتحف الثاني يتبع أبرشية دي توديلا، ويقع في قصر العميد الملحق بالكاتدرائية ومبنى المتحف أثر تاريخي حيث كان جزءا من قلعة شيدت في القرن الخامس عشر الميلادي، ثم تم إصلاحه علي يد بيدرو دي دون فيالون أشهر عمداء تيودلا في القرن 16م، وبقي القصر موضع اهتمام كبير لنزول الملوك والباباوات به أثناء مرورهم بالمدينة وخاصة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.

وتحتل المقتنيات الفنية التي أنتجت بالأندلس مكانة مهمة بين مختلف المجموعات التي تعرض بالمتحفين باعتبارها جزءا من الإرث الوطني لإسبانيا، وهي تضم معروضات عصور ما قبل التاريخ والعصر الروماني ومعروضات فترة النهضة.

ويعتز متحف نافارا في بنبلونة باقتنائه صندوقا من العاج يعد درة مقتنيات هذا المتحف من الأعمال الأثرية والفنية. وتبلغ أبعاد الصندوق 38,4 سم طولا و23,7 سم عرضا و23,6 سم ارتفاعا ويأخذ غطاء الصندوق شكلا منشوريا مميزا. ويعد من أجمل العلب العاجية التي أنتجت في فترة الخلافة الأموية الغربية بالأندلس وهو حافل بالزخارف المحفورة التي تضم كتابات كوفية ومناظر تصويرية على أرضية من زخارف التوريق العربية «الأرابيسك» وقد نفذت جميعها بأسلوب الحفر البارز.

نص كتابي

يدور النص الكتابي حول قاعدة غطاء العلبة وقد سجل به «بسم الله بركة من الله وغبطة وسرور، وبلوغ أمل في صالح عمل، وانفساح أجل للحاجب سيف الدولة عبد الملك بن المنصور، وفقه الله مما أمر بعمله على يدي الفتى الكبير زهير بن محمد العامري مملوكه سنة خمس وتسعين وثلاثمائة». ولهذا النص أهمية تاريخية كبرى فهو يشير إلى عبدالملك بن المنصور بن أبي عامر، وقد شغل والده المنصور وظيفة حاجب الخليفة الحكم المستنصر، ثم ابنه الخليفة هشام المؤيد وهو بالمصادفة التاريخية الرجل، الذي أذاق ملوك بنبلونة مرارة الهزيمة غير مرة طيلة فترة تحكمه في عرش خلفاء قرطبة.

والشخصية الثانية في هذا النص الفتى زهير وهو من مماليك الصقالبة «السلاف» الذين كانوا صفوة جيوش المنصور وولده من بعده ولهم دانت المدن والجزر في أعقاب سقوط دولة الخلافة بقرطبة وكان يقال لهم الفتيان.

وإلى جانب هؤلاء حرص الصانع الذي كان يمتلك ورشة كبيرة لعمل علب العاج للطبقة الارستقراطية الأندلسية على أن يسجل توقيعه الذي جاء على هذا النحو «عمل فرج مع تلامذته».

وتعكس المناظر التصويرية المحصورة داخل مناطق مفصصة بعضا من أوجه النشاط في البلاط الأموي مثل مناظر الصيد والقنص ومناظر الطرب والشراب.

فنشاهد على الغطاء رسوم افتراس أسود لغزلان أو وعول ورسوم لفرسان يحملون صقور الصيد أو يطعنون وحشا برماحهم الطويلة.

أما أوجه الصندوق فأهم ما بها مناظر لأنشطة البلاط الداخلية منها حفر يمثل شخصية مهمة تحتسي الشراب، وقد وقفت جاريتان عن اليمين واليسار واحدة تحمل محفة والأخرى قنينة شراب، وهناك حفر آخر لمنظر طرب به جارية تعزف على العود واثنتان تعزفان بالمزمار. ومن المعروف أن قرطبة كانت راعية فن صناعة تلك العلب، التي كانت تهدى لسيدات القصر لحفظ الحلي والأمتعة النسائية النفيسة.

أدوات التزين

من مقتنيات المتحف التي تعود للفترة الإسلامية بالأندلس مشط من الخشب، وهو بحالة جيدة ويتميز بأن له صفين من الأسنان في الجهتين أحدهما تتسع المسافات فيما بين الأسنان بينما تضيق بشكل دقيق في الجانب الثاني، ويفصح هذا المشط عن دقة التحف التطبيقية الأندلسية وريادتها والاهتمام الكبير الذي أولته الحضارة الإسلامية لمنتجات التزين والنظافة الشخصية، وخاصة تلك التي تخص النساء.

أما متحف دي توديلا فيمتلك العديد من التحف الإسلامية، ومن أبرزها طبق من الخزف ذي البريق المعدني تم إنتاجه في فترة سيطرة المرابطين على الأندلس، ولا يتجاوز قطر هذا الطبق 35 سم، ولكنه يعكس روحا إسلامية ذات صبغة أندلسية واضحة، ففي قاع الطبق رسم لأسدين متواجهين وقد رسما بطريقة اصطلاحية تذكرنا بالأسود التي نراها في رسوم ملوك أوروبا في عصور الإقطاع، ويفصل بين الأسدين فرع نباتي ينتهي بثلاث ورقات نباتية كبيرة، ويلي ذلك نطاقان من البريق الذي رسمت به أفرع نباتية متموجة يفصل فيما بينهما إطار من كتابات نفذت بلون البريق المعدني الذهبي، وهي عبارة عن كلمات بالخط الكوفي المغربي، ولكنها ذات طابع زخرفي محض إذ لا يمكن قراءتها، وهو ما دفع بعض العلماء للاعتقاد بأن ذلك الطبق قد أنتج في فترة لاحقة لخروج الموحدين من الأندلس عندما أخذت الممالك الإسلامية تسقط تباعا في أيدي ملوك النصارى الإسبان، ومن المعروف أن الصناع المسلمين الذين أجبروا على إظهار التنصر ظلوا يقومون بإنتاج التحف الإسلامية زمنا وتعرف أعمالهم إجمالا بالفن المدجني نسبة لإخفائهم عقيدتهم وقد شاعت في أعمالهم الحروف العربية كعنصر زخرفي من دون دراية بحقيقة النطق الفعلي لتلك الكلمات، التي جاءت بلا معنى فليس لها من العربية سوى الرسم.

نافارا جغرافيا

يقع إقليم نافارا في شمال إسبانيا، ويحده من الشمال فرنسا ومن الجنوب منطقة لا ريوخا، ومن الشرق والجنوب الشرقي منطقة أراغون، ومن الغرب إقليم الباسك، ومدينة بنبلونة، هي عاصمة هذا الإقليم الذي يتمتع بالحكم الذاتي.

 

المصدر: الاتحاد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 148 مشاهدة
نشرت فى 12 فبراير 2013 بواسطة alsanmeen

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,305,316