ليس هناك أكثر مرارة من الحاجة إلى الناس، بينما لا يجد كثيرون من الناس غضاضة في استجداء الناس وإراقة ماء وجوههم، وإن كان الإنسان قد يضطر للجوء إلى صديق أو أخ أو جار أو زميل في العمل لقضاء حاجته، إلا أن ذلك لا يعني إراقة ماء الوجه، وكم هو قاسٍ على الإنسان أن يريق ماء وجهه للآخرين، وفي الوقت نفسه يشعر، أنه لا يحب أولئك الخيرون ممن يقضون حوائج الناس أن يروا إخوة لهم وهم يتذللون في طلبهم حاجتهم!
كان عبد الرحمن الداخل ببعض مجالسه، فمثل بين يديه رجل من جند قـِنسرين يستجديه، فقال: يا ابن الخلائف الراشدين والسادة الأكرمين، إليك فررت، وبك عذت، من زمن ظلوم، ودهر غشوم، قلَّ المال وكثر العيال، وشعث الحال فصيـَّر إلى نداك المآل، وأنت ولي الحمد والمجد، والمرجوُّ للرِّفد، فأجابه عبدالرحمن على الفور: سمعنا مقالتك، وقضينا حاجتك، وأمرنا بعونك، على دهرك، على كرهنا لسوء مقالك فلا تعودَنَّ ولا سواك لمثله، من إراقة ماء وجهك، بتصريح المسألة، والإلحاف في الطلبة، وإذا ألمّ بك خطب أو مر بك أمر، فارفعه إلينا في رُقعة لا تعدوك، كيما تستر عليك خلتك وتكف شماتة العدو عنك، بعد رفعك لها إلى مالكك ومالكنا عز وجل، بإخلاص الدعاء، وصدق النية.
وقال الفقيه أبو الحسن عليّ بن عيسى: دخلتُ على أبي الرِّيحان البيروني وهو يجود بنفسه، قد حَشْرَجَ نَفَسُه، وضاق به صدرُه، فقال لي وهو في تلك الحال: ذكرتَ لي يوماً حِسَاب الجَدَّات من قِبَل الأم، وقد أُنْسِيتُه فأعده عليّ.
فقلت له إشفاقًا عليه: أفي هذه الحالة؟
قال: يا هذا أُودِّع الدنيا وأنا عالم بهذه المسألة، ألا يكون خيراً من أن أُخَلِّيها وأنا جاهل بها؟
فأعدتُ عليه ذلك وحَفِظَه، وخرجتُ من عنده فسمعتُ الصراخ عليه وأنا في الطريق.
وقال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه:
وإذا طلبت إلى كريـــــم حاجــــــةً
فَلِقــــــَاؤُه يَكْفِيــــــكَ وَالتَّسليــــمُ
وَإذا رآك مُسَلِّمــــــا ذَكَــــــرَ الَّذي
حمّلتــــــــه فكأنــــــــــه مبـــــرومُ
طرفة بن العبد:
إذا كنتَ في حاجة ٍ مرســــلاً فأرْسِلْ حَكِيماً، ولا تُوصِهِ
وإنْ ناصحٌ منكَ يوماً دنَا فــلا تنأَ عنه ولا تُقْصهِ
وإنْ بابُ أمــــرٍ عليكَ التَوَى فشـــــاوِرْ لبيباً ولا تعصهِ
وَذو الحَقِّ لا تَنتَقِص حَقــــَّهُ فـــَإِنَّ القَطيعَةَ في نَقصِهِ
ولا تَذكُرِ الدّهْرَ، في مجْلــــِسٍ حــديثاً إذا أنتَ لم تُحصهِ
ونُصَّ الحديـــثَ إلى أهــــلِهِ فــــإن الوثيقة َ في نصهِ
ساحة النقاش