من جميل أسجاع العرب قول أيوب بن القِرِّيّة، وقد كان دُعِيَ للكلام واحتبس القول عليه؛ فقال: قد طال السَّهرَ، وسَقط القمر، واشتد المطر، فما يُنتَظَر، فأجابه فتىً من عبد القيس فقال: قد طال الأرَق، وسقط الشّفَق، وكثُر اللثَقُ، فلينْطِقْ من نَطَقَ، اللَّثق: النَّدَى والوحل.
وقال أعرابي لرجل: نحن واللّه آكلُ منكم للمأدوم، وأكسب منكم للمعدوم، وأعطى منكم للمحروم.
ووصف أعرابي رجلاً، فقال: إنّ رِفدَك لنجيح، وإن خَيرك لسَريح، وإنّ مَنعك لمُريح، سَريحٌ: عَجِلٌ، ومريح: أي مريح من كدِّ الطلَب.
وقال عبد الملك لأعرابي: ما أطيبُ الطعام؟ فقال: بَكْرَةٌ سَنِمة، في قُدور رَذِمةٍ، بشفارٍ خذِمةٍ، في غداةٍ شَبِمةٍ، فقال عبد الملك: وأبيك لقد أطْيَبت.
وسئل أعرابي فقيل له: ما أشدُّ البَرد؟ فقال: ريحٌ جِرْبِياء، في ظِلِّ عَمَاء، في غِبِّ سماء.
ودعا أعرابي فقال: اللهم إنِّي أسألك البقاء والنَّماء، وطيبَ الإتاء، وحَطّ الأعداءِ، ورفعَ الأولياء، الإتاء: الرِّزق.
وقال إبراهيم النَّخَعي لمنصور بن المعتمر: سَلْ مسألةَ الحَمْقَى، واحفظ حفظَ الكَيْسَى.
ووصفت عَمَّة حاجِزٍ اللِّصِّ حاجزاً، ففضلَّته وقالت: كان حاجزٌ لا يشبَع ليلةَ يُضَاف، ولا ينام ليلة يَخاف.
ولمَّا اجتمَعَ النّاسُ، وقامت الخطباءُ لبيعة يزيدَ، وأظهر قومٌ الكراهة فقام رجل من عذرة يقال له يَزيد بن المقنَّع، فاخترَطَ من سيفه شِبراً ثم قال: أمير المؤمنين هذا - وأشار بيده إلى معاوية - فإن مات فهذا - وأشار بيده إلى يزيد - فمن أَبَى فهذا - وأشار بيده إلى سيفه، فقال له معاوية: أنت سيِّد الخطباء.
لمّا قامت خطباءُ نزارٍ عند معاويةَ فذهبَتْ في الخُطَب كلَّ مذهب، قام صَبرَةُ بن شَيمْانَ، فقال: يا أمير المؤمنين، إنّا حيٌّ فَعالٍ، ولَسنا حيَّ مقالٍ؛ ونحن نبلُغ بفَعالنا أكثَرَ من مَقَالِ غيرنا. ولمَّا وفَدَ الأحنفُ في وجوه أهل البصرة إلى عبد اللَّه بن الزبير تكلّم أبو حاضر الأُسَيّديّ وكان خطيباً جميلاً، فقال له عبد الله بن الزبير: اسكُتْ، فواللَّه لوَدِدتُ أن لي بكل عشرة من أهل العراق رجلاً من أهل الشام، صَرْفَ الدِّينار بالدرهم، قال: يا أمير المؤمنين، إنّ لنا ولك مثلاً، أَفتأذَنُ في ذِكره؟ قال: نعم، قال: مثَلنا ومَثَلك ومثلُ أهل الشام، كقول الأعشى حيث يقول:
عُلِّقْتُها عرضاً وعُلِّقَتْ رَجُلاً غيري وعُلِّق أخرى غَيْرَها الرَّجُل
أبو فراس الحمداني:
الشّعرُ دِيـــــــــوانُ العَـــرَبْ أبـداً، وعنوانُ النسبْ
لَمْ أعْدُ فِيهِ مَفَاخِـري ومديحَ آبائي النجبْ
ومقطعـــــــــاتٍ ربمـــــــــا حَلّيْــــتُ مِنْهُنّ الكُتُبْ
لا في المديحِ ولا الهجـــــــاءِ وَلا المُجُونِ وَلا اللّعِبْ
ساحة النقاش