سعاد حسني كانت عميلة وفاتن حمامة هربت من التجنيد
بقلم : د . سمير محمود قديح
باحث في الشئون الامنية والاستراتيجية
يروي الوزير المصري فؤاد نصار روايات من قمة جهاز الاستخبارات في مصر يجب التوقف عندها كثيرا لأنها بمثابة قنابل تاريخية مفخخة وليست مجرد مانشيتات صحافية للإثارة فهو يعترف أن الفنانة الراحلة سعاد حسني الملقبة بسندريلا الشاشة العربية كانت مجندة لحساب الاستخبارات المصرية. وهي الرواية التي يؤيدها ابن المرحوم صلاح نصر رئيس الاستخبارات المصرية الأسبق. بل يضيف أن والده قال له: سعاد كانت عميلة فاشلة.
تعيد شهادتا اللواء نصار ود. هاني صلاح نصر نبش قبور الحقيقة حول تجنيد الفنانات والغرض منه وأي أسرار حصلوا عليها؟ وهل كان اشتراك المرحومة سعاد حسني في أعمال استخباراتية وحملها رتبة وراء نهايتها الغامضة من شرفات لندن عاصمة الضباب؟ ومن المستفيد من قتلها بهذه الصورة وهل كانت لديها أسرار على مستوى من الخطورة تجعلها على قائمة المطلوب تصفيتهم. ومن يصدق هذا وعمليا المعروف أن مصر لا تستعمل تلك الأساليب القذرة في التصفية التي يستعملها الموساد الاسرائيلي وبعض الأجهزة الاستخباراتية العربية. ولماذا صبر عليها أي جهاز حتى أصبحت مريضة بمرض النهاية تنتظر الموت في أي لحظة. وعبورا فوق رواية الوزير نصار عن سعاد حسني فإنه يلفت الانتباه لقضية خطيرة وهي أنه في فترة رئاسته للأجهزة الاستخباراتية لم يقم بتسليم شخص مدان بالتجسس أو تخفيف الحكم عليه بناء على صفقات سياسية. فقد كان فؤاد نصار أكثر صراحة وجرأة وشجاعة لو قام الرئيس السادات بعمل كهذا، متخطيا جهد الرجال في قلعة الأسرار لصالح مائدة المفاوضات. ولكن هناك رواية أخري لم يذكرها اللواء فؤاد نصار أو رفض نسبتها إليه باعتباره رجل قوات مسلحة ولم يكن سياسيا وقت القضية. وهذه الرواية رددها لي أكثر من رجل استخبارات سابق وهي أنه عندما وصل هنري كيسنجر وزير الخارجية الأميركي وقتها لمقابلة الرئيس السادات في أسوان في أول زيارة له إلى مصر بعد حرب أكتوبر.. حمل معه طلبا من غولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل بتخفيف الحكم على هبة سليم. وتنبه الرئيس السادات الذي يعلم بتفاصيل التحقيقات مع الفتاة وصدور الحكم بإعدامها.. الى أنها ستصبح مشكلة كبرى في طريق السلام. فنظر الى كيسنجر قائلا «تخفيف حكم؟.. ولكنها أعدمت.. !!».
دهش كيسنجر وسأل الرئيس: متي..؟ ودون أن ينظر لمدير المخابرات الحربية قال السادات كلمة واحدة: «النهاردة»وفعلا..تم تنفيذ حكم الإعدام شنقاً في هبة سليم في اليوم نفسه في أحد سجون القاهرة. أما الضابط العاشق المقدم فاروق عبد الحميد الفقي فقد استقال قائده من منصبه لأنه اعتبر نفسه مسؤولا عنه بالكامل. وعندما طلبت منه القيادة العامة سحب استقالته رفض بشدة وأمام إصرار القيادة على ضرورة سحب استقالته.. خاصة والحرب وشيكة.. اشترط القائد للموافقة على ذلك أن يقوم هو بتنفيذ حكم الإعدام في الضابط الخائن. ولما كان هذا الشرط لا يتفق والتقاليد العسكرية.. وما يتبع في مثل هذه الأحوال.. فقد رفع طلبه إلى وزير الدفاع «الحربية» الذي عرض الأمر على الرئيس السادات «القائد الأعلي للقوات المسلحة» فوافق فوراً ودون تردد.
وهذه الرواية نؤكد ما قاله لي اللواء فؤاد نصار من رفض مصر تسليم أي عميل لإسرائيل طوال فترة رئاسته للمخابراتولإسرائيل أن تدعي كما تشاء وتكذب كما يحلو لها بالطبع هناك عملاء لكن لم نسلم أيا منهم.
سعاد حسني
ويفجر اللواء فؤاد نصار قنبلة لم يتوقعها أحد وظلت صاحبة هذا اللغز تنفيه طول حياتها للمقربين منها وللإعلام الذي كان يحاصرها حتى لقت مصرعها في لندن عاصمة الضباب في ظروف غامضة وتأجج السؤال الغامض من قتلها؟
إنها الفناة سعاد حسني سندريلا السينما المصرية التي كشف اللواء نصار بحكم كونه مسؤولا سابقا عن قمة الأسرار في مصر أنها كانت مجندة لحساب المخابرات المصرية هي وبعض الفنانات أيام صلاح نصر رئيس الاستخبارات العامة الأسبق وهذا كان أسلوباً من الأساليب التي تتبعها المخابرات للحصول على معلومات من الشخصيات التي تميل تجاه السيدات، فكانت المخابرات تأتي بهن وتوصلهن بهذه الشخصيات ليجلسن معهم ويدخلن غرفهم ويسجلن لهم وبهذا يكون معنا سلاح ضد هذه الشخصيات خاصة الشخصيات العربية. وكان ذلك بعد فترة قصيرة من اعلان الفنانة الراحلة عزمها كتابة مذكراتها.
وكلام اللواء فؤاد نصار عن تعاون الفناة الراحلة سعاد حسني مع الاستخبارات المصرية يؤيده ابن صلاح نصر شخصيا وهو د. هاني الذي يقول: سعاد حسني تم تجنيدها في جهاز المخابرات بالفعل وكان والدي يرى أنها عميلة مخابرات خايبة وأنها لم تكن تؤدي المهام التي أوكلت إليها بكفاءة لأنها كانت تهتم بحياتها الشخصيةورغباتها أكثر من المهام الموكلة إليها».
وما ذكره اللواء نصر ود. هاني صلاح نصر يفتح الباب للكثير من التساؤلات حول طبيعة العمل الذي كانت تقوم به السندريللا الراحلة وسر الاستعانة بها وغيرها في تلك الفترة الحساسة والخطيرة من تاريخ الأمة العربية «حقبة الستينيات» فهل تم تجنيدها مثلا للقيام بمهام وطنية اي إحضار معلومات عن المخططات الإسرائيلية عن طريق قادتهم كما ذهب البعض ام تم تجنيدها بهدف الدفع بها في طريق بعض القادة والمسؤولين المصريين والعرب ممن كانت تدور شكوك حول وطنيتهم بهدف التعرف على حقيقة مواقفهم كما ذهب آخرون؟. وكما أشار الناقد طارق الشناوي تعليقا على ما ذكره فؤاد نصار أنه تم استقطابها لتكون بمثابة العين على زملائها في الوسط الفني.
محاولات استقطاب
وبوضوح أكثركما يقول الشناوي إن أغلب النجمات تعرضن في عهد صلاح نصر رئيس جهاز المخابرات الأشهر لمحاولات الاستقطاب أو التجنيد لكي يصبحن بمثابة العيون على بعضهم البعض خصوصا في السهرات الفنية الخاصة حيث لا توجد تحفظات وما في القلب يبوح به اللسان ومن هنا مورست ضغوط عنيفة على سعاد حسني وقت أن كانت ملكة متوجة على عرش السينما فقال عنها قديماً الكاتب والشاعر كامل الشناوي: إن الأكواب الفارغة تتصارع على شفتيها عندما كانت تطلب كوبا من الماء. الا أنها ورغم كل هذه الضغوط على حد وصف الشناوي لم تتورط ولم تدل بأي معلومات عن أصدقائها.
والغريب في الأمر وبعيدا عما قاله طارق الشناوي او عما ذهب اليه ان أحمد الهوان الشهير بجمعة الشوان الذي جنده جهاز المخابرات لإحضار معلومات مهمة وخطيرة من قلب إسرائيل وحقق نجاحا دفع المسؤولين لتقديم مسلسل شهير عنه بعنوان «دموع في عيون وقحة» جسد شخصيته فيه عادل إمام وحقق نجاحا في مطلع الثمانينيات.. الشوان عاد من جديد ليؤكد أنه تزوج من السندريللا الراحلة «عرفياً» وعاشا معا ثمانية شهور كاملة في شقة مفروشة قام كما يقول استأجرها بشارع قصر النيل ولم تغضب أبدا من كثرة سفرياته الوطنية.
إذن وباختصار شديد ان سعاد كانت تعرف طبيعة مهمته السرية وأيضا هو كان يعرف طبيعة عملها بجهاز المخابرات أي فنانة لها رتبة في الجهاز وبطل يعمل لحساب نفس الجهاز؟ فهل يكفي هذا لحل لغز التعارف والزواج بينهما؟.
وبالعودة مرة ثانية لما قاله طارق الشناوي بأن اغلب النجمات تعرضن في عهد صلاح نصر لمحاولات الاستقطاب او التجنيد باستثناء فنانة واحدة كما يقول وهي هند رستم التي أشارت وبوضوح الى أنه لم يسع أحد لاستقطابها أو الضغط عليها ويتشابه كلامها هذا مع ما قالته فنانات أخريات مثل نيللي التي كانت في أوج جمالها وشبابها في حقبة الستينيات إلا أنها كما قالت لم تتعرض لأي ضغوط من أي نوع بخلاف ما حدث مع سيدة الشاشة فاتن حمامة التي حاولوا معها تماما كما قال زوجها الأسبق الفنان العالمي عمر الشريف في أكثر من حوار ما دفعها للهروب لبيروت وأعادها جمال عبد الناصر بنفسه عن طريق الكاتب الراحل سعد الدين وهبة رئيس اتحاد الفنانين العرب.
حسني مبارك
كانت علاقتي بالرئيس حسني مبارك طيبة منذ كان قائدا للقوات الجوية وكنت مديرا للاستخبارات الحربية، بعد حرب أكتوبر عندما كان نائبا للرئيس الراحل أنور السادات. وقد رويت كيف أبلغني مبارك بقرار تعييني رئيسا للاستخبارات العامة قبل اعتقالات سبتمبر 1981. وقد أشدت في مواضع من ذكرياتي بدور الضربة الجوية المهمة في حرب أكتوبر 1973 بقيادة اللواء حسني مبارك وقتها.
وقد عملت معه في الفترة من عام 1981 الى عام 1983 كرئيس للاستخبارات العامة في بداية حكم الرجل. وأثناء ذلك سافرت لدول كثيرة في مهمات رسمية منها السعودية والاردن والعراق وسلطنة عمان ولم أكن التقي الا نظرائي من قادة الاستخبارات ماعدا مقابلتي للرئيس العراقي صدام حسين. حيث كانت الحرب الايرانية العراقية تشغل بال الدول العربية وتمثل هاجسا كبيرا لها بين الخطر الايراني ومغامرات صدام حسين.
العرض العسكري
وأتذكر يوم العرض العسكري الشهير 6 أكتوبر1981 أنه لم يكن هناك توقع بالمؤامرة لكن كان هناك تخوف من أن تتم محاولة الاغتيال وهذا ما دفعني لشراء قميص واق للرصاص من أميركا للسادات ليرتديه عند العرض لكنه رفض، وقال ما يريده الله سيكون فعندما حدث إطلاق النار أصابت الرصاصة رقبة السادات فسقط على الأرض فورا وقمنا بالانبطاح جميعا حتى لا نتعرض للرصاص، وذلك لأنهم كانوا يريدون القضاء على كل النظام ورموزه. وقد فكرت آنذاك فورا في أنه لابد من حماية النائب حسني مبارك والحفاظ على حياته فطلبت من مساعدي المخابرات أن يأخذه بعد هدوء الطلقات النارية إلى أي مكان آخر بعيد، وبالفعل فوجئ حسني مبارك بهذا الشخص الذي يحاول إحاطته والخروج به فقال له أنا من المخابرات ومكلف من قبلي بأن يحمله للمكان الذي يريده، فطلب أن يذهب لمستشفى المعادي حيث نقل الرئيس السادات وذهبت أنا إلى المكتب لدراسة ما يمكن أن يحدث في حال وفاة السادات.
وأقول للتاريخ : إن الرئيس مبارك كان رافضا لفكرة اعتقال جميع التيارات في نهاية حكم السادات، واعتقد أنه استفاد كثيرا من هذه التجربة وغيرها من التجارب التي حدثت أثناء وجوده كنائب للرئيس وأذكر انه كان ينتقد السادات لأنه يستغل عدم انعقاد مجلس الشعب ويصدر قرارات جمهورية دون موافقة المجلس وفي هذا الصدد وأذكر أنه قبل بلوغي سن التقاعد اتصل بي وقتها الرئيس حسني مبارك وكان يخطط لزيارة الولايات المتحدة، وقال لي: جهز نفسك للسفر معي وكان السفر بعدها بشهر تقريبًا.. ولكني قلت له يا ريس في هذا التاريخ سأكون قد خرجت إلى المعاش أي سأكون بلغت الستين، لكنه قال لي:أليس مدير المخابرات بدرجة وزير؟.. فقلت له: نعم فقال: الوزير ليس له سن معاش لأن منصبه سياسي ولكنني كنت قد قرأت القانون المنظم للمخابرات وكذلك لوائحه الداخلية..
وقال لي: علينا أن نسأل جهة بعينها لتغيير هذا الموقف وهل منصب مدير المخابرات سياسي أم إداري، فقلت له نسأل وزير العدل مبارك كان كثيرًا ما يأخذ على الرئيس السادات أنه كان ينتهز إجازة مجلس الشعب ويصدر مجموعة من القرارات التي لها قوة القانون.. ويأتي مجلس الشعب بعدها ليقول: آمين.. وكان الرئيس مبارك يقول لي أنه لا يوافق على مثل هذا الإجراء.
المهم أن وزير العدل قال لي: أرسل لي قانون المخابرات.. وبعد يومين قال لي ممكن أستعين بفلان لمساعدتي.. وكان يقصد الاستعانة بأخي وكان وكيلاً لوزارة العدل.. فقلت له.. طيب وأنا مالي.. هو يعمل معك..اختر من شئت.
قرار جمهوري
وفي اليوم التالي كلمني وقال لي: مدير المخابرات يخرج للمعاش.. ولكي لا يخرج للمعاش يحتاج لقرار جمهوري للمد.. فقلت له: لن أطلب هذا القرار ولا أحتاجه، هذا ما حدث بالفعل، بعد فترة كلمني الرئيس مبارك..وأخذ رأيي في إصدار قرار بالمد، وكان مجلس الشعب في إجازة، فقلت له: سيادتك ستأخذ قرارًا في غياب مجلس الشعب.. ليه ياريس هل مصر لايوجد بها من يصلح لهذا المنصب؟ فقط أنا لي رجاء، فقال لي: ما هو؟.. قلت أن تختار من سيشغل المنصب بعدي ليعمل معي لمدة 3 شهور..وقلت للرئيس: أنا تهت في ملفات المخابرات وإداراتها لعدة شهور.. ولأول مرة تحدث هذه الخطوة ووافق الرئيس وأتمنى أن تتكرر في كل الإدارات والوزارات. وظل اللواء نور عفيفي يعمل معي بالفعل لـ 3 شهور..أنا في مكتبي وهو في مكتب مجاور أدرس مسألة ما وأشرحها له.. وهو يستشيرني في أمور عدة.. وفي النهاية كانت الموضوعات تعرض عليه هو ويدرسها ويعرض على قراره لأقول له: نعم أو لا.. إلى أن تولي المنصب رسميا.
وأنا أسأل لماذا لا يتكرر هذا الأمر أن يسلم كل مسؤول الى من يخلفه في منصبه.
ساحة النقاش