قالت مصادر لـ"العرب" إن الرئيس الإيراني أحمدي نجاد خرج محبطا بعد لقائه بشيخ الأزهر أحمد الطيب الذي قابله بخطاب واضح ودقيق تجاه سياسات إيران في المنطقة.
وأشارت المصادر إلى أن نجاد كان يأمل من خلال لقائه بشيخ الأزهر أن يمتص حالة الغضب القصوى التي تجتاح الشارع العربي والإسلامي بسبب المواقف الإيرانية، وأن يتلقى من أحمد الطيب عبارات مجاملة يمكن له توظيفها في خطابه الدعائي عن التقارب بين المذاهب، وليقول للإيرانيين إنه خرج من الأزهر منتصرا.
لكن رد شيخ الأزهر كان قويا، فقد طالب بإعطاء أهل السُنة والجماعة في إيران حقوقهم الكاملة باعتبارهم مواطنين، ووقف "المدّ الشيعي"، بالإضافة إلى "استصدار فتاوى من المراجع الدينية تُجرِّم وتُحرِّم سب السيدة عائشة والصحابة الكرام أبي بكر، وعمر، وعثمان، والإمام البخاري، حتى يمكن لمسيرة التفاهم أن تنطلق".
كما طالبه بـ"احترام البحرين كدولة عربية شقيقة، وعدم التدخل في شؤون دول الخليج"، مجدِّداً رفضه لما سمّاه "المدّ الشيعي في بلاد أهل السُنّة والجماعة".
ويقول متابعون إن طهران تسعى إلى إبعاد الشبهات عن رعاية عمليات التشيع السرية التي تقول تقارير كثيرة إنها غزت دولا في شمال أفريقيا بشكل منظم، وأن أذرع إيران المختلفة تضخ الأموال بشكل كبير لاختراق الدول الإسلامية عبر شبكات التشيع.
من جانبها، أعربت الدعوة السلفية بمصر أمس عن مخاوفها من "تجاوز الغرض المعلن" من زيارة نجاد للقاهرة "أي المشاركة في القمة الإسلامية"، مطالبة مرسي بضرورة مواجهته بملف سوريا، و"اضطهاد" السنة في إيران، ومنعه من زيارة المساجد التي "يدعي الشيعة ملكيتها".
لكن المتابعين يحذرون من تداعيات الخطاب ذي النزعة الطائفية على المنطقة التي تحتاج إلى منطق المصالح المتبادلة.
واهتزت صورة إيران في المنطقة بسبب دعمها للغزو الأميركي للعراق، الذي تحول في ما بعد إلى غزو إيراني عن طريق الأحزاب الدينية التي أصبح همها الأساسي خدمة أجندة طهران في العراق.
وازدادت الصورة اهتزازا بسبب موقف طهران مما يجري في سوريا ووقوفها وراء نظام الأسد ضد الاحتجاجات المطالبة بالحرية ومقاومة الفساد قبل أن يتحول المشهد إلى معركة عسكرية مفتوحة حاز فيها الأسد دعم طهران عن طريق المال والسلاح والخبراء العسكريين والمقاتلين.
وحل الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد بمصر أمس في أول زيارة يقوم بها رئيس للجمهورية الاسلامية منذ قيام ثورة 1979، وذلك للمشاركة في فعاليات القمة الإسلامية وسط حفاوة بالغة من الرئيس محمد مرسي الذي كان بانتظاره فور هبوطه من الطائرة بمطار القاهرة.
ولم تكن زيارة نجاد ممكنة خلال حكم الرئيس المصري السابق حسني مبارك بسبب تداعيات اغتيال سلفه السادات عن طريق خالد الإسلامبولي الذي احتفت إيران بما قام به وحولته إلى بطل.
ويقول مراقبون إن ردود الفعل الرافضة لزيارة نجاد كانت بمثابة المقياس لوزن إيران بالمنطقة ولواقع علاقاتها مع محيطها العربي الإسلامي، وأن "ثورات الربيع العربي" زادت في توسيع الفجوة بين طهران والشعوب.
ويؤكد هؤلاء أن ثمة رغبة لدى دول إسلامية في أن تكون علاقاتها جيدة مع إيران شريطة أن تتخلى الأخيرة عن حلم "تصدير الثورة" الذي تحول إلى مبرر للتدخل في الشؤون الداخلية لبعض الدول، وخاصة دول الجوار الخليجية.
بالتوازي، يلفت المحللون إلى أن زيارة نجاد من المتوقع أن تزيد في حجم الضغوط المسلطة على الرئيس مرسي الذي يسعى للسير على مختلف الحبال كعادة الإخوان، فتارة يبدو كأنه مع أميركا ودول الخليج، وتارة أخرى يبدو كأنه مع إيران.
وبينما كان مرسي يستقبل نجاد بالأحضان في حركة توحي برغبة في إقامة علاقات ثنائية قوية، كان وزير خارجيته محمد كامل عمرو يسعى لطمأنة دول الخليج على أن التقارب بين القاهرة وطهران لن يُجرى على حساب أمن هذه البلدان.
وقال عمرو "أمن دول الخليج بالتحديد هو خط أحمر لها ولن تسمح بالمساس به أبدا"، مؤكدا أن "أمن دول الخليج هو أمن مصر".
ويشير المحللون إلى أن رهان الإخوان على طهران لن يكون ذا قيمة، خاصة أن الإيرانيين عُرفوا بقطع العهود دون الإيفاء بها، فضلا عن الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تهز البلاد في ظل العقوبات الدولية.
وكانت تقارير سابقة قد كشفت عن إغراءات إيرانية لحكومة الإخوان تقوم على تنشيط سياحة مزارات أهل البيت، والتلويح بترفيع عدد السياح إلى 10 ملايين زائر إيراني.
وهي إغراءات يقول هؤلاء المحللون إنها غير ذات قيمة قياسا بالدعم الخليجي أو المساعدات الأميركية التي ما تزال معطلة بانتظار توضح سلوك الإخوان السياسي.
ويضيف هؤلاء أن المصريين لا ينتظرون من مرسي أن يبني التحالفات الأيديولوجية الحالمة، إنّما ينتظرون منه توفير التمويلات والمشاريع التي تحد من البطالة والفقر، وتوفر في حدها الأدنى رغيف العيش.
ويلفت المحللون إلى أن ما يهم المعارضة المدنية والليبرالية، التي تتظاهر باستمرار ضد "حكم المرشد"، هو منع استقواء مرسي بأي جهة خارجية بشكل يمكنه من التمادي في أسلوب فرض الأمر الواقع واستصدار القرارات التي تؤدي إلى "أخونة الدولة".
ساحة النقاش