أكد علماء الفقه الإسلامي أن التحايل على الناس بعرض سلع تجارية وبأوصاف كاذبة توهم المستهلك بالشراء على الغرر محرم شرعاً، وقد انتشرت بصورة كبيرة هذه الأيام دعايات وإعلانات في الفضائيات وعلى صفحات الـ»فيس بوك» ومواقع «النت» وبعض الملصقات الإعلانية تروج لسلع تجارية بأوصاف على غير الحقيقة وماركات لسلع على غير الواقع، وتستخدم فيها الحيل مما كان له أثر سيئ في المجتمعات الإسلامية التي تعتبر هذا نوعاً من التدليس والغش التجاري.
أحمد شعبان - عن رأي الشريعة في المعاملات التجارية، يقول عضو لجنة الفتوى بالأزهر فضيلة الشيخ عادل عبدالمنعم أبو العباس: «أهتم فقهاء الإسلام بكل صغيرة وكبيرة تتعلق بالمعاملات بين البشر وبينوا من خلال حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - إن «الحلال بين والحرام بين وبينهما مشتبهات» ووضعوا بابا في الفقه سموه بباب الحيل وقسموه إلى أقسام تدل على فقههم وفهمهم لنصوص الكتاب والسنة فعندما أقسم أيوب - عليه السلام - أن يضرب امرأته مئة ضربة جاء القرآن حاكياً الجمع بين عدم الحنث باليمين وتنفيذ ما طلبه في قسمه، فقال تعالى: (وخذ بيدك ضغنا فاضرب به ولا تحنث إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب)، فجمع نبي الله أيوب مئة سوط وربطها حزمة واحدة وضرب امرأته ضربة واحدة فتم له مراده ولم يحنث في يمينه فكان ذلك من باب التخفيف بالحيلة».
الحيل الممنوعة
وأضاف: لكن الفقهاء وجدوا أن الحيل منها ما يشتغله الناس على غير حقيقته هروباً من الحكم الشرعي، فجعلوه في باب الحيل الممنوعة التي تصل بالمرء إلى حد الحرام، وذلك كتغليف الرشوة في صورة هدية، وهذا أيضاً ما رصده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عندما رأى من عامله على الزكاة ما يشبه الحيلة لاستحلال الأموال لنفسه عندما جاء إليه، وقال يا رسول الله هذا لكم وهذا أهدى إليّ، فقال - صلى الله عليه وسلم - بعد أن غضب غضباً شديداً: «نبعث الرجل منكم ليجمع الزكاة فيأتي، فيقول هذا لكم وهذه أهديت إلى فهلا جلس في بيت أبيه أو بيت أمه فيرى أيهدي إليه أم لا؟».
وأشار إلى أن الإعلان أصبح فناً قائماً بذاته وعلماً يدرس في والجامعات، وهذا يوجب بأن يكون القائم على تدريسه تقياً عالماً بأحكام دينه حتى لا يتحايل على الناس من أجل مال زائف ومن أجل أوصاف كاذبة توهم المشتري بالشراء على الغرر ومعلوم أن صفة البيع ينبغي أن تكون ظاهرة لا تحمل تدليساً ولا غشاً تجارياً وإلا انقلبت إلى حرام مطلقاً وقد بين تاريخنا أن الإسلام لم ينتشر بخطب الخطباء ولا بمواعظ الوعاظ، وإنما انتشر بالتاجر الصدوق الذي يعلن عن سلعته بأن هذه القطعة بعشرة جنيهات، وهذه بخمسة حتى يقول له المشتري إني لا أرى بينهما فرقاً، فيقول له التاجر هذه بخمسة لأن فيها خرقاً أو عيباً في هذا المكان، فيجعل المشتري يسأل أي دين هذا الذي قام على المصارحة لا على الغش والخداع؟.
إثم وعدوان
وحذَّر من بعض وسائل الإعلام التي يشتكى من أغلب إعلاناتها جمهور المشترين لأنهم خدعوا بأوصاف ليست موجودة في الأصل، بل كانت الرداءة هي الأصل، ما يوحي بأن الذين اشتركوا في التدليس على المشتري مجموعة من البشر منهم صاحب السلعة ومعدو الإعلان والمعلن والمخرج وكل من ساهم في التعاون على الإثم والعدوان.
وحول ضرورة الحذر من هذه الحيل، أوضح أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر الدكتور أحمد محمود كريمة أن باب الحيل دقيق وعميق والحذر فيه مطلوب ولا يفتي فيه إلا الفقهاء الراسخون؛ لأنهم أدرى بالمشروع وغير المشروع.
وأشار إلى أن العلماء في العلوم التراثية الموروثة والأبحاث المعاصرة اعتنوا بموضوع الحيل بمؤلف مستقل أو بباب أو فصل في مؤلفه فالإمام البخاري أفرد كتاباً في صحيحه وترجم له باسم «كتاب الحيل» وللإمام ابن تيمية كتاب «بيان الدليل على بطلان التحليل» وللإمام ابن القيم في كتابه «إعلام الموقعين عن رب العالمين» وللإمام الشاطبي في «الموافقات» ولغيرهم كلام عن الحيل إثباتاً أو نفياً.
وعرف الدكتور كريمة الحيل بأنها تعاريف تدور حول الوصول إلى مقاصد بوسائل معينة وأن الحيل ظهرت من عصر التابعين وينسب إلى بعض علماء الحنفية أنهم تكلموا في الحيل وقد اختلفت كلمة العلماء في جوازها من عدمه ولعلّ القول بالجمع بين أدلة المجوزين والمانعين أولى من ترجيح أحدهما على الآخر ويظهر هذا في الضابط العام الذي يكمن في المقاصد، وهي معتبرة في التصرفات، فمن كان قصده في الحيل مشروعاً لنصرة مظلوم أو أخذ حق ثابت له وهو عاجز عن أخذه إلا بحيلة كمن سرق منه شيء وعجز عن أخذه إلا بحيلة كأن يسترده في الخفاء ومن أكره على التلفظ بكلمة كفر - والعياذ بالله - وكان قلبه مطمئناً بالإيمان واستعمل الطريق الظاهر المخالف لباطنه حتى ينقذ حياته من هلاك محقق فهذا مقصد سليم شرعي.
الأرباح
وحول الأرباح الناشئة عن الخداع يقول أستاذ أصول الفقه بجامعة أم القرى بمكة المكرمة الدكتور شعبان إسماعيل: الصدق في المعاملات سبب للخيرات ومفتاح للبركات ويوصل إلى أعظم الدرجات يوم المآب قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم: «التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء» ونصوص الشرع تضافرت على قول الحق والصدق في المنفعة للنفس والآخرين قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) «سورة التوبة الآية 119»، وقوله تعالى: (ليجزي الله الصادقين بصدقهم) «سورة الأحزاب الآية 24».
وأكد أنه يجب على التاجر والمستثمر فرداً أو شركة الإخبار بحقيقة السلعة وعدم وصفها بأوصاف كاذبة أو الدعاية لها بدعايات خادعة من الغش والتمويه والخداع وعدم الحلف الكاذب لترويجها وعدم التحايل لترويج الرديء وهذه المخالفات تقود فاعلها للكسب الخبيث في الدنيا لقوله - صلى الله عليه وسلم-: «البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما».
وأشار إلى أن الدين الحق يحرم الترويج للسلع بالكذب والثناء الباطل بما ليس فيها ومعلوم أن الكذب خصلة من خصال النفاق ويتأكد تحريمه بتسببه في إلحاق الأذى بالناس ووردت نصوص شرعية محكمة تدل على شناعته في الأنشطة التجارية خاصة لما فيه من أكل أموال الناس بالباطل ومن ذلك وعيد شديد قال النبي - صلى الله عليه وسلم-: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم رجل حلف على سلعة لقد أعطى بها أكثر مما أعطي، وهو كاذب ورجل حلف على يمين كاذبة بعد العصر ليقتطع بها مال امرئ مسلم ورجل باع حرا وأكل ثمنه».
ساحة النقاش